لا بديل عن الثورة الشعبية لكنس الدولة المخزنية والحكومة الملتحية الرجعية وقوى الإصلاح الانتهازية ...


محمد بودواهي
2012 / 5 / 19 - 20:58     

لقد سبق لرئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران أن قال إن المغرب شهد تطورات إيجابية ودينامية للتحول غير مسبوقة بفضل الإصلاحات السياسية ٬ معربا عن عزم الحكومة على المضي قدما في مسار الإصلاح لمحاربة الفساد والدفاع عن كرامة المواطنين وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد ..... كما أكثر الترويج في ندوات صحفية ولقاءات رسمية مع جهات خارجية عدة عما أسماه إرادة التغييرالسلس والسلمي ، الاستثناء المغربي ، الخيار الثالث ، ثورة الصناديق ، الإصلاح في ظل الاستقرار، الخيار الديمقراطي من ثوابت الأمة ، التنزيل الديمقراطي للدستور....و هلم مصطلحات وألفاظ وتعابير أغرقت المسامع و ملأت الخُطب .....

إلا أن بنكيران ومجموعته من العدالة والتنمية بالحكومة الملتحية قد استوعبوا الدرس الأول جيدا ، بعدما افتروا على المغاربة قاطبة بالقول إن الاقتصاد المغربي سيحقق نموا بنسبة خمسة بالمائة وتضخما بأقل من ثلاثة في المائة وأن المغرب اكتشف حقولا للبترول والغاز، قبل أن يأتيهم البيان بالدليل والبرهان بأن المغرب ليس بمقدوره ، واعتبارا للظرفية الاقتصادية ومعها الظرفية "المناخية"، تجاوز سقف اثنين في المائة من نمو الاقتصاد ، كما ليس بإمكانه الهروب من ارتفاع لنسبة التضخم ولا يمكنه أن يكون دولة مصدرة للبترول والغاز.....؟؟؟ بنكيران هذه المرة ، سيكون عليه حُسن الإصغاء والتتبع من أستاذ كبير هو "جيم يونغ كيم"، رئيس البنك الدولي الذي خرجت مؤسسته بدراسة/ تقرير حول سوق الشغل بالمغرب ، وحددت بالأرقام والنسب هشاشة هذا السوق في علاقته المباشرة مع إدماج الشباب في منظومة العمل داعية إلى ضرورة العمل على إلغاء ومحاربة كل مسببات إقصاء هذه الفئة من واحد من حقوقها الواجبة على كل دولة .....فبالأحرى الدكاترة وحاملي الماجستر والإجازة والدبلومات العليا .... لحُسن حظ بنكيران ومن معه أن بنك "جيم يونغ كيم" وضع خارطة طريق ، وكما في الدول ذات الاقتصادات "النشيطة" أو في طريقها إلى النمو، للخروج بسوق الشغل المغربي من الأزمة شريطة أن تنتهج الحكومة هذه الخارطة لا أن تركب صهوة عنادها ، ظنا منها أنه تعلم وتعي ما لا يعلم ويعيه البنك الدولي ، وما أدراك ما البنك الدولي برئيسه وعباقرته ، خصوصا أن أول خيوط هذا الدرس/ الخارطة يدعو حكومة بنكيران إلى فتح حوار جاد مع فئة الشباب النشيطة والمتعلمة لا إلى دعوتها إلى الاعتماد على الذات لخلق فرص شغل واهنة لا تتعدى حدود عالم "الفرًاشة" والباعة المتجولين كما يستشف من إجمالي حلول بنكيران تجاه إشكالية الشغل والتشغيل ... أما ثاني خيوط هذه الخارطة فيتمثل في تعليم جاد يوازيه تكوين تقني حقيقي. ولن يكون بنكيران مريدا منجبا لدى "شيخ" البنك الدولي، جيم يونغ كيم إلا بالامتثال إلى نصائحه وتوصياته، وأدنى هذه التوصيات اقتفاء أثر بعض دول أمريكا اللاتينية التي اعتمدت برنامج "جوفين" الشهير الذي جعلها رائدة في القضاء على سياسات إقصاء الشباب النشيط من سوق الشغل بل رائدة في سياسات التشغيل وفق الحاجة وحتى الاكتفاء ....

وفي ظل هكدا أجواء دعت كل من المركزيتان النقابيتان الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديموقراطية للشغل كافة المواطنين ومن مختلف الشرائح إلى المشاركة في مسيرة "الكرامة أولا" التي تنظمانها يوم 27 ماي الجاري بالدار البيضاء . وأكدت المركزيتان النقابيتان أن جميع مكونات المجتمع المغربي مدعوة للمشاركة في هذه المحطة النضالية الأوليةو ، والتي ستليها في القريب العاجل إضرابات عامة ، بسبب اتساع دائرة الفقر والهشاشة وتفاقم ظاهرة البطالة والتهميش الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وغلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية وتخلي الحكومة عن وظيفتها في توفير الشغل والتعليم والسكن والصحة واستمرار الفساد والريع الاقتصادي والسياسي، وأضافتا النقابتان في بيان مشترك لهما أن حكومة بنكيران سعت إلى تكريس الأوضاع المتردية من خلال برنامج حكومي وقانون مالية لا يلبي حاجيات ومطالب شريحة واسعة من المغاربة ، وأشار البيان إلى أن بنكيران فضل اعتماد المقاربة الأمنية والقمع وضرب العمل النقابي وصم أذانه عن الاستجابة لمطالب الشغيلة المغربية التي تعاني القهر والظلم والتهميش ، موضحا أن ما يعيشه المغرب الآن يعتبر تراجعا خطيرا ورغبة في تكريس مظاهر الأزمة وتحميل العامل المغربي مسؤولية انهيار الاقتصاد المغربي. من جهة أخرى ، توقعت مصادر نقابية أن تستقطب مسيرة 27 ماي المقبل آلاف العمال والموظفين الذين سيخرجون ضد "الحكرة"، وضد رغبة بنكيران وحكومته الملتحية في مصادرة كرامتهم من خلال ممارسات قمعية لا تتماشى مع مضامين الدستور الجديد ، وفيما لم تؤكد المصادر ذاتها ، إمكانية مشاركة مركزيات نقابية أخرى في مسيرة الكرامة ، أوضحت مصادر متطابقة ، وجود اتصالات واسعة من أجل جعل المسيرة عيدا ثانيا للعمل ، موضحة أن الهم المطلبي واحد ، موضحة أن المسيرة يجب أن توحد العمال لمواجهة مشاريع الحكومة الرامية إلى تدمير العمل النقابي ... وقالت المصادر ذاتها ، إن هناك اتفاقا ضمنيا بالتحرك على مستوى القطاعات ، موضحة أن بعض المركزيات النقابية باتت تؤمن بالعمل النقابي القطاعي في محاولة للضغط على بنكيران للتراجع عن مجموعة من القرارات التي لا تخدم الشغيلة المغربية، التي ستتحول على عهد بنكيران إلى أداة للسخرة في يد الباطرونا. إلى ذلك فرضت المركزيتان النقابيتان حالة استنفار قصوى داخل مكاتبها الجهوية من أجل تعبئة المواطنين للقدوم إلى الدار البيضاء ، حيث قررت فتح مكاتبها الجهوية طيلة الأيام التي تسبق المسيرة دون توقف، وقال بيان الكونفدرالية، إن هناك حالة طوارئ داخل المكاتب الجهوية وعلى مستوى المكتب المركزي من أجل إنجاح هذه المحطة النضالية التي تعتبر الأولى منذ تولي حكومة بنكيران مسؤولية تدبير الشأن العام....

إلا أن النضال بهدا الحجم النقابوي الضيق وتحت قيادات انتهازية بيروقراطية لا يمكن أن يغير من الوضع السياسي الاقتصادي الاجتماعي الثقافي المنهار شيئ ، وإنما هو نضال يراد منه در الرماد في عيون الطبقة العاملة والشغيلة وعموم جماهير الشعب الكادحة التي ما فتئت تكتوي بنيران الغلاء والبطالة والفساد والاستبداد والحكرة وسياسة القهر الاجتماعي التي لن تنجلي ، بكل تأكيد ، إلا بالنضال الشعبي الواسع في إطار حركة 20 فبراير المناضلة التي تلتف حولها كل قوى التحرر والديموقراطية وجمعيات حقوق الإنسان والحركة الأمازيغية وحركات المجتمع المدني حتى تحقيق الثورة الشعبية الوطنية الديموقراطية وكنس كل ما له علاقة بنظام الحكم الجائر اللاشعبي واللاوطني واللاديموقراطي وحكومته الملتحية الرجعية العبثية وبرلمانه الصوري الزائف والتافه والعاجز وقضائه الفاسد والمشلول ومؤسساته المتعفنة على جميع الأصعدة في إطار دولة يطلب فيها من المواطنين أن يشتروا من مالهم الخاص السيروم وحقنة البنج وخيط الجراحة والقفازات البلاستيكية للطبيب الجراح والممرضين المساعدين ، ومطبوع شهادة السكنى وقفل صندوق البريد وأشياء أخرى ، ويطلب منهم أن ينوبوا عن الحكومة في بعض المجالات ، وأن يمدوا يد المساعدة للدولة في إطفاء الحرائق ونقل الجرحى والمصابين في حوادث المرور والانهيارات ، وتطويق الفياضات بالأكياس الرملية ومطاردة اللصوص والمجرمين واقتيادهم بعد القبض عليهم إلى مخافر الشرطة ..

مع جريدة ( المساء ) وفي حوار دات صلة أطلق المحلل السياسي والاقتصادي المغربي إدريس بنعلي النار على حكومة عبد الإله بنكيران الملتحية حيث قال إنها تفتقر إلى الشجاعة المطلوبة لمحاربة لوبيات الفساد .... وقال بنعلي في هذا السياق إن بنكيران أبان عن عجز في التصدي للفساد ، وليست له الشجاعة الكافية لمواجهة لوبياته .... وأوضح أن الديمقراطية تتطلب وجود سلطة مضادة حقيقية وليس من يبالغ في البيعة وإبداء الولاء ..., مضيفا أن «المغرب تتنازعه ثقافتان: ثقافة الديمقراطية، وهي ثقافة غربية ، وثقافة الطاعة والبيعة، وهي ثقافة شرقية عنوانها الاستبداد ..... لهذا فإن بعض الأحزاب مثل العدالة والتنمية مازالت ثقافتها منبثقة من ثنائية الطاعة والبيعة».

بلد كهذا وحكومة كهده ونظام حكم بهذا العجز وهذا الاتكال على المواطنين ، وبهذا الفشل في الاضطلاع بالمسؤوليات ، أليس حريا بدولته أن تعلن إفلاسها ، وبحكومته أن تجمع حقائبها وقشاوشها ومونيكاتها ، وتقدم استقالتها اليوم قبل الغد ، لأنها لم تستطع أن تحقق للمواطنين أبسط الأمور ، فبالأحرى أن توفر لهم الرخاء والرفاه والرقي والازدهار والكرامة وسبل العيش الكريم ؟