قدري جميل أو الانتهازية عندما تتجسد في شخص‬

خليل حبش
2012 / 7 / 26 - 11:45     

‫أعلن الديكتاتور بشار الاسد عن تشكيل حكومة جديدة في حزيران، بعد شهرين من الانتخابات المزيفة وقاطعها معظم السكان والمعارضة. تضم الحكومة الجديدة وجهين من "المعارضة الداخلية" بحسب تعبير النظام ودول حليفة له، مثل إيران والصين وروسيا. الوزيران يمثلان جبهة التغيير والتحرير (وتضم كل من حزبي «الارادة الشعبية»، وهو الاسم الجديد لحزب قدري جميل، "وحدة الشيوعيين"، احد الانشقاقات عن الحزب الشيوعي السوري– خالد بكداش، بالإضافة إلى أحد الانشقاقات عن الحزب السوري القومي الاجتماعي (علي حيدر). فعين قدري جميل في منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك وعلي حيدر وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية. وقد شارك ممثلو جبهة الشعبية للتغيير والتحرير أيضا في الانتخابات المزورة في شهر أيار من العام 2012 وفازوا في خمسة مقاعد، في حين تتهم أطراف موالية النظام السوري بارتكاب عمليات احتيال أثناء التصويت.‬

‫ويجب التأكيد على أن بسبب المواقف البائسة لقيادة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير من الثورة غادر الكثير من كوادرها، وخاصة الشابة، صفوفها، للانخراط في الحراك الثوري.‬
‫شدد قادري جميل على أن إنشاء وزارة للمصالحة الوطنية يرمز إلى إرادة الحكومة الجديدة لتحقيق المصالحة في البلاد، ويرى هذا كإشارة إيجابية وكوسيلة للتغلب على الأزمة، مع ذلك اعترف أنها ليست حكومة وحدة وطنية، وأن الإدارة الحالية لا تزال تملك السلطة الكاملة، و قال أن الانتقال إلى السلطة هو عملية تدريجية.‬

‫رغم ذلك، وافق على المشاركة في هذه الحكومة التي لا تتمتع بأية سلطة حقيقية، في حين يستمر القمع العسكري والسياسي، الذي لم يشجبه بوضوح منذ دخوله الحكومة. وقال بيان صادر عن حزب الإرادة الشعبية أن الجيش السوري يستخدم تكتيكات القصف العشوائي ضد المتمردين مما تسبب بسقوط عدد غير محدد من الضحايا المدنيين، لكن دون أن يدين القمع والأعمال الوحشية للنظام والأجهزة الأمنية. ‬

‫ندين مشاركة قدري جميل وعلي حيدر في هذه الحكومة التي تسمح باستمرار القمع، وتشرعن تصرفات النظام. نحن نقول أنهما ليسا بمعارضين، وحالة قدري جميل وحزبه لا يمثلان بديلا يساريا جذريا من أجل سوريا جديدة، بل على العكس تماما هما عكس المبادئ التي يدافع عنها اليسار الحقيقي مثل الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة. اليسار الحقيقي يناضل إلى جانب الشعب السوري ضد النظام ولا يتعاون معه.‬

‫في الواقع، لدى قدري جميل تاريخ طويل من التعاون مع النظام الذي يشعر بالرضا بهذه "المعارضة" الموالية، التي لا تطعن بشرعيته. وقد شارك حزب الشعب، بقيادة قدري جميل، في الانتخابات البرلمانية التي جرت عامي 2003 و2007 مع مرشحين "مستقلين"، من دون أن يفوز بأي مقعد. و كانت هذه الانتخابات بالطبع غير ديمقراطية.‬

‫في بداية الثورة، استنكر قدري جميل دعوات المتظاهرين والحركة الشعبية لإسقاط النظام والرئيس بشار الاسد، مشيرا إلى أنه يؤيد التغيير من خلال الحوار ولكن تحت إشراف الرئيس. ندد قدري جميل بالتدخلات الغربية في الشؤون السورية، وامتدح الدور "الإيجابي" لروسيا عدة مرات منذ بداية الثورة، دون يشجب الدعم اللوجستي والعسكري الروسي إلى السلطة السورية، حيث استخدمتها الأخيرة في قمع المتظاهرين.‬
‫ ‬
‫وكان قدري جميل أيضا عضوا في اللجنة التي صاغت التعديلات التي أدخلت على الدستور. وقال ان الدستور الجديد يضمن التعددية الديمقراطية، على الرغم من العديد من الصلاحيات الواسعة التي لا يزال الرئيس يحتفظ بها. وأعلن أيضا إن إلغاء المادة 8 من الدستور، التي سمحت بسيطرة حزب البعث على الحياة السياسية، تعني نهاية الدولة الأمنية، في وقت لا تزال الدولة الأمنية قائمة، بالإضافة إلى هيمنة حزب البعث والشخصيات المقربة من النظام، كما في البرلمان الجديد، وفي حين يستمر قمع النظام للمتظاهرين.‬

‫دان قدري جميل فساد النظام دون ينبس ببنت شفة حيال فساد رامي مخلوف وأقارب بشار الأسد، الذين هم على رأس المافيا والمتحكمة بهذا البلد. كما يدعي مكافحة العلل الاقتصادية التي تصيب البلاد والنيوليبرالية الاقتصادية دون أن يهاجم الرئيس وزمرته المروجة الرئيسية لهذه السياسات والمسؤولة عن الفساد المستشري في البلاد.‬

‫قدري جميل لم يقل كلمة واحدة عن الاعتداءات والقمع الذي يمارسه النظام ضد اللاجئين الفلسطينيين الذين يشاركون معنا في النضال ضد النظام، ويعتبر قدري النظام السوري معاديا للأمبريالية. ولطالما كان هذا النظام معاديا للشعب الفلسطيني، والتزام الصمت حيال هذا القمع هو خيانة للنضال المعادي للإمبريالية.‬

‫كيف يمكنه، كأستاذ جامعي، أن يقبل القمع الذي يتعرض له الطلاب والأساتذة في جميع الجامعات. الطلاب يشكلون ربع عدد الشهداء الذين سقطوا في الاحتجاجات في سوريا منذ أن بدأت الثورة في شهر آذار من العام 2011 ، بحسب اتحاد طلبة سوريا الأحرار.‬

‫قدري جميل وغيره في هذه الحكومة، أو من الموالين للنظام، ليس معارضا أو قريبا من اليسار الحقيقي. كيف يمكن لمعارض حقيقي القبول بالمشاركة في هذه الحكومة في حين أن الاغتيالات والاعتقالات والتعذيب الذي يتعرض له المتظاهرين والمعارضين لا تزال مستمرة، ولا يزال المعارضون السياسيون المنفيون ممنوعين من العودة الى بلادهم. النظام حتى اليوم لا يسمح بحرية التظاهر والتجمع والتعبير لأي مواطن ما خلا من يدين له بالولاء.‬

‫قدري جميل وغيره ليس معارضا أو يساريا، هو انتهازي ليس أكثر. اليوم، اليساري الحقيقي يناضل في الشوارع جنبا إلى جنب مع الملايين من السوريين الذين يتظاهرون ويضحون بحياتهم لمحاربة هذا النظام الإجرامي. المعارض اليساري هو الذي يرفض أي تحالف مع النظام والديكتاتور، ويريد إسقاط النظام، لبناء سوريا ديمقراطية، حرة، اجتماعية، علمانية، ومستقلة حقا. ‬

‫عاشت الثورة السورية والمجد للشهداء.