الله أم اللاة ،الاضطهاد معكوسا : في الرد على وجيهة الحويدر

باسل سليم
2005 / 2 / 14 - 10:00     

قرأت المقال الذي نشرته الكاتبة وجيهة الحويدر في الحوار المتمدن - العدد: 1108 - 2005 / 2 / 13 بعنوان "متى بدأت الدائرة؟" وهو متابعة للمقال الذي نشرته من قبل وتعقيب على الردود التي تبعت مقالها الاول، وإن كان التساؤل الذي طرحته وجيهة يستمد مشروعيته من الظلم الواقع على المرأة ومشروعية البحث في اسباب هذا الظلم وطرق تفكيكه ، إلا أن ما وصلت إليه من استنتاجات وما قدمه البعض من قراءات يحوي الكثير من القضايا التي تجدر بنا الاشارة اليها وتوضيحها لما فيها من التبسيط والمقاربة المجزوءة للحقيقة.
أولا: يعتقد البعض أن أصل التمييز ضد المرأة نابع من القوة الجسدية للرجل وهو اعتقاد في مجمله خاطيء ومشوه ، فطبيعة الرجال الجسدية ليست أقوى من طبيعة النساء ، ويقودنا هذا طبعا الى الحديث عن مجموعة من التفاصيل تبدأ من تعريف القوة ولا تنتهي بالحديث عن تمظهرات هذه القوة وطرق التحكم بها ، فإذا كان الرجال بالمتوسط أقوى من النساء فذلك لا يعني أن الرجال بالمجموع اقوى من النساء ، وقد أشرنا إلى ذلك سابقا ، فالابحاث العلمية تفيد أن طبيعة الاختلاف هو أختلاف في الدرجة وليست اختلافا في النوع ، فالقول أن الرجال بالمطلق اقوى من النساء هو تعيم للحقيقة، والصحيح أن نقول أن بعض الرجال أقوى من النساء في بعض الصفات وأن بعض النساء أقوى من الرجال في صفات أخرى ، فالنساء أقدر على تحمل الالم ، والنساء بالعموم أطول عمرا من الرجال والنساء لديهن مقاومة للأمراض تفوق مقدرة الرجال على ذلك ، وجميع المقولات السابقة تصبح تعميما ايضا اذا وضعت في السياق العام ، ولندلل على ذلك نقول أن القوة الجسدية متعلقة بالمران والممارسة وليست موروثة كليا فالكثير من النساء أقوى من معظم الرجال ، وبالتالي يصبح الحديث عن القوة على انها القوة الجسدية وعلى انها الوحيدة المحددة للتمييز الواقع على النساء حديث معمم وبعيد عن العلم واذا كانت القوة الجسدية هي وحدها المحدد للمسيطر لما كان العمال واقعين تحت اضطهاد البرجوازيين ، فالعمال أقوى جسديا وهم كثيرون من رب العمل وهو وحيد .
ثانيا : ينبع الخلل الثاني الكامن في الافتراضات التي قدمتها الكاتبة والرادين عليها من الحديث عن مجموع النساء على أنهن مضطهدات في مقابل مجموع الرجال على أنهم مضطهدين (بكسر الهاء) ، فالكثير من النساء والرجال مضطهدين (بفتح الهاء) من قبل الكثير من الرجال والنساء ، فالبنية الحقيقية للاضطهاد هي بنية طبقية ، تستفيد من أشكال الاضطهاد الاخرى كي تعزز سيطرتها على الفئات المهمشة من المجتمع ومن ضمنها النساء ، فالمجتمع الطبقي مجتمع يستغل فيه الفقراء ممثلين بالعمال والفلاحين لكن الاستغلال الواقع على المرأة استغلال مضاعف ، فهو استغلال بحكم انتمائها لطبقة العمال أو الفلاحين من قبل البرجوازية وهي مستغلة بحكم كونها امرأة من قبل المجتمع عموما الذي يرى فيها كائنا ناقصا ، فالاستغلال في اصله استغلال طبقي ، فالكثير من النساء من الطبقات المرفهة يتمتعن بكونهن أناث في مجتمع الاضطهاد لأن الانوثة بحد ذاتها تصبح سلعة قابلة للمقايضة والبيع والشراء تبعا لتطور درجات الاستغلال (كما أن الذكورة اصبحت ساعة تباع وتشترى) ، وكما يبيع العامل قوة عمله تبيع المرأة العاملة قوة عملها في حين تقدم المرأة البرجوازية جسدها كسلعة في المجتمع الطبقي.
من ذلك نرى أن أي فصل للدفاع عن حقوق المرأة عن قضية حقوق الانسان عموما هو أمر تعسفي وكذلك يصبح أي فهم للحقوق النسوية بمعزل عن حقوق المستغلين فهم مجزوء ومقتضب .
والدلائل تقول أن المجتمع الامومي هو نفسه المجتمع المشاعي الذي لم يكن فيه أي تمييز طبقي بين النساء لذلك كان مجتمع خال من الاستغلال ، من هنا نناضل من أجل مجتمع اشتراكي خال من الاضطهاد الطبقي الذي يعني بالضرورة زوال التمييز ضد النساء بل تصبح للنساء في هذا المجتمع مكانة لا تقل عن مكانة الذكور، فاذا كان تحرير العمال بالضرورة تحرير للبرجوازية من كونها طبقة مستغلة (بكسر الغين ) فكذلك يجب أن يكون تحرير المرأة تحريرا للرجل من كونه رجل (بمعنى الرجولة الاستغلالي التفوقي ).
. وحتى لا يصبح الامر تبسيطا للأمور نقول أنه يجب ايضا التركيز على حقوق المرأة وعلى حقوق جميع الفئات الاجتماعية وعلى حقوق الانسان عموما كمركب اساسي لتنمية مجتمع الاشتراكية الديمقراطي الحقيقي .
ثالثا : يجب الاشارة إلى أهمية فهم العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة ، ونرى في هذا السياق أن التركيز على العلاقة الجنسية دائما عند الحديث عن هذه العلاقة هو من قبيل اقصار المرأة على دورها كطرف في العملية الجنسية ، ونلاحظ ذلك في الكثير من الكتب والصحف والمجلات ، فالحديث عن المرأة يستجر الحديث مباشرة عن العلاقة الجنسية ، وإن كانت العلاقة الجنسية هي تعبير عن طبيعة الترابط بين الرجل والمرأة فإن الخلل في هذه العلاقة هو خلل في التعبيرعن هذا الترابط في هذه العلاقة وهو خلل في القوة والسيطرة على القوة في العلاقة ، فيصبح أي شكل من أشكال التعبير الجنسي بأدوات القوة تعبير عن ما يجري في العلاقة عموما وليس العكس ، فالرجل والمرأة لا يتقاتلان في الحياة لأنهما يتقاتلان في الفراش بل العكس هو الصحيح ، من هنا نرى أن الاشارة الى بعض الممارسات الجنسية كانت اشارات مقتضبة وخارجة عن السياق ، فالسلوك الجنسي سلوك متنوع ويحتاج الى ذهن متفتح لفهم تنوعه ، بدءا من كيفية تحقيق علاقة جنسية متوازنة ومشبعة للطرفين وانتهاء في تحديد ما هو الصحي وما هو الشاذ في هذا السلوك ، وإن كنت من الناس الذين لا يحبذون التفسير البيولوجي الطبي المرضي لبعض السلوكات الجنسية لكن الكثير من الذي تم ذكره لا يعدو في نظر هذا النموذج أن يكون سلوكا شاذا ، فالنموذج الطبي يرى أن أي تعبير عن العنف وأي قبول للعنف في العلاقة الجنسية هو تعبير عن شذوذ في المازوشية والسادية في الشخص الممارس والممارس عليه ، وانا أحبذ أكثر النموذج التفاعلي في فهم العلاقة الجنسية والشذوذ فيها والذي يقول أن السلوك الجنسي تعبير عن السلوك العام ، فالاشخاص الساديين هم ساديون في حياتهم كلها وتجاه كل الامور ، كما أن الشخص السادي يبحث عن شريك متقبل للسادية في تعبير عن أن السلوك المرضي سلوك اجتماعي متكامل ، لذلك نرى في النماذج التي قدمتها الكاتبة للتعبير عن أن المجتمع الامومي كان يقدر المرأة في انه كلام مغالط فالتعبير عن التقدير بالتمسح بالبول مثلا هو تعبير عن الدونية وهي دونية للرجل في مقابل المرأة وليست تقديرا للمرأة ، والاستنتاج الذي وصلت اليه الكاتبة من قراءة القصص المتعلقة بالمجتمع الامومي هو استنتاج خاطيء ، فالمجتمع الذي تحدثت عنه هو مجتمع تمييزي يقوم على الالهة وتأليه الانسان (سواء كانت الالهة ذكرا أم أنثى ) ، وهو مجتمع كان يقوم على فئة دينية محددة ذكورا أو أناثا تبعا للسيطرة سواء كانت ذكورا أو أناثا ، من هنا كانت الالهة أنثى ثم جاءت هيمنة الذكور فصارت الهيمنة للاله الذكر ، فالالهة تعبير عن حقيقة السيطرة والهيمنة وليس العكس ، أي أن تطور الالهة وتمثلها في الذكورة والأنوثة كان تعبيرا عن طبيعة السيطرة الكامنة على الارض . أما الحديث عن أسباب الهيمنة الذكورية والانقلاب على المجتمع الامومي فله عدة تفسيرات ، من التفسيرات ما ذكره آنجلز من أن أول تعبير عن المجتمع الطبقي كان في الامتلاك الذكوري لأدوات الانتاج وانقلابه على الاناث ، كما أن بعض التفسيرات الجنسية تقول أن سيطرة الذكور على الاناث تمت عندما ادرك الذكور أنهم جزء من عملية الحمل ، فالكثير من التفسيرات القديمة ترجع الامر إلى أن المرأة تحمل بنفسها دون حاجة للرجل ولم يكن العقل البشري قد وصل الى التطور الذي يقوده الى الربط البسيط بين الممارسة الجنسية والحمل ، وقد يبدوللبعض أن في الامر مبالغة لكن بعض الباحثين يشيرإلى أن الجنس البشري احتاج عشرات آلاف السنين كي يعرف طبيعة هذا الرابط ، ونحن نعرفه بحكم التربية والثقافة مع العمل أن غياب التثقيف الجنسي يجعل الكثيرين يتبنون تفسيرات غيبية تتعلق بالجنس .
وهناك الكثير من التفسيرات التي ستبقى تدور في نفس الحلقة، والسؤال الدائري عن من أين تبدأ الدائرة وأين تنتهي هو مثل السؤال عن احجية الجاجة والبيضة ، فالنتيجة معروفة بأن لا نتيجة في حالة الدائرة وإن كان العلم قد اثبت أن الجاجة جاءت أولا (اسبقية البنية على الوظيفة )
فالتمييز الواقع على المرأة تمييز مركب لا ينفع الحديث فيه عن جانب دون آخر، لا ينفع فيه نقد الدين وحده أو تقديم بعض الاساطير القديمة لإثبات احقية طرف على طرف آخر .
رابعا : تصل الكاتبة الى النتيجة التالية في مقالها الأخير ، "الرجل كان عارض عابر، بينما المرأة ظاهرة دائمة ومازالت بالرغم من الهيمنة الذكورية. أجمل وصف للمرأة تجسدت في عبارة الكاتب الطيب صالح حين قال " أن الأنثى حضارة وكل ما هو حضاري أنثوي" ولنا هنا ملاحظة بأن ما تقوم به الكاتبة هو من قبيل تمنية النفس وايجاد العزاء للنساء المضطهدات ، من مثل قول البعض أن المجتمع كان في يوم من الايام مجتمع مشاعي لا يوجد للتمييز فيه مكانا ، ونقول أن القضية ليست فيمن هو الزائل ومن العابر ، وإن ارادت الكاتبة بذلك القول التعبير عن اضطهاد أنثوي معاكس ، نحن نقدر الحضارة الانثوية التي تقوم على مفاهيم الحب والسلام ونرفض حضارة الذكور القائمة على الغزو والنهب وإن كان في الامر الكثير من التعميم ايضا ، فليست الحضارة الانثوية بمجموعها مفيدة للبشر وإلا لما زالت كما زالت المشاعية ولن تكون الحضارة الذكورية الرأسمالية هي الجواب على اشكالات العالم المعاصر وهي لن تبقى ، والنتيجة هي مركب ثالث يكامل بين الضدين ويجمع افضل ما في النموذجين، نموذج نحتاجه نحن المنادين بحقوق المرأة ، نموذج يستفيد من الانوثة والذكورة ويكامل بينهما ويرى أن في داخل كل رجل امرأة وفي داخل كل أمراة رجل (اثبت العلم أن كل من الرجل والمرأة يحمل هرمونات ذكرية وانثوية ) ، وأن التكامل والدمج بين العنصرين هو الحل وهو حل يتطلب الكثير من الصراع ، صراع يقود إلى التطور ، تطور الانسان .