ابعاد سياسه التجاره الخارجيه في تاطير السياسيه الخارجيه التركيه


محمد سعيد العضب
2012 / 6 / 11 - 21:28     

بدات الجمهوريه التركيه في السنوات الاخيره تعيد ماضيها , حينما اصبحت تلعب دورا هاما ومتميزا في شؤون الشرق الاوسط ,و اخذت حسبما يبدو تسجيل انعطافه كبيره في سياساتها التقليديه السابقه المفروضه عليها من تحالفها مع منظمه الناتو , كما اخذت في الابتعاد شيئا فشيئا من التحامها الحميم السابق مع الغرب , والتوجه اوالانتقال باندفاعه قويه نحو الشرق من ناحيه ,بلدان الجوار في شمال بلادها وشرق اراضيها من ناحيه اخري .
يعزي البعض لهذه الانعطافه التركيه الي كوامن تاريخيه ,ا وربما نجمت من طموحات احياء التمدد الامبراطوري العثماني السابق , خصوصا بعد تولي السلطه فيها, حزب ديني " العداله والتنميه ".
فالغرب اراد لعمق ارتباطه بتركيه ان يجعل من حليفها , ليس فقط مثال دوله ناهضه جديدة, بل اراد ايضا تسخير قدراتها الكامنه لتعلب دورا حاسما في صراعه مع الدوله الايرانيه الصفويه’ عبر تاجيج النزاع الطائفي الشيعي السني في المنطقه , كله من اجل المحافظه ا والاستمرار في ابقاء هيمنته علي مجمل المنطقه من جانب ,حمايه اسرائيل وضمان تسلطها علي المنطقه من جانب اخر .
هذا ولابد الاشاره في هذا المقام الي ان فشل" المشروع الاتاتوركي" الذي حاول محاكاه التمدين الاوربي , وفرضه قهرا علي مجاميع واسعه من السكان , خصوصا قد تجاوز هذا المشروع تراث وتقاليد الاسلام المتأصله في البلاد , كله شكل احد اهم العوامل الرئيسيه في تمكين حزب ديني "العداله والتنميه" من السيطره علي السلطه والحكم .
المقاله المترجمه تهدف بالاساس تبيان مدي استمرا ر نجاحات سياسيه التصنيع الموجه نحو لتصدير من ناحيه ,الالتزام بسياسه عدم التدخل في شوؤن بلدان الجوار من ناحيه اخري, حيث جميعها شكلت الاطر الشامله لسياسه تركيه الخارجيه خلال العقود الاخيره الماضيه.. من هنا يظل السؤال مطروحا ... هل ستتمكن حكومه حزب العداله والتنميه في متابعه اعتماد هذه المعطيات السياسيه في المستقبل المتوسط والبعيد الامد, لتضيف نجاحات وانجازات سابقه ملحوظه تمكنت تركيه الحديثه تحقيقها ؟
****************** ******************************************************
تحولت تركيا الي ما يطلق عليه "دوله تجاريه" (2) حينما تعاظم تاثير هذا النمط في اداره الدوله,كما اخذ يحدد طبيعه ومسارات مجمل السياسيه الداخليه والخارجيه .
ففي حين شكلت التجاره الخارجيه من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي عام 1975 نسبه قدرها 13% , ارتفعت هذه النسبه عام 2008 الي 45% . هذا وتمكنت تركيه رغم حاله الركود الاقتصاد العالمي , ان تحقق انجازات واسعه في مجال التجاره الخارجيه, حيث ارتفعت قيمه صادراتها بسعر صرف الدولار الجاري من( 19) بليون دولار عام 1985 الي( 334) بليون دولار عام 2008. ).
صاحب هذا الارتفاع الضخم في قيمه الصادرات التركيه, تغيير نوعي هائل في هيكل الصادرات السلعيه .
ففي عام 1980 شكلت السلع المصنعه المصدره حوالي 27% من اجمالي الصادرات, ارتفعت هذة النسبه الي 81% عام 2008,.
من ناحيه اخري, حصل تغير كبير في التوزبع الجغرافي للتجاره الخارجيه التركيه . فعلي الرغم من استمرار التبادل التجاري مع بلدان الاتحاد الاوربي يحتل المرتبه الاولي , حيث بلغ مساهمته من مجموع التجاره الخارجيه التركيه بما يعادل نسبه قدرها 41% عام 2008(بلغت النسبه عام 1999 ما تعادل 56%), نري بذات الوقت تعاظم اهميه تبادلها التجاري مع بلدان الجوار, خصوصا روسيا , حيث تحول هذا البلد الشريك التجاري الاكبر, و بلغت حجم مبادلاته هذا العام بما يعادل (38) بليون دولار اميركي , متجاوزا بذلك حجم التبادل التجاري الالماني – الشريك التجاري التقليدي الاول- , علاوه علي توسع تبادلها التجاري مع بلدان الشرق الاوسط وافريقيا, كله تحقق بفضل سياستها الانفتاحيه اتجاه هذه المجموعه من البلدان , التي تبناها حزب العداله والتنميه بعد توليه مقاليد الحكم في البلاد
ففي حين ازداد الحوار حول تحول البلاد من الغرب وانعطافها الشديد نحو الشمال والشرق , الذي بدوره يوفر خلفيه جيده لفهم موقع ومكانه السوق والتجاره الخارجيه وابعادها في تاطير مجمل سياسه تركيه الخارجيه وعلاقاتها الدوليه , وحينما اصبحت تحتل تحتل اهميه خاصه ومتميزه في هذا المجال . من هنا تثار تساؤلات منها بالاخص مايلي
*ماهي طبيعه التحولات في سياسه التجاره الخارجيه , خصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة ؟
* كيف تاثرت السياسه الخارجيه التركيه بمثل هذه المتغيرات والتحولات ؟
* ماهي طبيعه الاقتصاد السياسي والسياسه الداخليه علي مثل هذه التحولات الضخمه؟
* هل تعتبر هذه التحولات داله اساسيه وميزه خاصه للسياسه المعتمده من قبل حكومه حزب العداله والتنميه ؟
*كيف تعمل التحولات الجاريه في اطار سياسيه تركيه التجاريه و السياسه الخارجيه علي علاقاتها مع الاتحاد الاوربي, ومدي مساهمه ذلك سلبا وايجابا علي طموحات البلاد من اجل الانضما م للاتحاد الاوربي وتحقيق العضويه الكامله فيه ؟
*ماذا تعني التحولات الحاصله بقدر تعلق الامر مع علاقات تركيه التقليديه مع الغرب خصوصا الاتحاد الاوربي ؟
يهدف المقال تناول ومناقشه هذه التساؤلات حيث شمل البحث ثلاث اقسام , يوفر القسم الاول تحليل التوسع والتحولات الحاصله في مضمار سياسيه التجاره الخارجيه التركيه خلال العقود الثلاث الماضيه .يتناول القسم الثاثي فحص اسباب هذه التطورات, كما يحاول تاشير دور حزب العداله والتنميه في هذه التطورات من خلال محاولته دراسه الاساليب التي اثرت علي تشكيل السياسه الخارجيه من ناحيه ,ابعادها علي نمو التجاره الخارجيه وحاجات البلاد الملحه في اختراق اسواق جديده من ناحيه اخري .,
يتناول القسم الاخير الاجابه علي تساؤلات حول مديات التاثيرات السلبيه والخسائر الاقتصاديه الناجمه من تحول التعامل التجاري والاقتصادي مع الغرب عموما وبلدان الاتحاد الاوربي خصوصا والتركيز علي تعزيز العلاقات الاقتصاديه مع روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي الاسلاميه السابق وبلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا .
كما معروف نجم توسع التجاره الخارجيه مع بلدان الجوار جزئيا من التطورات الاقتصاديه والسياسيه المحليه من جانب, تعاظم حالات الاحباط للموسسات التركيه في ممارسه اعمالها مع اسواق بلدان الاتحاد الاوربي ,بالاخص من جراء تنفيذ بنود اتفاقيه الاتحاد الكمركي المبرمه مع الاتحاد الاوربي .
هذا ويبو ان السياسيه الخارجيه التركيه وحماسات حكومه حزب العداله والتنميه تواجه تحديات, بل ربما تمر الان بازمه شديده , نشات من تقويض مبدا دوله التجاره من ناحيه , التراجع اواهمال ما اطلق عليه سياسيه" عدم التدخل في حل المشكلات مع بلدان الجوار " , حيث توجد موشرات قويه في تراجع او الالتزام بهذه السياسيه التي تمكنت ان تحقق منافع شاسعه للنجاحات الاقتصاديه المسجله خلال العقود الاخيره ,و استمرار التلويح باستخدام الوسائل العسكريه اوغيرها من ادوات الضغط .
عليه ينبغي علي الحكومه التركيه الاستمرار في التوكيد علي حقيقه الانسجام والتناغم بين مصالحها الاقتصاديه من منظور التجاره العالميه , كما يجب ان يظل الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الاوربي , يشكل عنصرا حاسما في تطوير التجاره الخارجيه للبلد .
هذا ولابد الاستفاده واستغلاال اوضاع بلدان الجوار وجمهوريات الاتحادد السوفيتي السابقه لغايه تمكن اقتصادياتها في التطور والتحول من بلدان منتجه ومصدره للمواد الاوليه ومصادر الطاقه الي بلدان تحقق الاكتفاء الذاتي او ربما تتحول الي تصدير سلع صناعيه جاهزه او شبه جاهزه .
هذا ولابد من التوكيد ليس فقط علي اهميه الالتزام اتجاه عضويتها في الاتحاد الاوربي ,بل العمل الجاد في تحسين اوضاعها كدوله تجاريه والتركيز علي تفعيل نشاطات الاعمال والعلاقات التجاريه والاقتصاديه مع بلدان الجوار, حيث شكل ذلك احد اهم مرتكزات الاداء الاقتصاد ى الجيد في المرحله السا بقه ,حسبما اكدته منظمه التنميه والتعاون في تقاريرها التي اشارت فيه الي تمكن تركيا من تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعه فاقت كافه الدول الاعضاء في المنظمه خلال عام 2010 هذا ويتوقع ان يصل معدل النمو عام 2011 الي نسبه قدرها 8.9% ,مما جعل تركيا تحتل المرتبه الثالثه في العالم بعد سنغافوره والصين .
تميز النشاط الاقتصادي في الجمهوريه التركيه لفتره طويله بهيمنه القطاع الزراعي الكبير الذي تصاحب مع قطاع صناعي ضعيف غير قادر علي المنافسه في الاسواق العالميه , كما استندت سياسه التصنيع انذاك علي تعويض او اسبتدال المستوردات, اضافه الي اعتماد اداره الاقتصاد في بعض جوانبه علي لمحات سوفيتيه واضحه ,تجلت في تخطيط حكومي ابتداءا منذ عقد الثلاتنيات من ناحيه , حضور شركات قطاع عام قوي من ناحيه اخري .
تميز عقد السبعينات ليس فقط في النقص الكبير في تجهيز البضائع والسلع وطوابير طويله للمستهلكين امام واجهات محلات البيع بالتجزئه .بل عصفت البلاد ازمات مستوطنه سواء في عمليات صرف العملات الاجنبيه , او محدوديه التجاره الخارجيه في تكوين الناتج المحلي الاجمالي . هذا وشكل الاقتراض الخارجي وتحويلات العماله التركيه في الخارج ,ايرادت قطاع السياحه الضئيله ,اهم مصادر تمويل مستوردات البلد الضخمه والمتزايده بالمقارنه .حيث ظلت ايرادات الصادرات محدوده جدا ونجم معظمها من تصدير المنتجات الزراعيه والمواد الغذائيه .
منذ شهر شباط "فبراير" عام 1980 اي قبل اشهر قليله من تدخل الجيش في اعمال الحكومه وفي غمره الاضطرابات الاقتصاديه والسياسيه , حصلت تغيرات حاسمه في هذه الاوضاع , حينما قررت الحكومه تبني القيام باصلاحات اقتصاديه اساسيه من منظور او عبر تصورات اقتصاديه جديده .
. من هنا بدا العمل جديا في الانتقال من التركيز في التنميه علي القطاع الزراعي المسيطر علي النشاط الاقتصادي في البلاد ,الانتقال الي اعطاء الاولويه علي تطوير القطاع الصناعي الكبير, واسنده بنشاط قطاع خدمات واسع ومتقدم , بالاخص في مجال البنوك والاتصالات والصحه والسياحه كله اخذت عمليه التطوير لهذه القطاعات تتعاظم بعد انتهاء الحرب البارده .
ساعد ذلك في تصعيد حجم الاقتصاد التركي خلال فتره زمنيه وجيزه تجاوز ثلاث عقود ونيف , حيث ارتفع الناتج المحلي الاجمالي من( 46)بليون دولار عام 1975 الي(742) بليون دولار عام 2008 ,مما جعل الاقتصاد التركي يحتل المرتبه ال(18) في العالم ,كما ارتفعت حصه الفرد في الناتج المحلي الاجمالي من 1155دولار الي 10438 دورلار خلال الفتره ذاتها . هذا واصبحت التجاره الخارجيه تشكل حوالي ( 45% )من الناتج المحلي الاجمالي عام 2008, في حين بلغت هذه الحصه (75%) عام 1975. تبين هذه الموشرات علي تعزيز اندماج الاقتصاد التركي بالاقتصاد الكوني ,كما اصبحت ارتباطاته وثيقه مع اقتصاديات بلدان الجوار التي اخذت في التوسع بعد انتهاء الحرب البارده.
في ادناه ورد في المقاله اهم الموشرات الاقتصاديه للتدليل علي ذلك :
*انخفض العجز التجاري من 3,3 بليون دولار عام 1975الي فائض تجاري قدره 30 بليون دولار عام 2008.
*ازداد االناتج المحلي الاجمالي من 46,29 بليون دولار عام 1975 الي 742,092 بليون دولار عام 2008 .
* ازدادت حصع الفرد من الناتج المحلي الاجماي خلال الفتره من 1975-2008 من 1155 دولار الي 10338, اي تضاعف باكثر من 9 مرات خلال 33 عاما .
*حققت نسبه التجارة الخارجبيه من الناتج المحلي الاجمالي زياده ملحوظه من 13% عام 1975 الي 45% عام 2008
* ارتفع مجموع التبادل التجاري التركي مع العراق من 123 مليون دولار عام 1975 الي 5238 مليون دولار اي تضاعف الي اكثر من 42,5 مره
هذا وحصلت زيادات مشابهه في التبادل التجاري مع بعض البلدان العربيه الاخري مثل مصر وسوريا , علاوه الي تعاظمه مع كل من اسرائيل وايران .
الي جانب التوسع الكبير في المبادلات التجاريه , يلاحظ تزايد الاستثمار الخارجي و حضور كبير لموسسات الاعمال التركيه في كثير من البلدان العربيه , حيث توجد سلسه من المطاعم التركيه وموسسات الاعمال الصغيره والمتوسطه التركيه في كافه بلدان الجوار وكذلك الواقعه علي البحر الاسود . هذا وحصل مثلا تنامي كبير في الاستثمارات التركيه في قطاع البناء والتشييد في العراق عموما ,وفي اقليم كردستان خصوصا .
تقدر موسسه الاعانات الاميركيه حجم سوق المقاولات التركيه في منطقه الشرق الاوسط بما يعادل 2,87 بليون دولار .علاوه علي ذلك تمكنت موسسات الاعمال التركيه اختراق قطاع النسيج التقليدي في مصر,حينما قامت في نقل كثير من مصانعها الي هناك .كما استطاعت موسسات مهمه مثل اليكورفي مجال الصناعات الغذائيه وشركه جاما في مجال البناء والتشيد وبنك يابي ان تسجل تواجدا ملحوظا في بلدان مجلس التعاون الخليجي . هذا كما قامت تركيا في تقديم قروض لسوريا بقيه 247 مليون دولار لاستخدامه في مشروعات البنيه التحتيه . يقدر مجلس الاعمال السوري التركي حجم الاستثمارات التركيه في سوريا, انها تجاوزت 700 مليون دولار .
من جانب اخر حصلت قفزه كبيره في اعداد السواح والافراد القادمون الي اتركيا بالاخص بع قيام الحكومه في تسهيل اجراءات منح تاشيرها الدخول والاقامه لموطني دوله اليونان وبلدان الاتحاد السوفيتي علاوه علي تبنيها برامج تحرير تاشيرات الدخول بما السماح من دون تاشيره مسبقه لرعايا بلدان الجوار, كله قاد الي الزياده الفلكيه لعدد السواح والزوار حيث ارتفع 1 مليون عام 1980 الي 25,5 مليون فرد عام 2009 اي تضاعفت هذه الاعداد باكثر من 25 مره وخلال اقل من 20 عاما . بالطبع اصبح قطاع السياحه يحتل موقعا مهما في بنيه الاقتصاد التركي ,لما لذلك من تاشيرات واسعه علي سوق العمل والبناء والتشييد وقطاع النقل والتشييد وليس اخرا علي مصدر العمله الاجنبيه وميزان المدفوعات .
هناك جمله عوامل ساهمت في توسع تجاره تركيه الخارجيه عموما,مع بلدان الجوار خصوصا, تضمنت ليس فقط سياسيه تحرير الاقتصاد في الثمنيات وما اتخذته حكومه رئيس الوزراء السابق اوزال من اجراءات التخلي عن سياسيه التصنيع علي اولويات التعويض عن المستوردات او التركيز علي التطوير الزراعي والاقتصاد المغلق والتحول علي تصدير السلع الصناعيه والاقتصاد المفتوح ,بل شكل قرار اتفاقيه الاتحاد الكمركي مع الاتحاد الاوربي الذي وقع عام 1995 عنصرا هاما في هذه التحولات الدرامتيكيه الحاصله في الاقتصاد التركي . ان عمليه التكيف مع الاتحاد الكمركي ساعدت في تصعيد القدرات التنافسيه للصناعه التركيه وتحسن امكانيات نفذها الي اقتصاديات البلدان الاخري .علاوه علي ذلك ساهمت الحرب العراقيه الايرانيه في دعم الصناعات التركيه الوليده في منطقه الاناضول والتي تتركزت في التصدير لهذين البلدين .بعدها ناشت ظروف ملائمه لتطور الصناعات التركيه بعد انتهاء الحرب البارده وحاجه هذه البلدان لاستيراد السله الاستهلاكيه الي يمكن تلبيها الصناعات التركيه التي تمتع بمزايا كلفويه مقارنه خصوصا كلف النقل والتقارب الحضاري والثقافي .
ان فتح الحدود التركيه ورفع قيود تاشيرات الدخول والاقامه من ناحيه واالصاعد الضخم والمفاجئ للتبادل التجاري مع عالم السوفيت المنهار كله عمل علي تاسيس الاتصالات والشبكات التي ساعدت علي توسيع التجاره والاستثمار مع بلدان الاتحداد السوفيتي السابق , اخيرا وليس اخرا فان قرار بلند اجويد رئيس الوزراء السابق عام 1999 في زيارته روسيا وعزم بلاده في عدم التدخل والابتعاد كليا مع النزاع الروسي مع الشيشان لعب دورا هاما في تعميق العلاقات الاقتصاديه مع البلدين .
فوق كافه العوامل المذكوره اعلاه فلابد التذكير بدور حكومه حزب العداله والتنميه حيث ان حجم التجاره الخارجيه منذ توليها السلطه عام 2002 قد تضاعفت اربع مرات مقارنه بنمو بلغ ثلاث مرات خلال الفتره 1991-2002 مع ذلك لايمكن الايعاز لهذه النجاحات فقط الي سياسيه هذا الحزب والاكثر الاهميه في هذا المجال في السياسيه الخارجيه التركيه التي دشنها انذاك الرئيس الاقدم في مستشاريه السياسيه الخارجيه المرتبطه برئيس الوزراء , ووزير الخارجيه الحالي السيد احمد داوود اوغلو والتي تمحورت في وضع تركيه وسط بعد جغرافي واسع , اطلق عليه المحور الافريقي -الاوربي الاسيوي ( تعبير يصف اكبر بقعه علي الكره الارضيه وتعرف انها سوبر قاره او العالم القديم عكس اميكا التي تعرف بالعالم الجديد .يشمل العالم القديم افريقيا واسيا الاوربيه, وتبلغ مساحته 84,980,532 كليو متر مربع وعدد سكانه يشكل حوالي 85% من سكان العالم , ( ويكيبديا – الموسوعه الحره ,المعرب )
علاوه علي ذلك تم تبني سياسه " عدم التدخل في مشكلات مه دول الجوار " .كما تم تشجيع اقامه علاقات عميقه ثنائيه او متعدده الاطراف عوضا عن الاجبار والقهر والمواجهه. لقد وضع هدف للسياسيه الخارجيه في تحويل البلد الي قوه اقليميه وكونيه قويه , ولاعب فاعل من خلال ممارسه القوه " اللينه" هذا كما يمكن التوكيد علي ان هذه السياسيه ساهمت بدورها في تحسين العلاقات مع بلدان الجوار مثل العراق واليونان وسوريا, كما خلقت بيئه ملائمه لتطوير التجاره الخارجيه .لقد تعاظم دور موسسات الاعمال واتحادات غرف التجاره والصناعه حينما ازداد نفوذها علي تشكيل السياسيه الخارجيه.ا
شهدت فتره حكم حزب العداله والتنميه علي تضاءل الوزن النسبي لنفوذ الاجهزه البيروقراطيه سواء في وزاره الدفاع او والخارجيه في عمليه اتخاذ القرارات او في تشكيل السياسيه الخارجيه ,بذات الوقت تنامي نفوذ اجهزه الدوله الاخري مثل وزاره الطاقه ,التجاره والنقل ,علاوه علي تعاظم دور وزاره الداخليه , بذلت الوقت منحت سكرتاريه رئيس مجلس الوزراء للشوؤن التجاريه مسووليات ومهمات واسعه كما اصبحت جزءا هاما ونافذا في البيروقراطيه المسوؤله عن صياغه وتنفيذ الابعاد التجاريه والاقتصاديه في اطار السياسه الخارجيه .
من هنا تطرح تساؤلات ...هل شكلت سياسه " عدم التدخل في مشكلات دول الجوار ,استجابه لتزايد اهميه التجاره الخارجيه التركيه والعلاقات الاقتصاديه الدوليه ؟ هل النمو المتعاظم يعتبر داله او وظيفيه هامه للسياسيه الخارجيه التركيه الجديده ؟ هل ظل اعتماد سياسه من نمط البيضه والدجاجه ؟ لقد تم اقحام القضايا الاقتصاديه والتجاريه بتزايد في اجندات السياسه الخارجيه. ففي هذا المجال توجد امثله عديده منها توقيع الاتحاد الكمركي مع الاتحاد الاوربي , وعدد من الاتفاقيات التجاريه منذ منتصف التسعنيات .عليه يمكن القول ان الزياده في الصادرات , والانغماس الكثيف في ممارسه الاعمال الاقتصاديه الخارجيه تحقق فقط من الحماسه والاندفاعه القويه في اعتماد سياسه " عدم التدخل في مشكلات " اتجاه بلدان الجوار .التي اصبحت ميزه خاصه عملت حكومه حزب العداله والتنميه في اعتمادها وتنفيذها عليه سهلت هذه السياسه توسيع التجاره وعلاقات الاعمال لسببين مترابطين هما :
الاول : نجحت حكومه حزب العداله والتنميه في اقامه علاقات اقتصاديه وتجاريه مع عدد من بلدان الجوار ارتباطا مع مجموعه قضايا مستخلصه او مصاحبه لاجنده الامن القومي مثل مشكله قبرص والعلاقه المتوتره مع ارمينا , او قضيه اكراد شمال العراق ,خصوصا حيث كانت التصورات السائده السابقه تعتبرها مسائل حساسه , لايمكن تقديم مساومات حولها كما تم ربط الحوار حول تنميه التجاره مع مثل هذه البلدان مع الاعتبارات والابعاد الامنيه .
تمكن تجاوز هذه الخلفيات كما تم تشجيهع الاعمال والتجاره , بالتالي اصبحت مسائل الامن لا تشكل قضيه حاسمه او تحتل اولويه .من هنا تم ايضا توطيد العلاقات مع اليونان وسوريا التي بدات من عهد الحكومه السابقه .كله يعني ان القوي الفاعله ذات التوجهات الاقتصاديه والتجاريه بدأت تصاعد نفوذها في مجال تشكيل السياسيه الخارجيه ,الي جانب الاجهزه البيروقراطيه في وزاره الدفاع والخارجيه .
الثاني: ان محاولات الحكومه الجديده في حسم المشكلات الداخليه,تحسين وتطوير العلاقات الاقتصاديه والتجاريه مع بلدان الجوار ,كله ساهم في اضافه ابعاد جيده حول صوره تركيه في صفوف الراي العام والجماهير بالمنطقه . من هنا ازدادت اعداد الوافدون للبلاد , لما لذلك من نتائج ايجابيه سواء اقتصاديه ا واجتماعيه ا وثقافيه .
بالطبع تسلتزم عمليه تطوير العلاقات الاقتصاديه جمله ضمانات من اهمها الاستقرار.هذا ويمكن سياق جهود الحكومه التركيه في التوسط بين ايران والغرب التي انطلقت هي ايضا وجزئيا من اعتبارات وحاجات اقتصاديه واضحه,حيث تعتبر ايران ليس فقط سوقا واعده للسلع التركيه, بل استهدف عبر ذلك حل مشكله العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات التركي المتزايد معها . كما اربد منها تجاوز قيود واجراءات الحمايه الشديده التي تميز السوق الايرانيه ,التي يصعب يصعب اختراقها بسهوله ,.
هناك امثله عديده ف للتوكيد علي ذلك .فحينما تمكنت احدي الشركات التركيه تشييد مطار طهران الدولي نراها اخفقت في الحصول علي مقاولات اداره وتشغيل المطار , بذات الوقت منعت ا شركه الهاتف التركيه رغم مزاياها التنافسه من الدخول للسوق الايرانيه .
عموما يمكن القول هناك ب وجود اهتمام متزايد وكثيف بين الاواسط العامه والاكاديميه حول الابعاد والجوانب الاقتصاديه والتجاريه للسياسيه الخارجيه التركيه .
ان تحول البلاد من سياسيه احلال الوارادات والتوجه بكثافه نحو نموذج التنميه المعتمده علي تطوير قطاع التصدير من ناحيه , والاعتماد المتزايد علي الطاقه المستورده من ناحيه اخري , كله تحقق من خلال الاعتماد وتبني ما يطلق عليه طريق "دوله ألتجاره" ,التي تعود بدايه اصولها الي مماراسات حكومات عقد الثمانيات والاستمرار في اتباعها من قبل حكومات عقد التسعنيات .
ان تبني حكومه حزب العداله والتنميه لما يطلق عليه "عدم التدخل في مشكلات "مع بلدان الجوار من ناحيه ,تزايد مطالب رجال الاعمال في الانفتاح القوي نحو فتح اسواق تصدير جديده (بالاخص للصناعات والشركات الموطنه في الاناضول)من ناحيه اخري,جميع ذلك افضي رؤي وتصورات جديده علي السياسه الخارجيه التركيه .
ان مشكلات الاتحاد الجمركي بين تركيه والاتحاد الاوربي والاحباط الكبير لنظام تاشيرات الاقامه والتنقل لرعايه الدوله التركيه ,جميع ذلك شكل قوه دفع اضافيه لسياسيه "دوله التجاره " لعهد حكومه حزب العداله والتنميه .اخيرا, فالحكومه علي ادراك تام باهميه وحقيقه الاندماج الاقتصادي مع بلدان الجوار الذي يلعب بدوره عنصرا هاما في عمليه النمو والتنميه الاقتصاديه والاجتماعيه ,
من دون شك تعاني السياسيه الخارجيه لحكومه حزب العداله والتنميه من مشكلات كما سياسيه"عدم التدخل في مشكللات مع دول الجوار ,جلبت معها التزامات واسعه وتطلبت انشغال حكومي مكثف وكبير بالقضايا الاقليميه, حيث شملت هذه الجهود التركيه النزاع بين العرب /فلسطين واسرائيل,النزاع الشيعي السني في العراق ,التوتر بين افغنستان وباكستان,البوسنه والصرب, وليس اخرا ايران والغرب, علاوه علي ضروره حسم المشكلات الثنائيه مع قبرص والعلاقات مع ارمينا .
ان تنفيذ سياسيه "عدم التدخل في مشكلات مع دول الجوار يتطلب بلاشك اكثر من مجرد حسن نيه ,خصوصا ان بعض الخطابات الحماسيه كما ان جوانب معينه من الممارسات السياسيه الخارجيه لا تزال تتعارض مع صيروره "دوله التجاره " المستهدفه ,كما توجد مخاطر واسعه ربما تقوض مصداقيه البلاد, بل ربما قد تفشل الجهود الراميه الي تحقيق السلام والاستقرار الدائم مع بلدان الجوار .
مع ذلك لابد من الاقرار باهميه هذا الهدف الذي يحتل موقعا متميزا, بل ربما يوازي هدف تركيه في توطيد علاقاتها مع كل من الولايات المتحده الاميركيه والاتحاد الاوربي .
فعلي منوال حاجه تبني سياسيه "عدم التدخل في مشكلات مع بلدان الجوار تحتاج وتلتزم الضبط والتناغم في توطيد العلاقات الاقتصاديه والتجاريه مع البلدان الجاره وروسيا فلابد ان تظل الحكومه علي اثبات مصداقيتها مع الغرب سواء الولايات المتحده الاميركيه اوالاتحاد الاوربي علي ان تقوم الاخيره في تفهم ابعاد متغيرات السياسيه التركيه الناجمه عن توثيق علاقاتها التجاريه والاقتصاديه مع بلدان الجوار وروسيا وبلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا .
بهذا الصدد تشير مجله الاقتصادي اللندنيه الي عدم وجود مخاطر في تراجع تركيه عن طريقها المحتوم مع الغرب حتي ان اخفقت الولايات المتحده والاتحاد الاوربي في التماشي مع متغيرات الاوضاع الجديهدة وعمليه صنع القرار السياسي في اطار الحكومه التركيه . مقابل ذلك يتطلب من حكومه حزب العداله والتنميه تقديم تنازلات لقاء اصرارها علي اعتماد سياسه عدم التدخل بمشكلات مع بلدان الجوار انطلاقا من حقيقه تعقيدات هذه القضيه كما انها لاتسير دائما بما يتمناه او يرغب به المرء مع ضروره التوكيد علي ضروره خلق التشابك بين تعقيدات المصالح السياسيه الداخليه من ناحيه , وتلاحم ذلك مع السياسه الخارجيه.
علاوه علي ذلك توكد عديد من مسوحات الراي العام وتصريحات بعض قاده بلدان الجوارعلي ان الاستقرار في المنطقه والتطور السياسي والاقتصادي الذي يوفر لتركيه منافع وقيم اضافيه جمه, كله يرتبط بالعلاقه السليمه والمزدهره مع الاتحاد الاوربي .





1) المقاله مترجمه من اللغه الانكليزيه


, ونشرت في مجله Kemal Kirisci / Neslihan Kaptanaoglu اعدت من قبل ا
Middle East Studies vol.47 no.5, 705-724
(2) مفهوم الدوله التجاريه ويطلق عليها في الانكليزيه والالمانيه
trading state ,Handelsstaat
هي شكل من انظمه الحكم التي تتجلي اهدافها الاساسيه في التطوير الاقتصادي وتصعيد الرفاه الاجتماعي وان استراتجيتها هي : التخلي عن سياسيه الاكتفاء الذاتي والاستعداد عن الاستقلال الذاتي وتبني منظومه قسمة العمل الدولي الواسه والاقرار باهميه العولمه .من اجل ذلك تعنمد الدوله التجاريه الوسائل التاليه في تحقيق اهدافها وتنفيذ استراتجيها : تفضيل او اعطاء الاولويه للدبلوماسيه الوقائيه والادوات الاقتصاديه والتنازل عن الوسائل العسكريه بعد التوازن بين الكلفه /المنفعه استنادا علي عمليه المماراسات التاريخيه