حماية المقاومة.. بالتغيير


خالد حدادة
2012 / 7 / 21 - 10:58     

في ذكرى حرب تموز

حماية المقاومة.. بالتغيير

في الأيام الثلاثة فوق الثلاثين، التي حاول فيها العدو الإسرائيلي تموز- آب 2006 سحق الشعب اللبناني، بمقاومته وبالسياسة الدفاعية الوليدة لجيشه الوطني، وكذلك بتآمر عربي مثّله بيان دول شرم الشيخ برعاية أميركية وعدوان معزز بسكوت مشبوه للحكومة اللبنانية آنذاك.. صمد شعبنا وصمد جيشه وخاصة مقاومته. ودفع الشعب وجيشه والمقاومة (بكل فئاتها برغم اختلاف النسب) آلاف الشهداء وأكثر منهم من الجرحى ومئات الآلاف من المهجرين، تركوا بيوتهم مدمرة والبنى التحتية في كل لبنان، دمرها العدو، بحقد طاول الحجر كما البشر...

والنتيجة الأساسية لصمود لبنان الشعب حينها، غرق المنظرين الغربيين وأيضاً في الكيان المغتصب، بتحليلات حول مقدار الجرح الذي أحدثه الصمود اللبناني، داخل هذا الكيان، وأهم ما فيه اعتراف الجميع بأن الجرح الذي كان قد أصاب وظيفة الدولة الصهيونية في المنطقة، والذي كانت بوادره في العام 1982 مع إطلاقة المقاومة وتحرير بيروت، وبعدها معظم المناطق المحتلة حتى التحرير في العام 2000... وبالتالي فإن النتيجة الأكبر كانت في ثنائية واضحة، إعادة النظر بوظيفة الكيان الصهيوني ضمن المشروع الإمبريالي العام ومشروع السيطرة على الثروة والقرار السياسي، الذي كان قد بدأ مع اتفاقية سايكس بيكو، ومن جهة أخرى إعادة البحث بالمشروع نفسه، وبتقسيم المنطقة التي أصاب إطارها الأول (سايكس - بيكو) الوهن والشيخوخة وأصبحت الإمبريالية بحاجة ماسة لضمان سيطرتها على المنطقة وثروتها خاصة، بحاجة الى سايكس - بيكو جديد، يستدعي إعادة النظر بالتحالف وبدور جديد للأنظمة(...)
تأتي الذكرى السادسة للعدوان وللصمود، والصورة لم ترتكز بعد عن آفاق واضحة، لا بذاتها ولا بعلاقتها مع نتائج تموز 2006.. واحياناً يملؤها مشهدان متناقضان بالانطباع ومتكاملان بالطبيعة.
وإذا وضعنا المشهد: شعوب عربية منتفضة، تعلن طلاقها مع المشروع الامبريالي، وبالتالي معركتها معه، ومواجهة مصالحها «بالحرية والعدالة والكرامة الوطنية» مع طبيعة المشروع الذي يمكن تسميته بحق (سايكس - بيكو2) واستهدافاته بإخضاع المنطقة وثروتها وبإبدال التناقض العربي الرئيسي مع قوى هذا المشروع (الامبريالية الأميركية واسرائيل) الى تناقضات بديلة ووهمية الى حد كبير، تخدم عبر تظهيرها المشروع الإمبريالي، تناقضات وصراعات على أساس مذهبي وعرقي، فشكلا بديلاً مفترضاً للصراع الأساسي مع العدو.
وما بين طرفي الصراع، أي الامبريالية والشعوب العربية وحقوقها في الديموقراطية والعدالة والكرامة، تقف أنظمة مهترئة لم يبق منها إلا أدوات قمعها، تحاول التجديد لنفسها، إما بالتواطؤ مع المشروع الأميركي، أو باستعماله فزاعة في مواجهة الشعوب عبر محاولة طمس الأسباب الداخلية لانتفاضات هذه الشعوب...
وفي موقع الحدث، تبدو الأحداث أكثر دلالة...
فالمقاومة التي كانت عنوان الصمود والانتصار والتضحية، والتي توحد حولها الشعب اللبناني (وليس القوى السياسية التي تآمر قسم منها) لم تعد اليوم عنوان وحدة، وللاختصار، رغم ما يحتويه الاختصار أحياناً من بعض الظلم، فإن النظرة اليوم، أصبحت تختصر المقاومة وسلاحها، ببنية المقاومة وليس بوظيفتها ووظيفة السلاح... وبالنظر إليها كبنية، تصبح إطاراً من أطر الاصطفاف المذهبي والطائفي، التي تميز نظام البرجوازية في لبنان.
والجيش، الذي كان قد بدأ منذ ما قبل 2006، بممارسة سياسة دفاعية جديدة أصبحت جزءاً من وجهته، يتعرض اليوم لضغط كبير يستهدفه ويستهدف دوره ويستعيد ذكريات سابقة، تحوله الى طرف مستهدف من موقع طائفي، بإطار خطة مرتبطة في المنطقة من جهة، ومستهدف من ردة فعل تحاول حصره بإطار طائفي آخر تحت حجة الدفاع عنه من جهة أخرى وتصويره مؤسسة خاضعة للتقاسم الوظيفي - الطائفي..
أما الشعب... وهو «شعب المقاومة»، فيعيش أسوأ حالاته من القهر والظلم والجوع وإنكار الحقوق... الخدمات معطلة من كهرباء وماء وتآمر على التعليم الرسمي والجامعة الوطنية، وفقدان للرعايا الصحية بكل أبعادها...
وتأتي موازنة بعد طول انتظار، لتشكل استمراراً للسياسة الاقتصادية للحكومات السابقة ولتغطي نهب المال العام والأموال العامة وللهدر والسرقات، ولتعيد الاعتبار لصناديق الهدر البعيدة عن المراقبة والمحاسبة تحملها للفئات الشعبية..
موازنة وسياسة ضريبية، تحمل من جديد مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي أنتجتها نظام البرجوازية اللبنانية في تبعيته للرأسمالية العالمية وبالتالي لأزمتها البنيوية التي تمر بها اليوم...
شعب المقاومة، يتعرض أحد أهم إنجازاته، المطلبية أي هيئة التنسيق النقابية، لتدخل مباشر من رئيس حكومة (يفترض ان ممثلي المقاومة جزء منها) الى ضغط مباشر من أجل تقسيمها وشل قدرتها وفصل مصالح قطاعاتها...
وكذلك، يصبح الفقراء المياومون والمتعاقدون في شركة الكهرباء أو غيرها... جزءا من خلاف أهل الحكومة، تستخدم فيه مصالحهم المشروعة، جزءاً من ضريبة الخلاف حول الاشراف اللاحق على «ثروة الغاز والنفط» المفترضة وكذلك فرق عملة في مسيرة خصخصة الخدمات العامة...
[[[[[
قد يظن البعض، أننا نغرق هنا في سوداوية، تندثر معها خطوط مراهنتنا على انتفاضة الشعوب العربية، وخاصة على نهج المقاومة الصامد والمنتصر منذ ما قبل 82 حتى عام 2006... القضية بالنسبة لنا أبعد من ذلك، إنها جدلية العلاقة بين فعل المقاومة والتغيير الديموقراطي والاجتماعي في العالم العربي وفي لبنان...
نظرة سريعة، الى العالم العربي في تاريخ صراعه مع العدو الصهيوني والمشاريع الاستعمارية، تحدد أبعاد هذه العلاقة...
فأنظمة «التحرر الوطني»، التي حملت قضية التحرير والوحدة، كقضية وطنية وعزلتها عن بعدها الطبقي والاجتماعي، وتحولت بفعل هذا العزل الى أنظمة قمعية أولاً ومن ثم، وتحديداً بعد وفاة عبد الناصر تحولت تدريجياً الى أنظمة تكامل معها نهج التبعية الاقتصادية تدريجاً، الى تبعية سياسية لأميركا توجت في بعضها بالخيانة الوطنية... وسوريا، التي كانت شبه وحيدة تعيش التناقض، بين التبعيتين، بقيت خارج مسار التبعية السياسية، واستمر داخلها التعايش بين نظام اعتمد القمع وسياسة التبعية الاقتصادية مع احتفاطه بسياسة داعمة لنهج المقاومة، تعيش اليوم مرحلة خطيرة لا ينفع معها الاختفاء وراء عامل وحيد للأزمة، هو عامل حقيقي، أي التآمر الامبريالي ولكنه لا يستطيع إخفاء مصادرة النظام لحقوق الشعب السوري على المستويين السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي.
والسؤال هنا ماذا كانت نتيجة السنة ونصف السنة من الأزمة؟ ألم تكن نتيجة إهمال العوامل الداخلية، ان شلت قدرة سوريا عن لعب دورها في مواجهة الامبريالية واسرائيل؟ ألم يكن الدفاع عن النظام بإهمال حق الشعب السوري وبحجة مواجهة المؤامرة عاملاً مساعداً للمؤامرة نفسها؟
وفي لبنان، لنذكر أننا قلنا في فترة سابقة، ان الخطيئة الأساس كانت في إخضاع المقاومة لمنطق تقاسم النفوذ الطائفي، خصوصاً في فترة التسعينيات، التي طال فيها هذا التقاسم حتى القضايا الوطنية الكبرى، فجرى تلزيم هذه القضايا... الاقتصاد حصة «السنة» والسيادة «للمسيحيين» والمقاومة «للشيعة»...
فما الذي جرى بعد الصمود الكبير، وتحديداً بعد مفاعيل القرار 1701، جرى التحضير للقرار المؤامرة 1559، وبعده لحرب تموز والآن لمحاولة إظهار أن المقاومة وسلاحها، استنفدا مهمتهما في مواجهة الاحتلال والعدوانية الصهيونية وتحولا الى أداة في الصراع الداخلي... وتجري بالتزامن مع هذه المعركة السياسية وارتباطاً بما يجري في سوريا، محاولات لوضع المقاومة وسلاحها طرفاً في مشاريع الفتنة المذهبية المتنقلة، بالاستناد الى غلبة بنية المقاومة على وظيفتها...
وللأسف فإن أحزاب المقاومة، ذات البنية الطائفية، ساعدت في دفع الأمور بهذا الاتجاه نتيجة إعطائها الأولوية للحفاظ على الطابع الطائفي للنظام ولعدم الاعتراف بأن هذا النظام بالذات يشكل خطراً معادلاً للمشروع الامبريالي، على المقاومة وثقافتها وإنجازاتها... وان الانحياز أو الحياد، في المواجهة بين النظام بمستوياته السياسية والاقتصادية - الاجتماعية وما بين مصالح الشعب والفقراء عمالاً وموظفين ومعلمين، على المستوى المطلبي وعلى مستوى التغيير الديموقراطي، هذا الانحياز أو حتى الحياد، شكلا الى جانب التآمر على المقاومة والوطن، مكملاً للهجمة أو على الأقل عامل عجز عن مواجهتهما...
[[[[[
«المقاومة والتغيير»، ليسا اثنين، نرقم أحدهما بالأول والآخر بالثاني، في محاولة منطقية كلاسيكية، تؤدي الى إهمال ثانيهما في مرحلة أولى، تساهم في الانقضاض على «الأول» الوطني في مرحلة ثانية، وتكفي التجارب العربية وما جرى في لبنان.
إنهما ثنائية متكاملة، بارتباط جدلي، يشكل إطاره، المشروع الديموقراطي العربي المقاوم، المرتكز على حق وطموح الشعوب العربية بالتحرير والتغيير الديموقراطي...
تحية الى شهداء تموز والمقاومة في مسارها الطويل، على أمل حماية المقاومة بالتغيير الديموقراطي...