إقتصاديين كبار..لقد عاد الكساد الإقتصادي العظيم - تيرنس أيم


مجدى عبد الهادى
2012 / 7 / 23 - 09:36     

إقتصاديين كبار..لقد عاد الكساد الإقتصادي العظيم
تيرنـس أيـم
موقع الثقافة الإستراتيجية - 30 أغسطس 2010 م
ترجمة : مجـدي عبـد الهـادي
-------------------------------------------------------

أعلن الخبير السوقي ديفيد روزنبرغ رسمياً أن الاقتصاد الأمريكي في حالة كساد . كما رأى أن القوى الإقتصادية العظمى تتدهور .

وفي أعقاب هذه التوقعات القاتمة ؛ أُعلنت إحصاءات مبيعات المنازل القائمة وكانت الأرقام سيئة . إنهارت سوق الإسكان الهشة عاكسةً أسوأ انهيار في التاريخ الأمريكي . فقد انخفضت مبيعات المنازل القائمة بنسبة مذهلة (27 %) دون أي علامة في الأفق بأن المبيعات ستستقر في المدى المنظور .

إنه خط القاع !! هكذا يقول روزنبرغ وآخرون : الاقتصاد الأمريكي سقط في كساد عظيم آخر !!

ويقول روزنبرغ مشيراً للفترة من 1929 حتى 1932 م وللتشابهات الغريبة "ربما نعيش نفس التاريخ مرة أخرى الآن !! فلو أنك تحتفظ بالسجــلات ، فإننا سجلنا إرتفــاعات على مدى أربعـة فصـول ، بينما المتوسـط فقط 3 % " . إنه نفس ما حدث أوائل الثلاثينيات في سوق الأسهم ، عندما قفزت بحوالي 50 % بعد إنهيار 1929 م .

لقد تبع الكسادُ العظيم إنتعاشاً إقتصادياً وجيزاً .

وعلى مدى عامين ماضيين ، توقع واحد من أكبر الاقتصاديين الإنجليز عقداً كاملاً من الكساد ، وعجزاً في سداد الديون بحوالي 45 تريليون دولار ، وبطالة في الولايات المتحدة وبريطانيا تصل لـ 25 % أو أكثر .

ففي أكتوبر 2008 م قال الاقتصادي فريد هاريسون لرابطة الصحافة الأجنبية في لندن أن "التقلص الضخم في الطلب الناتج عن (تأثير الثروة [1]) سوف يحكم على الاقتصاد الغربي بعقد كامل من الكساد".

ومثل اقتصاديين آخرين نبهوا إدارتي كلينتون وبوش الإبن بخصوص الأزمات الاقتصادية القادمة ، فقد نبه هاريسون رئيس الوزراء المستقبلي جوردون براون عندما عُين مستشاراً للخزانة عام 1997 م بشأن المخاطر المالية اللائحة في الأفق ، وككلينتون وبوش تجاهل براون التحذير .

ويشرح هاريسون في كلامه للرابطة اللندنية أن "براون يلوم الولايات المتحدة بسبب الأزمة العالمية ، لكن الحقيقة أن كل الدول تسمح بالمضاربة على الملكية التي هى بموضع القلب من ثنائية الإزدهار والإنهيار ، وبراون يدافع عن نفسه الآن بأنه دعى لإتفاق عالمي على خطة إستقرار ، لكنه فشل في إخبار الحكومات الأخرى عن الإصلاحات الضريبية التي قد تمنع الأزمات" .

وبعد مضي عامين ، كان اقتصاديين أكثر يوافقون هاريسون ، ومنهم أسماء لامعة مثل أرثر لافر وبول كروجمان ، رغم كونهما على نهاية الطرف النقيض من الطيف السياسي . فكلاهما يرى أوقاتاً أليمة أمام الولايات المتحدة : بطالة عالية ، تدهور أكبر في نظام الإئتمان ، فشل أكثر في البيزنسات ومزيد من الحجز على الرهونات . وأضف لهذا توقعات اقتصادية بتشكل إمكانيات إنخفاض متزامن في العملة مع تضخم . وأنت تمتلك كل العوامل الضرورية لكساد عظيم آخر ممتـد .

في الحقيقة ، بدأ بعض الاقتصاديين يستخدمون فعلاً المصطلح : الكساد العظيم الثاني .

و يتفق هاريسون مع ذلك ويرى أن الموقف أصبح خطراً جداً ، بحيث أن أمماً كاملة قد تسقط ، كما أن شيئاً لم يُر في الغرب منذ مئات السنين قد يظهر ثانيةً : إنها المجاعات بالجملة لشعوب بعض الدول الغربية .

ومرةً أخرى أخرى في 2008 م ، تقرر مجلة مراقب الأعمال أن "تنبؤات هاريسون أكسبته صفة (نبي الموت) حتى قبل أن تثبت صحتها ، وهو يُوصف الآن بـ (كناري النفق المسكون) بنبؤاته التي تقشعر لها الأبدان : إنه نوستراداموس .. فنادراً ما وُجد ما هو أكثر دقة" .

على الجانب الآخر من الضفة . في الولايات المتحدة ، يجلس أرثر لافر ، كاتب العديد من الكتب الهامة في النظرية الاقتصادية بما في ذلك آخرها "العودة للرفاهية : كيف تستعيد أميركا قوتها الاقتصادية العظمى ؟" . وقد كان لافر أيضاً مستشاراً في إدارة ريجان أثناء الثمانينات وعضواً بالمجلس الاستشاري للسياسة الاقتصادية .

وقد أثبتت نماذجه الاقتصادية صحتها في الواقع كما صمدت في اختبار الزمن . والآن يعلن لافر أن اقتصاد الولايات المتحدة يتجه نحو هبوط كبير جداً ببداية عام 2011 م [2].

فالاقتصادي ، المعروف جيداً بنموذجه الاقتصادي المعروف بـ"منحنى لافر"، نال شهرةً وطنية عندما إعتمد رونالد ريجان نموذجه كمحاولة للتحول بالاقتصاد بعد السياسات الاقتصادية الكارثية لجيمي كارتر .

وبالعودة لأواخر السبعينيات حيث ظلت وسائل الإعلام تتابع لسنوات "مؤشر البؤس" كمقياس غير رسمي للتضخم والركود والضرائب التي تثبط الاقتصاد ، فإن توصيات لافر - بخفض جوهري للضرائب الفيدرالية والتراجع بمعدل الإنفاق الحكومي – كانت قد وُظفت عام 1981 م بعدما فشلت محاولة كارتر الفوز بمدة ولاية ثانية بسبب جمهور الناخبين الأمريكيين الغاضبين .

وقد خلقت وصفات لافر إزدهاراً إقتصادياً خلال رئاسة كلينتون ، وفاجأت بالتالي أيضاً انتقادات عديدة للنموذج عندما تحقق ما توقعه لافر : إيرادات عالية للخزانة رغم التخفيضات العميقة في معدلات الضرائب .

واليوم حلل أرثر لافر إتجاه الحكومة الفيدرالية لعامين ماضيين ، وسمع أجراس الخطر . فالاقتصادي الداهية درس التأثيرات المُحتملة للدين التاريخي ، فالاقتصاد بالكاد يحلق على حافة الكساد ، وعمليات البناء تضغط باتجاه رفع معدلات الفائدة بينما يتزايد التضخم في المستقبل . مُشبهاً سفينة الدولة بالتيتانيك !!

ويكتب لافر في مقالة بالوول ستريت جورنال "أرباح مؤسسات اليوم تعكس ربحاً لعام 2010 م ، هذه الأرباح سوف تنخفض العام المقبل ، مسبوقة على الأرجح بسوق الأسهم ؛ ثم إرتفاع الضرائب والتدهور الاقتصادي في 2011 م " .

ويلفت لافر الإنتباه لشئ واحد حفظ الاقتصاد طافياً على كل ما كان عليه من بؤس : إنه تخفيضات بوش الضريبية ، التي عندما انتهت في يناير 2011 م ؛ كان مُقرراً أن ترتفع معدلات الضرائب بجميع أنواعها بشكل حاد جداً ، فضرائب الأرباح المُوزعة ستحلق كالصاروخ من 15 % إلى 39.6 % ، وضريبة أرباح رأس المال ستزيد بنسبة 25 % ، كما ستقفز ضريبة العقارات من الصفر إلى 55 % .

هذه الضرائب – الضربة الثلاثية للاقتصاد – ستخدم مزيداً من هبوط نمو الأعمال والتشغيل ، وتدهور قطاع العقارات أكثر ، وحتى عبء أعظم على قدرة المستهلك على إنفاق الدخل التقديري [3]، الذي سيغرق كصخرة . وفوق كل هذا يجب إضافة إعادة إدخال "عقوبة الزواج" سيئة الذكر ، التي قد تقود لمزيد من حبس رهونات المنازل .

فإذا لم يكن كل هذا سيئاً كفاية ، فمعدلات الضرائب سوف ترتفع أكثر على الدخول المُكتسبة خارج الولايات المتحدة ، وكذلك ضرائب الرواتب ضاغطةً أكثر على كاسبي الأجور من أبناء الطبقة الوسطى ، كما أن الحد الأدنى الضريبي البديل سوف يؤثر على الناس أصحاب الدخول الأقل ، ولا ننسى أنه من المقرر فرض ضرائب لمقابلة إحتياجات ما يُسمى بـ"برامج كاديلات للرعاية الصحية" .

ويتفق معه الاقتصادي الليبرالي ، بول كروجمان حائز جائزة نوبل ، لكن لأسباب مختلفة . فهو يعتقد أن الحكومة الفيدرالية لا تنفق كفاية بالسرعة الكافية ، ولهذا فكثير مما يُسمى "أموال التحفيز" تحت سلطة الكونجرس راكد ، وغير مُنفق . وبالتالي مئات البلايين من الدولارات تذهب لمشاريع مشكوك فيها ، كما تُصمم منح لحفز لاشئ !!

وقد سبق وكتب كروجمان غاضباً في النيويورك تايمز مقالة – تم تحديثها مُؤخراً – أدان فيها إدارة السياسات الاقتصادية الحالية ، متنبئاً بكساد عظيم ثان . وهو أيضاً مُستثار أو بالأحرى مهاجم مولع بالقتال ضد وزارة الخزانة والسلطات الأخرى المسئولة عن السياسة النقدية الأمريكية بما فيها الفيدرالية . كروجمان مقتنع بأن عشرات الملايين لن تجد أبداً ما يمكن أن تُوظف فيه مرة أخرى وأن الاقتصاد سيسوء أكثر في 2011 و 2012 م .

فكل المؤشرات الاقتصادية تحاكي 1929 – 1933 م .

وأخيراً ، يحدد روبين جريفيس مستقبل الاقتصاد من مدخل سوقي تقني [4]، وهو إستراتيجي بشركة كازينوف كابيتال ، قام حديثاً بمشاركة مشاهدي السي إن بي سي CNBC رؤيته بأن "العالم قد دخل فعلاً في كساد مالي خطير" .

فوفقاً لجريفيس "الأسهم هى للخاسرين ، بينما السندات للرابحين . فببساطة الأسهم هى للناس الذين يحبون خسارة المال".

وأضاف "فتراجع مُضاعف هو حتمي ووشيك ، حيث أن تدابير التحفيز الكينزية لم تعمل أبداً في أي مكان . ونحن اليوم فيما يعادل كساداً عظيماً بعد ثلاثة سنوات من أزمة إئتمانية " .

إذن أخذ جريفيس مقعداً في مأدبة إقتصادية ، مكونة من الندرة والتقشف والكآبة . والمقبلات على تلك المائدة ليست في الحقيقة سوى فضلات ضئيلة جداً : فالمخططات البيانية تصور إنكماشاً اقتصادياً لعشرين عاماً قادمة ، نمو صفري ، وحتى إنكماش إضافي مُحتمل ، أيضاً بطالة ضخمة مُتفشية ، وربما إنهيار وشيك للحكومات عالمياً .

هل كل هذا غير كافي ؟ حسناً ، يشير جريفيس أيضاً لأن الولايات المتحدة تقلص عرض النقود الإجمالي حالياً بما يُناظر متوسط الإنكماش المُلاحظ ما بين أعوام 1929 و 1933 م .

وعلى الرغم من كل الكآبة والموت ، فمن الأفضل تذكر أن الأمور دائماً قد تكون أسوأ !!

تقولون : كيف ؟!... حسناً !! قد يضرب كويكب الأرض غداً !!

-----------------------------------------------

[1] هو الزيادة / النقص في الطلب الناتجة عن الشعور النفسي الزائف بزيادة / نقص الثروة الشخصية الناتجة عن أرباح كامنة سواءاً نتاج زيادة / نقص في قيم محافظ الأسهم أو قيم العقارات المملوكة ... إلخ ، بما يعطي شعوراً زائفاً بالتغير من الثروة ؛ ينتج عنه زيادة / نقص في الطلب ، تماماً كأي زيادة / نقص في الدخل الحقيقي (المترجم) .

[2] وقد ثبتت صحة توقعه بأزمة الديون الأمريكية التى كادت تعلن معها الولايات المتحدة إفلاسها ، والتي لم تُحل حلاً حقيقياً حتى تاريخه ، فتأجيل الأزمة برفع سقف الدين لا يتضمن أي حل أكثر من كونه تأجيل لقدر محتوم !! إنه تعقيد للأزمة أكثر منه حل لها ، وبما يكشف عن إفلاس ويأس كامل من حل حقيقي (المترجم) .

[3] هو الدخل المتبقي للفرد من مُجمل الدخل بعد إستقطاع الضرائب والإنفاق على الضروريات ، والذي يُوجه إما للإدخار أو الإستثمار أو النفقات الكمالية ، أو هو الدخل المتبقي من الدخل المتاح بعد الإنفاق على الضروريات (المترجم) .

[4] التحليل التقني أو الفني هو تحليل يقوم على قراءة البيانات التاريخية لظاهرة معينة – كأسعار الأسهم والسندات - على رسوم بيانية ، ووضع تصور عن إحتمالات توجهاتها المُستقبلية بناءاً على إستنتاجات خاصة بمنطق حركة الرسم البياني ، تُبنى على أساس ملاحظة نقاط ومستويات واتجاهات حركة يسير في إطارها الخط البياني ، ولا يبالي التحليل التقني بما وراء المخططات البيانية ، بل يعتبرها تلخيصاً لكافة العوامل المُؤثرة على الظاهرة ، فالخط البياني المُمثل لحركة الظاهرة المعنية يمثل خلاصة ومُحصلة تلك العوامل (المترجم) .

-----------------------------------------------

تعليق :
رغم الميول اليمينية الواضحة لدى الكاتب - التي عكست نفسها في إختياراته وفي تجاهله لاعتبارت عديدة - التي تسعى لبعض الإثباتات المتعلقة بمصالح الطبقات الحاكمة بالولايات المُتحدة ، ورغم تجاهل كافة الاعتبارات البنيوية في الأزمة الرأسمالية العامة والأمريكية خاصة ، إلآ أن المقالة كاشفة ، حتى بمنظور اليمين الأمريكي ، لحجم الأزمة التي تعانيها أميركا ؛ وبما يعطي خلفية إقتصادية لذلك السُعار الأميركي في التآمر على العالم ؛ لأجل إستمرار الهيمنة والحفاظ على الثروات غير المشروعة التي تختص بها أميركا نفسها على حساب العالم !!