استراتيجية -لحس الكوع-


سعد هجرس
2012 / 7 / 9 - 17:36     

إحتج السودانيون على سياسات حكومتهم التى جعلت حياتهم أسود من قرون الخروب، وقدموا مطالب محددة لرفع هذا الإجحاف، فرد عليهم الرئيس البشير بقوله المأثور "إلحسوا كوعكم.. أقرب من تلبية مطلب واحد من قائمة مطالبكم".
و"ترجمة" هذه "الحكمة" التى نطق بها الرئيس عمر البشير – لمن لم يستطع فك طلاسمها – أن تحقيق مطالب المتظاهرين المحتجين ضد سياسات نظامه من رابع المستحيلات شأنها فى ذلك شأن "لحس" المرء لـ "كوعه".
وكان العرب يتحدثون من قبل عن ثلاثة مستحيلات فقط هى الغول والعنقاء والخل الوفى، فجاء الرئيس البشير وأضاف إليها المستحيل الرابع المشار إليه!
وقد دفعنى الفضول للنظر فى هذه المطالب التى استنكرها النظام السودانى الحاكم إلى هذه الدرجة، فوجدتها مطالب اقتصادية واجتماعية معقولة جداً، ومشروعة تماماً، إن لم تكن متواضعة أيضاً.
لذلك جاء رد الأشقاء السودانيين على "استراتيجية "البشير المبتكرة بإبداع مضاد مشفوع بخفة الدم السودانية المعهودة حيث نظموا "جمعة" مضادة أطلقوا عليها اسم "جمعة لحس الكوع"، لكى يكون العقاب من جنس العمل.
*****
وفى الحقيقة فان الرئيس البشير لا يملك براءة اختراع "استراتيجية لحس الكوع"، لكنه يحمل بالتأكيد براءة اختراع تسميتها الطريفة.
فالغالبية الساحقة من الأنظمة العربية الحاكمة دأبت على النظر الى مطالب شعوبها – مهما كانت هذه المطالب مشروعة ومتواضعة – باعتبارها تطاولاً على "الباب العالى" وخروجاً على "الأصول" وفى مقدمتها تجاوزا لواجب "السمع والطاعة".
وحتى عندما يبدو بعض هذه المطالب بديهياً، ويبدو عدم الاستجابة لها تعنتاً لا مبرر له، تمعن هذه الأنظمة الحاكمة فى رفضها من باب أن الاستجابة لمطلب واحد مهما كان متواضعاً يمكن أن يجعل المعارضة تتمادى فى طلباتها و"تطمع" فى المزيد، كما أن هذه الاستجابة يمكن أن يفسرها البعض على أنها أحد أعراض "ضعف" النظام الحاكم، ولهذا يكون الرفض المطلق هو الإجابة الجاهزة من باب الاحتياط.
وعندما يزداد الضغط الشعبى أكثر وأكثر وتفشل أساليب التضليل من ناحية، والقمع من ناحية أخرى فى إخماد جذوة المد الثورى يضطر نظام الحكم إلى الإذعان والتراجع والتسليم بمطالب أكثر حتى من المطالب التى تم رفضها فى البداية، لكن يكون الوقت قد فات وأصبحت الاستجابة لها أقل من أن ترضى الشعب الذى نفد صبره وتبدد رصيد أى شكل من أشكال الثقة فيه.
هذا العناد الذى تجسده "استراتيجية لحس الكوع"، هو نفسه الذى نلمسه فى المثل الشعبى المصرى الدارج الذى يتحداك بان الاستجابة إلى مطلبك لا يمكن أن تتحقق قبل أن "ترى حلمة أذنك".
وهو نفس العناد الذى يتمثل فى المثل العربى الذى يرى أن التجاوب مع مطلب ما "دونه خرط القتاد" أى تقطيع الجبال!!
****
نحن إذن إزاء ثقافة مصرية – وعربية - قديمة يمكن تسميتها بـ "ثقافة الاستبداد"، أى الثقافة التى تبرر الاستبداد وتحاول تجميل وجهة القبيح ، بل تحاول إسباغ لمسة طريفة على جوهره البشع.
ولا ننسى أنه منذ أقل من عام ونصف نظر الرجل الذى كان جاثما على عرش مصر ثلاثين عاما متصلة الى مطالب شعبه باستهانة، مردداً مقولته المفعمة بالغرور "خليهم يتسلوا".
هذه العبارة القصيرة تحمل فى ثناياها شعوراً بالثقة المطلقة فى قدرة نظامه على الاستمرار، والثقة اليقينية بأن زعزعة هذا النظام من "رابع المستحيلات" أو أن "دونها خرط القتاد" أو "لحس الكوع".
****
هكذا.. يفكر الطغاة دائماً، ويتصور كل منهم أنه يستطيع تجنب المصير المأساوى للمستبدين الذين سبقوه، لكن الواقع يحكى لنا قصة أخرى حيث عروشهم تتهاوى الواحد تلو الآخر، ولا يكتشفون إلا متأخراً جداً وبعد فوات الأوان فساد حكمتهم المبتذلة التى ليست "استراتيجية لحس الكوع" إلا أحد أكثرها فجاجة وبجاحة.