الملح.. الوجود استعارة


مصطفى القلعي
2012 / 5 / 14 - 19:44     

الملح من أطول الموجودات عمرا في الكون. لكنّه مع ذلك لم يهرم ولم تخفت الرّغبة فيه. لقد مرّت حياته من العصر البرونزيّ إلى القديم إلى الوسيط إلى الحديث إلى الآن. وعبر من الأسطورة إلى التاريخ. وجاء من البدائيّة إلى الحضارة. وانتقل من الكهف إلى المدينة. لقد عاصرته كائنات وزالت، ولم يزُل. وعرفته الحضارات جميعها. ومنذ أن اكتشفه الإنسان ما تركه. وهو يجمع البشريّة في وحدة المذاق.
الملح.. إنّه فريد. فالأرض التي تمنحه لا تنجب سواه. لذّة هو ومذاق ممتع متى لم يزد عن المقدار. وهو مطهّر ومعقّم ضدّ الجراثيم. كما أنّه سلاح رخيص لكنّه مهلك مبيد كان الرّومان القدامى به أعلم زمن الحروب البونيّة. فقد رشّوا به أرض قرطاج لِخَصيها عن أن تلد حنّبعل آخر.
1. الملح عقاب للخطّائين:
للملح حضور في الطقوس الدينيّة للإغريق والرّومان واليهود والمسيحيّين. فهو يحضر في بعضها حضور العِقاب. من ذلك أنّ زوجة النبيّ لوط مسخت عمودا من الملح حين خالفت الأوامر وأصرّت على الالتفات وراءها حين الفرار من سدوم الموعودة بالويل والخراب. نقرأ في العهد القديم: ﴿وما إن أخرجاهم بعيدا حتّى قال أحد الملاكين: "اُنج بحياتكَ. ولا تلتفت وراءك ولا تتوقّف في كلّ منطقة السّهل. اُهرب إلى الجبل لئلاّ تهلك (...) وتلفّتت زوجة لوط السّائرة خلفه وراءها، فتحوّلت إلى عمود من الملح.﴾(1)
وفي الميثولوجيا العربيّة نجد للملح المعنى نفسه أي باعتباره عقابا ربّانيّا مسلّطا على الخطّائين المخالفين للأوامر والنواهي العليا. من ذلك أنّ المسخ ملحا كان مآل المحبّين المنشقّين اللذين خالفا الأوامر وانتهكا قدسيّة المقدّس. فإساف ونائلة الحبيبان حين ضاقت بهما سبل العشق وأضنتهما يقظة عين العاذل والرّقيب وأرّقهما الوجد وعلا في أعماقهما صوت الحمحمة، لم تحل قداسة الكعبة دون ممارستهما الحبّ فيها. فمسخا حجرين من ملح. وظلّ تمثالاهما قائمين عبرة للناظرين وتوعّدا للمحبّين المنشقّين عن المؤسّسة، كما ذكر محمود المسعدي.
2. "ملح الأرض":
وفي العهد الجديد نرى للملح منزلة رفيعة مناقضة تماما لمنزلته التي رأيناها له في العهد القديم وفي الميثولوجيا العربيّة. ويظهر ذلك من خلال وصف يسوع أصحابه بأنّهم ملح الأرض. فقد كان يقول لهم: ﴿أنتم ملح الأرض، فإذا فسد الملح، فماذا يملّحه؟﴾(2). ولهذا الوصف أكثر من تأويل. فهم لا يفسدون ولا يطال أخلاقهم الخلل في الحياة. وهم خالدون لن يطال النسيان ذكراهم. وهم فاكهة الأرض يعني توابلها المطيّبة حياة غيرهم. وهم ملحها المقيم في أعماقها لا يقتلع ولا ينضب. والتأويلات كلّها تذهب في اتّجاه الإعلاء من شأن الملح.
3. الملح شرّ:
غير أنّ هذه المنزلة المعلاة التي للملح في العهد الجديد تناقضها مكانته في معتقدات المسلمين الشيعة. فقد صار عندهم صنوا للشرّ. "من ذلك أنّ المُغيريّة من "غلاة" الشيعة – من أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي- يرون أنّ الباري لمّا رأى أعمال العباد في كفّه "غضب من المعاصي فعرق فاجتمع من عرقه بحران أحدهما مالح والآخر عذب والمالح مظلم والعذب نيّر". والخلق كلّه عندهم من البحرين. فالكفّار من البحر المالح المظلم. والمؤمنون من البحر النيّر العذب (...) فمن الماء العذب خلق الله الجنّة وأهل الطاعة. ومن الملح خلق النّار وأهل المعصية. كمل أنّ أصل الخير والشرّ في الأرض قد سطّر منذ بدء الخليقة عندما خلق الباري البشر فسوّاهم من تربة مزجت بالماء العذب الفرات والماء الملح."(3) وما يعنينا من هذا المعتقد، في هذا المقام، أنّ الملح عنصر من العناصر الرئيسيّة المشكّلة للكون وأنّه دالّ على الشرّ.
4. الملح رقية واقية:
وللملح في الخرافة الشعبيّة منزلة الرُّقية الواقية من الحسد والعين الشافية منهما. فكثيرا ما رأينا، في سنيّ الطفولة، المرأة الرّائية المُعطى لها القادرة على التصدّي للأرواح الشرّيرة وهي تضع حفنة الملح في قبضتها وتشرع في تحريكها ملامِسة كلّ أعضاء جسد المسكون من قبل الأرواح وهو مستلق على ظهره أمامها. فلكأنّ الملح ينفذ من الجسد إلى ماوراءه. ويعمّ الصّمت الحاضرين. ويخرج الغرباء. ويبدأ العمل بتواصل الرّائية المتشوّفة مع الأرواح الخيّرة لتوظفّها في المساعدة في طرد الأرواح الشرّيرة التي تكون في الغالب عتيّة شديدة المراس.
وعلامة بداية التواصل بين المرئيّ واللاّمرئيّ هي التثاؤب. فالمرأة المعالجة تغرق في حالة من التثاؤب وكأنّ النّعاس يملكها. ولكنّها لا تنخرط في النّوم. بل إنّ تثاؤبها يعني خروجها من رفقة البشر وهي بينهم إلى رفقة أخرى مع كائنات لا يراها أحد سواها. ولا يسمعها. وإنّما وحدها تفعل. فتتكلّم معها. وتطلب منها ما تريد بلغة البشر، أحيانا، وبتمتمة وهمهمة غير مفهومتين أحيانا أخرى. والملح هو سرّها وأداتها في ذلك. ومتى ما انتهت عمليّة التّرقية نثرت الرّائية حفنة الملح في أرجاء المكان. فلكأنّها بذلك تضرب أعين الأرواح الشرّيرة الجاثمة على المكان الذي يوجد فيه جسد المريض الذي سكنته. لا شيء آخر يمكن أن يصيبها. أمّا الملح، بعد أن استعملته المرأة الرّائية رقية، فقادر، رغم كونه جسدا محسوسا، على أن يفعل وأن يوجع هذه اللامرئيّات الشرّيرة.
5. الملح عهد:
والملح في القيم الشعبيّة مَثل يضرب في الدلالة على الميثاق الشفويّ الذي يبرم رمزيّا بين من يتناولون الطعام معا لأوّل مرّة. وقد يكون ما يتناولونه بسيطا. ولا تجاوز أحيانا مرحلة التذوّق. وقد يكون استجابة لإلحاح كبير. المهمّ أنّ ما يتمّ تناوله يكون فيه ملح. فشرب القهوة أو غيرها من السوائل المخدّرة أو المسكرة أو المبرّدة، مثلا، لا يفي بالغرض في هذا الميثاق.
فلكأنّ الطّاعمين والمطعمين بتناولهم الطعام المملّح معا أمضوا على عهد رمزيّ بالوفاء والإخلاص وحسن المعاشرة. وهو عهد أوثق من العهود المكتوبة. ثمّ إنّ الملح شكّل مخرجا لقيم الجماعة التي لم تجد صيغة مكتوبة لعهد قد يكتب في الالتزام بالوفاء والإخلاص. فكان عهد الملح بديلا عن هذا العهد الذي لا يكتب فيما النّاس في حاجة إليه لتنظيم حياتهم. فلكأنّ عهد الملح إشارة أنثروبولوجيّة إلى خفايا الكائن البشريّ؛ إشارة إلى ما يختبئ في أعماقه من رغبة في الغدر والانتـقاض.
يأتي العهد الملحيّ ليمثّل نوعا من الاحتماء من هذه الرّغبات الخفيّة الكامنة في أغوار الكائن. ولذلك من شروطه ألاّ يخرق. ويلزِم الجميع. ويخشون خرقه لأنّ نتيجة ذلك خطيرة تتمثّل في الإقصاء والإفراد بين الجماعة. وهو ما تدلّ عليه عبارة "الماء والملح" في تونس أو "الخبز والملح" أو "العِيش والملح" في غيرها من البلاد العربيّة. إنّه ميثاق مملّح، أو لنقل هو ميثاق موقّع بالملح، أو هو ميثاق بطنيّ ممضًى بالملح. كلّ شرور الكائن من بطنه تطلع! وعهد الملح البطنيّ يعقّمها وينقّيها. لكنّه لا يقضي عليها. وإنّما يحفظها ويؤجّل ثورتها.
هذا العهد، كما رأينا، غير مكتوب. إنّه شفويّ. ويقام دون شهود في الغالب إلاّ من أحضرته الصّدفة. والطريف أنّه ما زال. واحتفظ بكلّ حرارته إلى اليوم. وهو عهد رائج بين النّاس في جلّ العلاقات القائمة في المجتمع بما في ذلك المعاملات التجاريّة التي تنظّمها القوانين والتشريعات، ولا يُعتدّ فيها بغير العقود المكتوبة. فهو من هذه النّاحية يأتي ليبدّد المسلّمات السّائدة بين النّخب القاضية بأنّ المكتوب قضى على الشفويّ. وبأنّنا نحيا عصر الكتابة التي أنهت حياة الشفويّة. غير أنّ عهد الملح ينقض هذه المسلّمات. ويدلّ على أنّ الشفويّ لا يزال قائما في تلاوين حياتنا رغم التّرف في المكتوب من الورقيّ إلى المصوَّر إلى الرقميّ. بل إنّ الشفويّ، هنا، ينظّم حياة النّاس الاجتماعيّة. ويسعف المكتوب بمدّه بما عجز عن سدّه؛ نعني إمكانيّة صياغة عهد الوفاء والإخلاص.
6. الملح إجارة:
غزال صيّاح هو الطارقيّ بطل رواية ألبرتو باثكث ـــ فيكيروا(4) "طوارق"(5). رجل اعتدى عليه الجيش النظاميّ اعتداء لا يغفره الطوارق حين افتكّ منه ضيفيه. وغزال صيّاح لم يكن يعرف الضيفين. وإنّما قدما إليه بين الحياة والموت. وطلبا الإجارة. فأجارهما وطيّب جراحهما دون أن يعلم من أمرهما شيئا. لكنّ الجيش أتى فـقتـل الشّاب منهما واعتقل الأكبر سنّا. في حرمته وحماه وبين أهله وناسه فعل العسكر ذلك.
إنّ ما قام به الجيش هو استفزاز للإنموشار (وهو لقب الزعيم عند الطوارق) لا يعرف عواقبه. لقد اخترق قانون الضيافة المقدّس عند الطوارق. فالإنموشار لا يترك ثأره. ولا يسمح بأن يؤخذ منه ما لا يريد أن يعطيه. يترك كلّ شيء وراءه ويمضي طالبا استرداد ما اغتصب منه؛ ضيفه. خرج قاصدا ثكنة العسكر. وجدها فتسلّل إليها واقتصّ ممّن قتل ضيفه. كان اسمه الكابتن غالب الفاسي. وخرج غزال صيّاح مسرعا على مهريّه. وخرجت وراءه كتيبة عسكريّة. فاحتمى منها بالسّبخة حيث حماه الملح وأجاره تماما كما أجار ضيفيه. نقرأ:
«بلغ حافّة السّبخة حين كانت الشمس مرتفعة جدّا، وقد بعثت في الأرض القيظ، ودفعت بالبعّوض إلى ملاجئه تحت الحجارة والبَلاّن. توقّف غزال صيّاح وتأمّل الامتداد الأبيض الذي يلتمع كمرآة على بعد عشرين مترا من تحت قدميه. كَلَمَت عيناه مجبرة إيّاه على أن يغلقهما نصف إغماضة، حيث الملح يعكس الضّوء عنيفا مهدِّدا بحرق بؤبؤي عينيه رغم اعتياده منذ الطفولة على الوهج العنيف لرمال الصحراء.
تناول أخيرا حجرا وقذفه بكلتا يديه وتركه يهبط في العمق. كما توقّع، حطّم الحجر القشرة التي أيبستها الشمس واختفى في اللحظة. وسرعان ما خرج من الحفرة التي خلّفها الحجر فقّاعات وكتلة لزجة بلون الكستناء الفاتح. تابع رمي الحجارة. وفي كلّ مرّة على مسافة أبعد من الحافّة المنحدرة حتّى بدأت تستقرّ على مسافة ثلاثين مترا في الملح دون أن تخترقه. ثمّ انحنى بعد ذلك إلى الأمام صوب المنحدر مطلاّ برأسه بحذر. وبحث عن الأماكن التي يمكن أن ترشح فيها الرطوبة. أخيرا كرّس أكثر من ساعة في تمحّص دقيق للحافّة كي يقومك بالهبوط من النّقطة الأكثر ملاءمة والأقلّ خطرا.
عندما اكتنفته القناعة بأنّ اختياره صحيح، أجبر المهري على الاستناخة، علّق أمامه ثلاث قبضات من الشعير، أقام مضربه ونام مباشرة (...) الملح يقذف عليه لمعان الشمس مضاعف حممها محوّلا ملاذه الضّئيل إلى شيء عديم الفائدة تقريبا، وقد أعيا المهري الذيّ قيّد قوائمه الأربع كي يبقي عليه باركا رغم العذاب الذي أصاب روحه والعذاب الذي يسبّبه له دون أن يستحقّه، بعد كلّ هذه السّنين التي قاده فيها فوق الرّمال والحصباء.
تلا صلواته شبه نائم. وشبه نائم ترك السّاعات تنقضي جامدا بلا حراك حتّى ولا حركة يبعد فيها ذبابة، لا وجود لها هناك لأنّه حتى الذباب لا يتحمّل جحيما كهذا. كان يكافح كي يحوّل نفسه إلى حجر متناسيا جسده وحاجاته، مدركا أنّه لم يبق لديه نقطة ماء واحدة في القِرب، وشاعرا كيف بدأ جلده بالتجفاف. وراوده الانطباع الغريب بأنّ دمه أصبح أكثر كثافة في عروقه ويسري فيها كلّ مرّة ببطء.
فقد وعيه بعد منتصف النّهار. ومكث متّكئا على جسد البهيمة بفم مفتوح على آخره، غير قادر على تنفّس هواء عاد كثيفا تقريبا وكأنّه يرفض الهبوط إلى رئتيه بعناد.
هذى، لكنّ حنجرته الجافّة ولسانه المزرقّ لم يستطيعا إصدار أيّ صوت. ثَمَّ اختلاجة صدرت عن المهري ونواح نبع من الأحشاء ذاتها للبهيمة المسكينة أعاد له الحياة وفتح عينيه. لكن سرعان ما أغلقهما من جديد، مغلوبا من البريق الأبيض للسبخة (...) كان ذلك الحيوان الجميل في الحقيقة نعمة من الله. لكنّ ساعته قد حانت وهو يدرك ذلك. انتظر إلى أن ظهر القمر في الأفق وأشعّته المنعكسة على الملح حوّلت الليل إلى نهار تقريبا. وعلى ضوئه أخرج خنجره المسنون. وبتر بطعنة واحدة، بقسوة، بقوّة وبعمق، الرّقبة البيضاء.
تلا فروض صلواته وجمع الدّم الذي تدفّق فائرا في إحدى قِربه. وعندما امتلأت شربه ببطء وهو مازال ساخنا وذو وجيب تقريبا. وسرعان ما شعر بالانتعاش. انتظر بضع دقائق. استعاد همّته وجسّ بحذر معدة الجمل الذي لم يتحرّك، مقيّدا كما كان بمجيء الموت، مقتصرا على انحناءة ذليلة للرّأس.
نظّف، عندما أصبح متأكّدا من اختيار النّقطة، خنجره بالدّثار المهترئ للمطيّة. وغرزها بقوّة وعمق وهو يديره مرّة بعد أخرى محاولا قدر الإمكان توسيع الجرح. وعندما سحب السّلاح سال قليل من الدّم، ثمّ دفقة من الماء المخضرّ والنّتن عبّأه في القربة الثانية حتى الامتلاء.
في النهاية سدّ أنفه بإحدى يديه، أغلق عينيه ووضع شفتيه على الجرح شاربا منه مباشرة سائلا كريها، لكنّه يعلم علم اليقين أنّ حياته متعلّقة به. استهلك حتى آخر نقطة مع أنّه كان قد ارتوى، ومعدته تنذر بالانفجار. ثمّ تملّكه الغثيان مجاهدا بالتفكير في شيء آخر كي ينسى رائحة وطعم ماء (كذا!) كان له أكثر من خمسة أيّام في معدة الجمل. واحتاج كلّ إرادته الطارقيّة المستعدّة للبقاء على قيد الحياة كي يحقّقه. أخيرا ركن إلى النّوم.»(6)
ما الذي جاء بالملح إلى عمق الصحراء؟ من أين جاءها؟ ما نعرفه بالمعاينة، اليوم، أنّ الملح يمتزج بماء البحر. لكنّه لا يخالط رمل الصحراء. هل في ذلك ما يثبت الاعتقاد الأسطوريّ بأنّ الأرض هبة البحر؟ هل يعني أنّ الأرض استعارة؟ قالت الأسطورة إنّ الكون في البدء كان أمواها. ثمّ بأمر الإله في الأعالي انحسر البحر فتشكّلت الأرض. فتهيّأ للكون المقام. فانبثق الوجود من الماء. لقد تراجع البحر. وأعار أرضه للوجود كي يتشكّل زمانا ومكانا. غير أنّه ترك في الأرض شيئا منه؛ رمله وملحه. ولذلك تشترك ثلاثتها؛ البحر ورمل الصحراء والسباخ الملحيّة في السّراب.
من الملح ما ظلّ على سطح الأرض مشكّلا سباخا ممتدّة متوّهة وبحيرات ملحيّة عريضة. وهو ما منح الخيال الإبداعيّ الخلاّق، لاسيّما خيال فيكيروا، فضاء نادرا يحرّك فيه الصراع القيميّ والأخلاقيّ في حضارة البشر السعيدة. ومن الملح ما استقرّ في عمق الأرض كما في صحراء تطاوين التونسيّة أين يستخرج الملح خامّا نقيّا لمّاعا من عمق عشرات الأميال. إنّ الملح في عمق الصحراء شاهد أزليّ على لحظة البدء وجنين مؤذن بنهاية للاستعارة قد تأتي متى انتفت شروط قيامها.
7. الملح مرض:
غير أنّنا لا يمكن أن نختم الحديث عن الملح دون الإشارة إلى مقامه الأسود في الطبّ الحديث، المقام الشبيه بمقامه عند المسلمين الشيعة. فهو عندهم رمز للشرّ. وهو، في علوم الطبّ، سبب لأخطر الأمراض وأشدّها فتكا بالكائن كأمراض الضّغط والقلب والشرايين. ويشكّل مع القمح الأبيض والسكّر سموما غذائيّة ثلاثة، كما يقول الصينيّون، مضارّها الصحيّة كبيرة وكثيرة.
-------------------------------------------------------------------------------------------
الإحالات:
1. الكتاب المقدّس، العهد الجديد، إنجيل متّى (5، 13)، جمعيّة الكتاب المقدّس في لبنان، النشرة الرّابعة، 1993، ص 11.
2. د. محمد عجينة: موسوعة أساطير العرب عن الجاهليّة ودلالاتها، دار الفارابي، بيروت/ دار محمد علي الحامّي للنشر/ المؤسّسة العربيّة للناشرين المتّحدين، صفاقس، تونس، طبعة جديدة منقّحة، 2005، ص 249 – 250.
3. Arabic/ English Bible, International Bible Society, 1999, (Genesis 19-( (26، 17) , p 26 – 27.
4. ولد ألبرتو باثكث- فيكيروا في «سانتاكروز دِ تينريفِ عام 1936. وقضّى طفولته ومراهقته في المغرب والصحارى. تحوّل في العشرين من عمره إلى بروفسور في البحريّة على متن سفينة مدرسيّة. ثمّ درس بعد ذلك الصحافة في مدريد. وفي العام 1962 بدأ مهنته كمراسل دوليّ لامع. وكوّنت تقاريره الصحفيّة أساسا لعدد كبير من إبداعاته الأدبيّة، البعض منها أُخرج أفلاما. هذا العمل "طوارق" أُخرج فيلما من قبل المخرج الإسبانيّ إنزوج غاستياري».
5. ألبرتو باثكث - فيكيروا: طوارق، ترجمة: عبدو زغبور، دار ورد للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سوريّة، ط 1، 2004.
6. طوارق، نفسه، ص ص 97 - 111.