الثورة الصينية : امتحان المشروع الماويّ في النضال من أجل السلطة- الجزء الثاني

بيير روسيه
2005 / 2 / 13 - 11:29     

الفصل الرابع
الانتصار في الهزيمة:
الثورة والحرب طويلة الأمد
بين عامي 1934 و1936 تركت المجموعات المتنوعة للجيش الأحمر قواعدها في جنوب ووسط الصين، واتجهت نحو المنطقة التي يقوم فيها سوفييت شان كسي إلى حيث وصلت واحدة تلو الأخرى (1).
لقد أصبحت الرحلة الأسطورية حقاً والمجازفة البطولية تعرف بالمسيرة الطويلة. لقد كان ثمن هذه العملية البقائية [أي الهادفة للبقاء على قيد الحياة.] عالياً. عشية الرحلة الكبيرة ، كان عدد القوى المسلحة في الجيش الأحمر يقدر بـ300 ألف ولم يتجمع منهم في الشمال في نهاية الأمر أكثر من 30 ألف شخص.
ترك الجيش الأحمر الأول، الذي كان يقدر عدده بـ86 ألف شخص، قاعدة جيانغسي في 16 أكتوبر 1934 جنباً إلى جنب القيادة المركزية للحزب الشيوعي الصيني. كان يترتب عليه أن يقطع مسافة 10.000كيلومتر ويتغلب على أشد اللحظات صعوبة: اشتباكات متكررة مع جنود الكومينتانغ، عداء الشعوب غير الصينية، عقبات طبيعية مخيفة ، والمعنويات المتآكلة لمقاتليه. وفي الواقع فإن إحدى أقسى الامتحانات للجيش الأحمر كان يكمن في التعامل مع المعنويات المنهارة للجنود الذين تعرضوا للاقتلاع من مناطقهم الأصلية، مقطوعين عن عائلاتهم وقراهم، وقذف بهم إلى مقاطعات غريبة بالنسبة إليهم، بلغتها وعاداتها، الأمر الذي دفعهم إلى الانطلاق في ما بدا لهم لفترة طويلة بحثاً مغامراً عن قاعدة أكثر أماناً.
لم يصل إلى ووكي في شمال شانكسي (2)، التي تعتبر إحدى آخر المحطات على طريق يانان، "العاصمة الحمراء" الجديدة، في 19 أكتوبر، 1935، أكثر من 4000 من بينهم ماو تسي تونغ.
إلا أن المسيرة الطويلة لم تكن فقط امتحاناً جسدياً وعسكرياً وأخلاقياً، كانت اختباراً سياسياً صارماً للحزب الشيوعي. لقد أصاب الضعف جهازه نتيجة النزاعات العصبوية العنيفة. إن وجود الحزب الشيوعي الصيني نفسه تعرض للخطر مرات عديدة.
يشير هاريسون ساليسبوري في ملاحظاته عن الجنرال كين كسينغ هان قائلاً: "لم تكن المسيرة فقط بنادق وطلقات ، لقد كانت معركة ثلاثية- ضد تشانغ وأمراء الحرب التابعين له، ومعركة ضد الطبيعة والعوامل المادية، والمعركة الأخطر، تلك التي كانت تجري داخل الحزب الشيوعي، قتال القائد ضد القائد والسياسة ضد السياسة" (3).
خرج ماو من كل هذه المعارك على رأس الحزب الشيوعي الصيني. قبل 1935، كان في المستطاع الإشارة إلى الجناح الماوي داخل الحزب الشيوعي الصيني، تماماً كما كان الشعب يتحدث عن جيش "شو- ماو" (4) في أيام جينغان شان وجيانغسي في أواخر العشرينات. بعد 1935، اضطر المرء للاعتراف بوجود قيادة الحزب الماوي، وهو فريق كان لا يزال يواجه تحدي البعض، ولكنه كان يتمتع بأفق يتجاوز بعيداً مجرد جناح منطقي.
1932-1935: ماو يستقيل ثم يعود:
إن عودة ماوتسي تونغ مثيرة للانتباه بشكل بارز لأنه كان قد فقد الكثير من سلطته عشية النزوح الكبير في 1934. لقد كان بدأ انحداره في 1932 حين وصل أولاً شوآن لاي، فتين بوغو ولووفو (زانغ وانتيان) ، وهما اثنان من الممثلين الرئيسيين لـ"البلاشفة الـ28"، إلى جمهوريته السوفيتية بدعم من أوتو براون (5)، "المستشار العسكري" الذي أرسلته موسكو.
بقي الموقع الشكلي لماو عالياً تماماً في تلك الفترة . لقد كان فقد منصبه كعضو احتياط في المكتب السياسي في 1927 بعد فشال انتفاضة موسم الخريف ، غير أنه استعاد هذا المنصب في 1931 وأصبح عضواً كاملاً في المكتب السياسي في 1934 ومع هذا فقد تعرضت سلطته إلى الاهتزاز وأصاب التهديد مساعديه.
كانت تلفه العزلة أكثر فأكثر. كانت المفاهيم الماويّة حول الإستراتيجية تتعرض إلى نقد منهجي أثناء النقاشات العاصفة حول القضايا العسكرية. وكانت القيادة في أيدي الثلاثي: اوتو براون، بوغو و شوآن لاي. في 1934 بدا موقع ماو باعثاً على اليأس بالدرجة التي كان يوحي فيها بالقوة عام 1932. فمعظم الجنرالات الحمر وقفوا إلى جانب شوآن لاي و أوتو براون. وحين بدأت المسيرة الطويلة، عين المكتب السياسي كوادر من الجناح الماوي للاهتمام بالمؤخرة. ولم يبق منهم إلا القليل بعد عمليات التطهير التي قام بها الجيش الأبيض في المنطقة الحمراء التي أخليت من دفاعاتها الأساسية للإفلات من الحلقة المعادية. كان يترتب على الجيش الأحمر أن يخترق أربعة خطوط من التحصينات وقد تمكن من اختراق الخطوط الثلاثة الأولى بسهولة نسبياً بفضل المساومات السرية مع أمراء الحرب المحليين لكنه دفع غالياً ثمن تجاوزه للخط الرابع على نهر كسيانغ. تباطأت سرعة الشيوعيين بفعل الطوابير الطويلة المؤلفة من الحمالين ولم يستطع البقاء خارج متناول الجيوش البيضاء، وسرعان ما ارتفعت الخسائر في صفوفه (الضحايا وحالات الهروب) إلى 50.000 شخص، وفي كانون الثاني 1935 لم يعد يتجاوز عدد الجيش الأول 30.000 شخص، هذه الحوادث أضعفت من شأن أوتو براون- نظرياً مجرد مستشار، وعملياً القائد السياسي العسكري الرئيسي للحزب أمام كوادر الجيش الأحمر. هذا السياق ساعد ماو على استعادة زعامته، في كانون الأول 1934، أثناء مؤتمر تونغ داو (مدينة قرب حدود هونان وغويزو)، أعيد إلى اللجنة العسكرية المركزية التي كان سبق وطرد منها في عام 1932. وبعد أسبوع ، في 18 كانون الأول ، عزز ماو موقعه خلال اجتماع موسع للمكتب السياسي عقد في لايبنغ، المركز المزدهر لمقاطعة تقع في جنوب شرق غويزو (6) وفي أواسط كانون الثاني 1935، أكد ماو تفوقه على أوتو براون و بوغو في اجتماع موسع آخر للمكتب السياسي عقد في زون يي، وهي مركز مديني في المقاطعة نفسها. نجح ماو في تعزيز سلطته السياسية في سياق العام 1935، بالرغم من النكسة العسكرية الخطيرة التي وقعت في ظل قيادته الجديدة، بعد مؤتمر زون يي مباشرة، حصلت الواقعة في أواخر كانون الثاني ، عندما حاول الجيش الأحمر عبور نهر يانغسي في كينغ غانغ يو وأوشك على الكارثة. ويبدو أن ماو قد ارتكب أثناء الحادث أحد أخطر الأخطاء التي كان يحذر منها: الانخراط في معركة دون معرفة كافية بقوى العدو (7).
وقد دأبت كتابة التاريخ الماويّة بكل براءة ، على إغفال هذه الخطيئة المميتة تقريباً، هذه الهزيمة والانسحاب الذي تلاها والعديد من المسيرات الاضطرارية المنهكة التي تلتها، شجعت على إثارة الشكاوى المربكة في صفوف قادة الجيش الأحمر: حتى لين بياو، الذي كان حينذاك جنرالاً شاباً، يدعم ماو ولاسيما في الفترة العصيبة من عام 1932 إلى عام 1934 ، دعم ذلك التذمر(89).
رغم هذا الفشل، انتزع ماو الاعتراف بقيادته في فترة كان فيها ميزان القوى غير ملائم. اضطر الجيش الأحمر، الذي كان يبلغ آنذاك فقط 20.000 شخص إلى مواجهة مناورة تطويق جديدة. فقد كان تشانغ كاي شيك قد حشد ما يتراوح بين 500 ألف و750 ألف جندي، وسد كل المنافذ والطرق. غير أن ماو لجأ إلى استغلال التناقضات الموجودة بين أمراء الحرب واستفاد من السرعة الخارقة لدى مقاتليه ونفذ عديداً من المناورات التمويهية لخداع أعدائه واختراق شبكتهم وتمكن من إنجاز المأثرة المستحيلة التي تمثلت بالسيطرة على جسر لودينغ: في أواخر أيار 1935، ولم يكن بقي معه أكثر من 12000 إلى 13000 مقاتل، استطاع مرة أخرى النجاة من عملية إبادة، وذلك عن طريق عبور نهر دادو بنجاح.
بقي جيش ماو الأحمر لفترة من الزمن في مأمن من هجمات الجيش البيض. ولكن كان على ماو أن يقود حينذاك جنوده المنهكين ، القادمين من الجنوب المداري ويصعد بهم إلى المرتفعات الثلجية الشاهقة وعبر الأراضي العشبية، التي كانت عبارة عن سهوب واسعة من المستنقعات المقفرة والتي كان المقاتلون الحمر، المعتادون على المناطق المكتظة بالسكان ، يسيرون فيها أياماً بأكملها دون أن يصادفوا شخصاً. كان ذلك بمثابة نهاية العالم، وكان امتحاناً نفسياً وجسدياً قاسياً.
لم يكد ماو يتغلب على هذه العقبة حتى ترتب عليه أن يواجه تحدياً سياسياً جديداً ففي حزيران 1935، التحق جيش الجبهة الأول، الذي كان تحت أمرته والذي انخفض عدده إلى 7000 أو 8000 مقاتل، بجيش الجبهة الرابعة في منطقة ماو غونغ وسيشوان، والذي كان مؤلفاً من 70000 مقاتل بقيادة زانغ غوو تاو، أحد الأعضاء القياديين ، في المكتب السياسي (9). ولم تكن قوات زانغ أكبر بعشر مرات من قوات ماو فحسب، بل أحدث، أيضاً بما لا يقاس.
أحدث اندماج القوتين الشيوعيتين نزاعاً عصبوياً جديداً. فقد ادعى زانغ غو تاو تولي القيادة. وانصب الصراع على الطريق الذي ينبغي على الجيش الأحمر سلوكه : الاتجاه شمالاً، كما كان يدعو ماو ، نحو مقاطعة الهان (10) ، للتمكن من استعادة المبادرة حين تلوح الفرصة من جديد (الحرب مع اليابان...) ، أو الاستمرار في التوجه نحو الغرب عبر أراضي التيبت، كما كان يدعو زانغ غو تاو، وذلك للاقتراب أكثر من الحدود السوفيتية، تحت طائلة الانعزال عن الصين "المفيدة " ؟ كان الصدام السياسي يزداد حدة- لا بل سوءاً- بالنسبة لماو، الذي كان محاطاً بمؤيدي زانغ. غير أن الخصوم اكتفوا بالانفصال : انسحب الجيش الرابع عبر كسي كانغ، في حين عمد الجيش الأول إلى المناورة، لاستعادة موطئ قدم في مقاطعة الهان وقد أصابت الدهشة ماو تسي تونغ حين علم بوجود قاعدة حمراء في شمال شانكسي. فبعد اشتباكات متعددة مع البيض وصل ماو وحوالي 4000 من أنصاره أخيراً سالمين إلى ملاذهم الجديد.
في أثناء ذلك كان الجيش الرابع يواجه معاداة سكان التيبت، ويضطر إلى الابتعاد أكثر فأكثر إلى الشمال الغربي. وفي الأخير. تمزق إرباً بعد اصطدامه بفرسان مابو فانغ المسلمين في أقصى مرتفعات غانسو وكسين جيانغ، وحين التحق زانغ غوتاو ومن بقي معه بالقوات التي أعاد ماو ترميمها بشكل جوهري عام 1936، كان يفعل ذلك من موقع المهزوم.
القيادة الماويّة الجديدة
وهكذا برز ماو تسي تونغ لأول مرة بوصفه الشخصية المركزية في الحزب الشيوعي الصيني في 1935-1936. ولكنه كان قد فعل أكثر من مجرد إثبات تفوقه : من خلال استقطابه، أو تحييده الكوادر الأساسيين في الأجنحة المنافسة، وكذلك من خلال جذب المستقلين وإعادة لم شمل رفاقه السابقين المشتتين، الذين نجوا من التطهيرات والحرب، كان قد نجح في بناء قيادة جماعية جديدة وفعلية للحزب.
تبين بنية الفريق القيادي الماوي الجديد أن زعامته كانت تتجاوز مجرد انتصار جناح على الأجنحة الأخرى. حقاً إن ما حل الآن، كان إعادة ترتيب كامل للجهاز بما يعكس سيرورة عميقة لإعادة التشكيل السياسي داخل الحزب الشيوعي الصيني. في المراحل الأولى من المسيرة الطويلة، عمد ماو ، الذي أصابه المرض ، إلى تطوير علاقات مع لوو فو ووانغ جياكسيانغ، وكانا اثنين من القادة الرئيسيين لجماعة "البلاشفة الـ28" المدربين في موسكو. كان لوو فو قد ساهم بنشاط في التطهيرات المعادية للماويّة التي حصلت عام 1933 أثناء الحملة ضد "انحراف" لوو مينغ (11). ويقال أنه طلب في عام 1932 أن يطرد ماو من صفوف الحزب الشيوعي الصيني. وقد حل وانغ جياكسيانغ محل ماو في القيادة السياسية العامة للجيش. ومع هذا، استطاع ماو أن يدخل في تكتل عصبوي معهما، عرف باسمين: الفريق المركزي (حسب الرواية الماويّة) أو الثلاثي المركزي (حسب رواية أوتو براون). في مؤتمر زون يي، وافق شوآن لاي على إجراء انتقاد ذاتي شامل للتوجه العسكري الذي تم تحت قيادته. وقد جرى حينئذ إدخاله إلى الفريق القيادي الجديد. ومن الجانب الآخر، رفض العضوان الآخران في الثلاثي الحاكم القديم، بوغو و أوتو براون ، إجراء أي تعديلات.
وقد تم عزلهما، إذ وقف الجنرالات إلى جانب ماو.
تشكلت القيادة الماويّة الجديدة في تلك الفترة . كانت لا تزال طرية العود، وكان عليها أن توطد أقدامها خلال الخمس عشرة سنة التالية من النضال الثوري، وأن تتحمل أعباء الانتصار لعقد كامل من الزمن. ولم يقدر لهذا الفريق إلا في الخمسينات (مع فشل القفزة الكبرى إلى الأمام) والستينيات (أثناء الثورة الثقافية) أن ينفرط عقده أخيراً. تحلقت القيادة الجديدة حول ماو: لقد اكتسب الأحقية قبل الآخرين ، فقد كان خاض قتالاً عنيفاً على عدة جبهات وحيداً تقريباً، وكان تعلم كيف يصغي إلى خصوم سابقين، وحتى يحولهم إلى متعاونين معه. ولأنه انخرط بكل جوارحه في كل ما تتطلبه القيادة من نشاطات، فقد طلب من أتباعه الولاء له: انبثقت علاقة من الولاء الشخصي، مهدت الطريق لظهور عبادة الفرد، التي بدأت تظهر على السطح في 1942. ولم تتعرض هذه العبادة إلى التحطيم إلا في الستينيات حيث أثبت ماو عجزه عن تحديد توجه قابل للحياة، وهو الأمر الذي أدى أيضاً إلى اشتداد حدة أزمة القيادة الماويّة، وهذا ما قاد إلى الثورة الثقافية. وهكذا فقد سبق الموت السياسي لماو موته الجسدي في 1976، وسجل ذلك نهاية عهد بالنسبة إلى الحزب الشيوعي الصيني والجمهورية الشعبية. كان ماو يتمتع بموقع خاص، مهيمن داخل المكتب السياسي، ويبدو أنه بدءاً من عام 1935، لم يعد الأعضاء السابقون في جماعة "البلاشفة الـ28" ، وهم العناصر التي كانت "عادت من موسكو" والتحقت بالقيادة الجديدة، لم يعودوا يلعبون دوراً مركزياً بالفعل. ولكن كان هناك بين القادة الوطنيين للحزب الشيوعي الصيني أشخاص آخرون يتمتعون بشخصية قوية، ولم يكونوا مجرد رجال تابعين لقائد الدفة العظيم!
الفريق القيادي الذي التأم شمله في الفترة 1935-1937 كان فعالاً على أكثر من صعيد. فقد كان هناك شوآن لاي الموهوب والمعروف بحس الانضباط الحزبي- وفيما بعد الحكومي- المستعد في كل لحظة لتسلم المسؤولية حين تدعو الحاجة إلى ذلك، تماماً مثلما فعل في الماضي حين أعطى إشارة البدء بانتفاضة نان شانغ، ضد الأوامر الرسمية لستالين، كما نقلها لومينادزه، عشية الانتفاضة (13).
كذلك كان هناك ليو شاو شي ، الذي يرجح أنه شارك في بداية المسيرة الطويلة، وتولى المسؤولية من ثم في شمال الصين، وأصبح الرجل الثاني في النظام قبل أن تجرفه الثورة الثقافية.
وهناك شن ي، أحد الماويين الذين تركوا في المؤخرة في جيانغسي، وقد اقتصر عمله على إعادة الاتصال بقيادة الحزب الشيوعي الصيني في 1937.
ودنغ هسياو بنغ، الذي نجا من إحدى عمليات التطهير (بتهمة الماويّة في تلك الفترة!) والذي أصبح فيما بعد أحد المفوضين السياسيين الرئيسيين في الجيش الأحمر. كان هناك أيضاً الجنرالات و الماريشالات المستقبليون الذين كانوا قد دعموا ماو في سنوات 1932-1934 أثناء السجال العسكري، مثل لين بياو، الذي اشتهر بانتقاداته اللاذعة ، أو الذين كانوا انتقدوه بعبارات صريحة وواضحة، مثل ليو بوشينغ، التنين الأعور، والمحترف بنغ ده واي، المشهور بهجماته الجبهوية، أو الذين وقفوا في منتصف الطريق وظلوا مترددين مثل زودي، الشعبي، رفيق السلاح في الأيام الأولى، كيف استطاع ماو، بعد تجرده من سلطته عشية المسيرة الطويلة ، أن يجمع حوله مثل هذه المجموعة القوية من المقاتلين القدماء من شتى الاتجاهات؟
لم يكن ماو قد انهزم كلياً بين سنوات 1932-1934، فقد بقي محتفظاً بالدعم -الخفي- لقسم من الجيش تحلق حول لين بياو. فقد كانت تحميه الهيبة التي كان لا يزال يتمتع بها، وصداقة زو دي، والحذر لدى شوآن لاي، وحتى حسابات موسكو القاضية بالاحتفاظ بأكثر من بيضة في سلتها والتي جعلتها ترفض آنذاك دعوات بوغو و أوتو براون لتطهير ماو.
كان ماو قادراً هكذا على الاحتفاظ ببعض المواقع في 1932-1934. لكن لا يمكن تفسير عودته السياسية الخارقة بالحماية التي تلقاها، وقوة شكيمته، وطموحه، ومهارته العصبوية وصفاته العسكرية وحسب. لقد كان قادراً على أن يجمع كوادر مختلفين جداً، وعبر سلسلة من الامتحانات القاسية جداً، المتنوعة جداً والكثيرة للغاية... فلا يمكن عزو نجاحه عام 1935 للحظ فقط، واعتباره مجرد انعكاس للصراعات على السلطة داخل الحزب الشيوعي الصيني.
تشكّل قيادة صينية
التأم شمل كوادر الـ ح.ش.ص من جديد في مؤتمر زون يي بالمعارضة لـ أوتو براون والممثل الرئيسي لمجموعة "البلاشفة الـ28"، بوغو -السكرتير والقائد الرسمي للحزب الشيوعي الصيني الذي لجأ ربما بسبب عجزه السياسي، إلى تسليم مهامه لمبعوث الكومنتيرن. شكلت القيادة الجديدة بمواجهة الجناح الستالينيّ حصراً وقد ظهرت إلى الوجود في وقت انقطعت فيه مادياً العلاقة مع موسكو.
كان المقر الذي يقع في شانغهاى ، و المسؤول عن العلاقات الخارجية، قد سقط تحت ضربات القمع، ولم يكن جهاز الإرسال في الجيش الأحمر قوياً بما يكفي للاتصال بما يقع خارج حدود الصين. وأثناء المسيرة الطويلة التي تعتبر فترة تكوينية حاسمة، لم يستطع أحد مطالبة الكومنتيرن بالتدخل مباشرة أو يمارس نفوذه فيما يتعلق بالصراعات الحزبية الداخلية. كانت موسكو توضع أمام الأمر الواقع لأحداث ناجزة. ولم يكن الصراع العصبوي قريباً من الانتهاء كما لم يكن الفريق القيادي الجديد قد استقر سياسياً بعد. إلا أن ميزان القوى كان قد مال إلى الجانب الآخر والأهم من هذا ، أن طبيعة الأجنحة المتصارعة قد تغيرت.
قبل عام 1935، كان الجناح الماوي لوحده يضم أقليّة من الكوادر الذين يمثلون فعلاً الحزب الشيوعي الصيني، وكانت الكومنتيرن لا تزال قادرة على فرض الانضباط والحصول على دعم شخصيات مركزية في الحزب رغم هزيمة 1927 : كان قادةٌ، كلي ليزان أو كو كيوباي يضعون إمكانياتهم في خدمة الجهد الستالينيّ الرامي إلى إخضاع الحزب الشيوعي الصيني لقوانينه، كان هذان الأخيران يمارسان هذا النهج دون استخلاص أية دروس من الهزيمة. ومع ذلك فهما لم يكونا مجرد مخلوقات بسيطة في الجهاز الذي كانت موسكو تشيده على نطاق عالمي. كل منهما يمثل جانباً من تاريخ الشيوعية الصينية: كان لي قد تولى مهام كبيرة في خضم النضالات العمالية في الفترة 1925-1927 في حين لعب كو دوراً بارزاً على الجبهة الثقافية .
يشير بول بيكو فيتز إلى التاريخ المزدوج للقادة الذين اختارهم ستالين ناظراً باحترام إلى حالة كو كيوباي: "كان بين السمات الأكثر تميزاً في السلوك السياسي لـ شو (كو) في الفترة 1924-1930 دعمه الثابت لمختلف استراتيجيات الثورة الصينية المرسومة من جانب الكومنتيرن في موسكو. لم يعمل أحد من الشيوعيين الصينيين مع ممثلي الكومنتيرن بالدرجة من الوثوق التي عمل بها شو في فترة الجبهة الموحدة مع الكومينتانغ ، وحركة الثلاثين من أيار والحملة الشمالية وفترة ووهان... ولكن ما لبثت آراء شو أن تغيرت في ربيع 1928، سرعان ما تحول كو إلى كبش محرقة واستدعي إلى موسكو حيث بقي هناك سنتين من الزمن. وهناك اصطدم بـ الستالينية على أرض الواقع. " إن أسوأ تجربة مر بها كو تكمن في محاولته منع بافل ميف، الذراع القوي لستالين في الصين من تعيين وانغ مينغ وأتباعه كقادة جدد في الحزب الشيوعي الصيني . "(14).
ورغم تعرضه للاضطهاد هو وزوجته ، تمكن كو من العودة إلى الصين ، حيث واصل معارضته لمجموعة البلاشفة الـ28 وما لبث أن تعرض إلى الطرد من المكتب السياسي.
اضطر كو، بعد أن أنهك سياسياً وعزل إلى الانسحاب إلى الساحة الثقافية حيث برز كشخصية راديكالية تبحث عن هوية كانت بروليتارية ووطنية - صينية - في آن واحد في الحركة الأدبية في الثلاثينيات. يعتبر كو في رأي بيكو فيتز، أول مفكر ماركسي غير أوروبي على صعيد الأدب.
إن "الانقلاب" الذي أحدثه بافل ميف في عام 1931 في الـ ح.ش.ص كان إيذاناً بانتقال السلطة إلى كوادر مصبوبين في قالب جديد، يشكل وانغ مينغ نموذجه : لقد تلقوا التدريب على يد الجهاز الأممي الستالينيّ وفيه. وكان الكرملين يشكل وطنهم وتبعاً لذلك، فقد راح مبعوثو موسكو يحلون محل القادة الوطنيين، بدلاً من تقديم الدعم والمساندة لهم كما كان الأمر في السابق. ولكن حتى آنذاك، فقد بقيت موسكو تحظى بإخلاص كوادر قيمة أنجبهم تاريخ الشيوعية الصينية ، مثل شوآن لاي . وهكذا فقد كان لا يزال بوسع المكتب السياسي أن يحول دون تطور تمثيل الجناح الماوي.
سجل عام 1935 نقطة انعطاف حاسمة في هذا المنظور، الشرعية الحزبية غيرت مواقعها . في السابق ، كانت تلك الشرعية تستقر، بمباركة من موسكو ، بين أيدي الكتلة المعادية للماويّة، أما الآن، ونتيجة ضغط الأحداث ، فقد مالت إلى الجانب الماوي، تحول جناح وانغ مينغ إلى جماعة صغيرة تستمد نفوذها بشكل رئيسي من أنصارها الستالينيين. وقد بدأ التحول في مؤتمر زون يي، حيث أقر الكوادر الحاضرون في المؤتمر بأن ماو هو القائد الذي يبني قيادة صينية ناضجة، ومتحررة من الوصاية المالية والسيكولوجية والسياسية لموسكو ومصممة، لا على الانفصال عن المؤخرة السوفيتية العظيمة بل على المناورة من أجل الحفاظ على استقلالية الـ ح.ش.ص في العمل. وفي ذلك يكمن أحد مصادر التفوق الماوي. لقد استخلص واحداً من الدروس الأساسية من هزيمة 1927-1930 بطريقته الخاصة، ولكن بشكل أكثر راديكالية من كثيرين آخرين، وبصورة مبكرة أكثر بكثير. فحتى أواخر 1934، كان معظم قادة الحزب يرفضون أو يفشلون في القيام بذلك. وكان رد فعلهم إزاء الهزيمة والفوضى يقوم في زرع الآمال مرة أخرى في تعليمات الحزب-الأب ، عنينا الحزب الروسي. ولا يستطيع المرء إلا أن يبدي دهشته إزاء السهولة التي استطاع خلالها أوتو براون، الذي فشل في تعلم اللغة الصينية، وكان جاهلاً بأحوال البلد ولا يحترم عادات الجيش الأحمر، أن يفرض سلطته على الكوادر السياسيين والعسكريين المجربين.
في 1935، تغيرت طبيعة العلاقة بين موسكو والقيادة الصينية، فـ ماو تسي تونغ لم يقطع العلاقة بستالين والاتحاد السوفييتي و الكومنتيرن. بالأحرى ، قام بتعزيز الاستقلال السياسي والتنظيمي للقيادة الصينية داخل الحركة الأممية الستالينية، وأنهى علاقة التبعية المباشرة للبيروقراطية التي حاول بافل ميف أن يشجعها عن طريق فرض قيادة وانغ مينغ و "البلاشفة ال28" على الحزب . غير أن ماو حافظ على تحالف الح.ش.ص مع ستالين، لأنه ظل يتماهى مع المعسكر الاشتراكي وإنجازات الاتحاد السوفييتي، كما لأسباب تتعلق بالواقعية. إلا أن الثقة الساذجة للسنوات الأولى كانت قد ولت وأعطت مكانها للشك والمناورة.
لم تتمكن الحركة التروتسكية من استيعاب المعنى الأعمق والتأثير الكبير لذلك التحول، في ذلك الحين. وبالرغم من أن تروتسكي نبه في مناسبات قليلة إلى ضرورة اعتماد الحذر (15) ، نظرت الحركة التروتسكية ، سواء بسبب قلة المعلومات أو نتيجة قصر النظر السياسي، إلى الحزب الشيوعي الصيني بعد 1927 كمجرد أداة طيعة في يد الدبلوماسية الستالينية، مثله في ذلك مثل باقي الأحزاب الشيوعية في باقي أنحاء العالم. وربما كان ذلك أحد الأخطاء التي ارتكبتها الحركة التروتسكية في الصين مع كل ما استتبعه ذلك من نتائج خطيرة، ذلك أنه منعها من فهم الدينامية الثورية للنضالات التي قادها الح.ش.ص في سنوات 1937-1939 و1946-1949، في الوقت المناسب.
فقط بعد سنة 1949 بدأت الأممية الرابعة تعيد تقويم تاريخ الح.ش.ص و الماويّة عبر نقاش طويل ومتعدد الجوانب، وهو نقاش لم يصل إلى نهايته.
وقد استخلص المناضلون التروتسكيون الصينيون أنفسهم دروساً متنوعة من انتصار عام1949.
استمر بينغ شوزي في التمسك بتحليلاته السابقة. وقد أجرى عام 1974، في مقدمته لكتابات ليون تروتسكي حول الصين، تحليلاً لتاريخ الح.ش.ص منذ تأسيسه وحتى الحرب الصينية اليابانية، ملاحظاً أنه "من الهام بشكل خاص الإشارة إلى ما يلي: بدءاً من الفترة السادسة فصاعداً (بعد هزيمة الثورة) (18) تحول الح.ش.ص إلى حزب ستاليني، سياسياً وتنظيمياً. وكانت قيادته قد تحولت في تلك الفترة إلى أداة طيعة للتطبيق الأعمى لسياسات ستالين" (19).
وبالنسبة إلى بينغ، إذاً، كان ح.ش.ص قد أصبح ستالينياً بالمعنى الحرفي للكلمة في عام 1927: الخضوع السياسي والتنظيمي للبيروقراطية السوفييتية ، وكان يرى أن الأمر سيستمر على ذلك المنوال حتى النهاية .
وانغ فانكسي هو الآخر يصف القيادة الماويّة بـ الستالينية ولكن بالمعنى الأيديولوجي للكلمة (20). في مذكراته المكتوبة سنة 1957 يعطي معنى أعمق للصراع العصبوي الذي وقع في مؤتمر زون يي: "انتصر ماوتسي تونغ على وانغ مينغ بوصفه القائد الفعلي للحزب". وهذا الأمر شكل انتصاراً للشيوعيين "المحليين" على ممثلي ستالين في الصين" (21).
و يتوضح مدلول انتصار ماو في مؤتمر زون يي بشكل خاص لأنه جاء كنتيجة لصراع حاد فيما يتعلق بالتوجه السياسي والعسكري.
الجدال بصدد السياسة العسكرية: الحرب طويلة الأمد
من عام 1932 حتى عام 1935 اتخذت النقاشات الدائرة في صفوف الـ ح.ش.ص حول الاتجاه الواجب اتخاذه شكل جدال طويل بصدد القضايا العسكرية . كان البقاء السياسي والتنظيمي للقوى الشيوعية يتعين بشكل مباشر جداً في ميدان المقاومة المسلحة لحملات الإبادة التي كانت تشنها قوات الكومينتانغ . وقد بدأت تظهر مقاربات متمايزة عموماً كعلاقة أساسية بالاختلافات التكتيكية أو الظرفية. فقد كان الجدال العسكري بالأساس جدالاً سياسياً عميقاً .
كانت السجالات المكتوبة تتم بلغة رمزية ، تعتمد على الإيحاء أكثر من اعتمادها على الطرح الصريح والمفتوح للمسائل المثارة، اصطدمت "الأرثوذكسية الروسية" للقيادة الوطنية مع التراثية الصينية للماويّة . وقد سارع الجنرال ليو بوشينغ "التنين الأعور" ، إلى مهاجمة ماو في العام 1932، بمقال يحلل التكتيك والإستراتيجية منذ العهود الإقطاعية حتى الزمن الحاضر. يشير هوشي هسي إلى أن "ليو قد شدد على الحدود والطبيعة القديمة للفن العسكري لصن زي المنظر العسكري المشهور في القرن الخامس قبل الميلاد. وبالمقابل فإنه يشدد على أهمية الخبرة التي اكتسبها الجيش الأحمر السوفييتي. وينتقد بعنف قلة معارف الجيش الأحمر الصيني بالإستراتيجية والتكتيكات الحديثة. وقد كانت هجماته على القادة الشيوعيين الذين يتشبثون ، بطريقة جامدة، بتطبيق الفن العسكري لصن زي وحيله الحربية الموصوفة في كتاب "قصة الممالك الثلاثة" ، تستهدف بشكل خاص ماوتسي تونغ" (22).
بعد أربع سنوات ، أدان ماو ، الذي حاز الغلبة في الجدال، "الفكرة الخاطئة" التي "دحضناها منذ زمن طويل" القائلة بأنه "يكفي دراسة التجارب الروسية عن الحرب الثورية أو ، خصوصاً أنه يكفي تتبع القوانين التي تحكمت بالحرب الأهلية في الاتحاد السوفييتي والتوجيهات العسكرية المنشورة هناك. إنهم لا يرون أن هذه القوانين والإرشادات في الاتحاد السوفييتي تجسد الصفات الخاصة للحرب الأهلية والجيش الأحمر في الاتحاد السوفييتي، فإذا ما لجأنا إلى استنساخها وتطبيقها ميكانيكياً، دون أن نترك مجالاً لأي تغيير، فإن ذلك سيكون أشبه بإجراء عملية جراحية لأقدامنا كي تلائم الحذاء. وهذا ما سبب لنا الفشل والهزيمة... إنهم لا يرون أنه بالرغم من وجوب تقديرنا للتجربة السوفييتية، وحتى تقديرها بما هو أكثر من تقديرنا لتجارب البلدان الأخرى عبر التاريخ، لأنها أكثر التجارب راهنية في الحرب الثورية ، يترتب علينا أن نقدر تجربة الحرب الثورية في الصين بشكل أكبر، لأن هناك عدداً كبيراً من الشروط الخاصة بالثورة الصينية والجيش الأحمر الصيني..." (23).
من الواضح أن الجدال حول السياسة العسكرية كان يشكل جزءاً من النقاش الأعم حول "الطريق الصيني" . وكان قد بدأ في الواقع باكراً في عام 1927. وقد أعيد خوضه في جمهورية جيانغسي السوفييتية في سنة 1932، حينما لجأ كونفرانس اللجنة المركزية الذي انعقد في نينغ دو إلى وضع السياسة العسكرية المقترحة من قبل ماو تسي تونغ موضع المحاكمة. وانتهى (أي الجدال) في 1935، في مؤتمر زون يي، عندما استطاع ماو تسي تونغ، بدوره، أن يكيل اتهامات قوية للمفاهيم العسكرية لخصومه.
أجرى ماو تسي تونغ كشف حساب للقيادة العسكرية للحزب في سنوات 1933-1934، وذلك عبر قرار مكتوب في خضم العمل ، وأثناء انعطافة رئيسية في الصراع السياسي الداخلي للحزب الشيوعي الصيني. وقد لقي قراره الموافقة من الاجتماع الموسع للمكتب السياسي الذي انعقد في زون يي(24). ويعتبر بعض المؤرخين هذا القرار كمجرد تمرين عصبوي حاول فيه ماو تسي تونغ بعد وقوع الحدث أن يؤكد صحة أعماله، في وقت لم يكن فيه أكثر وضوحاً في الرأي من الآخرين. إلا أن هوشي هسي كشف مقالة بتوقيع لين بياو يعود تاريخها إلى عام 1934، تظهر أن الجناح الماويّ كان قد أجرى تقويماً للوضع مشابهاً لذلك الذي جرى الدفاع عنه في زون يي (25).
كان الجدال العسكري الذي بدأ مع تجربة 1927 جوهرياً ولو أنه بدأ غامضاً، مشوشاً. ومع خطر الوقوع في تبسيط مبالغ به للجوانب المختلفة للنقاش ، يمكن تلخيص السلك الناظم للمحاجة كما يلي: ماذا كانت الاستنتاجات الواجب استخلاصها من واقع أن النضال من أجل الثورة قد يكون من الآن وصاعداً جزءاً من سيرورة حرب طويلة الأمد؟
في الصين ظهر أن فترة طويلة من الحرب الأهلية أمر محتوم قبل الاستيلاء على سلطة الدولة، أما في روسيا، فإن الحرب الأهلية لسنوات 1918-1921 اندلعت بعد انتصار انتفاضة قصيرة وإقامة سلطة دولة جديدة.
ذلك كان السياق الذي اكتسبت فيه تمايزات جوهرية أخرى بين الصين وروسيا (تتعلق بشكل خاص بالتشكل الاجتماعي والسياق الدولي والداخلي لكل منهما) مغزى مباشراً: أصبح وضع الحرب طويلة الأمد عاملاً "محدداً " يعدل جزئياً العلاقة بعوامل أساسية أخرى- المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. لقد كان الجيش الأحمر منخرطاً في حرب أنصار. وهذا كان يعني أن القوى الشيوعية ملزمة بأن تتخذ نموذجاً خاصاً من التنظيم يتكامل مع طائفتين متمايزتين من المهام: القيام بعمليات عسكرية ضد عدو أكثر عدداً وأفضل عدة، ومواصلة العمل الجماهيري في العمق. هذا الاعتبار كان قاعدة لواحدة من القوانين الخاصة بالمفاهيم العسكرية الماويّة ، التي لخصها شن يي بحذاقة في تقريره لعام 1929 حول "جيش زو- ماو" إلى قيادة الـ ح. ش.ص (26) :"في فترات حرب الأنصار ...يتصف الجيش الأحمر..بحركته. ينبغي لذلك أن يكون تنظيمه مختلفاً عن تنظيم بقية الجيوش ويمكن تلخيص المبدأ الذي يحكم تكتيكات الجيش الأحمر بجملتين: "التركيز في مواجهة الأعداء، والتبعثر في آن واحد" (27).
وقد أضاف ماو تسي تونغ بعداً استراتيجياً إلى حرب الأنصار، شكلاً نضالياً يجري النظر إليه غالباً على أنه تكتيك ظرفي، وذلك بدمجه في تركيبة أصلية من الأدوات السياسية- العسكرية المحددة لخوض حرب شعبية طويلة الأمد. باكراً في كانون الثاني 1930 ، وصف هذه المنظومة المعقدة في رسالة إلى لين بياو: "يبدو أن سياسة حرب العصابات المتنقلة وحدها لا تستطيع لوحدها أن تسرع الثورة في كامل أرجاء البلد وبأن الإجراءات السياسية التي تبناها زو دي و ماو إضافة إلى هي لونغ ولي ون لين و فانغ زي مين هي صحيحة بشكل لا يمكن نكرانه.
هذه الإجراءات هي المقدمة ، بشكل خاص، لتشكيل قواعد إسناد ، والبناء المنهجي لأدوات سلطة، وتنظيم التعاون الوثيق بين وحدات الجيش الأحمر والجماهير الفلاحية العريضة المكونة في خضم النضال، وتطوير القوى المسلحة عبر خلق الفضائل الانتفاضية على مستوى المقاطعة ، وتعميق الإصلاح الزراعي، وتأسيس الحرس الأحمر على مستوى الوحدة الإقليمية التابعة للجيش الأحمر، على طريق بناء جيش أحمر لا إقليمي، وأخيراً توسيع السلطة السياسية بموجات متلاحقة" (28).
جادل ماو تسي تونغ ضد "بعض الرفاق" الذين عمدوا بساطة إلى اختصار العملية الثورية الصينية إلى مرحلتين: في البدء، كسب الجماهير في سائر أرجاء الوطن، ومن ثم الاستيلاء على السلطة السياسية. وضع ماو تسي تونغ منظوراً مختلفاً : خلق ازدواجية السلطة الإقليمية و"التوسع عبر موجات متلاحقة" لهذه الأجزاء المتناثرة من السلطة السياسية. كان ذلك هو المنظور الذي أكد فيه على أهمية الجمع المفصلي بين القوى السياسية –العسكرية، بدءاً من وحدات الأنصار وانتهاء بالجيش الأحمر اللااقليمي" (أي المتحرك جغرافياً) الذي سمي فيما بعد بالقوات المسلحة النظامية.
تبدو رسالة ماو تسي تونغ إلى لين بياو رداً على رسالة أخرى، مؤرخة في 28 أيلول 1949 ، أرسلتها اللجنة المركزية إلى المجموعة العسكرية التي كانت تحت إمرته (29).
وهذا النص عبارة عن سجال ضمني ضد مفاهيم ماو تسي تونغ، التي يزعم أنها تولي أهمية فائقة للنزاعات بين مختلف أمراء الحرب (الذين كان وجودهم يشكل احد العوامل التي تسمح بتثبيت ازدواجية السلطة الإقليمية) وتعطي دوراً مركزياً للغاية للجيش الأحمر. وبالطبع تعترف وثيقة اللجنة المركزية بأهمية الجيش الأحمر، ولكن يبدو أنها كتبت انسجاماً مع المنظور الذي كان ماو تسي تونغ قد اعتبره عفوياً : جيش أحمر، وعصابات ريفية يؤدي دورها المؤقت في وقت سريع إلى انتفاض الجماهير بقيادة الحزب، وكذلك إلى الصراع المباشر من أجل السلطة السياسية المركزة في المدن. بالنسبة إلى قيادة الحزب الشيوعي الصيني، كان الوضع الذي نشأ بعد هزيمة 1927 نوعاً من الانعطاف غير المتوقع. وقد عاد فيما بعد ليظهر "طبيعياً" ، ولهذا كان لابد من التمسك بالمفاهيم الإستراتيجية القديمة . إن ما انبثق كان، بالنسبة لـ ماو ، الملامح الثابتة للعملية الثورية الصينية، وكان ينبغي هكذا مراجعة المفاهيم الإستراتيجية وتعديلها لتنسجم مع هذه الملامح: يشكل الفلاحون القوة الأساسية للثورة ، وهي فكرة اعتبرت هرطقة مثلها مثل العديد غيرها في نظر الحركة الشيوعية الأممية في تلك الأيام.
في أوائل الثلاثينيات، أصبحت الحرب الشعبية طويلة الأمد حقيقة واضحة للجميع وقد انتزعت الاعتراف إلى درجة أنها أصبحت عنواناً لمقال كتبه شو آن لاي في آذار 1934 ((30). علاوة على ذلك ، ازداد النقاش حدة. وتم دمج الانعطاف السياسي الذي جرى تنفيذه في جمهورية جيانغسي (طرد الجناح الماويّ من مراكز السلطة) مع انعطافة كبرى في الوضع العسكري: دفع تشانغ كاي شيك بشكل لا سابق له بأعداد هائلة من القوى في حملة الإبادة الخامسة. وتبعاً لنصيحة الألماني هانز فون سيكت انخرط في حرب تحصينات رهيبة، ممارساً حصاراً خانقاً فعلياً ضد المنطقة السوفييتية.
إن الإجراءات التي دعا إليها ماو تسي تونغ باكراً وما لبث أن عمد زو إلى تعديلها أثناء حملة الإبادة الرابعة. لم تعد كافية ، وكان على القيادة أن تختار: إما التقدم على أساس تكتيكات ماو تسي تونغ أو إجراء تغيير جذري في نمط العمليات. لقد تعرضت واقعية المفاهيم الماويّة من جهة وتلك التي كانت تتبناها كتلة زو- أوتو براون إلى امتحان الواقع الصعب.
إن المقال الذي نشره شو آن لاي في آذار 1934 يكشف عن ذهنية مدهشة للتفاؤل المنتصر: "يحاول الكومينتانغ انتزاع النصر عن طريق حرب طويلة الأمد سياسياً واقتصادياًَ وجغرافياً". لم تترك حملة الإبادة الخامسة التي شنها تشانغ كاي شيك قبل خمسة أشهر ونصف الوقت للجيش الأحمر كي يستريح. فهو "...منخرط بشكل دائم في الجبهة ويقاتل باستمرار... (ومع ذلك)فإن الحرب ليس فقط لم تستطع أن تضعفنا ، بل هي مكنتنا من تطوير وتقوية الجيش . إن هذه الوقائع تكذب جميع الانتهازيين وتقرع جرس الإنذار في جيانغسي . من الممكن ، بل حتى من الضروري ، "تطوير القتال على كل الجبهات" في آن واحد وترتيب نتيجة المعركة في القطاع الرئيسي دون التخلي عن القتال في القطاعات الأخرى" (31).
ينبغي القبول بالأرض التي اختارها العدو وعدم التخلي عن شبر واحد من الأرض في وقت يتم فيه زرع الخراب في مؤخرة العدو.
كان أوتو براون أكثر رزانة. بين نيسان وآب 1934، نشر ثماني مقالات بتوقيع هوا فو وقد أشار إلى أن الكومينتانغ قد انخرط في حرب إنهاك حقيقية وأن عمليات الانصهار لم تعد كافية. ولا بد من تطوير دفاع فعال مزود بـ"منطقة تحصينات تحت الأرض"، وحدات من "خط دفاع جبهوي طويل ومتقطع"، معد لـ"تحطيم القوى المعادية" ينبغي خوض حرب متحركة في ظروف حرب تحصينات" وتحويل "الانتصارات التكتيكية إلى انتصارات دائمة" وذلك بمضاعفة "الهجمات القصيرة والمفاجئة". (الصيغة الأساسية لأوتو براون) (32).
كانت مفاهيم ماو تسي تونغ تتسم بالجبن، كان عدد سكان جمهورية جيانغسي السوفيتية ثلاثة ملايين نسمة. وكان الفلاحون يريدون الدفاع عن مكاسبهم الثورية (الإصلاح الزراعي) وحماية أنفسهم من القمع، وفي ظل هذه الظروف، فقدت التكتيكات الماويّة شعبيتها بسبب ضخامة الأعباء المترتبة عليها. أكد ماو تسي تونغ على الحاجة إلى المرونة ، فبدونها لا يستطيع الجيش الأحمر الاحتفاظ بالمبادرة: ينبغي السماح للعدو بالمرور نحو العمق، وذلك بهدف اصطياده بسهولة، ولا بد من رسم الخيارات وتركيز القوى على محاور مختارة قليلة ، وينبغي تحطيم التحالف القائم بين تشانغ كاي شيك ومختلف أمراء الحرب بأي ثمن، مستعملين إن دعت الحاجة، راية المقاومة المناهضة لليابان.
كان على الجيش الأحمر أن يجد طريقة يحارب بها، بعيداً عن خطوط التحصينات الخاصة بـ الكومينتانغ وأن يكون مستعداً، إذا ما تعثر كل شيء آخر، لمغادرة جيانغسي والنجاة من الإبادة. إن الجوهري في المسألة كان تأمين مرونة الحركة على الصعيدين العسكري والسياسي.
يقول هوشي سي: "كانت الحرب طويلة الأمد التي قام بها شو آن لاي، في الأساس، حرب إنهاك، في حين كانت الإستراتيجية الماويّة المطروحة في كانون الثاني 1935في قرار زون يي، والتي ظهرت جميع نقاطها الأساسية في مقال لين بياو في تموز 1934، استراتيجية لحرب الحركة. أما بالنسبة إلى تكتيك أوتو براون القائم على الهجمات القصيرة والخاطفة، فقد كان في الواقع، برغم اسمه، استراتيجية نصفية..." (33).
يميل العديد من المؤرخين إلى الاعتقاد بأن هزيمة سوفييتات جيانغسي كانت حتمية، وقد كان ذلك المحاجة الرئيسية لـ بوغو في زون يي، حيث سعى إلى التقليل من فداحة الأخطاء التي ارتكبها. من جهة أخرى، اتهمت القيادة الماويّة بوغو و أوتو براون وبدرجة أقل، شو آن لاي، بإفلات نصر محتمل وبالتالي التحضير للتقهقر بطريقة متسرعة.
لست في وضع يسمح بالحكم على الفرص الحقيقية التي يمكن أن تكون قد وجدت في تلك الفترة، إلا أن الانتقادات الماويّة لمفاهيم قيادة الحزب الشيوعي الصيني تبدو صحيحة.
لقد وقف التفاؤل المفرط لدى شو حائلاً دون القيام بتفحص هادئ للعلاقات الفعلية بين القوى. وقد تراجع أوتو براون باتجاه اعتبارات تكتيكية متجاهلاً العمق الاستراتيجي. وسمح الاثنان لنفسيهما بالانحشار في موقع دفاعي، وجامد على الصعيدين العسكري والسياسي. وبالمقابل سمحت المفاهيم الماويّة، باختبار الإمكانيات الموجودة إلى أبعد مداها، واتخاذ القرار السريع بالانسحاب حالما تدعو الحاجة إلى ذلك.
يظهر جلياًَ أن الحزب الشيوعي الصيني لم يعمد إلى استغلال البعض من هذه الإمكانات بشكل كامل. لم تتعرض سلطة تشانغ كاي شيك قط إلى أي تحد. لقد انقسم معسكر الثورة المضادة عدة مرات في 1933-1934 كما تشهد على ذلك انتفاضة جيش الدرب التاسع عشر (34). إن القيادة الشيوعية ، التي كانت منقسمة عمدت إلى انتقاد ماو تسي تونغ طويلاً بسبب الأهمية التي أولاها لنزاعات أمراء الحرب واتكلت على التوجيهات اليسارية القصويّة الآتية من شانغهاى وموسكو، فعجزت عن الاستفادة من تلك الانقسامات استفادة كاملة.ص16
الطريق الماويّ ونموذج الحرب الشعبية
بين سنوات 1932-1935، أكد الجناح الماويّ أصالته في ميدان العلاقات بين الحزب الشيوعي الصيني و الكومنتيرن كما في ميدان التوجه السياسي- العسكري، إن السبب الذي جعل ماو تسي تونغ معزولاً بشكل مؤقت كان على الأرجح السبب نفسه الذي جعله قادراً على إعادة تأكيد سلطته السياسية بذلك الشكل المفاجئ: لقد استخلص دروساً سياسية معينة من هزيمة 1927 بشكل أبكر وأكثر وضوحاً مما فعل معظم قادة الحزب الشيوعي الصيني.
في فترة 1932-1934، تراجع معظم القادة السياسيين- العسكريين الآخرين للـ ح.ش.ص أمام ثقل الخيارات التي كان يترتب عليهم أن يتخذوها، لقد أدت هزيمة 1927 إلى تقوية السلطة الستالينية في الحزب. إن معارضة اتجاه "الوسط" وتأكيد الاستقلال الوطني للـ ح.ش.ص كان يعني قبول المكاشفة مع أولئك الذين يحوزون على السلطة ويمسكون بخيوط المال. وكان تطبيق الإستراتيجية الماويّة يعني الإقرار باختراقات جديدة من جانب الجيوش البيضاء داخل المنطقة السوفيتية، بل وحتى القبول بالفكرة القائلة أنه ينبغي التخلي عنها (أي عن المنطقة السوفيتية) عند نقطة معينة من المستقبل القريب. ومع ذلك كان ماو تسي تونغ ، الهرطقي، هو الذي أثبت كونه أكبر واقعي. فعلى المدى القصير : لم تكن تعليمات موسكو قابلة للتطبيق لأنها قادمة من الخارج وتستجيب لاهتمامات البيروقراطية السوفيتية. وقد عجز الدفاع الجامد عن منطقة جيانغسي عن التقدم إلى الأمام وأصبح من الضروري اللجوء مرة أخرى إلى التكتيكات الماوية التي سبق أن تعرضت للهجوم الشديد عليها. وعلى المدى الطويل أيضاً: تكفي مقارنة أطروحات ماو تسي تونغ لفترة 1928-1935 بالسيرورة الثورية الصينية في الفترة 1935-1949، لفهم كل ذلك. وهكذا فقد ارتقى ماو تسي تونغ إلى قمة الحزب الشيوعي الصيني بفضل واقعيته التكتيكية والاستراتيجية. إنه لم يكتف بإعادة اكتشاف الدور الكامن لحرب العصابات الريفية التي سبق أن أشار إليه العديد من "الكلاسيكيين" من ماركس و انجلز وصولاً إلى لينين، بل لجأ إلى الابتكار وفي العمق.
وكمفكر للحرب الثورية طويلة الأمد، فتح حقلاً جديداً للتفكير تجاوز كثيراًَ حدود القضايا العسكرية. لقد قلب الموقف الشيوعي التقليدي إزاء الفلاحين: في حين كان ينظر إليهم سابقاً كقوة احتياطية (ولو أن دعمهم يمكن أن يكون حاسماً)، فقد رفعوا الآن إلى مرتبة قوة رئيسية (ولو غير قائدة) في الثورة. لقد أعاد توظيف الفكر والتجربة العسكريين الصينيين ضمن منظور طبقي جديد، مانحاً إياه محتوى وثيق الصلة ، بصورة خارقة ، بزماننا الراهن.
لقد تشكل الفكر العسكري لـ ماو في خضم حرب أهلية شرسة. وفقط لاحقاً سوف يجعله يتوافق مع إطار جديد ، إطار الدفاع القومي ضد الغزو الإمبريالي، الحرب الثورية طويلة الأمد هي حرب شعبية، حرب طبقية.
لقد حلل ماو تسي تونغ العلاقة بين الحرب والثورة في الصين، ذلك البلد الشاسع ، المتخلف، ونصف المستعمر. وفي هذا المجال كان طليعياً. وتتضمن التجربة الصينية ثروة من الدروس. لقد لقي المفهوم الماويّ عن الحرب الثورية مؤيدين كثيرين. غير أنه تعرض إلى التجميد في "نموذج أرثوذكسي" جديد، الأمر الذي أفقره أحياناً وسطحه إلى درجة راح يخالف معها فحواه الأصلي.
إن "الطريق الصيني" يتضمن فكرة "الخط الجماهيري" وهي نقطة تميز التيارات الماوية الأصلية من تنظيمات ذات تقليد عسكري مبالغ به. ومع هذا فقد أدى عبر فكرة "رب شرارة تحرق سهلاً" إلى ظهور منظور نصف "بؤروي" (35). يؤمن بأن قواعد رجال العصابات (البؤر) المقامة في الجبال من شانها أن تلعب دور صاعق ثوري، وينسى المدافعون عن هذا المنظور أن الجيش الأحمر لم يولد في بؤر كهذه بل في خضم ثورة وانتفاضات جماهيرية وأنه لم يتسن له قط أن يستمر في المناطق الخالية من السكان تقريباً في الغابات (36).
إن موضوعة "تطويق المدن من الريف" تلخص إلى حد كبير رؤية ماو تسي تونغ ، التي كانت تتمتع بجرأة هرطقية في ذلك الوقت (37). إنه نفاذ بصيرة مهم ولكن لا ينبغي تبسيط الصيغة إلى حتمية سوسيولوجية تزعم أن "الطريق الروسي" هو "نموذج" للبلدان الرأسمالية المدينية وأن "الطريق الصيني" هو نموذج كل البلدان "نصف المستعمرة، نصف الإقطاعية" والتي تنتمي غالبية سكانها إلى الريف.
لم تكن روسيا عند منعطف القرن نصف مستعمرة. غير أن التشكيلة الاجتماعية الروسية كانت تتكشف مع ذلك عن ملامح عديدة تشبه تلك السائدة في البلدان التابعة اليوم. وتظل دروس هذه
التجربة تثير اهتمام ثوريي العالم الثالث على أكثر من صعيد(38).
تظهر الثورة الصينية 1925-1927 أن البلدان المستعمرة ونصف المستعمرة تستطيع أن تجرب عمليات ثورية غير تطويق المدن من الريف(39). إن "الطريق الصيني" لم تحدده فقط البنية الاجتماعية للبلد، بل أيضاً حصيلة نضالات سابقة وكذلك السياق العالمي (40). إن تحطيم العمل الشيوعي في النقابات واستمرار سلبية البروليتاريا في المراكز الساحلية الرئيسية لم يكونا أمرين مرغوباً بهما ولا حتميين. لقد كانا نتاجاً للهزائم وشكلا عقبة ثقيلة أما النضال الثوري. وبالرغم من ذلك ، فإن العمل المديني الذي قاده الحزب الشيوعي الصيني كان عاملاً سياسياً مهماً من 1937 حتى 1949. إن الصيغة الصارخة لتطويق المدينة من الريف ترمي أيضاً إلى إخفاء الدور الكبير الذي لعبته المدن الريفية (41) في التشكيلة الاجتماعية الصينية. والحقيقة هي أن هذه المدن كانت نقاط إسناد للجيش الأحمر، وغالباً ما كانت أشد حيوية بكثير من المؤخرة الجبلية: فبوصفها مراكز محلية للسياسة والاقتصاد، مكنت الحزب الشيوعي الصيني من تعزيز قاعدته الاجتماعية وقدمت فرصاً كبيرة للتجنيد والتموين والدعم المالي.
لقد نظر العديد إلى الثورة الصينية وجعلوا منها نموذجاً ، حجة لرفع الحرب إلى مصاف أداة هامة بشكل خاص للتعبئة الثورية و"رفع الوعي". وهناك بعض الحقيقة في هذا الرأي، إن الجماهير تتعلم من خلال النضال. والحزب نفسه، المعلم، يتعلم من خلال المحن والاستماع إلى الجماهير (موضوعة ماركسية قديمة أعيد إدخالها في التقليد الماويّ). ولكن الحرب ليست مجرد شكل من أشكال النضال ، يمكن أن تلجأ إليها الثورة، ولكنها، بدورها ، تفرض قوانينها الخاصة على الثورة. إن الحرب مدرسة قاسية لتدريب الكوادر ولكنها ليست المدرسة الأفضل للديمقراطية. إنها تحول السرية إلى عبادة وتجعل شكلاً معيناً من التنظيم التراتبي ضرورة حيوية . إنها تخشن الكائنات البشرية. إن الحرب تقتضي أن ينمي الحزب جذوراً اجتماعية ويحافظ عليها ، و إلا أصبح عاجزاً عن مواصلة القتال، ولكنها تفسح المجال أيضاً أمام البنى السلطوية. إن أفضل الممثلين المحليين من الكوادر غالباً ما يدعون للالتحاق بالقوّات المتحركة التقليدية، فلا يعودون قادرين على لعب دورهم السابق ، في وحدة وثيقة مع التعبئة المباشرة للشعب. إن "الخط الجماهيري" الماويّ يعكس هذه العملية المزدوجة للجذور المغروسة والتطابق مع الشعب من جهة، والتمتع بالاستقلال الذاتي والارتفاع فوق مستوى الجماهير من الجهة الثانية.
لقد كان الجيش الأحمر جيشاً ديمقراطياً بمعنى أنه كان جيشاً شعبياً بأهدافه ، وتسييسه، وقوانينه الداخلية وعلاقاته بالسكان. ولكن الأسرار العصبوية في قيادة الحزب، إلى جانب الأسرار العسكرية ، كانت تعني أن القرارات الكبيرة تصوغها جماعة ضيقة من الراسخين في العلم. وسرعان ما يهدد الشعور بعدم الأمان النقاش السياسي الحر. إن الأمن الداخلي كان شديداً في الجيش الأحمر كله. كما كتب بنغ دهاوي في مذكراته في السجن: "كان كل شخص في الجيش قلقاً على سلامته" (كان يتكلم على الشروط السائدة في 1931-1932) . لم يكن هناك الكثير من الديمقراطية. لقد تحول فرع تصفية الخونة الذي كان في الأصل تحت إشراف الشعبة السياسية إلى مكتب للأمن على قدم المساواة مع الشعبة السياسية" (42).
لقد تأثر نشاط الحزب والجيش الثوري تأثراً بالغاً بسبب الجو العصبوي والبيروقراطي الذي كان سائداً في موسكو. هذا علاوة على البصمة العميقة لحالة الحرب الدائمة. إن الحرب طويلة الأمد لم تكن خياراً حراً، بل خياراً فرضته الظروف، بعد 1927 ، كان على الحزب الشيوعي الصيني أن يرد على السؤال الحيوي: كيف يمكن استعادة المبادرة في وقت وصلت فيه النضالات الطبقية إلى مستوى المواجهة المسلحة في حين أن الوضع ظهر لأمد طويل غير ملائم على الصعيد العسكري؟ كان لدى ماو تسي تونغ جواب على المدى الطويل : التخطيط لتراكم القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية الذي يستطيع أن يؤدي إلى عكس تدريجي لموازين القوى، أي الانتقال من "حالة الدفاع الاستراتيجي" إلى توازن القوى، فالهجوم المضاد العام.
في ظروف الصين آنذاك، كان ذلك جواباً فعلياً. ولكن تطبيقه في أماكن أخرى أدى أحياناً إلى ظهور نوع من "التدريجية العسكرية" التي كانت خطيرة لانعدام المرونة (43). هنا أيضاً ، لا تتطابق التجربة الصينية مع هذه النظرة التبسيطية.
لقد اضطر الحزب الشيوعي الصيني إلى تغيير توجهه أكثر من مرة في ضوء الاعتبارات السياسية أكثر مما العسكرية. كان قادراً على كسب المبادرة على الصعيد السياسي لتجنب فقدانها على الصعيد العسكري.
لقد أظهرت الحرب الشعبية أهميتها، من الصين إلى السلفادور، في نضالات التحرر القومي والاجتماعي المعاصرة. لكن تبقى الحرب طويلة الأمد حرباً مكلفة، تستنزف طاقة السكان على المدى الطويل. وينبغي فهم أخطارها لكي يتم احتواؤها بشكل أشد فعالية، كذلك لا بد من فهم جوانب القصور فيها، حتى يتم دمج أشكال النضال بنجاح أكبر. إن أولوية السياسة على الحرب تساعد أيضاً على تطوير التضامن الأممي، وخلق الشروط العامة لنصر يمكن إحرازه بأقصى ما يمكن من السرعة ويشارك فيه الشعب بأوسع ما يمكن.
إن التجارب الثورية للسنوات الأربعين الأخيرة، قد ساهمت إلى حد كبير في إغناء نظرية الحرب الشعبية . كان على هذه الحرب أن تتكيف مع شروط قومية أخرى ومع الأسلحة والمعالجات الجديدة للهجمة المضادة للإمبريالية ، ولكن الثورة الصينية قد فتحت ثغرة تاريخية في هذا المجال. لقد أظهر الحزب الشيوعي الصيني في وقته، قدرة كبيرة على الإبداع وقابلية عظيمة للتكيف. ويمكن تفسير مرونة الحزب الشيوعي الصيني هذه من بين عوامل أخرى ، بواقع أنه عاش فترات أخرى وأشكالاً أخرى من النضال قبل انخراطه في الحرب طويلة الأمد. وقد عرف كوادره كيف يتصرفون في أكثر من موقف واحد.
إن التجربة متعددة الوجوه للـ ح.ش.ص ، والتي تم اكتسابها بثمن كبير، كانت ذات فائدة كبيرة مع انتهاء المسيرة الكبرى. ذلك أن الغزو اليابانيّ ، في 1937. قد غير سيماء السياسة القومية. لقد طرح الجبهة الموحدة مع الكومينتانغ - رغم أنها كانت الآن عدواً قاتلاً- على جدول الأعمال ثانية. وأضرم نار الصراعات التكتيكية داخل الحزب الشيوعي الصيني .
هوامش الفصل الرابع:
(1) انظر خارطة المسيرة الطويلة في آخر هذا الفصل.
(2) الأرقام أعلاه أوردها هاريسون إ.ساليزبوري، المسيرة الطويلة، لندن/سيدني: بان بوكس، 1986، ص 23. ولأسباب دعاوية كان الحزب الشيوعي قد ضخم أرقام جيش الجبهة الأول، المسمى "جيش المائة ألف" . لكن الوثائق الرسمية الخاصة بالجيش الأحمر تعطي الأرقام التالية، التي تشمل التطويع الجاري:19880 بالنسبة للجيش الأول، 17805 للثالث، 12168 للخامس، 10922 للثامن، 11538 للتاسع، 4695 لطابور اللجنة العسكرية، 9753 للطابور المركزي. انظر سالزبوري، ص 31، والهامش رقم 7، ص 353.
خلال مقارنة أرقام نقطة الانطلاق ونقطة الوصول، يجب أن يؤخذ بالحسبان واقع أن آلاف المجندين أضيفوا إبان المسيرة الطويلة بالذات. والخسائر تشمل القتلى والجرحى وغير الممكن نقلهم، والفارين، الخ..
(3) سالزبوري ، ص 91. حين قابل سالزبوري الجنرال كين كسينغهان، كان هذا الأخير قد أحيل إلى متحف التاريخ العسكري.
(4) كان شوده أحد القادة الأساسيين للجيش الأحمر منذ الأيام البطولية الأولى لجينغ غان شان. وكان الرجلان يختلطان بشكل حميم في الخيال الشعبي إلى حد أن المرء كان يعتقد بأنهما رجل واحد: شو ماو .
(5) استخدم أوتو براون، وكان ألمانياً على الأرجح، اسماً حزبياً هو لي ده، واسماً كتابياً هو "هوا فو" . وصل إلى جيانغ سي في ربيع 1933 وأصبح عملياً القائد الأساسي للمنطقة. شارك في المسيرة الطويلة، حتى بعد أن خسر السلطات الواسعة التي مارسها لفترة من الوقت، بقي في الصين حتى عام 1939، حين غادرها إلى الاتحاد السوفيتي. ويبدو أن أصدقاء له نصحوه بألا يعود إلى القاعدة سريعاً جداً : هكذا أفلت من المرحلة الأشرس إبان التطهيرات، التي لقي فيها الكثير من الستالينيين حتفهم بسبب اطلاعهم على أمور كثيرة. وقد انكفأ إلى برلين الشرقية حيث كتب مذكراته.HORIZONT,VON SCHANGHAI BIS JANAN (برلين الشرقية)، الأعداد 23-38، 1969. توفي عام 1974.
(6) انظر ساليزبوري، ص 109-113.
(7) المرجع ذاته، ص 145-153.
(8) المرجع ذاته، ص 188-192.
(9) ولد زانغ غوتاو عام 1897 في كندا. كان أحد مؤسسي الحزب الشيوعي الصيني وأحد قادته الأوائل. عارض دخول الحزب إلى الكومينتانغ ففقد مقعده في اللجنة المركزية عام 1923. وقد أعيد إلى هذا الموقع عام 1925. خلال الثورة الصينية الثانية جرى تكليفه بمسؤوليات كبرى في الحركة العمالية في بكين. وقد أزيح مجدداً من القيادة بعد إفلاس عام 1927، ودعي للقيام بنقد ذاتي في الاتحاد السوفييتي . ثم أرسلته موسكو من جديد لمكافحة قيادة لي ليزان، فاستقر في شانغهاي في مرحلة أولى ، ثم عام 1931 في منطقة قاعدة إي يو وان الحمراء، على حدود هونان وهو باي، وآن هوي، وقد جرى إخلاء القاعدة عام 1932. وقد تابع زانغ غوو تاو وجيش الجبهة الرابع مسيرتهما الطويلة في أوائل 1935 انطلاقاً من شمال غرب سيتشوان. إلا أن زانغ قطع علاقته بــ الح.ش.ص عام 1938 ولجأ إلى المنطقة البيضاء، وعام 1949 إلى هونغ كونغ وأخيراً إلى كندا.
(10) الهان هم الجماعة الإثنية الرئيسية التي تسكن الصين.
(11) كان لوو مينغ سكرتيراً مؤقتاً للجنة فوجيان المحلية عام 1932-1933 وقد عارض قرارات آب 1932 للجنة المركزية لمنطقة نينغ دو الواقعة تحت سيطرة شو آن لاي.
(12) أصبح لوو فو سكرتيراً عاماً للحزب بعد كونفرانس زون يي. إلا أن الموقع كان أقل أهمية بكثير مما يفترضه اللقب. وكما الحال مع وانغ جياكسيانغ ترأس جامعة كانغ دا في يانان خلال الحرب الصينية – اليابانية . وبعد النصر عام 1949 ، أصبح وانغ أول سفير لجمهورية الصين الشعبية في موسكو (تلاه لوو فو في هذا المنصب) . وقد عملا كلاهما مع شو آن لاي في وزارة الخارجية.
(13) حسب كلام سالزبوري ، مرجع مذكور ص 21.
(14) بول ج. بيكو فيكز، الفكر الأدبي الماركسي في الصين وتأثير شو شيو باي ، بركلي، منشورات جامعة كاليفورنيا ، 1981، ص 95-96.
(15) في رسالة مؤرخة في 8 كانون الثاني 1931 إلى المعارضة اليسارية الصينية، حث تروتسكي رفاقه الصينيين على إرسال بعض أعضائهم إلى الفصائل الرئيسية في الجيش الأحمر: "...، من المستحب للغاية أن يكون جماعتنا ، أعضاء المعارضة ، على الأقل من الفرق الكبرى في الجيش الأحمر، من أجل مقاسمة هذه الفصائل مصيرها، ومراقبة العلاقات بين هذه الفصائل والفلاحين بانتباه ، وإعلام المعارضة اليسارية بما يجري". ("إلى المعارضة اليسارية الصينية"، ليون تروتسكي بصدد الصين، ص 494). إلا أنه يجب أن يلاحظ المرء ، أن تروتسكي لا يبدي من الاهتمام حيال الحزب الشيوعي الصيني قدر ما يبدي حيال الحركة الفلاحية والجيش الأحمر. فضلاً عن ذلك ، لقد اعتبر "الانحطاط الفلاحي" للجيش الأحمر البروليتاري أمراً محتوماً يستلزم انبعاثاً سريعاً للنضالات العمالية في المدن.
(16) كانت جسامة صراعات الكتل في صفوف القيادة وطبيعة تلك الصراعات، أحد أسرار الحزب الشيوعي الصيني التي كان ثمة حرص شديد على كتمها. إلا أنه مع مرور السنوات كان من الممكن تلمس وجود ذلك الصراع وإدراك التصميم السياسي للقيادة الماوية.
(17) انظر على سبيل المثال مقالات أرنست ماندل لعام 1950 حول الثورة الصينية الثالثة، التي أعيد طبعها في المسيرة الطويلة للثورة، باريس : منشورات غاليليه، 976، ص 125-201. والقرار الصادر عن الاجتماع المكتمل الحادي عشر للجنة التنفيذية العالمية للأممية الرابعة في حزيران 1952 (الأممية الرابعة، المجلد 11، العدد الأول، ص 52-57). من المستحيل تلخيص هذا السجال المعقد هنا.
(18) وذلك من عام 1927 وصاعداً.
(19) مقدمة بنغ شويتسي لكتاب "ليون تروتسكي بصدد الصين"، ص 96. كان حكم بنغ يشمل قيادات الحزب الشيوعي الصيني بعد عام 1927، بما فيها القيادة الماوية.
(20) سوف نعود إلى هذه المسألة.
(21) وانغ سي، مرجع مذكور، ص 180.
(22) هوشي هسي، الجيش الأحمر وصعود ماوتسي تونغ، باريس: منشورات معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية، 1982، ص 68. وقد جرى نشر مقال ليو بو شينغ، الذي لخصه هو ، في آب 1932 أصلاً. ونشر كتاب صن تزو (صن زي) فن الحرب، بالإنكليزية، في لندن، بواسطة منشورات جامعة أوكسفورد، 1963و1971. وفي مقدمة حماسية للكتاب، كتب ب.ه. ليدل هارت أن "دراسات صن تزو حول "فن الحرب" تشكل أولى المعالجات المعروفة لهذا الموضوع، لكن لم يجر التفوق عليها إطلاقاً من حيث سعة الإدراك وسعة الفهم... بين كل المفكرين العسكريين في الماضي، لا يمكن أن يدخل في المقارنة غير كلاوزفيتنر، وحتى هو أكثر "شيخوخة" من صن تزو، وبصورة جزئية "عفا عليه الزمن" ، مع أنه كان لدى تزو رؤية أكثر وضوحاً، ونفاذ بصيرة أعمق، ونضارة أبدية" (مرجع مذكور، ص5).
(23) ماوتسي تونغ ، "مشاكل استراتيجية في الحرب الثورية الصينية"، 1936، في شرام، الفكر السياسي لـ ماوتسي تونغ، ص 276. وقد عدل ماوتسي تونغ نهاية هذا المقطع في طبعة عام 1951 ليعطي وزناً أكبر للتجربة الروسية.
(24) "قرار كونفرانس زون يي" (العنوان الكامل: قرار مركز الحزب الشيوعي الصيني بصدد كشف حساب النضال ضد التطويق الخامس للعدو) منقولاً إلى الفرنسية في هوشي- هسي، مرجع مذكور، ص 230-250.
(25) لين بياو، "حول تكتيك الهجمات القصيرة والمفاجئة"، 5 تموز 1934، في هوشي-هسي، مرجع مذكور ، ص 218-229.
(26) شن يي (دون لي)، "تقرير حول تاريخ جيش زو- ماوتسي تونغ الأحمر ووضعه الحالي". أيلول 1929 ، النشرة العسكرية للجنة المركزية، العدد الأول، 15 ك2 1930. أعيد طبعه بالفرنسية في هوشي – هسي، مرجع مذكور ، ص 149-178.
(27) مرجع مذكور ، ص 159.
(28) ماوتسي تونغ ، "رُبَّ شرارة أحرقت السهل بكامله"، 5 كانون الثاني 1930. واردة في هوشي-هسي، ص 47. في النسخة الحالية من المختارات، جرى إسقاط اسمي هي لونغ ولي ون ليف، المرجع ذاته، ص 130. من جهة أخرى، لا يظهر اسم بنغ دي هواي في النسخة الأصلية ولا في المختارات، الأمر الذي قد يدل على أنه كان واحداً من "بعض الرفاق" الذين انتقدهم ماوتسي تونغ . سوف نجد ترجمة إنكليزية لهذه الرسالة، المختلفة قليلاً عن تلك الخاصة بهوشي-هسي، في "رسالة إلى لين بياو"، نيو لفت ريفيو، العدد 65 ، ك2-شباط 1971، ص 60-61 (مع مقدمة كتبها بيل جينر).
(29) "رسالة توجيهات من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني إلى لجنة الجبهة الخاصة بالفيلق الرابع للجيش الأحمر، مختارات شو آن لاي، بكين 1981، ص 41-59. وفقاً للافتتاحية، "لم يتم الاحتفاظ ببعض مقاطع هذه الرسالة حين جرى إيرادها في الطبعة الراهنة". لم أستطع مقارنتها بالنص الأصلي. كتب هذا النص شن يي، بعد نقاش تقريره الإعلامي المذكور آنفاً ، بإملاء من شو آن لاي.
(30) شو آن لاي، "انتصاراتنا في الحملة الخامسة: "حول الحرب طويلة الأمد"، منشور في النجمة الحمراء، 13 آذار 1934 ومعاد طبعه بالفرنسية بعنوان "حول الحرب طويلة الأمد"، في هوشي-هسي ، ص 178-196.
(31) شوآن لاي، "حول الحرب طويلة الأمد"، مرجع مذكور ، ص 186-187، 190.
(32) أوتو براون، "الثورة والحرب"، "مشكلة ملحة في الحرب الثورية" (العدد 2، نيسان 1934)، "حول تكتيك الجيش الأحمر في حرب المعاقل" (العدد3، 20 نيسان 1934)، "فلنعارض تفسيراً خاطئاً لتكتيكنا" (العدد، 18 أيار 1934). الترجمة الفرنسية في هوشي-هسي، مرجع مذكور ، ص 197-213. نقل هو ثلاثة من المقالات الثمانية الخاصة بـ أوتو براون.
(33) هوشي –هسي، مرجع مذكور ، ص 96.
(34) في تشرين الثاني 1933، تمرد قادة جيش الدرب التاسع عشر ضد تشانغ كاي تشيك وقد أجريت اتصالات بالقوّات الشيوعية، لكنها فشلت في الوصول إلى أي اتفاق. وقد تم عزل التمرد وسحقه. ويمكن أن يكون فجّر تناقضات أخرى في معسكر الكومينتانغ وشل قدرة تشانغ كاي تشيك على الاندفاع بقوة. ولو كانت القوات الشيوعية استطاعت الصمود أكثر قليلاً، ربما كانت ربحت معركة حاسمة: كانت الحرب مع اليابان قد بدأت وسوف يتغير بالكامل بعد قليل الوضع السياسي القومي برمته.
(35) كلمة "FOCOIST أو FOQUISTA, بالأسبانية من FOCO, أي موقد) جرى استخدامها للدلالة على بعض التيارات في حرب العصابات في أميركا اللاتينية ظهرت في الستينيات، بعد انتصار الثورة الكوبية. كانت وجهة النظر البؤروية قد لقيت سستمتها على يد ريجي دوبريه بوجه خاص، في كتابه ثورة في الثورة. لكن تجربة الثورة الكوبية أغنى بكثير وأشد ديالكتية مما يدعيه "المثال" البؤروي.
(36) انظر الفصل الثاني. الجزء الأول.
(37) في ذلك الحين، كان التيار التروتسكي يعتقد أن الطريق الوحيد الممكن تصوره للثورة هو ثورة مدينية تكسب انتفاضة فلاحية إلى صفوفها.
(38) من أجل نقاش هذا الموضوع ، انظر تيودور شانين، THE ROOTS OF OHERNESS RUSSIA,S TURNO OF CENTURY جزآن ، لندن : ماكميلان، 1985.
(39) تؤكد ذلك أحداث ثورية أخرى من العالم الثالث، ابتداء بثورة آب في فيتنام عام 1945. إن المجرى الذي تتبعه نضالات ثورية في بلد ما تتوقف جزئياً على طبيعة المرحلة. والتغييرات في هكذا مرحلة تحددها هي بالذات مجموعة كاملة من العوامل القومية والإقليمية والعالمية. يمكنها إما أن تغلق – أو أن تفتح ، آفاقاً لثورة جماهيرية منتصرة. إنها تغير من الطريقة التي يندمج بها العامل القومي والعامل الطبقي. إلا أنه يمكن أن يتم تبديل في محور النضالات الثورية في بلد خاص على ضوء هذه التغيرات. في هذا الصدد، انظر بيير روسيه، القومية والشيوعية الفيتناميان. الفيتنام بين حربين عالميتين. باريس : غاليليه ، 1978.
(40) يمكن أن يقول المرء أن هذا النوع من الحتمية الفاعلة في هذه الحلبة تاريخي وليس سوسيولوجياً (أو اقتصادياً أو سياسياً)، وهذا يعني أنه نتيجة للتفاعل الملموس لعوامل عديدة وللطريقة التي يؤثر فيها التاريخ الماضي (الحديث والأكثر بعداً في آن) على الظرف والمرحلة.
(41) فضلاً عن ذلك، يتفاوت هذا الدور حسب المنطقة التي نكون بصددها.
(42) سالزبوري، ص 247. الاستشهاد مأخوذ من بنغ دهواي، مذكرات مارشال صيني، هذه المذكرات التي كتبها حين كان في السجن، إبان الثورة الثقافية، ونشرت في بكين عام 1984.
(43) من أجل تفادي هذا الخطر أعاد الشيوعيون الفيتناميون دمج فكرة "لحظة مناسبة" ؛ "أزمة سياسية" ؛ "أزمة ثورية"[أزمة عامة]، في نظريتهم حول حرب الشعب طويلة الأمد وهذه إحدى النقاط التي تتميز بديالكتيتها، وتشكل امتداداً لنظيرتها الصينية وتتجاوزها (جنباً إلى جنب مع القدرة على دمج أشكال متنوعة من النضال، والأهمية المعطاة للنشاط على الحلبة الدولية الخ..).ص 25

التنضيد: واصل العلي، حمص- سوريا