هل اللوحة الفنية سلعة؟


محمد فيصل يغان
2012 / 6 / 13 - 18:18     

من خلال الإجابة على سؤال "هل اللوحة الفنية سلعة؟" نأمل في توضيح بعض الاشكاليات المتعلقة بالقيمة. بداية نقول نعم! اللوحة هي سلعة. و الاختلاف عن السلع المعتادة كالملابس و الاثاث هو كمي و ليس نوعي, بمعنى أن عدد الذين يرون في اللوحة "قيمة استعمالية" تشبع لديهم "حاجة حيوية" هم قلة محدودة بالمقارنة مع من يتداولون السلع المعتادة. للتوضيح دعونا نسير بالاتجاه المعاكس للتسلسل المعتاد فنقول, طالما أن للوحة سعر فلا بد أن لها قيمة استعمالية لدى من يوافق على دفع هذا السعر "و إلا كان مخبولاً إذ يدفع النقود في شيئ لا يهمه", و طالما أن اللوحة تملك قيمة استعمالية ولو في سوق محدود العدد "سوق هواة الأعمال الفنية", إذن لها بالضرورة قيمة تبادلية في هذا السوق و هي القيمة التي حددت السعر! أرجو أن نكون قد اتفقنا جميعاً على هذه الحقائق المبدئية قبل أن ننتقل لموضوع فائض القيمة في حالة هذه السلعة المتميزة عن كمياً عن السلع المعتادة.
نفترض كما يفعل ماركس (و كما يفعل كل الباحثين في العلوم كافة) في تحليلاته لحظة توازن عوامل السوق و التي تخلق حالة شبه ثبات (QUASI-STATIC) تكفي مدتها لاستخلاص دالة الحالة (STATE FUNCTION). في حالة السلع الاعتيادية و التي لها بالتعريف قيمة استعمالية, تختلف هذه القيمة من مستهلك إلى آخر بدرجة أو أخرى, فيفرض السوق ككل "معدل قيمة استعمالية" أو قيمة اجتماعية لهذه السلعة, و ينتج عن هذه القيمة الاستعمالية المعدل في حالة التوازن "معدل قيمة تبادلية" على الطرف الآخر مساوية لها في الكم و تترجم هذه القيمة التبادلية المعدل نفسها إلى سعر السلعة في السوق. نحصل هنا على "معدلات" نظراً لسعة و امتداد و تعدد حجم السوق ووحدات السلعة المعنية المنتجة و المعروضة من جهة و مطلوبة من جهة أخرى.
في حالة سلعتنا الخاصة, أي اللوحة الفنية تسير الأمور "تقريباً" على نفس النحو مع فارق أن "ندرة" السلعة سواء من حيث جهة العرض "فهي تحفة فنية وحيدة و ليست نسخ صنعت في تايوان" و ندرة الطلب "قلة هم الذين لديهم الرغبة الجامحة لاقتناء التحف و القدرة على المنافسة المالية للحصول عليها", نجد أن السوق لا يفرض "معدلاً" للقيمة الاستعمالية بل الحد الأقصى للقيم الاستعمالية لدى جمهور اللوحة المحدود العدد "النادر" و دليل ذلك أن التحف الفنية النادرة تباع عادة في مزادات و ليس على رفوف السوبرماركت. و هذا الحد الأقصى يدخل في معادلة الحالة بدلاً من معدل القيمة الاستعمالية فيحدد حداً أقصى للقيمة التبادلية و من ثم سعر البيع. و هكذا يحقق صاحب اللوحة فائض قيمة متضخم لا علاقة له بحجم العمل و لا بقدرة العمل, و هو ما يميز فائض القيمة في هذه الحالة عن فائض القيمة في حالة السلعة الاعتيادية و ينطبق المثل القائل "رزق الهبل على المجانين".