تأملات في كتاب الحريري

باسل سليم
2005 / 2 / 19 - 11:04     

لعب رجل الاعمال اللبناني السعودي الجنسية دورا بارزا في الخريطة السياسية اللبنانية المعاصرة أكثر مما يتوقع البعض، وهو دور يؤهله لأن يكون شخصية اشكالية تتطلب قراءتها وقراءة اغتيالها حذرا وتأني قد لا يتسع الوقت لنا وللكثيرين التحصل عليه في خضم التكهنات وردود الفعل المتباينة .
وتنبع اشكالية النظر الى الحريري كشخصية سياسية في عدة جوانب ،فمن جهة كان الحريري من مهندسي اعادة اعمار لبنان في حين ما زالت بعض التهم توجه اليه بوصفه ممول الكثير من الجماعات المتحاربة التي عملت على تدمير وسط بيروت ، فيصبح اذا صحت هذه التهم القول أنه كان من الذين عملوا على دهورة الاوضاع لكسب المبادرة في اعادة ترتيبها .
كما أن الحريري لعب دورا اشكاليا في العلاقة مع سوريا ، فهو الذي قرأ أن المعادلة اللبنانية الوطنية لا تكتمل دون الدور السوري فكان له الكثير من المواقف التي سعت الى تسهيل الدور السوري في لبنان وقد سعى إلى كسب ود القيادة السورية بكل السبل (يقال أن شركة الحريري هي التي بنت قصرا الشعب المعروف في دمشق ) لكن الرجل عرف ايضا كيفية قراءة التوقيت الذي يجب ان يتم فيه التخلي عن هذا الدور ، وبدل مواقفه السياسية السابقة وهو تبديل منطقي بحكم التوقيت ليقف في صفوف المعارضة اللبنانية للوجود السوري في لبنان ، في اللحظة التي اصبح فيها الوجود السوري عقبة في وجه مزيد من النمو اللبناني الذي يعني بالضرورة نموا اقتصاديا يكون الحريري من اكبر المستفيدين منه .
من جانب آخر عرف الحريري أن دور السعودية في المنطقة دور حيوي ومهم لأي رجل اعمال ينطلق من العربية السعودية كي يصبح مليارديرا ، لكنه اتقن اللعب على هذا الدور دون أن يقع في اشكاليات الاسلمة المتشددة والهوجاء ، بل عرف قواعد اللعبة على اصولها ولم يتطرف كما فعل غيره .
وللحريري الدور الاذكى في التحول من رجل الاعمال الى السياسي والاستفادة من السياسة في اللحظة المناسبة وتحويلها الى عمل مالي بحت ، فعرف جيدا اقتناص الفرصة لركوب العربة السياسية، كما أنه وفق في اللحظة المناسبة ايضا من التخلي عن صفوف السلطة والوقوف في صفوف ما يسمى بالمعارضة .
ولم يكتف رجل الاعمال بالسياسة بل ادرك السر الكامن في الاعلام وعرف ان امبراطوريته المالية السياسية لا يجب ان تقف على رجل واحدة فاعتمد على اذاعة وتلفزيون وجريدة رافقت توجهاته وسارت في خطه وإن لم يعتمد عليها كأجهزة تردد ما يقول كما تفعل الكثير من صحف الانظمة .
للحقيقة ايضا نقول أن الحريري عرف كيف يوازن بين كونه رجل اعمال وفاعل خير ، فمن بناء جامعة الى بناء الكثير من المساجد الى الكثير من البعثات الطلابية اتقن مقولته الشهيرة التي ارى فيها الكثير من العبقرية حين قال ذات مرة أن "من شارك الناس ماله ملك اموالهم" .
كما أن الرجل شخصيا رجل متواضع وغير متفاخر وواثق مما يفعل ، وهو ذكي في التعامل مع الخصوم والاصدقاء وما يثبت ذلك قدرته المهولة على التحول من طالب -ترك الدراسة نتيجة للظروف المالية- الى رجل أعمال من الدرجة الاولى .
الحريري رجل التناقضات حتى في موته ، فهو لم يترك الساحة فارغة من صراع سياسي سيحتدم من بعده ومن اسئلة كثيرة يصعب الاجابة عليها ، وهو لم يترك للذين نفذو اغتياله فرصة التبجح بذلك، فالكل قام بالنفي وتوجيه الاتهامات الى جهات أخرى حتى القاعدة نفت التهمة عن نفسها في سابقة لم تقم بها من قبل فاتهمت عبر شريط بثته الجزيرة لبنان أو سوريا أو اسرائيل !!! مما يصبح من الغباء الحكم القاطع والصاق التهمة بأيا كان
(اذا ظهر أن الاغتيال نفذته الجماعة التي اعلنت مسؤوليتها تكون القراءة التي نقدمها خاطئة وتكون هذه الجماعة اذكى مما نتصور ) .
ولا نبالغ اذا قلنا أن الرجل حتى في موته اظهر عبقرية رجل الاعمال والسياسي والمعارض حين كسب حب اللبنانيين الذين تدفقوا بمئات الالاف على تشييعه وهو الرجل الذي وقف الكثيرون منهم معه ووقف الكثيرون منهم ضده ، ويكمن التناقض الذي تركه الحريري خلفه في أن الجميع من مصلحته بقاءه كما أن للجميع مصلحتة في اغتياله ، في سابقة خطيرة تظهر عبقرية الرجل ودوره المتناقض الذي قد لا نستطيع قرائته مهما تأملنا في هذا الكتاب: حياة الحريري .