لا مع المعارضة ولا مع الموالاة وإنما مع سوريا


نضال الصالح
2012 / 8 / 8 - 20:50     

لم تقسم أي قضية، سياسية كانت أو إجتماعية، المجتمعات المنتمية إلى العالم العربي، سواء في الداخل أو الخارج، كما قسمتها الأزمة السورية. لقد ظهر على سطح المسرح السياسي تعبير كنا نسمعه في الأوساط السياسية اللبنانية فقط، وهو معارضة و موالاة. إن لم تنتمي إلى المعارضة فلا بد أنك تنتمي إلى الموالاة، أي الموالين للنظام، والعكس صحيح، هكذا جرى تصنيف المواطنين، بغض النظر عن انتمائهم.
لقد تجاوز هذا التقسيم خط الرأي والرأي المعاكس والنقاش الهادئ الموضوعي للآراء المختلفة، ونقل الخلاف إلى عداوة وصراع عدائي، فرق الأهل والأصدقاء في الوطن وفي خارجه. لقد قاطعني أصدقاء لي ، منهم أصدقاء عمر، وقطعوا كل علاقة لهم بي لخلاف في الرأي لم يتعد الخلاف هوامش القضية، كوني لست من الموالين للنظام السوري ولا أنتمي إلى أي فريق من المعارضة .
كنت قد نشرت على هذا الموقع وعلى غيره، مقالا بعنوان " الضبع والمضبوع وسوريا"، ولقد أعدت مؤخرا، قراءة المقال عدة مرات، فتأكدت من آنية المقال وموضوعيته، ووصلت إلى قناعة أن المقال لا يزال مواكبا للأحداث، وأنني لست في حاجة لتغيير كلمة واحدة منه، فلقد وصف ولا يزال يصف الأزمة السورية بموضوعية.`` يظهر أن رغبة المعارضة المتأمركة في التدخل الأجنبي بعد إعلان روسيا وقوفها الحازم إلى جانب النظام السوري ووصم هذه المعارضة بالإرهاب، لم تعد سهلة التحقيق مما دفعها وكفيلها الأمريكي إلى البحث عن بديل للتدخل الخارجي، وذلك بتكثيف تهريب السلاح وتدريب المسلحين للقيام بأعمال إرهابية لاستنزاف سورية وإغراقها في حرب أهلية مدمرة" . وهذا ما يجري فعلا وعلى أرض الواقع السوري
لقد تعرضت إلى الشتم من قبل الطرفين وامتلأ بريدي الألكتروني بالشتائم، التي تخطت في كثير من الأحيان، حدود اللياقة والأدب. زلم المولاة، شتموني لوصفي النظام السوري بأنه نظام كلياني مخابراتي، أما زلم المعارضة فلقد شتموني لأنني وضعت النظام السوري،" الغير ديموقراطي"، ضمن جبهة المقاومة ضد الأطماع الصهيونية في المنطقة، وبينت أن هناك مؤامرة دولية على الكيان السوري ككل.
في الحقيقة أن تقسيم المواطنين المنتمين للعالم العربي إلى جبهة موالاة وأخرى معارضة، هو تقسيم غير واقعي ومغاير للحقيقة، فهناك جبهة ثالثة، لا تنتمي لأي من الطرفين المذكورين، وهي جبهة عريضة، تخاف على الكيان السوري، دولة وشعبا وتاريخا وجفرافيا وتراثا وثقافة. جبهة تؤمن بأن مطالب المعارضة السورية الوطنية في الإصلاح والديموقراطية والعدالة السياسية والإجتماعية هي مطالب محقة وآنية ويجب أن تنفذ. جبهة ترفض تحويل الحراك الشعبي السوري إلى عمل مسلح يجلب الدمار على سوريا وبنيتها التحتية، ويعز عليها كل نقطة دم سورية تنزف على الأرض السورية. جبهة تخشى إنتشار التيار الإسلامي السياسي المتطرف، الذي لم يجلب معه، في أي أرض حط بها، إلا الدم والخراب والفتن، وتخشى أن تقع سوريا والمنطقة كلها تحت سلطة هذا التيار الذي سيجر المنطقة إلى حالة الفوضى والتخلف. جبهة يرفض عقلها وضميرها أن يعترفا، بما لا يمكن الإعتراف به، وهو أن ائتلاف: عراب قطر وعاهر السعودية وخليفة العثماني التركي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الأبدي للعدو الإسرائيلي، والذي يعلن يوميا أن أمن إسرائيل هو جزء من أمنه، وأنه الحامي والداعم الدائم للعدو الإسرائيلي وعدوانه على الشعب الفلسطيني وبقية الشعوب العربية، يمكن أن يكون، تحت أي ظرف من الظروف، حريصا على أمن سوريا ومصالح الشعب السوري، ويهمه زرع الديمقراطية في سوريا. أي طرف، مهما كان إسمه ولونه وانتماءه ، يسعى للعمل من أجل الإصلاح والديمقراطية في سوريا، تحت مظلة هذا الإئتلاف، هو مشكوك في نواياه ولا يمكن الإعتراف بمصداقية شعاراته.
إن مجرد القول بأن حكام قطر وحكام المملكة السعودية يسعيان لنشر الديموقراطية في سوريا، هو مصدر للسخرية والهزء، فقطر والسعودية أبعد المجتمعات في الكون عن الديمقراطية. إن بلدا لا تستطيع النساء فيه قيادة السيارة، لا يحق له أن يتحدث عن أي شكل من أشكال الديمقراطية، وإن أي فريق يسعى لدمقرطة المجتمع السوري تحت راية النظام السعودي والقطري، يعرض نفسه ومطالبه للتشكيك و للسخرية.
إن بلدا يفتى فيه شيوخه بفتاوى تعارض العقل السليم، مثل رد على سؤال شاب يسأل: أنا شاب ملتزم، وجاءتني فرصة للسفر على متن طائرة تحلق فوق بلاد الكفار، وتحتها بيوت يشرب أهلها الخمر ويمارسون الفحشاء، فهل أنا في هذه الحالة مذنب؟ فيجيبه الشيخ الزنداني بقوله:
عليك يابني أن تتحدث مع الكابتن طيار وتطلب منه أن يتجنب الطيران فوق بلاد الكفار، وإذا كان مُضطرا فعليه أن يحاول الطيران فوق تجمعات المسلمين وهذه طريقة سهلة، فمآذن المساجد مرتفعة، ويمكن أن تكون دليلا للطيران الشرعي الحلال.
أو عندما تسأل فتاة فتقول: أنا أعمل سكرتيرة واحيانا اكون مع مديري في غرفة واحدة مغلقة لوحدنا فما حكمها؟ وهل أكون مخطأة ؟ وما الحل لتكون خلوتنا حلال. فيجيبها الشيخ العبيكان:
عليك أن تقومي بإرضاع مديرك من ثدييك ثلاث مرات بحضور زوجك عندها تكونين كوالدته وبحكم الام ويحق لكما شرعا الاختلاء دون أثم في مكان مغلق معا"!
وغيره كثير، هو بلد يعيش خارج حدود وأطر العصر، وغارق في عصر التخلف والإنحطاط السياسي والفكري والإجتماعي، وهو أبعد ما يكون عن الحداثة والديمقراطية ، وادعاءه بأنه يسعى إلى نشر الديمقراطية في سوريا هو إدعاء باطل ويثير عند كل عاقل الهزء والسخرية،
أما الدولة المسخ قطر، فيمكن لمن يريد أن يفهم الدور الذي تقوم به ، أن يقرأ كتاب سامي ريفيل الذي عمل مديرا لمكتب مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية ومديرا لمكتب المصالح الإسرائيلية في الدوحة، والذي صدر حديثا بعنوان" قطر وإسرائيل.. ملف العلاقات السرية". يقول الكاتب فيه أن السبب الرئيس لانتفاخ الدور القطري يعود إلى الدور المناط بها كصندوق بريد سريع نشيط لخدمة إسرائيل، مشيرا إلى الدور الذي لعبته قطر في تشجيع العديد من الدول العربية ولاسيما دول المغرب العربي على الانفتاح تجاه إسرائيل تحت عناوين اقتصادية علنية وأمنية سراً. وأكد المؤلف أنه من الصعوبة بمكان نسج العلاقات القطرية الإسرائيلية التي شارك فيها هو بنفسه لولا المساعدة التي حظي بها من مسؤولين قطريين كبار وشركات قطرية كبرى. وأكد ريفيل أن قطر دخلت من باب القواعد العسكرية الأميركية لتقيم إحدى أقوى العلاقات الإسرائيلية مع دولة عربية حيث انبرى حكام قطر باتجاه علاقة مفتوحة مع إسرائيل على كل المستويات من الاقتصاد إلى الأمن فالأدوار السرية، كاشفا عن أن التوترات التي شهدتها العلاقات المصرية القطرية ترجع إلى الضغوط التي مارستها مصر على قطر لكبح جماح علاقاتها المتسارعة باتجاه إسرائيل بسبب قلق القاهرة على مكانتها الإقليمية من الناحية السياسية، وخوفا من أن تفوز الدوحة بصفقة توريد الغاز لإسرائيل التي كانت ومازالت تثير الكثير من الجدال في الأوساط السياسية والاقتصادية والشعبية أيضا.
وكشف ريفيل أن قطر هي التي قامت برعاية إقامة علاقات بين إسرائيل وهيئات ومؤسسات وشركات طيران عربية عام 1994 لتخفيف القيود المفروضة على المسافرين والبضائع القادمة من إسرائيل إلى الدول العربية عقب إعلان مجلس التعاون الخليجي وقف المقاطعة الاقتصادية غير المباشرة المفروضة على الشركات العاملة في إسرائيل أو معها،
يستشهد ريفيل في كتابه بالتصريح الأول الذي أدلى به الأمير القطري لقناة «إم بي سي»، بعد ثلاثة أشهر فقط من توليه الحكم، ويقول فيه: «هناك خطة لمشروع غاز بين قطر و”إسرائيل” والأردن يجري تنفيذها»، وطالب الأمير بإلغاء الحصار الاقتصادي المفروض من جانب العرب على “إسرائيل”. ويشيد الدبلوماسي “الإسرائيلي” بالشيخة موزة، قرينة أمير قطر، واصفا إياها بأنها باتت السيدة الأكثر تأثيراً في العالم العربي، متفوقة بذلك على كل زوجات الرؤساء والملوك العرب. ويكشف ريفيل عن الدور الكبير الذي لعبته قطر في تشجيع دول المغرب العربي على الانفتاح حيال “إسرائيل” تحت عناوين إقتصادية علنية وأمنية سرياً.
أن أهمية الكتاب الصادر بنسخته العربية عن دار نشر جزيرة الورد في القاهرة تعود إلى أن مؤلفه هو أحد أبرز مهندسي التطبيع بين إسرائيل والعديد من الدول العربية وترأس الفريق الذي كانت مهمته دفع علاقات التطبيع الرسمية الأولى بين إسرائيل ودول الخليج وتنمية التعاون الاقتصادي بين الكيان الغاصب والعالم العربي بأسره وذلك قبل أن يترأس لاحقا في وزارة الخارجية الإسرائيلية قسم العلاقات مع حلف الناتو الذي قلدت قطر مسرح عملياته الليبي، والآن تقوم بنفس الدور في سوريا.
لا يسعني إلا أن أكرر من جديد بأن سوريا، الوطن والكيان والشعب في خطر، هذه حقيقة يجب أن يعيها كل الغيورين على هذا البلد، سواء كانوا موالين للنظام أو من معارضيه. لقد آن الوان لكي يجلس كل الوطنيين الأحرار الغيورين على مصير سوريا، سواء من موالي النظام أو من معارضية، إلى طاولة المفاوضات من أجل إخراج سوريا من الأخطار المحيقة بها ومن من حمام الدم الذي تغرق فيه. وعلى كل الأحرار في الوطن العربي وخارجة أن يمدوا يدهم لمساعدة الطرفين في هذه المهمة الشاقة، من أجل سوريا حرة ديموقراطية وممانعة، وإن التاريخ لا يرحم.

د. نضال الصالح/ فلسطين