الثورة علي الدين والفساد


محمد البدري
2012 / 5 / 29 - 08:34     

لم تكد تنتصر ثورة المصريين بخلع راس النظام دون تقطيع لاوصال جسد الفساد حتي وجدنا شيخا كالقرضاوي ورموزا سلفية أخري اكثر تخلفا تاتي للميدان وتقيم الصلاة وتؤمها في مشهد يقرب من احتفالات الطقس الجماعي للقبائل البدائية. فالثقة في هؤلاء المشايخ هو تضليل، فكما استخدمت السلطات بفسادها هؤلاء المعممين طوال حكمها فانها تستدعيهم مرة اخري لترميم ما قوضته الثورة وما رسخته من معرفة للاوضاع التي طالما احاطها المشايخ والسياسيين بعتمة واظلام خوفا من الثورة عليهم.

ما اكثر ما سمعناه من رجال الدين ومشايخ الفقه عن ستر للعورة كاهم مطلب ديني لكن سترهم عمن استدعاهم للتمكين من عقل الثوار وحيازة القيادة هو فضح لعورة الدين وعورة السلطة ومشايخها. إنها السلطة التي كانت تستخدهم ومن ثم اصبحت تستدعيهم وقت ازمتها. فاي استدعاء لرمزية دينية في ميادين الثورة هو اجهاض للثورة لسبب بسيط ان الدين نفسه كان ثورة في يوم من ايام التاريخ الغابرة في القدم وما تأسس عليه اصبح الان في حاجة لثورة جديدة. فكيف نستدعية اللهم الا لتقويض الثورة؟


تسلح الدين وقت نشاته قديما بكل ما هو خارج المعرفة العلمية وبكل ما كان يجول من اوهام او رغبات مكبوتة ونزعات غير متحققة. أما في زماننا الحالي فالمعرفة والادراك الواعيين بما يحرك الكون ويحرك الثورة يجعل الدين عامل احباط وتضليل لو تم استخدامة مرة اخري. فهل يمكن استخدام ورق الكلينكس مرتين متتاليتين؟
اول رسالة تقدمها الثورة ان نظمها باتت بلا شرعية، وان استخدام العنف البدني او الفكري والديني هو دليل فشل النظم عن التعامل بشئ ولو ضئيل من العقل مع الثورة. وبديهي ان تتحول المواجهه كحتمية بينهما الي صراع مسلح بدلا من صراع سياسي لتحقيق الاستقرار وضمان حدوث التغيرات التي طال تأخرها باكثر مما ينبغي. وبالتالي فقد اصبح علي كل طرف تقييم الاثمان التي ستدفع في تلك المواجهه. فالدم مطروح كثمن ولا جديد فيه فهو العملة الصالحة للتبادل في كل الثورات دون استثناء وكذلك الاموال التي تعاظم دورها في الثورات الحالية في الشرق الاوسط بشكل غير مسبوق في التاريخ وعلي امتداد الارض.

الاصعب في معادلة الثورة في مواجهه النظام البائد هو التشكيل العصابي المسلح بافكار دينية يعتقد بعض السذج انها افكارا ثورية كلاخوان المسلمين أو الجماعات السلفية المنتشرين في بلاد كثيرة ولها زعيم واحد يحركها كقطع شطرنج بلا اي احترام لقواعد اي لعبة. فالهم الاول لتنظيماتهم هو التماهي في الثورة وكأنهم جزء منها وحيازة السلطة وكانهم لعبوا دور الزعامة البديلة كقيادة للثورة. ثم حكم الوطن علي اسس دينية هي ذاتها التي كانت في الماضي الغابر الذي جرت تحت جسوره مياه ثورات كثيرة. وجود هؤلاء في الساحة كخيار لما سياتي من نظام جديد حال انتصار الثورة يخيف كثيرين ممن يعتنقون اديانا او من العلمانيين الذين يسعون لدولة مدنية حديثة. الخوف والهلع والفزع هذا اصبح عاملا يصب في صالح النظام الفاسد. فاستدعاء الدين ومشايخ الصلاة ثم نجاحهم المشكوك فيه بالانتخابات عمل كفزاعة لحماية المفزوعين وادخالهم كرصيد لاستعادة سلطة ما قبل الثورة وتحت عبائة النظام الملتحف طوال تاريخه بجبة الشيخ والداعية الاسلامي.


إسوا ما في الدين، خاصة لو ان هناك تعددية دينية في وطن واحد، هو خلق الفواصل والحواجز والمفصليات التي لا تخدم مسار الثورة بل تتكسر عليها روح الثورة. فحتي لو اعتبرنا ان الاسلام كان في يوم من الايام ثورة، وهو قول مشكوك بالدليل في صحته، فان الفواصل التي نشات وجعلته مفتتا الي اكثر من ثلاثة وسبعين فرقة، كلهم في النار بلا استثناء، هو درس حتي لا تطال النار ايضا الثورات الحالية في الدنيا. فهناك لا مجال للثورة لتنجو فرقة علي حساب باقي الفرق بينما الدنيا ارحب واوسع من عالم الاخرة حيث يمكن للجميع النجاة شرط تبديد العتمة وظلام الرؤية لدي كل الفرق بما فيهم من شبابا اعضاء ضمن التنظيمات الدينية التي هي في حقيقتها اسلحة بيد النظام الذي قامت الثورة لتقوضه.