في محاولة فهم البيروقراطية الأردنية و الدور المتبقي لها


ابراهيم حجازين
2012 / 6 / 21 - 23:39     

حتى لا نخطئ في فهم التقييم اللاحق ارغب بتوضيح الفكرة التالية حول البيروقراطية الأردنية وهو مصطلح استخدم لفهم طبيعة احد مكونات التحالف الحاكم في الأردن في العقود الماضية. كما كانت تفهمها القوى القومية واليسارية الأردنية في خطابها الفكري والسياسي. البيروقراطية هي تلك الشريحة من الموظفين ذوي المناصب العليا في إدارة الدولة والتي تحقق مكاسب اجتماعية ومادية نتيجة لموقعها هذا، هذه الشريحة التي كانت تمثل قوة سياسية هامة وتتقاسم السلطة مع فئات أخرى في الدولة الأردنية قد انتهت ولم يعد لها وجود مستقل وخاص بها كما كان الوضع سابقا، لقد فقدت تأثيرها وسلطتها، ولكن هذا لا يعني أن البيروقراطية غير موجودة حاليا انها قائمة طوال ما الدول قائمة ولكن الذي تغير انها قد فقدت الدور الذي كانت تقوم به وأصبحت ملحقة بفئات أخرى اكثر ديناميكية وقدرة على تحقيق المكاسب بأنشطتها الطفيلية، والسبب في ذلك أنها اندمجت في سوق الاستثمار الجديد غير المنتج والطفيلي والذي عرف في الأدب السياسي الأردني بأسلوب المقامرة والاحتيال وهو اسلوب برعت به الليبرالية الجديدة وهو ليس أصيلا في بلادنا بل نقل كما طبق من مثيلاتها من الفئات والشرائح الاجتماعية في دولة المنشأ الولايات المتحدة وثبت ذلك خلال انكشاف الأزمة المالية في العامين الماضيين.
فمنذ بداية الألفية الثانية بدأت فئات ممن أطلق عليهم الحرس القديم بالتساوق مع النمط الجديد للكسب غير المشروع والسير قدما ومنافسين لفئات أصيلة في هذا ألكار وأصبح هو النمط الاقتصادي الشائع في الأردن، استثمارات في العقارات ومشاريع مزيفة وبيع للمؤسسات الوطنية، فدبروا أنفسهم ضمن ائتلافات مع آخرين او أنهم شقوا طريقهم نحو بزنس خاص بهم ضمن قوانين اللعبة الجديدة مستفيدين او محاولين ذلك من ارتباطاتهم التي كونوها في مرحلة نفوذهم السابقة، وهذا يفسر التواطؤ بين من كانوا حرس قديم والفئات الجديدة في بيع مؤسسات يعتبرها الأردنيون رمزا لهويتهم مثل قيادة الجيش أو إعمال البزنس في وادي عربة ودخول شخصيات على خط التسهيلات وغيرها من تبيض أموال أو شركة موارد وباقي القصص معروفة.
هذا لا يعني ان كل من انتمى لهذه الشريحة دخل سوق البزنس الجديد بل بقي منهم من يحلم بعودة الماضي السعيد او التمسك بالدور الشخصي وعلى أساس الاستعداد لتقديم خدمات في الظروف الصعبة المتوقعة لاستعادة دورهم معتمدين على الارتباطات الاجتماعية من امتداد لمصالح قديمة او انتماءات عشائرية.
ومن المهم ان نشير ان تلك الشريحة من البيروقراط والتي اندمجت بالبنية الجديدة للرأسمال الأردني طفيلي الطابع تدخل في تنافس مع شرائح الكمبرادور والفئات الجديدة التي نشأت ضمن التغيرات الاجتماعية-الاقتصادية بعد وادي عربة والاندماج في إستراتيجية الاحتكارات الدولية بقيادة الولايات المتحدة، وهم يتنافسون على الدوام لاقتسام الكعكة مستخدمين كل أسلحتهم بما فيها إثارة النزعة الإقليمية والعشائرية والدينية والطائفية والجهوية لزيادة حصتهم كما برع منهم من استخدم قضية الحقوق المنقوصة مستغلين نبل القضية الفلسطينية وموقعها الخاص في وجدان الأردنيين فهي تعني للأردن قضية وطنية وقومية في وقت واحد ، والطرفان المتنافسان لا يختلفان في التعامل مع هذه القضية والحلول المطروحة لها، فيعملان لإنهائها ضمن إستراتيجية وادي عربة وأوسلو والتي تعني تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء الكيان الأردني ضمن ترتيبات أمريكية -صهيونية ورجعية عربية، ومن هنا ومع فشل او بالأصح انتهاء دور الحكومات السابقة في إيقاف الحراك الوطني والشعبي الأردني أو الحد منه في العامين الماضيين وعدم قدرة أصحاب النهج الجديد على التصدي لمطالب الشعب الأردني والتي أصبحت تجذب مزيدا من الأنصار والفئات الجديدة تم استدعاء فايز الطراونة كرأس رمح لمساعدة الاتجاهين المتخاصمين والمتساوقين مع الخطة الأمريكية ليعبد الطريق وباسم الوطنية الأردنية للانقضاض على الحراك الشعبي الأردني لتمرير مخططاتهم تلك. وهذا أصبح يوضح أكثر فأكثر بعد أن انكشف أن السلطة ليس بواردها ما ادعت من إصلاحات، لا بل فإنها تقوم بدفع المعارضة وباقي الفئات المناوئة للاستبداد والتعدي على كرامة وقوت المواطن لمقاطعة الانتخابات المنوي عقدها أواخر العالم الحالي، مما يكشف النوايا الفعلية للحكم من جهة باستبعاد أي تمثل حقيقي للشعب الأردني في مؤسسات اتخاذ القرار، وإنهاء الحراك الذي أصبح يشكل صخرة وطيدة أمام اللعب بمصائر المنطقة وتنفيذ سياسات التحالف الطبقي القائم. فاستفادوا من رغبات الطراونة في العودة الى مسرح القرار ولكنه في هذه المرحلة يتم استعماله كأداة وليس كأصيل في المعادلة السياسية من قبل تحالف طبقي خطير طفيلي من حيث الطابع وفاقد أصيل لانتماءاته الوطنية والقومية والدينية بالرغم من ما يبرز بين مكوناته على حجم المكاسب لكل منهم.
في النهاية لا بد من الإشارة أن الحراك الأردني على اختلاف مناطقه وأهدافه ودوافعه الا انه يتقدم بخطى حثيثة نحو مزيد من التوحد والاتفاق، وأن أصحاب القرار في الدوائر الحاكمة قد نسوا ان الشعب الأردني وحراكه قد نضجوا ولا يمكن ان تمر عليهم الألاعيب التمزيق وإثارة الفتن من جديد حتى ولو استعانوا بكل سياسات البيروقراطية السابقة وأدواتها لتحقيق ذلك. ويبقى ان نؤكد على أهمية وحدة كافة القوى الحريصة على الأردن واستقلاله وتقدمه والتي تعمل من اجل جعله منارة للديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية باستعادة ثرواته المنهوبة ودور الدولة في المحافظة على المستوى المعيشي للمواطن وبناء الدولة المدنية على أساس أن الشعب مصدر السلطات ودور الوطنية الأردنية كجزء أصيل من المعركة القومية من اجل التقدم والتحرر والديمقراطية واستعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني التي فقدها عند تطبيق مشروع بريطانيا الصهيوني في المنطقة.