المهمة التي لم تنجز


فاضل الحليبي
2012 / 7 / 6 - 08:33     

ستظل تلك المهمة الوطنية التي لم تنجز من قبل اطراف التيار الوطني الديمقراطي، موضع جدل ونقاش في صفوف الحريصيين على وحدة هذا التيار المناضل، ذو التقاليد النضالية والكفاحية على مدار أكثر من نصف قرن من النضال الوطني من أجل الحرية والأستقلال الوطني والعدل والمساواة والديمقراطية الحقة، وهي مسئولية تاريخية وجماعية لأطراف هذا التيار الوطني الديمقراطي، لا نستطيع التكهن متى سيتم تحقيق هذه المهمة الوطنية الماثلة أمام الشيوعيين والقوميين والديمقراطيين والشخصيات الوطنية، الوقت يمضي سريعاً والمهام والتحديات والتعقيدات في الساحة تزداد صعوبة وتعقيداً وكل يوم تنشأ ظروف واوضاع جديدة، والوضع السياسي يراوح مكانه ومؤسسة الحكم في البحرين غير جادة في موضوع "الحوار الوطني" والوضع الأقليمي والمنطقة ذاهبة نحو الأسوأ، بعد أحد عشر عاماً من طرح ميثاق العمل الوطني في فبراير 2001، وأطراف الحركة الوطنية الديمقراطية والتقدمية في البحرين لم تتفق على وحدة تيارها، مثلما جرى للعديد من أقرانهم في بعض البلدان العربية، بالرغم من أهمية قيام التيار، وما يمثله من تاريخ وتأثير على العديد من قطاعات شعبنا، بصفته قوى سياسية عابرة للطوائف والمذاهب، والجماهير الحريصة على وحدة هذا التيار تراقب وتنتظر تلك اللحظة التاريخية.

ولكن يبدو بأن هناك جهات وأطراف متعددة المشارب والأهداف في البحرين لا يروق لها توحيد ذلك التيار الوطني الديمقراطي، تتوجس خوفاً وريبة من قيامه ووحدته، وتخشى من برنامجه الأجتماعي قبل السياسي، لهذا تعمل جاهدة على عرقلة وأعاقة قيامه، ولا تريد له أن ينهض، كي لا يتميز عن الآخرين في الساحة السياسية، ويمارس انشطته وبرامجه المعبرة عن وحدة شعبنا بكل طوائفه وفئاته.

هنا نريد أن نوضح أمراً في غاية الأهمية، وهو أن المرء لا يريد لهذا التيار الوطني الديمقراطي بعد ان يتوحد ويطرح برامجه وأهدافه ومشاريعه، بأن ينكفيء على نفسه وينعزل عن القوى السياسية المعارضة التي يتشارك معها في العديد من المطالب والاهداف السياسية، وان وجد التباين والاختلاف في هذه المسألة أو تلك، لطبيعة الصراع السياسي القائم في البلاد،هذا لا يعني بان يدخل معها في مناكفات لا طال منها. ان قيام التيار الوطني الديمقراطي، سيشكل قيمة اضافية ونوعية للعمل السياسي المنظم والمعارض، من هنا تبرز أهمية طرح فكرتان رئيستان وهما:

الاولى: التحالف الوطني وما هي عناصر وشروط قيامه،

الثانية: الدولة المدنية ومقومات ومتطلبات تلك الدولة العتيدة.


أولاً: التحالف الوطني

التحالف الوطني في العمل السياسي المنظم في البحرين، ليس فكرة جديدة، أو فكرة طارئة.
عمليا وجد التحالف منذ ان بدأ النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني في البحرين والرجعية المحلية، وتحديداً منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، عندما تأسست هيئة الاتحاد الوطني، والتي تشكلت من قطاعات واسعة من شعبنا، وهي بمثابة تحالف وطني لأبناء شعبنا من فئات وطبقات متعددة وان غلب على الهيئة التأسيسية واللجنة التنفيذية فئة التجار والعوائل المعروفة في المجتمع.

ولكن القواعد تنحدر من الطبقات الفقيرة والكادحة، التي ناصرت ووقفت إلى جانب القيادة، ولكن التحالف الوطني الأهم، الذي برز في انتفاضة مارس المجيدة في عام 1965م بين حركة القوميين العرب وجبهة التحرير الوطني البحرانية وبعض الشخصيات البعثية والناصرية، وكذلك اللجنة التأسيسية لأتحاد عمال البحرين في اعوام 1971-1972، كان تحالف وتنسيق بين أكثر من طرف من أطراف الحركة الوطنية البحرينية، بعد حل المجلس الوطني في أغسطس من عام 1975، بالرغم من الخلاف حول المجلس الوطني (المشاركة والمقاطعة)، (جبهة التحرير ، الجبهة الشعبية)، صدر بيان ثلاثي في الخارج موقع عليه من قبل أطراف الحركة الوطنية البحرينية، (جبهة التحرير، الجبهة الشعبية، حزب البعث، البحرين) يدين السلطات الحاكمة في البحرين بحل المجلس الوطني وتعليق بعض مواد الدستور، وكذلك حملة الأعتقالات الواسعة التي طالت مناضلي جبهة التحرير والشعبية، في 23 أغسطس 1975، وأستمر الحال بأصدار البيانات المشتركة لفترة طويلة، والخطوة الاخرى الأهم كانت إصدار الأرضية السياسية المشتركة بين ( التحرير والشعبية) في عام 1981، تأكيداً على وحدة النضال الوطني المشترك، لإعادة الحياة النيابية وتطبيق الديموقراطية، واطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين في البلاد، وعودة المنفيين.

بعد انتصار الثورة في إيران في فبراير من عام 1979 م ، برز في الساحة السياسية في البحرين تيار الاسلام السياسي المعارض وتحديداً "الشيعي" منه وبدل أن يعمل على التنسيق والتعاون مع أطراف الحركة الوطنية البحرينية انذاك، طرح شعارات معادية في محاولة منه للدخول في معارك جانبية، ولكنه في نهاية الثمانينات عاد من جديد ليؤسس لعلاقات جديدة مع أطراف الحركة الوطنية، وتحديداً (التحرير والشعبية) وصدرت بيانات مشتركة معهم في الخارج، وزاد التنسيق بين أطراف المعارضة البحرينية، بعد صدور العريضتين النخبوية والشعبية في أعوام 1992/1994م، المطالبة بعودة الحياة النيابية، واطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين، وعودة المنفيين.

الحدث الأكثر أهمية في تلك الفترة من تاريخ الحركة الوطنية البحرينية، تشكيل لجنة التنسيق بين جبهة التحرير والجبهة الشعبية في بداية التسعينات من القرن الماضي، لتطوير العمل الوطني المشترك نحو آفاق ارحب ، وصدرت نشرة مشتركة في الخارج بأسم "الأمل"، ولكن بعد سنوات تجمدت اللجنة وتوقف صدور نشرة "الأمل" . كانت المحطات النضالية المشتركة بين أطراف الحركة الوطنية الديمقراطية عديدة ، وأن وجدت الخلافات الفكرية والسياسية، فالقواسم الوطنية المشتركة كانت أكثر ، أثناء وجود الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في الخارج كانت الخلافات بارزة، وبقيت بعض تلك الخلافات عالقة في أذهان من عاش تلك المرحلة التاريخية من حياة ونضال الحركة الوطنية البحرينية، ولا يريد ان يغادرها للابد .

وخلال الأعوام الماضية منذ ميثاق العمل الوطني في فبراير 2001 إلى فبراير 2011، من جديد برز التباين والاختلاف، عرف بثنائية (المشاركة و المقاطعة)، بعد انتهاء هذه الثنائية في عام 2006م، بمشاركة الجميع في انتخابات مجلس النواب لعام 2006م، وتشكيل كتلة الوفاق 17+1=18 عضواً، بدأت تحركات القوى الوطنية الديمقراطية من أجل توحيد صفوفها بشكل أفضل وبعد لقاءات واجتماعات عديدة بين القيادات والكوادر لتلك الجمعيات (الاحزاب) الوطنية الديمقراطية، طرحت من خلالها الرؤى والمرئيات من قبل الجميع و بالمقابل جرت العديد من المحاولات لتعطيل وافشال الأعلان عن قيام التيار الوطني الديمقراطي،لاسباب عديدة.
نعتقد بعد مرحلة 14 فبراير 2011، والانقسام والتشطير الذي حدث في المجتمع و استمرار الأزمة السياسية في البلاد ، لم يعد مقبول الاستمرار بنفس تلك الآلية المعطلة لقيام التيار الوطني الديمقراطي، تحت مبررات عدة.

حان الوقت بأن تبدأ الحوارات الجادة بين القيادات والكوادر في التيار الوطني الديمقراطي، لمعرفة حقيقة واحدة لا غير، ما هو مستقبل هذا التيار، هل البقاء في مكانه دون ان يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام لتغيير واقعه وليصبح رقم هام في المعادلة السياسية يشار له بالبيان ، أم لا يريد ان ينهض من جديد، تتقلص قواعده ونفوذه في المجتمع شيئاً فشيئاً ، ويذووب مثلما يذوب الجليد أو الثلج بعد شتاء بارد وقارس ويصبح ماء ولكنه لا يجري في النهر، يتحول إلى بخار في الجو. هل يستفيق المناضلون أبناء الحركة الوطنية البحرينية من سباتهم العميق قبل فوات الأوان، ويفكروا في مستقبل هذا التيار المناضل، ويحددوا أهدافه وبرامجه وتحالفاته ويضعونه على السكة الصحيحة، لكي لا يصبح جزءا من التاريخ والتراث؟، من ينجز هذه المهمة الوطنية التاريخية الهامة الفاصلة في نضال شعب البحرين وحركته الوطنية الديمقراطية؟.


ثانياً: الدولة المدنية

اتضحت الصورة جلياً بعد وصول قوى تيار الأسلام السياسي لسدة الحكم في مصر وتونس، وتحديداً (جماعة الأخوان المسلمين) الذين يرفعون هذا الأيام شعار الدولة المدنية الحديثة، ولكنهم يضمرون غير ذلك، وأفعالهم هي التي تكشف عن نواياهم الحقيقية قبل أن يكشفها الآخرون ، هم الذين استقووا بالتيارات السلفية في الانتخابات وفي بعض المشاريع ليتقاسموا معهم السلطة ان أمكن، "فالربيع العربي"، نخشى عليه بأن يتحول إلى "الخريف العربي"، وتضيع تضحيات الشباب الذين أشعلوا الثورات في البلدان العربية، فهل يتعلم الماركسيون والقوميون والديمقراطيون الدروس والعبر من تلك الدول، ويحددوا خياراتهم وبوضوح أمام الرأي العام المحلي، لكي لا يبكون على اللبن المسكوب.

الدولة المدنية الحديثة نقيض الدولة الدينية، الدولة المدنية لها مقومات ثابتة تبنى وتقوم على تلك الأسس، الديمقراطية والحريات العامة والشخصية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتشمل حقوق الأقليات والقوميات التي تعيش في كنفها، توجد فيها التعددية السياسية والفكرية وتؤمن الأحزاب السياسية المتنافسة بتداول السلطة ، و تنتهي فيها فكرة الحزب الواحد، الطائفة أو الأسرة الواحدة، القبيلة الواحدة أو العشيرة، يحترم فيها القانون والمؤسسات الدستورية والسلطة التشريعية المنتخبة وتصان فيها حقوق الإنسان، دولة ليست مثالية ولكن ليست دولة استبدادية، أو مزرعة أو اقطاعية خاصة لعائلة واحدة، دولة الجميع فيها أمام القانون سواسية، لا التسلط السلطوي الاستبدادي ولا التسلط اللاهوتي الذي يسلب إرادة الناس وينتقص من وعيهم وحريتهم في الرأي والتعبير والابداع والفكر، دولة عمادها الديمقراطية والحريات العامة، توجد فيها الديمقراطية الحقة ليست كشعار يرفع لمأرب وأهداف خاصة، وإنما الديمقراطية ذات تطبيق خلاق و سلوك وممارسة على الواقع الملموس. فهل تؤمن الاحزاب الدينية بتلك الدولة المدنية الحديثة الديمقراطية؟.

تلك التساؤلات تظل قائمة، نريد ربيعاً بحرينياً و عربياً تتفتح فيه الزهور والورود، ويتوقف الرصاص والقتل والاعتقال ضد الشعوب العربية المناضلة من أجل مستقبل أكثر إشراقاً.