المجتمعات المنطقة في ظل صيرورة الثورات وضرورة الحرص على الوعي الشعبي لاستمرار الفعل الثوري حتى تحقيق الأهداف ...


محمد بودواهي
2012 / 5 / 8 - 21:30     

إنه لمن المهم جدا أن يقتنع الجميع أنّ المبادرة قد عادت إلى الإنسان الشمال إفريقي والشرق أوسطي بعد أن غابت عنه لأكثر من قرن من الزمن ، وهي التي كان للأجنبي وأذرعه التابعة دور بارز فيها و في رسم صورة قاتمة تروج لفكرة أنّ الخلاص والحل والتغيير لا تأتي إلا من الخارج ، وأن التغيير الذي لا يتم فيه التواصل مع الآخر- كيفما كان هدا الآخر إد هما سيان - سواء روج للشعار القروسطي المتخلف ( الإسلام هو الحل ) أو روج لمبادئ الحداثة و التنوير والديموقراطية على الشاكلة الليبرالية الممسوخة ...، إنما هو تغيير ناقص وغير سوي سوف لن يأتي إلا بحكم أصولي شمولي تقليدي متخلف يرجع بالمجتمعات إلى عهود مظلمة مضت ، حكم تقوده جماعات إسلاموية راديكالية متشددة منغلقة على نفسها ، تمارس الارهاب الفكري باسم الدين على الآخرين ، لا تؤمن بالحوار ولا بالاختلاف ، غير قادرة على ادارة حوار وطني مع مكونات الوطن الواحد، فكيف لها أن تنجح في بناء اسس حوار حضاري وثقافي مع المحيط الدولي.....، أو بحكم ليبرالي تبعي عميل يتجمل بالشعارات الفضفاضة الجوفاء حول الديموقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والمساواة ... بينما تتباعد فيه المصالح الطبقية بشكل صارخ ومدوي وتمتص فيه الطبقة الرأسمالية دماء العمال والفلاحين وعموم جماهير الشعب ...

هذه الرؤية وأصحابها يبدوان اليوم في وضع لا يحسدان عليه ، فالتغيير الذي بدأ في يناير 2011 ولا زال مستمرا حتى الآن يمثل ثورة في طبيعة الثورات . فالثائرون لم يخرجوا ليحكموا أوأن يحتلوا مكان أولئك الذين هربوا أو أجبروا على التنازل عن السلطة أو أن يختاروا بين بديلين سياسيين كلاهما علقم مر ، بل خرجوا ليعلنوا للعالم أنهم موجودون وحاضرون ليقرروا مصيرهم وليروّجوا لأسلوب الحياة ونمط الحكم الذي يريدون... فليس الهدف لديهم استبدال شخصية بأخرى أو سياسي بآخر ، بل إنهاء نمط حكمٍ فاسد ومتسلط عات في البلاد فسادا فنهب الثروات وباع الوطن واستعبد أفراد الشعب وشوه العمل السياسي والاقتصادي واالاجتماعي والثقافي ... واستبداله بنظام حكم آخر وطني وشعبي وديموقراطي عنوانه الأصلي والكبير الكرامة والحرية والعدالة وإرجاع القيمة المسلوبة للوطن والمواطن ....

فلا محاجة أن الأنظمة الشرق أوسطية والشمال إفريقية أنظمة استبدادية ومعيقة لنهضة الشعوب وتقدم الأوطان وبالتالي لا يمكن الدفاع عنها أو التباكي عليها ، ولكن في نفس الوقت ليس بديل الثورات وصاية غربية جديدة واحتلال جديد مباشر أو غير مباشر قد يكون أكثر خطورة من أنظمة الفساد والاستبداد .... فتجربة العراق ما زالت حاضرة في الأدهان حيث تم توظيف نصوص دينية مغرضة وقوانين دولية مجحفة بالإضافة لاختلاق الأكاذيب حول السلاح النووي والكيماوي وانتهاك حقوق الإنسان الخ لتبرير الاستعانة بواشنطن وجيوش الأطلسي . واليوم نشاهد حال العراق والعراقيين المأساويين بعد عشرين عام من إسقاط النظام الديكتاتوري فيه ...

إن التحدي الأكبر أمام الثورا ت والثوار والقوى الشعبية والسياسية الفاعلة فيها وأمام العقل السياسي لمرحلة ما بعد انتفاضات الشعوب الثائرة يكمن في كيفية اشتقاق مناهج وأدوات للموازنة بين الثورات والتغيير من جانب والحفاظ على الاستقلالات الوطنية من التبعية السياسية والاقتصادية للإمبرياليات الغربية ومؤسساتها الاقتصادية الناهبة لخيرات الشعوب من جانب آخر... كيفية التوفيق بين المأمول من ثورات تحرر الأوطان والمواطنين والوطنية من ربقة عبودية الأنظمة الفاسدة والأحزاب الحاكمة المتسلطة والحفاظ على وحدة الشعوب من جانب ، و تجنيب البلاد من صعود قوى سياسية رجعية لا تختلف عن سابقتها أو أخرى دينية ظلامية قروسطوية متخلفة لها حنين إلى العودة بالفكر والثقافة والسياسة والمجتمع والحقوق إلى ما كان عليه الوضع أثناء حكم القرن الأول الهجري من جانب آخر....

ان المؤلم حقا هو أن تركب جماعات الظلام في كل من مصر وتونس - ومن غير المستبعد أيضا ليبيا وسوريا واليمن - ثورات وانتفاضات شعوب المنطقة و تشكل حالة انقلاب على فكر ومفاهيم الثورة والتحرر والديمقراطية التي استقرت في العقل السياسي للشعوب حيث كانت مفردات الحرية والاستقلال والقضاء على الاستعمار ورفض التبعية للغرب والتحكم بثروات البلاد ... تشكل المضمون الفكري للثورة أو أيديولوجية الثورة الديمقراطية التحررية..

وفي هدا الإطار فإننا لا نستطيع إسقاط نظرية المؤامرة عما حدث وما زال يحدث من تطورات بعد إسقاط الديكتاتوريات لأن لا سياسة تخلو من تآمر. ولهدا هناك حديث عن دور أمريكي غربي في ما بعد الثورات الشمال إفريقية والشرق أوسطية سواء من حيث التخطيط لمواكبة هذه الثورات أو من حيث ركوب موجاتها ودعمها لوجستيا وخصوصا من خلال الإعلام الغربي أو المحلي التابع ، وأن هدف التدخل الأمريكي هو تنفيذ إستراتيجية أمريكية تقول باستيعاب الإسلام السياسي المعتدل ودمجه بالحياة السياسية ، أو خلق حالة من الفوضى البناءة تُمكِن واشنطن من إعادة بناء الشرق الأوسط مجددا تحت عنوان الشرق الأوسط الكبير أو الجديد بما يمكنها من تصفية كل من يشكل تهديدا حقيقيا لمصالحها الإستراتيجية الآنية أو المستقبلية أو تهديدا لإسرائيل ....

غير أن االمجتمعات الشمال إفريقية التي أسقطت دكتاتوريات عريقة وسالت دماؤها من أجل التحرر والانعتاق سوف لن ترضى بالتأكيد أن تعود مجددا لنفس الأوضاع السياسية الاقتصادية الاجتماعية السابقة حتى لو طال عمر الثورات أو انحرفت عن مسارها أو ركبت موجاتها قوى داخلية مشكوك بمدى التزامها بالديمقراطية والمساواة وحقوق المرأة أو قوى خارجية مهيمنة لها أجندة خاصة في المنطقة لأن الثورة ما تقتأ تغير في نفسيات الجماهير وفي الثقافة السائدة وتُولِد تطلعات جديدة للشعوب الثائرة ...

إن الاستثمار في اللحظة التاريخية التي تعيشها مجتمعات المنطقة يجب أن يكون هدفا بعينه للخلاص من أدران الاستبداد السابقين والمحتملين . ومن هنا يأتي الحديث عن ضرورة الوعي بخطورة المنعطف الذي تمر به المنطقة ككل وتمر به كل دولة وليدة من رحم الثورة من حيث قدرتها على الحفاظ على الوحدة الوطنية ومواجهة الإسلام السياسي و حضوره القوي في المشهد السياسي والاجتماعي في مجتمعات ما بعد الثورات ...


من هنا، فقد بات من الضروري التعاطي مع المرحلة بحرص وحدر شديدين وبالتالي العمل على تجدير الوعي لدى المواطنين للمطالبة والتشبت بكل ما من شأنه تعميق المواطنة الصحيحة وبناء دولة الحق و القانون وتحقيق الديموقراطية الحقة وتكريس مبادئ الحرية والعدالة والمساواة ، كيفما كانت الجهة التي تقبض بزمام الحكم .... وهو الأمر الدي يكفل حفظ نسيج مجتمعات ما بعد الثوراتا وأمنها ووحدتها ، وإعاناتها على تحقيق الازدهار والرخاء في كل المجالات..