هل سيبقى مرسي في القصر الرئاسي اربعة اعوام حقا؟


يوسف يوسف المصري
2012 / 6 / 25 - 08:42     

انتهى – كما يقول كثيرون وكما يبدو مما يحدث في مصر الآن - الصراع الذي دام لعقود طويلة بين مجموعتين سياسييتين يمثلان شريحتين مختلفتين من سارقي قوت المصريين ونتاج عملهم في تحول احتفل به المصريون وصفقوا خلاله لهذا الزواج غير المريح بين من يقمعونهم اما بالافكار او بالسجون وفرق الامن. ويرى البعض ان الامر قد يستغرق سنوات - اذا ما كتب لهذا الزواج ان يدوم - حتى يألف كل زوج زوجه ويتحقق من ان الامر لم يكن سيئا الى حد يبرر تلك الخصومة الطويلة ليردد الجميع ان عفا الله عما سلف وان الاخوان والجيش ايد واحدة ضد من يجرؤ على ان يطالب بانهاء حرمان اصحاب المصدر الوحيد لثروة مصر اي من يعملون وينتجون بعرقهم ولا يجدون في نهاية المطاف الا الفتات. الا ان هناك ايضا احتمالا بان يفسخ العقد في نقطة لاحقة حين يصبح ذلك ممكنا. واحتمال دوام هذا الزواج هو موضوع هذه الورقة القصيرة.
ويرى القائلون بان هذا الزواج قابل للاستمرار شروطا عملية تفسر ما ذهبوا اليه. ذلك ان صعود الاخوان المسلمون والدعم الذي تلقوه من الداخل ومن الخارج يؤشر على طبيعة هذه المرحلة التي تتسم بالبحث المحموم عن بدائل صالحة للحفاظ على "الاستقرار" اي على مواصلة استغلال المحرومين من ثمار عملهم مع اغلاق طرق تمردهم على القسمة غير العادلة لتلك الثمار. فقد واجهت السلطة السياسية السايقة في مصر تحللا تدريجيا طرأ على قدرتها على الحفاظ على ذلك الاستقرار تمثل لا في ضعف قدراتها الامنية التي كانت تتزايد باضطراد على مر السنوات ولكن في تراجع قدرتها على اقناع الطبقات الشعبية بانها حقا تمثل الجميع اي فقدانها لما يسمى الآن بالشرعية وهو الامر الذي توج في 25 يناير 2011 وما تلاه حين خرج المصريون عن بكرة ابيهم للمطالبة باسقاط "النظام".
اما الآن فقد انضم ممثلو السماء والارض مع حاملي الرشاش وسائقي الدبابة في حلف بدأ قسرا ولكنه سوف ينتهي ليس فقط بالتبات والنبات ولكن بقدر كبير من تبادل المتعة. ذلك ان ترسانة خصوم البسطاء في مصر قررت في نهاية المطاف توحيد قواها ضد هؤلاء البسطاء الذين يصفقون اليوم. او هذا ما يقال.
ويشير اصحاب هذا الرأي الذي يبدو وجيها من الناحية النظرية الى ان الدول "المانحة" التي تعهدت في دوفيل بمنح مصر ودول اخرى 20 مليار دولار يقدم مخرجا يعين التحالف الجديد على التقاط انفاسه وتعزيز اركانه. غير ان الامور ستذهب في اتجاه آخر يفرضه الواقع الملموس في مصر الآن.
فعند فحص شروط مجموعة دوفيل – اولا - يظهر واضحا ان من غير المتوقع ان تقدم تلك الدول شيئا على الاطلاق. فهناك اولا الازمة الخانقة التي تعانيها هي نفسها وهناك اشتراطها تقليل الفوارق بين الدخول وضم شراح اوسع من السكان للعملية الاقتصادية وتحديث المؤسسات المالية مقابل الحصول على المعونة. وفيما يمكن فهم هذه الشروط في سياق متطلبات اجراء اصلاح شامل في اداء النظام الرأسمالي في مصر الا انها عمليا مستحيلة التحقق قبل مرور بعض الوقت وبافتراض توفر الارادة.
وهكذا فان التحالف الجديد سيجد نفسه في مواجهة ازمة كبيرة ناجمة عن تردي الوضع المالي للبلاد بعد 16 شهرا من جهود قمع الثورة. ومن شأن ذلك ان يضع ضغوطا على الزوجين الجديدين اذ سيحاول كل منهما تبرئة نفسه من مسؤولية الاجراءات التي ستتخذ او تلك التي لن تتخذ. فثمة بند في الموازنة الجديدة ينص على الغاء دعم الطاقة وثمة – في المقابل - مطالب بتعيين العاملين غير المثبتين وبرفع الحد الادنى من الاجور والمعاشات. ومن الصعب تصور ان بالامكان الاعتماد على شحنات مالية كافية من دول في المنطقة تدعم الاخوان دون تقديم ضمانات مقنعة بقدرة البلاد على السداد.
وفي مواجهة المطالب التي دفع المصريون ثمنا باهظا في السعي نحو تحقيقها فان ارقام الموازنة الجديدة توضح ان هناك عجزا يقدر بنحو 23 مليار دولار. ويعني ذلك ان على الحكومة المصرية ان تقبل قرض صندوق النقد الدولي مهما كانت شروطه – واولها رفع الدعم عن الطاقة – ليس لاهمية ذلك القرض في ذاته فهو لا يتجاز 3,2 مليار دولار ولكن لانه سيتيح لمصر ان تقترض من المؤسسات المالية العالمية الاخرى بما انها حصلت على صك ضمان من صندوق النقد بقراره اقراض تلك الحكومة.
غير ان التصنيف الائتماني لمصر تراجع منذ اكتوبر 2011 ثلاث مرات متعاقبة مما يجعل من تكلفة القروض الخارجية مرتفعة نسبيا بالمقارنة بما كانت عليه قبل اكتوبر من العام الماضي. وسوف يتيح الانخفاض النسبي لنسبة الدين الخارجي الذي يبلغ نحو 33,7 مليار دولار الى الناتج المحلي الاجمالي وهي نسبة تبلغ قرابة 14% فرصة للمناورة امام الحكومة المقبلة في سوق القروض العالمية. الا ان المشكلة التي ستواجهها الحكومة الجديدة هي الديون الداخلية. ذلك ان الدين الخارجي لا يتجاوز 15% من المجموع الكلي للديون المترتبة على الحكومة المصرية. بعبارة اخرى فان من المحتمل ان يكون الدين الخارجي والداخلي معا قد وصل الآن او تجاوز الناتج المحلي الاجمالي كله بالفعل.
ويعزز من ذلك الاعتقاد على الرغم من عدم توفر آخر الارقام تحت يدي الآن الاحصائيات التي اشارت الى ان الحكومة سحبت بالفعل ما يقارب 60% من الودائع المصرفية على هيئة قروض من الداخل. ويعني ذلك ان النظام المصرفي بات مكشوفا بدوره امام الديون السيادية لاسيما وان الحكومة اضطرت الى اصدار قرارات بخفض الاحتياطي الاجباري لدى المصارف مرتين في مارس من 14% الى 12% وفي مايو من 12 الى 10%. واضطرت الحكومة الى زيادة سعر الفائدة لحفز الادخار حتى يسهل لها الحصول على اموال المودعين. الا ان ذلك يضع ضغوطا تضخمية متزايدة على الاقتصاد المصري لاسيما وان الحكومة لن تتمكن من تسديد اي جزء من قروضها الداخلية الا عبر الحصول على المزيد من ودائع البنوك وذلك بسبب عجز الموازنة من الاصل.
وهناك توقعات بان تضطر الحكومة المقبلة الى خفض سعر صرف الجنيه ازاء العملات الدولية بنسبة ملموسة حتى تتمكن من معالجة مشكلة الدين الداخلي وهو امر لابد ان يؤدي الى موجة تضخمية كبيرة سيتحمل ثقلها المواطن المصري محود الدخل. ويضاف الى ذلك ان على هذا المواطن دفع 4 مليار دولار اضافية لقاء ما يستهلكه من الطاقة والسلع الاستهلاكية الاخرى وهو المبلغ الذي ستزيله الموازنة المقبلة من الدعم (اي الفارق بين 132,6 مليار جنيه للدعم في الموازنة الحالية مقابل 112,5 مليار جنيه في الموازنة المقبلة). بعبارة اخرى سيكون المواطن المصري محدود الدخل محاصرا بين موجة تضخمية هائلة ونظام مصرفي مهتز وعملة محلية تخفض اضطرارا. ويأتي ذلك في وقت ارتفعت فيه توقعات المصريين الفقراء الى سقف لا يمكن الوصول اليه بل لا يمكن اصلا الابقاء على السقف السابق عند مستواه. ان هناك اتجاها واحدا مرشحا للحدوث ذلك هو المزيد من افقار المصريين.
وتعني هذه الصعوبات الكبيرة التي تواجه الزوجين الجديدين عدة امور. فهي من جهة تضع اسس عودة المصريين في وقت اقرب مما يتصوره الزوجان الى الشارع. ثم انها من الجهة الاخرى تضع على منزل الزوجية ضغوطا هائلة من خارجه. ومن شأن ذلك ان يصل بالضغوط الخارجية الى نتيجتها الطبيعية اي ان يسعى كل من طرفي هذا التحالف الجديد الى القاء اللوم على الآخر. ان القضية بعيدا عن تجريد مفرداتها ليست قضية تشابه في المصالح الطبقية اذ ان تلك المصالح كانت دوما متشابهة. انها قضية الصراع على السلطة السياسية ومن ثم محاولة كل جانب تأمين مصالحه وتعظيمها. ذلك ان الحديث عن وحدة المصالح الطبقية بين الاخوان وقادة القوات المسلحة ومن يمثلانه يفترض مسبقا ان هناك ما يهدد تلك المصالح ومن ثم ما يبلور وعيا مشتركا بين الطرفين بوحدتهما. فالوحدة لا تفترض مسبقا بناء على التحليل النظري لاي مثقف يقسم ان الاثنين هما في نهاية المطاف واحد. انهما يمكن ان يكونا اثنين ويمكن ان يكونا واحدا ايضا طبقا للوقائع الملموسة التي تدفع الى هذا او ذاك او بالاحرى طبقا لوجود نقيض يهددهما معا ومن ثم يدفعهما الى التوحد. وطالما لم تتبلور بعد حركة الطبقة العاملة التي تهدد مصالح الطرفين معا فان الصراع بينهما يظل قائما على حصة كل من الكعكعة وحول من بوسعه اصدار قرار تسهيل عمل شركات الآخر وادوات استغلاله لعرق الناس.
ان المرجح ان تباغت تداعيات الازمة الاقتصادية والمالية في مصر الطرفين بل وان تباغت المواطن المصري المحروم ايضا والذي يعلق آمالا كبارا على "التغيير" الذي حدث في السلطة السياسية. وفيما يقال الآن ان المجلس العسكري ترك كافة الوزارات للاخوان لشغلها بمن يريدون وابقى في يده الوزارات السيادية وحدها فان ذلك ربما يعني ايضا ان مرسي لن يتمكن من حل الازمة بل ان الازمة هي التي ستتمكن من حله. ان الرئيس محمد مرسي سيتحول في خلال عام واحد او اقل الى الشماعة التي يعلق عليها المجلس والناس الذين يرقصون الآن في الميادين ما سيحدث من تشديد قبضة الفقر على اعناق المصريين مما قد لا يتيح له البقاء في القصر الرئاسي الا لفترة واحدة ان تمكن اصلا من اكمالها. وساعتها ستعود الانظار الى ورقة الفريق احمد شفيق ما لم يكن المصريون قد ادركوا ان الحل الحقيقي لا يكمن في هذا او ذاك. انه يكمن حقا فيما قالوه هم انفسهم منذ 25 يناير من العام الماضي اي اسقاط "النظام"