اليسار : وملاحظات عابر سبيل على حديث عصام شكري


جودت شاكر محمود
2012 / 6 / 9 - 23:46     

كان على بريدي الالكتروني حديث السياسي العراقي(عصام شكري) ضمن الندوة التي نظمها الحوار المتمدن له يوم الجمعة 1 حزيران 2012. وقد دفعني هذا الحديث إلى أن أتوقف معه في بعض النقاط. أرجو من أن يتحملني الأستاذ الفاضل ويعذر لي هفواتي وأخطائي وذلك لكوني شخص بعيد عن السياسية ومصطلحاتها وخفاياها.
1. ورد في الحديث النص التالي:(اليسار في المجتمع يمثل قوى الإنسانية. نحن بحاجة إلى أنسنة المجتمع. المجتمع بحاجة إلى اليسار لكي "يتأنسن"، لكي يصبح أكثر إنسانية. ولكن هذا الطريق عملي - براكتيكي وليس عاطفي وأخلاقي. انه طريق يمر عبر نضال سياسي اشتراكي. بحاجة إلى بلاتفورم وخطة عمل.)
سؤالي هو: أليس هناك قوى إنسانية غير اليسار في المجتمع ؟
وهل المجتمع لا يصبح أكثرا إنسانية إلا باليسار ؟
وهل الطريق العملي هو الذي يقودنا إلى مجتمع أكثر إنسانية تغيب عنه القيم الخلقية والمشاعر العاطفية ؟
أن ما يميز الإنسان عن باقي الكائنات، والذي يمنحه صفة الإنسانية هو لكونه الكائن الأخلاقي والعاطفي الوحيد على هذا الكوكب، وصفته الإنسانية هذه اكتسبها من خلال ذلك إضافة إلى الجوانب المعرفية التي يتميز بها. فكيف لنا أن ننزع عنه صفته الإنسانية هذه، والتي تميز بها وتفرد عن باقي الكائنات الحية الأخرى في هذا الوجود.
أن المتطرفين والإرهابيين هم عملين أكثر، حيث أن سياستهم تتمحور حول استئصال مناوئيهم والمختلفين معهم في الرأي وبشكل عملي ومتجسد على ارض الواقع، فهل هم أكثر إنسانية من غيرهم، وكذلك القوى الامبريالية هي أكثر برجماتية ومصلحيه لذا تراها تقوم بغزو الشعوب وإثارة الفتن الطائفية وتستغل كل التناقضات والاختلافات بين المجتمعات والقوى التي توجد فيه من اجل مصالحها الآنية والمستقبلية فهل القوى الامبريالية والاستعمارية واليمين الرجعي المتحالف معها بكل صنوفه الدينية والمالية والفكرية هي أكثر إنسانية لكونها قوى عملية عرفت بان الطريق لتحقيق مصالحه يمر عبر ممارسات بشعة إجرامية. والدليل الأكبر هو إسرائيل فهل أفكارها أو مجتمعها هو أكثر إنسانية عن غيره من المجتمعات في هذا العالم.
حينما نكون إنسانيين علينا أن نشعر بكل المآسي والمظالم التي تعيشها الشعوب الأخرى، وأن يكون لنا موقفا مع أي إنسان في أي مكان من كرتنا الأرضية يتعرض لأي سلوك من الممكن يؤثر على وجوده وكيانها أو يسلب حقه في العيش بسلام وحرية. لذا يجب أن يكون لنا وازع أخلاقي يمنعنا من الإساءة إلى الغير إلا في حالة رد العدوان والظلم الذي يمكن أن نتعرض له أو يتعرض له من يتشارك معنا في هذا الوجود. فهل نستطيع أن نطلق على الإنسان الآلي بأنه أكثر إنسانية لأنه مصمم ليكون عمليا أكثر من الإنسان الحقيقي.
2. في نص الفقرة التالية يقول الأستاذ أن (بعض اليسار يجلب اقتباسات من قادة الشيوعية كماركس وانجلز ولينين وتروتسكي وغيرهم لا لنقد النظام الرأسمالي أو مظاهر ظلم هذا النظام وآثاره على الجماهير بل لمهاجمة الجماهير نفسها والادعاء بتخلف الجماهير. بدلا من مهاجمة الخرافات والتمييز الجنسي والجندري والتشريعات المحقرة للبشر وللمرأة تحديداً، وبدلا من مهاجمة مصدر الظلم والاستغلال يأتي البعض ليقول أن الجماهير مسلمة ومتدينة ولديها مقدسات لا يجب مسها. في الجانب الآخر، نفس هؤلاء، نفس أصحاب نظرية "مقدسات الجماهير" يرحبون بالتفاوض مع القوميين والإسلاميين ويعتبرون أن هذه سياسة.)
أريد أن أسال سؤال: هل حينما يكشف الدارس أو الباحث عن نقاط الضعف أو المساوئ في بناء المجتمع ويسعى للعمل على أبراز البديل الصحيح شيء خاطئ ؟ وهل مهاجمة معتقدات الناس الدينية هو الطريق لمحاربة الرأسمالية، حقيقة لا ادري. علما بان المعتقدات الدينية شيء أساسي وضروري في الشخصية الإنسانية مهما كان المعتقد الذي يؤمن به الفرد حتى لو كان يؤمن بحجر أو يعبد كائن آخر، وأقول حتى من يدعي اللحاد فهو ديانة لأنه يقوم على مسلمات معينة مثلها مثل الدين يجب أن تؤمن بها مسبقا. فالعبرة ليس بنوعية المعتقد ولكن بالوسيلة أو الكيفية التي يتعامل بها رجل الدين أو الداعي لهذا الدين في محاولته تطبيق هذا المعتقد على ارض الواقع، ومدى استخدامه لهذا الدين في استغلال الآخرين وتحقيق مآربه الخاصة. أن الخطأ ليس بالمعتقدات ولا بالإنسان البسيط ذو التفكير العادي إنما في مَنْ يستغل هذا الدين ويقوم بتأويل تلك النصوص من اجل تحقيق مشاريع سياسية وسلطوية ورغبات وحاجات ذاتوية له أو للآخرين أو مَنْ يمده بالسلطة والقوه.
قد مضت عقود من السنين والصراع قائم بين اليسار بكل أجنحته وبين أصحاب المعتقدات الدينية وذوي التوجهات القومية، فهل حقق اليسار شيء من ذلك الصراع. أن كل ما تم الحصول عليه هو التخلف وتشرذم وسيطرة القوى الرجعية والعملية التي استطاعت بان تمسك بالمبررات التي منحها اليسار وعلى مر الزمن من اجل ضرب كل توجه إنساني وتقدمي.
هل ما نشاهده الآن على الساحة العراقية هو قمة للتطور والعلمية والإنسانية أم هو منحدر وهاوية للتخلف؟ أذن أين الأدوار التي يقوم بها هذا اليسار في الأخذ بيد هذا الشعب والسير به نحو أفق الغد المشرق. وألم يكن لليسار الدور في كل ما حصل ويحصل للعراق من قبل الاحتلال ولحد الآن.
في ذات الوقت أني ارفض وبشدة كل ما يتعرض له أي إنسان مهما كان دينه أو معتقده أو فكره أو شكله وليس فقط هؤلاء الشباب. ولكن أننا إذا أردنا أن ندفع بالمجتمع بالتقدم إلى الأمام والأخذ بناصية التطور، ليس بدفع المجتمع إلى الانحلال الفكري والعيش على هامش الحضارة وتبني أفكار وتوجهات تشل حركة الشباب وتدفع بهم نحو هاوية التخلف والرذيلة أن كانت جنسية أو أفكارا خرافية مثل ما يقوم به هؤلاء الذين يسمون (بالايمو) أو عبدت الشيطان. أليس هذا دين مثل العديد من الأديان والتي تدفع إلى الرذيلة والتخلف، أم هو فكر علمي يعمل على تطور أبناء وشباب المجتمعات وإغناء التفكير العلمي والحضاري. أن الدور الذي يجب أن تقوم القوى اليسارية والتقدمية هو الأخذ بيد هؤلاء الشباب وإنقاذهم مما هم يمرون به والذي سببه غياب الوعي والتفكير النقدي وتبني قيم علمية وحضارية، تستوعب الحاضر لتنطلق إلى المستقبل وتعمل على بناء إنسانه قبل أن تعمل على بنائه حضاريا وعمرانيا. وسبب ظهور هؤلاء هو غياب دور القوى الثورية والتقدمية على الساحة المجتمعية وغياب دورها الفاعل والحيوي أدى بهؤلاء في الانزلاق إلى ما وصلوا إليه.
ولكني أسئل ما علاقة هذا بالنزعة نحو الاجتماعية، وهل أصبحت الايدولوجيا عيبا أم ماذا ؟ حقيقة لم أفهم هذا.
2.يقول المتحدث (بعض من يسار آخر همه الوحيد معاداة الامبريالية. تعريف الشيوعية عنده هو محاربة أمريكا لا أكثر ولا اقل.)
بداية سؤالي هل يعتقد المتحدث بان معادة الامبريالية ليست هي الركن الأول والأساسي في نضال وفكر أي يساري وتقدمي يدعي ذلك. أهم هو يأتي بالمرتبة الأخيرة بعد النضال ضد الدين والقومية ؟
في بداية الحديث ينتقد الكاتب القوى الأخرى لكونها لا تنتقد الرأسمالية ويتهمها بمهاجمة الجماهير، ونعتهم بصفات غير لائقة. ولكنه في هذه الفقرة نراه المدافع الأمين عن الامبريالية الأمريكية، وكأنه لا يعلم أو لا يعرف بان الامبريالية هي عدوة الشعوب الأولى وكل ما يحصل لهذا الإنسان وفي أي بقعة من العالم هو بسبب هذا العدو أولاً وأخيراً، ألا يعلم مفكرنا العزيز بان هذه القوى الدينية التي يدعو لمحاربتها هي النصير الأول والحليف المتفاني مع الامبريالية الأمريكية في سعيها لدفع شعوبنا إلى التخلف والجهل والمرض. حتى من يدعوه بالمجرم والسفاح من جاء به في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، ليست أمريكا ومن لف لها.أن نظامه كان البديل الأفضل لها والذي سوف يسارع بإسقاط المعسكر الشيوعي.
أما موقف (شافيز) أو غيره من القوى المصنفة أو المحسوبة على القوى الثورية والتي تتضامن مع قوى أخرى في العالم مصنفة بأنها قوى رجعية، فان هذه تحالفات المؤقتة والتي قد ترفضها أنت أو غيرك هي تحالفات تفرضها المرحلة التي تمر بها تلك القوى وهذه هي لعبة السياسة التي لا نعرف كيف نلعبها أو يلعبها سياسيونا أصلاً.
ولكن هناك سؤال يحيرني هو: ما علاقة المواقف السياسية هذه بمرض فصام الشخصية. وهل الشخص الذي يعادي أمريكا لديه فصام بالشخصية. وكذلك السياسي الذي يعمل بالسياسة مصاب بهذا المرض ؟ أذن لماذا تعملون بالسياسة. حقيقة لا أدري.
4. يصف المتحدث بان (حال اليسار بشكل عام، متقوقع). وحقيقة حينما نتحدث عن تقوقع اليسار على نفسه فسببه القيادات التي تتزعم هذه التيارات السياسية. وسياساتها في الابتعادها عن الجماهير الواسعة وسعيها الدائب لمحاربة تلك الجماهير من خلال التشكيك بها، ومحاربة كل ما تؤمن به من قيم دينية أو قومية وحتى قبلية بدلا من العمل على دفها لكي تتبنى مواقف أكثر إنسانية من خلال العمل من داخلها وليس التعالي عليها وعلى ما تؤمن به وطريقة عيشها. أن التضامن من اجل الحرية وتعزيز الأسس الديمقراطية وترسيخ قيم القانون والكثير من المواقف والخطوات التي يمكن أن تلعب عليها تلك القوى من اجل العمل على تحصين الجماهير وتثويرها من الداخل ولكن وللأسف فأن هذه القوى ليس لديها سوى النقد والبكاء على غياب الفرص والانعزال والتعالي الذي تعيشه بعيدة عن معظم هذه الجماهير.
5. حينما يشير المتحدث في فقرته(اليسار يواجه من ؟). فاني أقول وبصراحة، أن الكثير من الذين تم وصفهم بأنهم أعداء لليسار من قوى دينية أو قومية أو عشائرية اعتقد بان البعض من هؤلاء يتميز بمواقف جريئة ومتقدمة لم تستطع قوى اليسار العراقي من الوصول إليها والقيام بها، أو ممارستها، وخاصة في وقوف تلك القوى بوجه الاحتلال الأمريكي والإيراني، في حين هناك قوى يسارية تدعي الثورية وقفت بذات الخندق مع المحتل الأمريكي وهذه هي اكبر الجرائم التي أقترفها اليسار العراقي. ولا زال يقترفها من خلال تشرذمه، وبحث الكثير من قادته عن السلطة والكرسي وليس العمل على تغيير أبناء المجتمع والأخذ بأيدهم نحو بر الأمان.
6. أما حينما يتحدث عن (الدولة في العراق) ويقول بأن الدولة العراقية لم تؤسس فأنا أرى هذا الكلام لا أساس له من المصداقية. أن الدولة العراقية كان لها وجود راسخ بكل مؤسساتها، ولكن مَنْ جاء مع المحتل عمل على هدمها وتفسيخها من أجل غاية بنفوس هؤلاء والتي التقت مع غايات قوى الامبريالية الأمريكية من اجل عولمة العالم وذلك بسحق ومحو الدولة الوطنية وكل مقوماتها من اجل أن تنشئ دولة جديدة ضعيفة كما يقول المثل الشعبي(لا تهش ولا تنش). لأنها فاقدة لكل مقومات الدولة الوطنية. وهي صنيعة للامبريالية، وهي الحانية لها والمدافعة عنها. لكي تبقى مصدرا للمواد الأولية وسوقا لتصريف السلع الاستهلاكية.
وأخيرا حينما نريد أن يصل صوتنا إلى جموع الشعب العراقي علينا أن نحقق التواجد على الساحة السياسية وان نكون جزء من هذا الشعب بكل ما يحمله من مساوئ وقيم وعادات ومعتقدات بالية أو متخلفة كما يصفها قادة اليسار وليس التعالي عليه. لان أقسى شيء على سياسي هو أن يفقد ثقة الجماهير به، وحينما تفقد الجماهير الثقة به فأنها تعزله لكون لا يمثلها لذا علينا أن نكون مع أهلنا نأخذ بأيدهم وأن لا نسوقه بأفكار ومصطلحات ليس لها وجود في واقعهم. كفى ديماغوجية وتعالي وانزلوا من بروجكم العاجية إلى صفوف الشعب.
وليتقبل الجميع فائق احترامي