عن تفاهة الوجود - شوبنهاور


عباس يونس العنزي
2012 / 6 / 21 - 14:14     

عن تفاهة الوجود - شوبنهاور
ارتور شوبنهاور
(ترجمة)
هذه التفاهة تجد تعبيرها في كل الصيغ التي تنوجد فيها الاشياء ، في الطبيعة اللامتناهية للزمان والمكان مقابل الطبيعة المنتهية المحدودة للفرد ، في المرور الدائم للحظة الحاضرة كونه الشكل الوحيد للوجود الفعلي ، في ترابط ونسبية كل شيء ، في الصيرورة الدائمة من دون التواجد الابدي ، في التمني الدائم وعدم الاقتناع ، في المعركة الطويلة التي تنتج تاريخ الحياة ، حيث سيمتحن كل جهد بالصعوبات ويتوقف بانتصار الصعوبات .
الزمن الذي يمر فيه سريعا كل شيء هو بتجريد الصيغة التي بظلها ارادة الحياة - الشيء في ذاته ولذاته لذا فالخلود - ستتكشف له بأن جهودها الى العدم ، إنه العامل الذي به في كل لحظة تصبح الاشياء التي بين ايدينا لاشيء وتفقد كل قيمة تمتلكها .
الذي يوجد وليس اكثر هو موجود صغير كالذي لم ينوجد لذا فشيء ذو أهمية عظيمة يمر الآن هو أقل قيمة من شيء ما بأهمية أقل يحضر الآن ، حيث أن الأخير هو "حقيقي" وبالنسبة للسابق كشيء هو لا شيء .
الانسان يجد نفسه لدهشته العظيمة - موجود فجأة ، بعد آلاف وآلاف من سنين عدم الوجود ، ولفترة قصيرة يعيش _ وبعد ذلك مرة أخرى يعود كما الاول ، يجب أن ينوجد ليس أكثر ، إن القلب ليضطرب ضد ذلك ويشعر بأنه لا يمكن أن يكون حقيقي .
العقل البسيط لا يستطيع أن يفكر بمثل هذا الموضوع من غير أن يملك هاجس بأن الزمن مثالي في طبيعته ، مثالية الزمان والمكان هما مفتاح كل نظام حقيقي في الميتافزيقيا ، بسبب أنها تعطي الى نظام آخر تماما من الاشياء لأن تلتقي معا في مجال الطبيعة . لهذا كان كانط عظيما جدا .
من كل حدث في حياتنا نستطيع أن نقول فقط للحظة أنه ها هو وللأبد أنه كان ، كل مساء نحن نفقر بيوم ، ذلك ما يجعلنا مجانين ونحن نرى كيف وبسرعة ينحسر بعيدا مجال حياتنا القصير ، وإذا لم يكن كذلك في العمق الابعد من وجودنا نحن وبالخفاء نعي شراكتنا في النبع المستنزف للخلود ، لذا نحن دائما نأمل أن نجد حياة فيها مرة أخرى .
اعتبار النوع وبتماس مع ما عرض اعلاه ربما يقودنا في الحقيقة لاعتناق الاعتقاد بأن الحكمة العظمى هي جعل متعة الحاضر الشيء الأسمى في الحياة بسبب إنها الحقيقة الوحيدة وما عداها مجرد مسرحية للفكر . على الجانب الآخر مثل هذا الدرس كما قد يسمى الحماقة الأعظم : لأجل ذلك الذي في اللحظة التالية ينوجد ليس أكثر ، ويختفي تماما مثل حلم لا يمكن أن يساوي جهدا جديا .
المؤسسة الكاملة التي يقف عليها وجودنا هو الحاضر الابد -الحاضر العابر ، إنها تستقر من ثم في ذات طبيعة وجودنا لتأخذ شكل الحركة الثابتة ، ولتعرض انعدام انحيازها الدائم للحركة التي لأجلها نحن نكافح دوما .
نحن نشبه رجلا يركض هابطا من تل ولا يستطيع المحافظة على رجليه دون الركض وسوف يسقط حتما ان توقف ، أو مرة أخرى مثل عمود موازن على طرف اصبع شخص ما أو يشبه كوكبا يسقط في شمسه لحظة توقف عن الاسراع الى الامام في طريقه . الاضطراب هو علامة الوجود ، في عالم حيث الكل غير مستقر ولا أحد يبقى ، فقط يكنسون الى الامام مباشرة في تعجيل دوامة التغيير ، حيث الانسان إذا هو حافظ على الاقامة في الكل يجب دائما أن يتقدم ويتحرك مثل بهلـوان على حبل ، في مثل هذا العالم السعادة هي في اللاتصديق .
كيف يستقيم هناك -كما قال افلاطون - أن الصيرورة الدائمة وعدم التكون هو الشكل الوحيد للوجود ؟ في المحل الأول الانسان ليس سعيدا لكن يبدد كل حياته في الكفاح وراء شيء ما يعتقد إنه يجعله كذلك ، نادرا ما ينجز هدفه وعندما يحقق ذلك فقط ليكون خائب الأمل ، فارغ محطم السفينة في النهاية ويعود للميناء مع الاساور والملابس الضائعة . وبعد ذلك فالـجميع واحد ، السعيد والتعيس ، بحياتـهم هناك أكثر من لحظة حاضرة تختفي على الدوام ، والآن هي قد نفدت .
في الوقت ذاته فإنه لشيء رائع أن في عالم الانسان كما هو في عالم الحيوان عموما ، هذه الحركة المنوعة القلقة تنتج وتتواصل بوكالة من دافعين بسيطين - الجوع والغريزة الجنسية - مدعومة قليلا ربما بتأثير الضجر ، لكن لا شيء عدا ذلك .
في نظرة قريبة قليلا نجد المواد اللاعضوية تقدم نزاعا دائما بين القوى الكيميائية التي في النهاية تصنع التفسخ وفي اليد الاخرى فالحياة العضوية مستحيلة من دون التغير المادي المستمر ولا يمكن أن تنوجد إذا لم تتسلم المعونة الدائمة من الخارج ، هذا هو العالم المنتهي وعكسه الوجود اللانهائي ، حيث لا يتعرض الى هجوم من الخارج ولا يحتاج شيء لدعمه ، عالم السلام الابدي ، حالة لا زمنية وغير متغيرة ، واحدة وغير متنوعة ، المعرفة السلبية التي منها تتشكل الملاحظة المـهيمنة للفلسفة الافلاطونية . هي شبيهة لحالة مثل تلك : انكار لإرادة العيش سيفتح الطريق مباشرة .
مشاهد حياتنا تشبه صورة صنعت من الموزائيك الخشن ، تنظر لها عن قرب فتكون بلا تأثير ، لا شيء جميل فيها مالم تقف على مسافة منها ، لذا للحصول على أي شيء رغبنا به هو فقط لاكتشاف كم هو تافه وفارغ ، وحتى رغم أنا نعيش دائما في توقع الاشياء الأفضل فبنفس الوقت نحن غالبا نندم ونشتاق لعودة الماضي مرة أخرى ، نحن ننظر الى الحاضر كأنه يدوم ويؤدي الى الطريق نحو أهدافنا ، ومعظم الناس سيدهشون عندما ينظرون للماضي بعد وصول نهاية الحياة إذ يجدون بأنهم عبر حياتهم المؤقتة قد تجاهلوا الشيء الهام وتركوه يتلاشى بعدم التمتع به ألا وهو الحياة ذاتها في تمنياتهم التي انتهت عبر الوقت ، كم من انسان قد لا يكون قال أن الامل يجعل منه أحمقا حتى يرقص بين ذراعي الموت .
مرة أخرى ، كم هو نهم هذا المخلوق : الانسان ؟ ففي كل قناعة يحققها يضع بذور رغبة جديدة لذا ليس هناك نهاية لرغبات كل ارادة فردية ، ولماذا ذلك ؟ السبب الحقيقي ببساطة لأنها تؤخذ في ذاتها ، الارادة هي سيدة العوالم :كل شيء يعود إليها ، ولهذا لا شيء مفرد يستطيع أبدا أن يمنحها القناعة لكن فقط الكل الذي هو بلا نهاية .
لذلك يجب أن نوقظ تعاطفنا ، لأن نفكر كم قليل تأخذ الارادة سيدة العالم عندما هي تعطي صيغة الفرد ، عادة فقط ما يكفي لبقاء الجسم مع بعضه ، هذا هو سبب أن الانسان جد تعيس ، الحياة تقدم نفسها بشكل رئيسي كمهمة ، المهمة -انا اعني- العيش على كل ، واذا ما هذه المهمة تكون قد انجزت ، فالحياة هي عبء ، وهناك بعد ذلك تأتي المهمة الثانية لفعل شيء ما مع ذلك الذي تم ربحه من حماية السأم ، السأم الذي يشبه طير جارح يحوم فوق رؤوسنا وجاهز للإنقضاض أينما يرى حياة أمنت من الحاجة ، المهمة الأولى لربح شيء ما والثانية لابعاد الشعور بأنه تم ربحه ، ما عدا ذلك فهي عبء .
الحياة الانسانية يجب ان تكون نوعا من خطأ ، حقيقة ذلك واضحة بما فيه الكفاية إذا نحن فقط نتذكر بأن الانسان مركب من الاحتياجات والضرورات الصعبة التلبية . وذلك حتى عندما تتلبى كل ما يحصل عليه حالة من نفي الألم ، حيث لا شيء يبقى له مجرد تركه للسأم .
هذا هو برهان مباشر على أن الوجود ليس له قيمة حقيقية في ذاته . من أجل ماذا السأم مجرد الشعور بفراغ الحياة ؟ إذا الحياة - الرغبة التي لأجلها جوهر تكوننا _ قد امتلكت أي قيمة ذاتية إيجابية ، سيكون لا شيء مثل السأم على الاطلاق : الوجود المجرد سيقنعنا في ذاته ، ونحن قد طلبنا للاشيء ، لكن بينما الامر كذلك نحن نـحصل على اللابهجة في الوجود عدا عندما نكون نناضل من أجل شيء ، وبعد ذلك المسافة والصعوبات التي تتغلب بصنع أهدافنا تشبه فكرة ستقنعنا - وهم سيختفي عندما نصله وإلا فنحن نستباح من قبل اهتمام ثقافي مجرد - عندما في الحقيقة نحن مدرجين تباعا في الحياة للنظر إليها من الخارج تماما مثل طريقة المشاهدين لمسرحية .
وحتى السعادة الحسية نفسها تعني لا شيء فقط كفاح وتطلع يوقف اللحظة التي غايتها قد انجزت . أينما نكون غير منهمكين بأحد هذه الطرق مجرد فريق ممثلين على الوجود نفسه ، طبيعته العقيمة وعديمة القيمة جلبت إلينا ، وهذا ما نعني به السأم .
إن الاشتياق لما هو غريب وغير شائع - ميل فطري ومتأصل في الطبيعة الانسانية - تظهر كم نحن فرحين في أي قطع من ذلك النضال الطبيعي من الشؤون التي هي مضجرة جدا جدا .
إن هذا هو التوضيح المثالي لارادة الحياة ، اللاعضوية الانسانية مع العمل الماكر والمعقد لآلياتها يجب أن تهوي الى التراب وتهب نفسها وكل كفاحها للانقراض ، هذا هو الطريق الساذج الذي فيه الطبيعة والذي هو دائما صحيح ومخلص لما نقوله ، يعلن الكفاح الشامل لهذه الارادة كما في جوهرها عقيم وعديم الجدوى .
في أي قيمة في ذاتها ، أي شيء غير مشروط ومطلق لن ينتهي هكذا في لا شيء مجرد ، إذا انتقلنا من تأمل العالم ككل وجزئيا ، أجيال الانسانية كما يعيشون ساعاتهم القليلة من الوجود الوهمي وبعدها يجرفون بعيدا في تكرار سريع ، اذا انتقلنا من هذا ونظرنا الى الحياة ببتفاصيلها الصغيرة كما تقدم ، أقول ، في كوميديا كم هي تبدو مضحكة ، هي تشبة سقوط ماء ينظر إلية بمكروسكوب ، قطرة واحدة تصخب بالجراثيم أو قطعة جبن مليئة بالقمل ، مخفية عن العين المجردة . كم نضحك عندما نراهم يتحركون ويكافحون بلهفة مع بعضهم البعض في مكان صغير جدا . وكذلك هنا في الحيز الضيق للحياة الانسانية ، هذا النشاط الفظيع ينتج تأثيرا هزليا ، فقط بالمكبر تبدو حياتنا كبيرة جدا ، إنها نقطة غير قابلة للقسمة رسمت خارجا وكبرت بعدسات الزمان والمكان القوية .