الأزمة في الأردن إلى أين؟ وسبل الخروج منها


ابراهيم حجازين
2012 / 6 / 5 - 20:23     

تمر المنطقة وكذلك الأردن في منعطف تاريخي سيتحدد من خلاله مصيرها فإما إلى الأمام والولوج في المستقبل، وإما انتكاسة تاريخية جديدة سندفع ثمنها غاليا. ويترافق هذا بالنسبة لنا في الأردن بأوضاع استثنائية تتمثل باستفحال الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية، فمن جهة أفق مسدود للإصلاح السياسي كما أمل الناس خلال مرحلة تعاظم الحراك السياسي والمنادي بالإصلاح منذ أكثر من عام ونيف، وأحوال اقتصادية ومالية مزرية نتيجة السياسات الحكومية التي صبت في مصلحة شرائح وفئات متنفذة محددة تسيدت على حساب مستقبل الوطن والأغلبية العظمى من أبناءه من فقراء وفئات صغيرة ومتوسطة.
لقد أقدمت الحكومة من اجل الخروج من الأزمة الاقتصادية على ارتكاب نفس الحلول والإجراءات التي أديا إلى نشأة وتعمق الأزمة، فقامت برفع أسعار المحروقات والكهرباء وهي مواد ارتكازية تعتمد أسعار باقي السلع والخدمات عليها مما يعني ارتفاع هائل في الأسعار، لم تقف الأمور عند هذا الحد فقد فرضت الحكومة أيضا ضريبة مبيعات على سلع ومواد غذائية كانت معفاة وأثرت هذه الإجراءات على المواطنين بشكل مباشر وعلى القطاعات الصناعية والخدمية أيضا وهي لا تزال مستمرة بهذه الإجراءات بالرغم من الرفض والغضب الشعبي لها.
تتحمل الحكومات المتعاقبة المسؤولية التامة عن الأوضاع التي وصلت إليها البلاد من ضعف وتردي وتمزق وتفتيت وخوف يشعر به المواطن الأردني على مستقبله. لقد مارست الحكومات المختلفة بتعدد وتنوع مشاربها أو شخوصها نهجا سياسيا واقتصاديا طوال العقدين الماضيين قاد البلاد إلى أسوء أوضاعها منذ أزمة 1988 والتي سلمت البلاد بالكامل إلى عهدة صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى، إلى جانب تردي إدارة الاقتصاد وموارد الدولة والتفريط بها وممارسة الفساد المكشوف دون خجل أو وجل والذي أودى بالثقة بالدولة وبمؤسساتها ورفض الاستمرار بالحكم بالطرق السابقة.
إن اقل ما يمكن قوله أن الحكومات الأردنية ومراكز إدارة البلاد الرسمية منها وغير الرسمية، قد وضعت البلاد على مسارات مرعبة أدت الى أوضاع لم يحلم بها الأردني في اسوأ كوابيسه، فلم يعد يمتلك الأردن أي من مقدراته وثرواته على قلتها فتم التفريط بها إلى أيدي الفاسدين او شركاء استراتيجيين مع المعلوم من الكوميشن بطرق احتيالية فريدة من نوعها نفذت جميعها من مراحل مكافحة الفساد عبر برلمان وجه له الانتقاد في كل التحركات الجماهيرية التي طالبت بالتخلص منه، لكن في المحصلة أصبح الأردن لا يملك ما يمكنه ان يجابه به المستقبل بمفارقة خطيرة، وإذا كان الأردن قد دفع ثمن فساد وسوء الإدارة في السبعينات والثمانينات ومن القرن الماضي وكان لا يزال لدية أصول ومقدرات وثروات كان لا يزال يحتفظ بها، فإنه اليوم فهو لا يملك أي شيء يمكن أن يستند إليه في مجابهة ما يتوقع أن يواجه في قابل الأيام أيضا. فقد فرطوا بالفوسفات والبوتاس وميناء العقبة وشركة الاتصالات والاراضي و...وغيرها.
تتجلى مظاهر الأزمة الاقتصادية والمالية بتراجع النمو الاقتصادي والذي لم يتجاوز 2.3% أي ما يعادل النمو السكاني وهذا يعني ان المحصلة الحقيقية للتنمية تعادل صفر، إضافة إلى سوء التوزيع المحابي للفئات القادرة مما يعني مزيدا من الفقر والجوع وازدياد معدلات التضخم (ارتفاع الأسعار) ويقدر ذلك بـ 6% الى جانب العجز بميزان المدفوعات وتراجع احتياطي البلاد من العملات الأجنبية.
لم يستطع أي إجراء اتخذته الحكومات على الصعيد الاقتصادي والمالي او النقدي ان يزيل او ان يقلل من الأزمة بل بالعكس من ذلك فكل المراقبين يؤكدون أن الاوضاع في سبيلها لمزيد من التردي، ويواجه الاردن اليوم عجز في الموازنة يعادل 2 مليار دينار ويتوقع أن يصل العجز في نهاية العام ثلاثة مليار ونصف مليون دينار، بالإضافة الى مديونية فلكية تعادل حوالي 20 مليار دولار أي أكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي أي تجاوز الحدود التي يضعها قانون الدين العام.
والأسوأ من كل هذا أن الحكومة الجديدة المنوط بها ان تستكمل مسيرة الاصلاح والخروج من الازمة طبقت حلولا كانت اصلا من الاسباب التي ادت الى الازمات في البلاد: تراجع عن الديمقراطية واخراج الشعب وارادته من حساباتها وتحميل المواطن نتائج الازمة التي تسبب بها نهج لم يختره المواطنين بل فرض عليهم عبر آليات التزوير التي رافقت هذه السياسات وتخفيف عبئها عن فئات الأثرياء، هذه الإجراءات القديمة الجديدة اثبت الزمن انها ستكون من اسباب تردي الاوضاع وتعمق الازمة مما سيصعب من معالجتها في المستقبل. فمن المتوقع ان تتعمق حالة الانكماش وتراجع القدرة الشرائية لدى المواطن وارتفاع معدلات التضخم، والنتيجة تتوسع دائرة الفقر وزيادة معدلات البطالة واستمرار الركود الاقتصادي وتفاقم الاوضاع الاجتماعية والتي ادت الى عنف اجتماعي غير مسبوق في السنوات الماضية هيأت له الحكومات بالصوت الواحد واستخدام العصبيات والجهويات والاختفاء وراءها للتصدي للرفض الشعبي لسياسات الحكومة والعمل على تمزيق وحدة الشعب تطبيقا لمبدأ فرق تسد.
ماذا فعلت الحكومات غير ارتكاب المزيد من الأخطاء وتعميق النهج الذي أوصلنا لما نحن فيه؟
الجبهة الوطنية للاصلاح بمكوناتها من شخصيات وأحزاب معارضة قدمت حزمة متكاملة من الاقتراحات الواقعية للخروج من الأزمة ووضع الأردن الذي على طريق أمنة للتقدم والتطوير مما يرسي الأمل لدفع مسيرة النمو والتنمية لصالح المواطن وتمكين الأردن ان يقوي من مناعته أمام الأخطار التي تواجه المنطقة وأهمها التحدي الصهيوني الذي لا يزال يخطط لمزيد من الفوضى تمهيدا للهيمنة المطلقة على ارض فلسطين العربية.
تتمثل هذه المقترحات بضرورة القيام باستكمال إصلاحات الدستورية لتفضي إلى تطبيق مبدأ الشعب مصدر السلطات وسياسية ترسي من الطرق الديمقراطية في إدارة البلاد وترسيخ مبدأ المواطنة ودولة القانون وتسد منابع الفساد ومحاسبة الفاسدين واسترداد أموال الشعب واستعادة ثرواته وضمان الحماية الاجتماعية للمواطنين وتضييق الفجوة الاجتماعية بين الفقراء والأثرياء وإخضاع نفقات الدولة إلى الرقابة والمحاسبة، إن سيادة مثل هذا النهج يوفر الفرصة لتطبيق إجراءات استثنائية وقد تكون صعبة للخروج من الأزمة الحالية، ولكن ثقة الشعب بمثل هذا النهج الجديد يشكل عاملا هاما لتطبيقه في ضوء رفضه الحالي لمجمل سياسات القوى المتسيدة، ونرى أن تحقيق ذلك لا بد من أن يتم بتوافق وطني أردني يؤدي إلى قيام حكومة إنقاذ وطني تؤكد على الشرعية الدستورية والوطنية لعملية الإصلاح كأخر خيار لا بد من طرقه لتلافي حالة الفوضى التي تعم في المنطقة.