الحق في الكرامة الإنسانية جوهر مطالب الثورات العربية


ابراهيم حجازين
2012 / 6 / 3 - 22:52     

يكتسب هذا الموضع أهمية كبيرة في هذه المرحلة التي تمر بها البلدان العربية تلك التي تمر بمرحلة إجراء انتخابات برلمانية نتيجة الثورة أو تلك التي لا تزال أنظمتها تعتقد أنها بمنأى عن التغيير والثورات التي أصبحت استحقاق تاريخي لا مناص منه فكل المجتمعات عبرت أو ستعبر هذا الفلتر التاريخي للولوج في المستقبل ودون ذلك الاندثار أو الانقراض. ومن هنا لا بد من التعرف على مفهوم الكرامة الإنسانية كحق أساسي له نفس الولوية لحق الحياة لانه في الجوهر لا حياة إنسانية دون كرامة.
فالكرامة الإنسانية والاعتراف بمساواة كل البشر على أساسها هي الجوهر الثابت الذي استندت إليه الأديان كافة وميزت الفكر الذي عبر مراحل تطور المجتمعات عن حاجتها لإعطاء الإنسان قيمته والتي تمثل في الجوهر نزعة المساواة والعدالة الاجتماعية التي نادى بها الفلاسفة والمفكرون عبر العصور السابقة، وقد أضافت لوائح حقوق الإنسان التي أقرتها المؤسسات والمنظمات الدولية إلى مضمون هذا المفهوم في القرن الماضي ما يجعل منه مطلبا ضروريا للتطبيق فلا يمكن لشعب أن يحقق المساواة والعدالة الاجتماعية ولا يكون مفهوم الكرامة الإنسانية نصب عينيه. إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التغييب المتعمد والمهدر للكرامة من قبل النخب الحاكمة للشعوب والمتجسد بسلوك من انتم؟
أن مقولة الكرامة الإنسانية تشتمل على مضمون واسع ويتسع مع تطور المجتمعات الإنسانية وارتقاء حاجات الأفراد والجماعات والمجتمعات، من هنا فان المعنى الأساسي "المرتكز"الذي تمثله الكرامة الإنسانية تعبر عن الفهم التالي: أن إرادة الشعب هي التي يجب أن تحكم المجتمع لأن الشعب هو مصدر السلطات. وبدون ذلك لا كرامة للشعب الذي لا يملك من أمره شيئا. وقد أكد المفكرون الأهمية القصوى لضرورة الإقرار بهذا الحق مما انعكس بشكل واضح في وثائق حقوق الإنسان وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المقر عام 1948 م.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بنصوصه عكس لا بل وارتقى بالقيم وبالمفاهيم التي اكتنزها وطورها التراث الإنساني على مر العصور. وأضفى عليها طابعا عالميا ذو صفة إلزامية لكل المجتمعات البشرية في عالمنا المعاصر، وذلك من حيث اعتبار الكرامة صفة تتوافر في كل الناس. وهذا يعني أن لكل ذات بشرية قيمة متساوية في حد ذاتها، مهما اختلفوا بالعرق أو بالجنس آو بالغة أو بالدين أو بالمنصب أو بالثروة.
وهذه الكرامة الإنسانية لا يمكن المحافظة عليها وممارستها إلا بوعي الأفراد لها والعمل في سبيلها لأن من ينكر هذه الصفة اللصيقة بالإنسان إما يقبل بعبوديته أو يمارس طغيانه وتسيده على أكثرية الناس على اعتبار أنهم اقل قيمة منه وفي الحالتين الأمر يستدعي عمل دءوب لصيانة الكرامة الإنسانية والتي هي الأساس في منظومة حقوق الإنسان، فالاحترام للأخر يمثل تحديا صارخا للمجتمعات القائمة على التميز الطبقي والعنصري والديني والقومي والثقافي والتميز على أساس الجنس، ولهذا عندما نصت المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى أن "جميع الناس يولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق وهم قد وهبوا العقل الوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء"، إن الإقرار بأن الكرامة عند جميع البشر هي واحدة ولا تمييز بينهم مهما اختلفوا يسقط كافة الأضاليل التي يرددها البعض من أن هناك من ولد كي يحكم ومن ولد بان يبقى محكوما على أساس أنهم من طبقات اجتماعية مختلفة أو من أعراق أو فئات متباينة.
من هنا تعتبر حماية الإنسان في كرامته وأدميته المحور الأساس لرسالة حقوق الإنسان بمضمونها في أساسها رسالة اجتماعية تكمن جذورها في الواقع الاجتماعي، وتعطي للممارسة الديمقراطية أفضل صورها لتغيير ذلك الواقع فيأخذ الإنسان الحق بأن يكون شريكا في إدارة مجتمعه لأن مفهوم الكرامة يعني أن الشعب مصدر السلطات لأنها تتجلى بإتاحة الفرصة له بأن يتبوأ المناصب الرسمية واختيار حكامه، إلى جانب حقه في حياة حرة وكريمة ومستوى معيشي يعادل ما يقدمه للمجتمع على أساس المساواة عدم التمييز في التعليم واكتساب المهارات وغيرها من العوامل التي تلعب دورا في تشكيل تمايز اجتماعي في المجتمع.
ومن المهم الإشارة منعا للالتباس الذي يعمل له البعض من الرافضين لمفهوم حقوق الإنسان بناء انه منتج برجوازي، فحقوق الإنسان هي مبادئ تعبر عن حاجات بشرية تنبثق جميعها من المضمون الاجتماعي لمفهوم الكرامة الإنسانية، ولذا تشكل الكرامة قاعدة أخلاقية وفلسفية لحقوق الإنسان الأساسية، فنص عليها الفصل الأول من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 دون ذكر مباشر لحرفية العبارة: "يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء".
ويترتب على هذا منظومات من المفاهيم مثل وحدة الجنس البشري والقيم الخلقية،والتعارف والتواصل والتعاون بين الشعوب على أساس الحق ونفع البشرية، والأهم وهو ما يعنينا في موضوعنا أن مفهوم الكرامة الإنسانية على وجه التحديد يؤكد أن من حق كل شخص أن يعامل في علاقاته بالأشخاص الآخرين أو بالدولة على أساس أنه غاية لا وسيلة، وعلى أنه أغلى من كل شيء وأن له قيمة قصوى. وهذا لا يتم التمكن منه إلا باعتبار الشعب هو مصدر للسلطات وعكس ذلك يصبح الإنسان وسيلة لتفرد البعض بالهيمنة والسيطرة بما يعبر عن مصالحهم ومصالح الفئات التي يمثلونها. وبهذا وفي عصرنا الحديث لا يمكن الكلام عن دولة بالمفهوم العصري بل عن مزرعة خاصة وليس أكثر.
تشكل مشاركة المواطنين في إدارة شؤون بلادهم إحدى الركائز الأساسية لحقوق الإنسان فالدول الديمقراطية توفر لمواطنيها الحق بإدارة أمور حياتهم العامة في شتى الحقول وهو ما أقرته الاتفاقيات الدولية، فمن حق المواطن في هذا الشأن أن له:
1- الحق بالمشاركة في إدارة شؤون بلده العامة إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارهم في حرية تامة.
2- الحق وبالتساوي مع الآخرين أن يتقلد الوظائف العامة في بلده.
ولا بد من الإشارة أن مكانة الانتخابات الرفيعة في النظام الديمقراطي هي ليست النهاية في الممارسة الديمقراطية، لأنها لا تشكل إلا إحدى خطوات على طريق سيادة النهج الديمقراطي وإشاعة مقتضياته والاحتكام إليه في إدارة دفة الأمور في أي بلد من بلدان العالم. الانتخابات بحد ذاتها لا تشكل الديمقراطية لكنها أساسية على الطريق المؤدية إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على المجتمعات. فالانتخابات هي وسيلة لتظهير إرادة الشعب، بينما الديمقراطية ليست مجرد تكرار الانتخابات دوريا بل تشمل كل جوانب عملية المشاركة في الحياة السياسية وصياغة حاضر ومستقبل الدولة .
ومن هنا لا بد للمواطن من امتلاك كافة الطرق والوسائل لممارسة بقية حقوقه، وهي حقه في العيش بمستوى لائق يناسب ما يقدمه للمجتمع فبدون ذلك لا يمكن له ممارسة باقي حقوقه لأنه يصبح قابلا لتقديم التنازلات على حساب حقوقه ، إلى جانب حقه في حرية الرأي والتعبير والإعلام والتجمع السلمي وتشكيل الجمعيات والتنظيمات وعدم التعرض للترهيب والتهديد، إضافة لحقه بالحصول على محاكمة عادلة، تلك الحقوق ينبغي أن يتمتع بها الجميع دون تمييز. وتشدد التجربة على أن الانتخابات الدورية والنزيهة عنصر ضروري لا غنى عنه في الجهود لحماية ومصالح المحكومين، ولخوض انتخابات نزيهة يجب أن يمارس المواطن مجموعة من الحقوق تتمثل بـ:
أولا- إرادة الشعب: ينبثق هذا الحق من مبدأ سادة الشعب كونه الوحيد مصدر السلطات ويتحقق من خلال ضرورة اشتراك الشعب في إدارة شؤونه إما مباشرة أو بواسطة ممثلين له منتخبين من طرفه.
ثانيا –تامين الحرية: يتعلق هذا الحق بصورة عامة بأهلية الإنسان لممارسة جميع حقوقه المشروعة، باعتباره كائنا حرا يمتلك السيادة على نفسه، في أجواء تسودها الحرية والانفتاح وغياب الخوف والتعسف والتهديد. أي التعامل مع حرية الفرد بوصفها شرطا أساسيا لحرية المجتمع.
ثالثا-تامين الحقوق الأساسية التالية: لا بد من إيجاد تربة مناسبة وخلق مناخات ملائمة لإجراء الانتخابات الحرة والنزيهة وهذا يتحقق بتطبيق ما يلي:
أ-حرية الرأي: أنها واحدة من أهم الحريات الخاصة بالإنسان وبدونها يصعب على الشخص أن يتصور كيف يمكن للإنسان أن يحيا كريما وحرا.
ب- حرية التعبير والإعلام: لا قيمة لحرية الرأي دون ارتباطها بحرية التعبير لأن الإنسان بدونها لا يعبر عن ما يجول في خاطره أي رأيه وما يعتنقه من أفكار، فحق الإنسان بحرية الرأي مرتبط ارتباطا لا فكاك منه بحرية التعبير والإعلام.
ج-حرية التجمع السلمي: أنها وسيلة لإعلام الناس عن موقف ما أو رأي ما الأمر الذي يعد حقا أساسيا لي إنسان شريطة أن يكون التجمع سلميا.
د- حرية تكوين الجمعيات:من اجل انتخابات تعبر حقا عن إرادة المواطن أكدت المواثيق الدولية على حرية تكوين الجمعيات بما في ذلك الأحزاب والنقابات المهنية والعمالية والمؤسسات الخيرية والاجتماعية.
هذه الحقوق والحريات مجتمعة تشكل منظومة واحدة لا تنفصم عراها كعنصر هام من اجل إجراء انتخابات بمعايير ديمقراطية.
رابعا-استقلالية القضاء-تنبع أهمية هذه الاستقلالية من كون السلطة القضائية هي إحدى السلطات الثلاث التي ينبغي أن تكون محايدة بالانطلاق من وظيفتها الأساسية المتمثلة في الفصل بين النزاعات سواء بين الأفراد أو بين الأفراد والمؤسسات أو بين المؤسسات نفسها. وفي قضية الانتخابات يجب أن تكون السلطة القضائية بمعزل عن التأثيرات من أي جهة سياسية أو رسمية تشارك في الانتخابات وتساند هذا المرشح أو ذاك.
ومن ابرز المبادئ التي تعزز استقلالية القضاء:استقلاليته المضمونة من الدستور أو أي قانون أخر. ضمان نزاهة القضاء دون أية قيود أو تأثيرات أو إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات.يجب أن لا تكون القرارات القضائية موضع إعادة نظر إلا بالمراجعة الفضائية من محكمة أعلى أو أن تقوم السلطات المختصة بتخفيف أو إبدال عقوبات القضاء حسب النصوص الدستورية. وأخيرا لا بد للقضاء أن يسهر على سير الإجراءات القانونية بنزاهة الانتخابات واحترام حقوق كافة الأطراف. وهذا يحمي الانتخابات من أية ممارسات منحازة، وبذلك يساعد القضاء ويكمل وظيفة الهيئات الانتخابية المستقلة دون أن يحل محلها.
خامسا-مبدأ عدم الانحياز والتمييز: هذا المبدأ يعني آدمية الإنسان إذ لا يجوز التمييز بين إنسان وأخر على أي كان من الأسس بما في ذلك الجنس، في الانتخابات لا بد أن تتساوى الفرص أمام الجميع للمشاركة في العملية الانتخابية. كما يعني هذا المبدأ التمثيل المتوازن لمختلف العناصر المكونة لسكان بلد ما.
سادسا-الاقتراع السري: أهمية هذا المبدأ تكمن في تطمين الناخبين بأن الإجراءات الانتخابية تضمن لهم السرية المحكمة من مختلف الزوايا وخاصة أثناء الإدلاء بأصواتهم في غرف الاقتراع، وأن لا يرغم أي شخص على الكشف عن حيثيات تصويته بأي طريقة من الطرق.
سابعا- الاقتراع العام المتساوي: يتحقق هذا المبدأ بتامين حق لجميع الناخبين بالاقتراع إلا من ليس له ذلك بسبب مخالفة كبيرة تحرمه من الحقوق المدنية والسياسية حسب نص القانون. ويضمن هذا المبدأ أيضا أن يكون لكل المواطنين نفس وزن الصوت وتحديد دوائر الانتخاب على أساس منصف يعكس إرادة الناخبين.
ثامنا-الاقتراع الدوري: نصت المواثيق الدولية على ضرورة إجراء الانتخابات بشكل دوري من اجل ضمان حقوق المشاركة الدائمة في إدارة شؤون البلاد، وبهدف خضوع كافة الأنظمة السياسية في بلدان العالم لإرادة شعوبها.
أن المعايير الدولية في ظل تطبيقها تحيط العملية الانتخابية بكل الظروف المناسبة والملائمة لتعبر فعليا عن إرادة المواطنين بصورة نزيهة، وتحقق مبدأ أن مصدر السلطات هو الشعب وتضفي الشرعية وتمنح القوة للنظام السياسي على كافة الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية وتزيد من مناعته في مواجهة الضغوط التي قد تستهدف التنازل عن سيادته او حقوقه ، وتشكل الظروف المناسبة من اجل وضع برامجه موضع التطبيق بكثير من الأريحية بعكس الأنظمة غير الحاصلة على تلك الشرعية التي تكون دوما في حالة صراع وضيق عند تنفيذ سياساتها وتلجئ لأساليب غير ديمقراطية من اجل تمريرها وبالتالي إضعاف النظام السياسي وتجعله واقفا والسيف في يده مسلطا على شعبه كما يحذر المفكر السياسي الإيطالي ميكافيلي.