في كشف الدمة رد للتهمة


صادق البلادي
2012 / 5 / 26 - 23:03     


في خمسينات القرن الماضي قرأت في مجلة " الجديد "، التي يصدرها الحزب الشيوعي الإسرائيلي عن ثورة للعبيد في بابل ، وكان في المقالة ترجمة لنشيد ثوري كان الثوار ينشدونه. فتكون ثورة عبيد بابل قد سبقت ثورة سبارتاكوس. فرق تسد كان الشعار المعروف للبقاء في الحكم،" إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين" ،و تضليل الجماهير وسيلة هامة دائمة، تسبق وترافق الإرهاب. وتشويه صورة الساعين وراء إنتزاع الحرية وتحقيق درجة من العدالة ، تشويه صورتهم في عيون الناس أسلوب ماكر وخبيث يستخدمه الحاكمون وأتباعم، وأذيالهم لإبعاد الناس عن دعاة الديمقراطية والعدالة، كي لا يتعبأ الناس فينتصروا على الظلمة. ومع الأسف أن ليس فقط جيش من هؤلاء يقوم بهذه المهمة بل أيضا من بعض من يَعتبرون انفسهم ويُحسبون من الساعين والداعين للنظام الديمقراطي.لكن هناك أيضا من يتتبع ما يكون فسادا أو يتخذ مظاهر فساد من أجل الحفاظ على سمعة دعاة الديمقراطية والعدالة ليصيروا قوة جذب قوية تستقطب الجماهير. وهذه مهمة نبيلة ، خاصة وأن الواقع يبين تفشي وإنتشار الفساد بين السياسيين في كل البلدان حتى لنستطيع أن نتبنى قاعدة " أن كل سياسي فاسد حتى يُثبِت(هو) نزاهته "، واعتبارهم الإستثناء الذي يؤكد قاعدة : " المتهم برئ حتى تثبت أدانته." وليس هناك أية عقيدة أو فكرة ، مهما سمت تشكل في ذات الوقت حصانة ومناعة لمعتقديها.


ففي الفليبين اعترف رئيس المحكمة الفلبينية العليا بتستره على 2.4 مليون دولار ، حصل عليها على شكل ودائع مصرفية غير معلنة بين أصوله،، لكنه اعتبر أن هذا لا يشكل مبررا كافيا لعزله. وأنه أعتمد « على القانون بنية حسنة». وتجري محاكمته على خلفية إتهامه
بأنه لم يعلن في بياناته المالية عن بعض الأصول بينها ممتلكات فخمة وودائع مالية كبيرة بالدولار الأميركي. كذلك اتهم بحماية الرئيسة السابقة غلوريا ماكاباغال أرويو من التحقيق والمحاكمة على خلفية سلسلة اتهامات وجهت إليها بالفساد، وذلك من خلال إصداره حكمـــــا لصالحها. وجاء في الأخبار أن من المتوقع أن تستمع المحكمة إلى المرافعات النهائية في المحاكمة يوم الاثنين المقبل وتصدر حكمهـــــــا فـــــي القضية خلال الأسبوع بعد المقبل. وفي حالة إدانته فسيواجه العزل من منصبه.



والمناسبات لكشف الحقائق ونشر الأراجيف ، في البلد السبّاق في قائمة الفساد لمنظمة الشفافية الدولية ،عراق المحاصصة ، كثيرة، ولكن نشر الأباطيل والأضاليل والتهم لا يحتاج الى مناسبات.فعجلة الصراع وارتطام المصالح سائرة، دائرة لا تتوقف. إضافة الى أن الفساد مستشرٍ في عالم إقتصاد السوق، عالم الرأسمالية المتعفن، والذي ليس بمقدور استمرارالتقدم التكنولوجي في شتى المجالات، وخاصة العسكرية ، أن تستره أو تبعد الأنظار عنه .وعشرات المليارات العراقية التي إختفت منذ حكم بريمر وما تلاه، لا يسترها حتى ظلام إنقطاع التيار الكهربائي.
وليس هناك من هو معصوم عن الفساد ، فمنذ نشوء الحكم تبين أن " أن كثيرا من الأحباروالرهبان لياكلون أموال الناس بالباطل " ، وكان الأحبار والرهبان قد صاروا هم الأرباب، وبات واحدهم "إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل "، ولم يبق هذا مقتصرا على الأحبار والرهبان فحسب ، فقد قال أبو ذر الغفاري أنها نزلت فيهم وفينا. وقد كشف إنهيار المعسكر الإشتراكي الكثير من مظاهر الفساد في صفوف النومينكلاتورا ، البروقراطية الحزبية. إن إنتشار الفساد عالميا، وليس في العراق وحده في صفوف الطبقة السياسية، سواء من كان في الحكم منهم أم في المعارضة، يجيز القول " أن كل سياسي فاسد حتى يُثبِت للناس نزاهته " فالسياسيون يشكلون الإستثناء لمبدأ " المتهم برئ حتى تَثبُت إدانته"، كما ذكرنا.
التعامل مع ما ينشر ويشاع من مثل هذه الأخبار متنوع ومختلف،وليس هناك وصفة واحدة لكل الحالات فمنهم من لجأ الى المحاكم، كما فعل المالكي وزيباري مثلا، ومنهم من يتجاهل مثل هذه الأخبار ويرضي نفسه بترديد مثل بيت الشعر هذا:
و لقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
عزيزي صادق- لو دكللهم للرفاق كان جاوبوك احنا مو كلشي ينشر نعلق عليه او انرد عليه او ربما يكلون احنا ما نعرفه لهل رجال والسجلات انحركت وما نكدر نتأكد - بعدين يا صادق مو انت بالحزب ما تكللهم آني صديقهم يمكن يكللولي انت شعليك!!!!أو بعدين هذا الرجال يكررها من حركة كلبه هو ما يصطر بيده يكعد يم ابو داؤود وطارق حرب كاعد يمه معزز مكرم !!!!

أو يتعلل بأن من غير الممكن الرد على كل إتهام، ولكن تكون النتيجة عدم الرد على أي إتهام ، وإرتداء الصمت مم يتيح للبعض أن هذا دليل على صحة التهمة.أو يعتبرالبعض الرد على مطلقي و ناقلي هذه الأخبار يمنحهم قيمة، ويرفع من شأنهم ، غافلا عن أن بعض من ينقل هذه الأخبار ينقلها حرصا على الحركة الديمقراطية وعلى الحقيقة، بل حتى حرصا على الشخص المعني بالتهمة. ومثل هذه النظرة تكشف عن موقف غير سليم تجاه من يخالفه الرأي. وقبل فترة نشرت مثل هذه التخرصات عن المناضل حيدر الفيلي، وانزعج بعض القياديين لأن رفاقا شيوعيين نقلوا الخبر أيضا عبر بريد الإنتيرنيت، والى قائمة محدودة، ولكن النتيجة كانت نشر تفنيد موثق لتلك التخرصات، فانتهت تلك الإشاعات.ومن ألأخبار التي يتكرر نشرها أستلام بعض المناضلين رواتب تقاعدية، وبشكل لا يتبين منه هل الإعتراض ينصب على مبدأ تخصيص الرواتب التقاعدية ذاته، أم لعدم شموله كل من أصابه الضرر، أم على مبلغ التقاعد المخصص .
ثمة ضوابط دولية لمحاربة الفساد ،منها الكشف عن الذمة المالية ، ومنها تتفرع تثبيت ضوابط محلية. وفي أول إجتماع للوزارة الفرنسية الجديدة وقع الوزراء على تعهد جاء فيه يمنع على كلّ وزير إجابة أيّ دعوة شخصيّة تأتيه من الخارج سواء من حكومات أو أشخاص. يجب على كلّ وزير أن يعيد إلى الدولة كلّ هديّة يتحصّل عليها من أشخاص تفوق قيمتها 150 يورو. يُمنع كلّ وزير من التدخّل لصالح فرد من عائلته أو أقاربه.
ويذكّرالتعهد أن الدولة لا تتحمّل إلاّ المصاريف التي يحتاج إليها الوزراء في مهمات رسمية ضمن وظيفتهم ، و أنّ الحماية الأمنيّة للوزراء يجب أن تكون مبرّرة ولأسباب استثنائية أمّا في العادة فيجب أن تكون تنقّلاتهم في سيارة الوظيفة سرية ومع احترام قوانين الطرقات.
ويختتم التعهد بالتأكيد على أنّ العلاقة بين المواطن والحكومة هي علاقة ثقة، وإذا وقع تجاوز حتّى ولو بصفة فرديّة فإنّ هذه الثقة ستسقط وإلى الأبد لذا ينبغي دائما الحفاظ على هذه الثقة، كذلك تقرر تخفيض رواتب الوزراء بنسبة 30% .
وأعتقد أن على شخصيات التيار الديمقراطي، وحتى غير الملزمة قانونيا، أن تقوم بكشف ذمتها المالية، بين الحين والآخر، لسد الطريق أمام مثل هذه الإشاعات وليكونوا بمثالهم قوة ضاغطة على المتهربين من كشف ذمتهم المالية، وحسنا فعل الأخ ضياء الشكرجي بنشر وضعه المالي ردا على ما وجه اليه من تهم باطلة، ولكني أفتقدت الإشارة الى ذكرشئ عن الراتب التقاعدي لنواب الجمعية الإنتقالية التي صاغت الدستور، والتي كان عضوا فيها. وكذلك الإشارة الى ما نشره الأخ د.صادق إطيمش ردا على إتهامه بالإنتفاع وحصوله على قصر. وليت الأخرون الذين وردت أو ترد أسماؤهم في مثل هذه المزاعم أن يفعلوا ما فعله الشكرجي وإطيمش.