قصة قصيرة جدا.........مظاهرة طيارة


محمود جلبوط
2012 / 6 / 16 - 21:32     

مظاهرة طيارة

انطلق إلى الشارع بعد أن قبل يد أمه تشيعه ولما ألح على كسب رضاها مستعجلا لبته برفع يديها إلى السماء مغمغمة بعض دعاء بعينين مغرورقتين وابتهال عميق إلى الله أن يحفظه . قد حرص قبل ان يخطو خارج المنزل على الاغتسال وارتداء أجمل الثياب تفوح منها رائحة عطر قد أهدته له فتاته خصيصا فراح من يومها يتضمخ به منذ أن اعتاد على ارتياد الحراك الانتفاضي والمشاركة به , وذلك خشية أن يلقى وجه ربه فجأة في إحداها فلا يحتاج لكثير وقت بين يدي ربه لإدخاله فسيح جناته كما أسرت له جدته في إحدى حكاياتها عندما كان صغيرا يسترجعها كخاطرة من رزمة الخواطر التي تتزاحم رأسه وهو يحث الخطى للانضمام إلى جموع المصلين في مسجد الدقاق في حي الميدان جنوب مدينة دمشق المجاور لمخيم اليرموك حيث ولد لاجئا ويقطن مع أهله وهو الذي قلما ارتاد المساجد والحي معا قبل انطلاق انتفاضة الكرامة كما يسميها ليشارك أصدقائه مظاهرة يوم جمعة بعد الانتهاء من صلاتها لا يعير بالا يذكر إلى ما يطلقون عليها من تسميات .
جذلا يقفز من رصيف إلى آخر سيرا على الأقدام إلى أن وصل إلى شارع الثلاثين , عبره إلى الجهة الأخرى وقد لاحظ ازدحام الشارع بالسيارات على غير ما اعتيد من أيام الجمع الماضية , ينه يوم عربي كما اعتاد أن يسميه أبيه عندما يكون مشمسا , قد بزغ الربيع للتو وكأنه يدعو الناس لتجديد حياتهم الرتيبة ولو من خلال الاستشهاد .
تسلق الطريق المؤدية إلى طريق الزاهرة يغذي الخطى خشية أن تنتهي صلاة الجمعة قبل وصوله فيفوته الانخراط في المظاهرة فقلما ما يسمح هجوم الشبيحة لديمومتها لأكثر من نصف ساعة ومن هنا أطلقوا عليها المظاهرات الطيارة . تسلق الطريق المؤدية إلى الجامع غير عابئ بالاستنفار الكثيف للعناصر الأمنية والشبيحة المتجهزة بالعصي والسكاكين والمسدسات .
انتهت الصلاة وانطلق مع الجموع إلى الشارع يهتفون للحرية ليملؤوا الحي بهجة غير عابئين بالموت الذي ينتظرهم على فوهات بنادق الكتائب الأسدية ونصول سكاكين الشبيحة .
وفي خضم شعور الفرح الجذل الذي اعتمره مرت في خاطره صورة حبيبته معاتبة : أين تذهب كل يوم جمعة مفعم بالخصوبة هكذا ورائحة البراري صاخبا كأمواج البحر؟
حبيبتي : ألا يحق لنا أن نشم نسيم الحرية بعد أن دبت الحياة بنا تدعوا روحنا أن تسير فوق رؤوس أصابعها وجلة للقاء ربها؟
وفجأة ندلعت زخات الرصاص من بنادق الوحوش المتربصة , ولم يكد يفيق من حلمه حتى عاجلته رصاصة في موضع القلب .....ثم تجلت فاطمة أمامه كما لو أنه أرادها أمنية تتحقق , أقبلت إليه من وراء شجرة ياسمين مثقلة بزهورها البيضاء من بعيد ببلوزتها الحمراء وتنورتها البيضاء تركض عابثة تلوح جديلتها إلى اليمين وإلى اليسار ويرتفع نهداها اللذين أحب أكثر ما في جسدها وينخفضان , ولم تفسح له خطورة إصابته فرصة أكثر من أن يعانق شفتيها المصبوغتين بلون الدم القاني .