اللاعب الثالث في سوريا


محمد السيد محسن
2012 / 5 / 30 - 05:14     


بعد التفجيرات التي شهدتها المدن السورية واستهداف بعض المكونات الطائفية في سورية بالقتل او التهديد او الاختطاف وخصوصا ما حصل في الحولة بحمص ظهر لاعب جديد على الساحة السورية , والمؤشرات الاولية تؤكد ان هذا اللاعب هو تنظيم القاعدة المتناغم مع اهداف بعض الساعين للتغيير في سوريا من دول اوربية واستراتيجية امريكية ودول عربية خليجية وظيفتها التنفيذ خوفا من فتح ملفاتها السيئة في احوال الديمقراطية والحريات العامة

الحكومة السورية سعت منذ بداية الازمة لنزع اعتراف دولي وعربي واقليمي باللاعب الاخر القاتل وحامل السلاح والمتصل بجهات خارجية والمدعوم من قبل دول لها مساعي ومخططات تغييرية بدأت من العراق وتستكمل في سوريا مرورا بتونس ومصر وليبيا
قال محمد حسنين هيكل ان ما سمي بالربيع العربي انما هو سايكس بيكو جديد يحاول تقسيم المنطقة وفق افق جديد وحدده حصرا بالتقسم الطائفي والمالي ويقصد ان ما اطلقت عليه قناة الجزيرة الربيع العربي انما هو مخطط سينتج عنه دويلات طائفية تتصارع فيما بينها وهو ذات ما ذهب اليه صاموئيل هانتغتون في نظريته صدام الحضارات

ليس وقوفا عند ما حدده هيكل وانما استدراكا له فان الفوضى التي تمر بها سوريا وعدم قدرة الحكومة السورية السيطرة عليه والانفلات في المناطق السنية السورية ومحاولات دفع بعض العلويين والدروز والمسيحيين للدخول معهم ضد السلطة هو بلا شك مخطط يفضي الى التقسيم تحت شعار " الشعب يريد اسقاط النظام " وهو شعار شرعي في سياقه الاول ولكن مجرد التمحيص في ظروف بلد واخر تجد له مضامين خلاقة تشير الى التقسيم خصوصا وان المعادلة السورية باتت صعبة على الامريكان في التغيير والتدخل تحت غطاء الامم المتحدة والاستحواذ على سدة القرار الدولي من خلال هذه المنظمة التي اثبتت الوقائع التاريخية منذ تأسيسها ولحد الان انها لم تأت لصالح دول معادية للولايات المتحدة , حيث ان الامم المتحدة اختبرت منذ عشرات السنين في ما يخص القضية الفلسطينية واثبتت جل الوقائع انها تسعى لتسويق الارجحية لاسرائيل على حساب الدول المناهضة لاسرائيل , حتى باتت هذه الطوائف التي تسمى بالاقليات في سوريا , باتت بين ان تقف مع نظام ايل للسقوط ومستهدف من قبل دول اقليمية وغربية بالتغيير والسقوط وبين نظام متشدد سيعرضها الى سلب الحريات وعدم الاعتراف بحقوقها في دولة غير مدنية وعليها في الخيار الثاني ان تستبدل دكتاتورية الحزب القومي بدكتاتوريات طائفية على غرار ما يجري في العراق اليوم
وبالعودة الى سوريا وما يحصل بها منذ عام ونيف من الاشهر يتضح ان المعادلة على الارض السورية باتت تحمل اكثر من لاعب في الاروقة الدبلوماسية ولاعبين على الارض قد يكون اخطرهم تنظيم القاعدة الذي بات تنظيما عقائديا لايرتبط بالفرع الرئيسي له في افغانستان وباكستان وتمدد هذا التنظيم وبشكل لا يمت الى الاصل بصلة الا بالشعارات و بالعقيدة المتشددة التي سوقتها الافكار والفتاوى السعودية المتشددة التي تلغي الاخر سواء كان سنيا او شيعيا
اللاعب الثالث بدأ طيلة الفوضى السورية بالتواجد من خلال عمليات انتحارية وتفجيرات وسلسلة اغتيالات منتقاة لتصل سوريا بعد هذه الفترة الصعبة الى انعدام السلم الاجتماعي وعدم الرضى الطائفي لطائفة على اخرى
حتى بات حزب البعث القومي الذي ذابت في عقيدته الطوائف يحارب باسم العلويين في سوريا وباسم السنة في العراق
وجود تنظيم القاعدة بات حقيقة اعترفت بها الولايات المتحدة والسلطة السورية وتخوفت منها عدة دول اوربية , مع ملاحظة ان هذا التنظيم قد تربى فترة بداية التغيير القسري في العراق في احضان الحكومة السورية وتفاعل السوريون شعبا وحكومة كثيرا مع عملياته في العراق وحرصت الحكومة السورية على تسريب رجالاته عبر الحدود التي كان يسيطر عليها الاميركان الى العراق لتمد بفترة الفوضى درءا للمخاطر التي من الممكن ان تمتد الى سوريا خصوصا وان التصريحات الاملايكية التي جاءت من واشنطن وبغداد بعد سقوط الاخيرة اجمعت على ان الخطوة التالية هي سوريا ومن بعدها ايران , لكن الايام دارت على السوريين – شعبا وحكومة وشربوا من ذات الكأس الذي ذاق منه العراقيون الويل على مدى اعوام ومازالوا بيد ان قوتهم دائما تكمن في المناطق الرخوة . وبما ان العراق لم يعد المنطقة الرخوة وفق القيسات الاستراتيجية حيث مدت السلطة الامنية في العراق مخالبها الى كل المناطق واجهضت قوة التنظيم من خلال قتل العديد من قياداته في العراق لكنه اي تنظيم القاعدة بقي لاعبا مؤثرا وما زال في العراق يتربى في احضان خلايا نائمة تصحو بين فترة واخرى وتنفذ عملياتها لتحصد ارواح العراقيين بعد ان عجز هذا التنظيم عن الوصول الى سياسيي العراق المتحصنين في مناطقهم الملونة , وباتت سوريا هي الارض الرخوة الان من خلال فقد السلم الاجتماعي في هذا البلد متعدد الاعراق والطوائف
الدول الخليجية الداعمة للفوضى في سوريا وخصوصا السعودية وقطر باتت هي من يشرف على دعم هذا التنظيم في سوريا لدرء المخاطر التي من الممكن ان يشكلها هذا التنظيم في بلدانها ولو الى حين
لكن الملاحظ في سياق العمليات التي يقوم بها تنظيم القاعدة في سوريا انها اختلفت عنها في العراق ليس من خلال استرتيجيته على الارض وانما من خلال وجهة نظر الدول الغربية والاوربية والسعودية وقطر حيث ان عملياته كانت تواجه بالاستنكار ولو اعلاميا من قبل كل هذه الدول على اعتبار ان قائد التنظيم في العراق انذاك وهو ابو مصعب الزرقاوي ظهر في تسجيل صوتي وتحدث عن استراتيجية التنظيم وبات واضحا في ما لا يقبل الشك انه يستهدف الطائفة الشيعية ويكفرها ويستهدف السنة وغيرهم من الموالين للعملية السياسية في العراق بعد الاحتلال , اما في سوريا فان العمليات التي يقوم بها هذا التنظيم لم يتبنها بشكل واضح وجلي لحد الان الامر الذي اعطى فرصة للراغبين والداعمين للفوضى في سوريا الى تحويل مسؤولية عملياته الى الحكومة السورية وما درج على تسميتهم بالشبيحة
وقد ظهر الانحياز الاممي جليا خصوصا في ما حدث من مقتل في مدينة الحولة حيث ان الذين قتلوا كانوا جميعا من الموالين لحكومة بشار الاسد وفي وقت يسعى الجهد الحكومة السوري للحد من العنف على الاقل كي يضمن تقريرا ايجابيا لصالحهم فيما اذا عاد روبرت مود ادراجه في انتهاء مهمته , بيد ان تصريحات المسؤولين الامميين والدول الداعمة للفوضى حرصت على القاء اللوم على الحكومة السورية في قتل ابرياء دون الاشارة الى اللاعب الثالث الذي طفى على سطح الفوضى السورية مستغلا الارض الرخوة ومستخدما الهاجس الطائفي في تأجيج الصراع من اجل التغيير باي ثمن كان لتسير مسيرة التغيير من بغداد الى دمشق مرورا بتونس العاصمة والقاهرة , لكن الجهد الذي يبذله تنظيم القاعدة في التأثير على قوة الحكومة السورية وزعزعة سيطرتها سيأتي يوم وتظهره قياداتها للعلن ويومذاك سيعرف السوريون انهم كانوا ضحية عاطفة ومخططات استدراجية من قبل جهات خارجية لكسر شوكة البلاد وعاصمتها التي كانت على طول الازمان ملاذا ناجيا لكل المعارضين لحكوماتهم ولا مناص يومئذ للتغيير العكسي ...