كيف حال احزاب اليسار بالمغرب ؟


عبد الرحمان النوضة
2012 / 6 / 14 - 16:38     

- ما هي الأحزاب التي يتكوّن منها اليسار في المغرب ؟
نقصد بقوى اليسار بالمغرب الأحزاب التالية : الحزب الاشتراكي الموحد ، و حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ، و حزب النهج الديمقراطي ، و حزب المؤتمر الاتحادي ، بالإضافة إلى تنظيمات وتيارات ثورية أخرى، صغيرة، ومَشْهُود بوجودها.
أما حزب الاتحاد الاشتراكي فقد أصبح في موقع يسار الوسط. و حزب التقدم والاشتراكية تحول إلى حزب يميني. و حزب الاستقلال كان ولا يزال حزبا مُحافظا.
وأما حزب العدالة والتنمية الاسلامي، فَيَحْتَلّ، على العموم، موقع الوسط. تارة يدافع عن مواقف تقدمية (مثل مواجهة الفساد)، وتارة أخرى يدافع عن قضايا يمينية (مثل إمارة المؤمنين، وأسلمة الدولة).

- هل يجوز نقد أحزاب اليسار ؟
نحن نحترم قوى اليسار، ونساندها، ونتضامن معها، ونُصِرّ على النضال إلى جانبها. وبقدر ما ندعّم قوى اليسار، بقدر ما نحرص على مُناقشتها ونقدها كُلّما دعت الضرورة إلى ذلك. والنقد المُتبادل هو من بين أهم السُّبل لتحسين أداء هذه القوى. ومن لا يَجْرُؤُ على تبادل النقد، بشكل بناء وعلني، لن يتقدم.

- هل اليسار بالمغرب بخير ؟
إن كل حزب من بين أحزاب اليسار بالمغرب يظهر أنه راض عن حاله. بينما في الواقع أوضاع أحزاب اليسار ليست مُرضية. لأن أحزاب اليسار لا تعمل بما فيه الكفاية لتطوير نفسها، أو لرفع مستوى فعالية اليسار.
وكل خطاب سياسي يعتبر اليوم أن حالة اليسار بالمغرب جيّدة، أو حسنة، هو خطاب مُكَرّر، ومُحافظ، ولا فائدة منه.
إن نقد اليسار هو الخطاب الذي يمكن أن يُساعد على إبراز نقط ضعفه، أو نقائصه، أو أخطائه. وهو الذي يُساعد على إصلاح أحزاب اليسار، أو تقويمها، أو تثويرها.
وبشكل إجمالي، وبما أن اليسار لا يتقدم، أو لا يتحسن كيفيا، وذلك منذ قرابة 10 أو 20 سنة الماضية، فهذا يعني أنه يتخلف بالمقارنة مع الأحزاب الأخرى.
وسُوء حال أحزاب اليسار بالمغرب يتجلى في كونها هي الأحزاب الأقل تأثيرا، أو هي الأكثر تهميشا في الساحة السياسية، أو هي الأكثر ضعفا، وذلك بالمقارنة مع الأحزاب السياسية الأخرى.
وأحزاب اليسار هي تقريبا الأحزاب الوحيدة في المغرب التي لا تتوفّر على أعضاء مُحْتَرِفين، مُتَفَرّغين للعمل السياسي، ويُخصّصون كل وقتهم لحزبهم.
وأحزاب اليسار غارقة في ضعف عام، وفي رتابة مُعْتَادَة.
والحوار، أو التنسيق، فيما بين أحزاب اليسار ضعيف، أو دون المستوى المطلوب. وذلك رغم أن أهدافها النضالية في المرحلة الراهنة مُتشابهة، أو متطابقة.
والأحزاب التي تقدمت أكثر خلال ال 20 سنة الماضية، هي على الخصوص الأحزاب الإسلامية . وتقوية هذه الأحزاب الإسلامية لا ترجع فقط لكونها تستغل الدين، كما يعتقد البعض، وإنما ترجع على الخُصوص إلى كونها تستعمل مناهج في التفكير وفي العمل تَتّسِم بواقعية وبفعالية أكبر. بينما مناهج أحزاب اليسار (في التفكير وفي العمل السياسيين) تبقى دون المستوى المطلوب.

- هل خطاب أحزاب اليسار يتلاءم مع ممارسته ؟
تميل أحزاب اليسار عادة إلى إخفاء ضعفها عبر التركيز على إنتاج بيانات ثورية، أو نصوص يسارية. بينما ممارستها السياسية تبقى على العموم دون المستوى المطلوب.
وغالبا ما نجد انفصاما واضحا بين خطاب أحزاب اليسار وممارستهم. ومن بين الأمثلة المعبرة في هذا المجال، نذكر علاقة أحزاب اليسار ب حركة 20 فبراير (التي اندلعت في سنة 2011، في ارتباط ب ثورات الربيع العربي ). فكل أحزاب السار تُعلن دائما في بياناتها أنها تُقدّر حركة 20 فبراير , وتُساندها، وتُعَظّمها، وتُشارك فيها، وتُراهن عليها في برامجها وفي خططها. لكن في الواقع، نجد أن مُشاركة أحزاب اليسار في حركة 20 فبراير تبقى هزيلة، أو ضعيفة، أو أقل من المستوى الممكن. فلا يشارك معظم أطر أحزاب اليسار في حركة 20 فبراير ، ولا يتواجدون في لجانها، ولا يُؤَطِّرُونها، ولا يتحملون فيها مسؤوليات تنظيمية. ونُلاحظ أن أعداد أعضاء أحزاب اليسار الذين يُشاركون في مسيرات حركة 20 فبراير تبقى ضعيفة، أو دون المستوى الممكن. كما نلاحظ أن مُشاركة هؤلاء المناضلين في حركة 20 فبراير تكون في غالب الحالات ناتجة عن مبادرات أو عن اجتهادات شخصية، وليس عن توجيه حزبي واضح.
فالموقف الرسمي، أو النظري، لأحزاب اليسار من حركة 20 فبراير هو الدعم المطلق لهذه الحركة. لكن موقفها العملي هو إهمالها. فبدلا من أن تكون أحزاب اليسار هي القائد الطبيعي ل حركة 20 فبراير ، نجد أنها تسير ورائها، أو تُهْمِلها، أو تحذر منها، أو لا ترغب في استمراريتها. ومن بين نتائج هذا الإهمال، نجد أن عناصر بوليسية مُسْتَتِرَة تشارك بكثافة في حركة 20 فبراير ، وفي جمعها العام، وتساهم بدور لا يستهان به في التّحكّم فيها.
إن ضعف حركة 20 فبراير ، أو توقّفها، أو فشلها، هو في الجوهر فشل لأحزاب اليسار.
ولا تستطيع القِلّة القليلة من المناضلين، الذين يُحاولون تنمية فعالية حركة 20 فبراير ، أن ينجحوا في نضالاتهم، أو في مجهوداتهم، إلا إذا طَوّرت أحزاب اليسار نفسها، بهدف الرّفع من مستوى مشاركتها السياسية في هذه الحركة.

- هل تجتهد أحزاب اليسار لتطوير نفسها ؟
من بين الملاحظات التي لا تَسُرّ، والتي لها دلالة سلبية، أذكر أن بعض أحزاب اليسار نظمت مؤتمراتها الحزبية خلال الشهور الأخيرة، لكن يظهر أن هذه المؤتمرات الحزبية لم تُحْدث تغييرات كيفية، لا في الخط السياسي لهذه الأحزاب، ولا في برامجها، ولا في ممارساتها. فإذا استثنينا إصدار بعض البيانات، وتغيير جزئي في أعضاء بعض الأجهزة القيادية، فإن الرّتابة السابقة، والعادات القديمة، تَعُود بسرعة، وتستمر في السيطرة، كأن شيئا لم يتغيّر في هذه الأحزاب. بينما تطورات الصراع الطبقي تستوجب منها تغييرات عميقة أو جذرية.

- وهل هناك أمثلة أخرى يتجلّى فيها ضعف أحزاب اليسار ؟
على العموم، أحزاب اليسار بالمغرب تُعاني من قِلّة مُبَادراتها، ومن ندرة أنشطتها. وتعاني من ضعف حماس غالبية أعضائها. وتُعاني أيضا أحزاب اليسار من ضعف الانضباط داخلها.
كما أن الإنتاج السياسي لأحزاب اليسار، وإبداعاتها النضالية، تبقى غير كافية، أو شحيحة. وقدرتها على تعبئة جماهير العمال، أو الفلاحين، أو فئات الذين لا يستغِلون ولا يُستغَلّون، تظل محدودة جدا، بل قد تكون أحيانا منعدمة.
وإن ظاهرة نَدْرَة أو غياب تبادل النقد فيما بين أحزاب اليسار، أو فيما بين أعضائها، تَدُلّ على أنها غارقة في فكر يظهر أنه يساري في خطابه، لكنه مُحَافِظ في جوهره. وهذه المُحافظة تتجلّى في كون أحزاب اليسار لا تجرؤ بما فيه الكفاية على مُراجعة أو تطوير أطروحاتها القديمة, ولا تُبْدِع أفكارا سياسية أو أساليب نضالية جديدة. ونتيجة ذلك هي أن سرعة تَفَاعُل أحزاب اليسار مع التطورات العميقة الجارية في المجتمع تبقى بطيئة، أو دون المستوى المرغوب فيه.
ومن بين المظاهر الأخرى المُعبّرة عن ضعف أحزاب اليسار، أن الأطر العُليا، والمُفكّرين، والعلماء، والخُبراء، يهربون من أحزاب اليسار، أو يَنْفُرُون منها. بينما الظاهرة الطبيعية هي أن اليسار الذي يكون مُتقدّما، أو حَيَوِيّا، أو طليعيّا، غالبا ما يستقطب حوله أكبر أو أحسن المُفكّرين في المجتمع.

- هل الأطر القديمة في أحزاب اليسار تعلب دورا مُبْدِعا أم محافظا ؟
عدد من الأطر القديمة (Apparatchik) في أحزاب اليسار تلعب على العموم دورا مُحافظا. وتظهر بعض هذه الأطر كأنها هي التي تحتكر حق تحديد من هم الأفراد المقبولين، ومن هم ألأفراد المنبوذين. فهؤلاء الأطر القديمة تظهر على شكل حرّاس المعبد الذين يَصُونون الأصول ، و المراجع ، و المشروعية ، و الاستمرارية . ويتحوّل أحيانا دور هذه الأطر القديمة إلى تَرْوِيج الدّغمائية (Dogmatisme). وقد تُحَنّط الفكر الثوري إلى درجة تحويله إلى معتقدات مطلقة وجامدة. وقد تُصبح هي التي تَعُوق إحداث تغييرات، أو مُراجعات، أو إبداعات، سواء في الأفكار، أم في الخط السياسي، أم في الأساليب النضالية.
وأحيانا، يغرق بعض الأطر القديمة في تفاصيل صراعات خَفِيّة، معقّدة، ومُتواصلة، بين شخصيات، أو جماعات، أو تيارات. وقد تستحوذ، أو تستهلك، هذه الصراعات، جُلّ طاقاتهم، إلى درجة أن مُساهماتهم في مجالات تطوير الأفكار، أو تحيين الخط السياسي، أو إبداع أساليب نضالية جديدة، تُصبح هزيلة، أو منعدمة.
وبقدر ما تكون تلك الأطر القديمة مُنْشَغِلة بتلك المُنافسات فيما بين شخصيات، أو جماعات، أو تيارات، داخل حزبها الخاص، بقدر ما تكون رؤيتها الشُّمولية للصراع الطبقي (الدائر على صعيد مجمل المجتمع) محدودة أو ناقصة.
قد تكون هذه الأطر القديمة قوية وفعالة في ميدان هذه الصراعات أو المنافسات الذاتية فيما بين شخصيات أو تيارات، لكنها قد تكون بالمقابل ضعيفة أو متخلّفة في مجال فهم أو معالجة الإشكالات الكبرى للحزب، أو للبلاد.
وفي مثل هذه الحالة، يُصبح الحزب المعني غير قادر على التفاعل بسرعة وفعالية مع مستجدات أو متطلبات الصراع الطبقي (الدائر على مستوى عموم المجتمع). وقد يدخل الحزب المعني في صيرورة ضعف، أو تخلف متواصل، إلى درجة أنه قد يصبح مُهَمّشا، أو عاجزا، أو متخلفا.

- هل أحزاب اليسار تختلف حول إختيارات استراتيجية ؟
تُعاني بعض أحزاب اليسار من ازدواجية في تَصوّرها لعملية الوصول إلى السلطة السياسية. فتارة، يعتقد بعض مناضليها أن الوصول إلى السلطة يستحيل بدون استعمال العنف الثوري (تَبَعًا للأطروحة اللينينيّة). وتارة أخرى، يعتقد بعض مناضليها أن الفوز في الانتخابات يمكن أن يكون سبيلا سلميّا للوصول إلى السلطة. وهذه الازدواجية في التصور تُؤثر سلبا على التوجّهات والبرامج السياسية. حيث أن الفعالية السياسية تقتضي الانخراط الكُلّي، إما في التصور الذي يُراهن على العنف الثوري، وإما في التصور الذي يُراهن على صناديق الاقتراع، وليس التذبذب المُتواصل بينهما.
وبعض المُفكرين يرون أنه يتوجب على أحزاب اليسار أن تحسم اختياراتها بشكل تام، وأن تُحدث قطيعة مع الأطروحة اللينينية حول الوصول إلى السلطة عبر استعمال القوة. خاصة وأن الثورات الحديثة في كل من تونس، ومصر، واليمن، (وعلى خلاف حالتي ليبيا، وسوريا)، تُبيّن أن عملية إسقاط نظام مُستبد (أو على الأقل خلخلته عبر إسقاط رأسه)، يمكن أن يَنْتُج عن نضال جماهيري سياسي، سلمي، ومُتواصل، دون اللجوء بالضرورة إلى العنف الثوري. وحيثُ أن الحصُول على الشرعية السياسية، داخليا وعالميا، يَقْتَضِي الوصول إلى السلطة بِرِضَا الشعب، أي عبر انتخابات نزيهة.
وبعض المناضلين يَعتبِرُون أن المُراهنة على العنف الثوري هي نوع من التّطَرّف السياسي. ويَستنتِجُون من هذا الاعتبار أن الواقعية السياسية، أو الاعتدال السياسي، يفترض بالضرورة القَبُول بالنظام الملكي القائم. أو يستنتجُون منه أن الموضوعية السياسية تقتضي بالضرورة حَصْر كل النضالات المُقبلة تحت سقف الملكية البرلمانية . ويُحوّلون سقف الملكية البرلمانية إلى حدّ مطلق ، أو مقياس مطلق ، أو دغمة (Dogme) ، ويَفْرِزُون بها بين ما هو مقبُول، وما هو غير مقبول. فيُكبّلون هكذا فكرَهم وممارَستهم، ودون الوعي بهذا التكبيل القبلي. بينما المُرونة تقتضي القبول ب الملكية البرلمانية الديمقراطية إذا كانت فعلا ممكنة التحقيق، أمّا إذا ظَلّ تحقيقها مستحيلا على مَرّ عشرات السنين، فإن الحل البديل المنشود يُصبح هو الجمهورية البرلمانية الديمقراطية .

- هل انقسام اليسار إلى عدة أحزاب يُشكّل عائقا ؟
ظل اليسار بالمغرب ينقسم إلى 3 أو 4 أحزاب. وهذا الانقسام يدوم منذ 20 أو 30 سنة. لكن مُبَرّرات هذا الانقسام ليست واضحة بما فيه الكفاية، ولا مُقنعة.
وفي الواقع المُعاش، لا يلمس الملاحظ وجود خلافات جذرية فيما بين مناضلي مختلف أحزاب اليسار، سواء على مستوى الخط السياسي، أم على مستوى البرنامج النضالي، أم على مستوى منهج التفكير. ويرى الملاحظ أن الخلافات القائمة فيما بين مناضلي اليسار لا ترقى إلى مستوى تبرير انقسامهم إلى أحزاب متناقضة.
واستمرار انقسام اليسار إلى عدة أحزاب متنافسة يعني أن هذا اليسار سيظل مُتشرذما، أو مُتَفرقا، أو ضعيفا. وفعاليته السياسية ستبقى، في هذه الحالة، هزيلة. بينما مصلحة اليسار تستوجب توحيده عاجلا في إطار حزب واحد، أو داخل جبهة حقيقية ومُوحّدة.
ويمكن، إن اقتضى الحال، أن يعمل هذا الحزب المُوَحّد، أو الجبهة، بأسلوب التيارات، لتمكين مختلف الحساسيات السياسية من التعبير عن نفسها.

- هل أحزاب اليسار بالمغرب لها تصوّر مُوحّد حول النظام السياسي المطلوب ؟
منذ استقلال البلاد في سنة 1956، تُطالب بعض قوى اليسار بنظام ملكية برلمانية ديمقراطية . لكن النظام السياسي المُستبد يتحايل، ويرفض إنجاز أي دَمَقْرَطَة حقيقية. ورغم ذلك، تُصِرّ بعض قوى اليسار على أن لا يَتَجاوز أي نضال مُقبل سقف الملكية البرلمانية . بينما لا يُعقل أن يستمر اليسار في تقييد نفسه بشعار الملكية البرلمانية خلال ال 60 سنة الأخرى المقبلة.
وبالتالي، وجبت مراجعة شعار أحزاب اليسار حول طبيعة النظام السياسي المطلوب. حيثُ يُسْتَحْسن أن يكون شعار اليسار من قبيل الشِّعار التالي : إمّا ملكية برلمانية وديمقراطية، وإمّا جمهورية برلمانية ديمقراطية، ولا نقبل بأي حلّ ثالث لهما .
وتقتضي الفعالية السياسية أن يكون تصور أحزاب اليسار للنظام السياسي المطلوب، مُوَحّدًا، واضحا، وحازما.

- خاتمة
هذه أمثلة من الانتقادات الموجّهة إلى أحزاب اليسار بالمغرب. ومن المعروف أن مناضلين آخرين يُوَجّهون انتقادات أخرى إلى أحزاب اليسار. ويتكلمون عن نقط ضعف أخرى فيها.
والمنطق السليم يستوجب، إن وُجِد ولو نقد واحد صحيح من بين هذه الانتقادات السابقة، أن لا يهدأ بَالُنَا حتى نصحّح هذا الخطأ أو النقص، بشكل تام، أو جذري. فهل هذا هو ما يفعله مجمل مناضلي أحزاب اليسار بالمغرب ؟