(الفلسفة المثالية....هل العالم ملائم لنا؟؟؟)....(1)


وليد حكمت
2012 / 5 / 7 - 12:05     

تلخيص لموضوع للمثالية - هنتر ميد - بتصرف

تعد المثالية من أكثر الفلسفات شيوعا في العالم وأهمها فقد ظلت قائمة وراسخة بوصفها التراث الارستقراطي في الفلسفة فوجد أنصارها أوسع استجابة ممكنة وكما أن الفلسفة عموما ليست بالموضوع الهين كما يعتقد البعض أو كما يتناقشون فقد يغتر الباحث بتلك الأسئلة والحجج التي يقدمها ظانا انه ثبت مذهبه من خلال تقديم أسئلة بلا أجوبة ويرد على طروحات المثاليين ويصفها بأنها ساذجة ، صحيح أن الفيلسوف كما يقولون هو هادم اللذات الذي يحطم كل حل يبدو قريبا بقوله ... (نعم ولكن...) أو من( جهة أخرى ....)، أو يصفونه بالرجل الذي يسأل دائما السؤال المقبل ... لكن كما توضح عبارة هاملت المشهورة (في السماء والأرض يا هوراشيو أمور تزيد عن ما تحلم به فلسفتك ).
فإن الفلسفة والتي هي علم معقد نوعا ما تحاول أن تدمج جميع العلوم والدراسات وتلخصها في ذاتها .
تعود أسباب انتشار المثالية في العالم إلى الأسباب الآتية :
- وجود نقاط اتصال بينها وبين الأفكار والآراء المسيحية وذلك بسبب الموقف التفاؤلي من الحياة والعالم والذي تطمح إليه العقلية الغربية.
- تعاليمها تلقى استجابة من العقل والعاطفة معا .
- اعتناق كبار الفلاسفة والمفكرين لها .
- اعتناق السلطات الرسمية – تاريخيا- لها .
الآراء الرئيسية لها
- الحقيقة النهائية ذات طبيعة نفسية أو روحية .
- الكون تجسد للذهن أو الروح .
- إذا أردنا معرفة طبيعة الواقع يجب أن لا نبحث في العلوم الفيزيائية بل يجب أن نستخدم العقل والفكر وكل الأفكار والقيم الروحية لدى الجنس البشري ، فالعلم وان كان يقدم صورة صحيحة جدا كما يبدو لنا ولكن تلك الصورة تكون فقط في حدوده الخاصة كما أن تلك الصورة ناقصة لان العلم يحذف جميع الاعتبارات المتعلقة بالقيمة بل لا يعترف بأهم شيء في الكون وهو الشخصية ، فهو يتجاهل أهم عنصر في التجربة أو المعرفة وهو الذهن أو الأنا المجرب فالعلم إذن يشوه طبيعة الأشياء وكما أن كل إدراك أو معرفة يقتضي ذاتا عارفة والتي ينكرها المذهب الطبيعي ويقلل من أهميتها ومع ذلك فان المثالية تعتبر أن تلك الذات هي مصدر كل طبيعة بل مصدر كل وجود ولذا فان كل مذهب لا يجعل الذات العارفة دعامة رئيسية ينبغي أن يقدم صورة ناقصة إن لم تكن باطلة .
إن مثل هذا الكون الذي يكون فيه لب الحقيقة ذهنيا أو روحيا لا ماديا هو نظام وثيق الصلة بالإنسان وأعماله وأمانيه ومثله العليا فهو عالم يقدم للفرد تأكيدا بأن له رسالة وبأن الكون يعطف على جهوده في سبيل تحقيق هذه الرسالة،فهي التي تجعلنا نرى العالم كمكان نستطيع العيش فيه بعلاقة وثيقة بيننا وبينه فهو ملائم لنا عقليا وعاطفيا لكونه مرتبطا بمصدر الذهن أو الروح .
إن الإنسان ومن خلال نشاطه العقلي يقترب كل الاقتراب من تلك الفاعلية الشاملة التي تشكل الكون فإذا شئنا أن نعلم ما يكمن في قلب العالم فعلينا أن نتأمل داخل أنفسنا ففي نفوسنا وأذهاننا ودواخلنا نجد أوضح تعبير لتلك الفاعلية الشاملة. إن استخدام الذهن والواقع يجعل المثالية أكثر جاذبية .
لما كان هذا الكون تجسدا لهذا الذهن المطلق فلنا أن نتوقع أن تتكشف بيئتنا الطبيعية عن نفس خصائص النظام والأحكام والمنطق ونكتشف أيضا أن الكون يتسم بالمعقولية لأن هذا الكون لما كان من خلق العقل الشامل فمن الطبيعي أن تكون المعقولية متغلغلة في تركيبه الأساسي كما نفترض بأن في أذهاننا البشرية قدرة على التفاعل مع العالم الذي نعيش فيه.
التمييز بين المظهر والحقيقة
لما كان الكون معقولا ومفهوما فلا يمكن أن يكون فيه اضطراب أو لا معقولية أو تنافر فالذهن يعمل في كل أرجاء الكون.
غير أن اتصالنا اليومي المباشر بالعالم المحيط بنا يكشف لنا عن أمر واقع لا تكاد تربطه صلة بهذا الغرض النظري الجريء ذلك أن الحياة تبدو في نظر الإنسان مزيجا من الاضطراب والنظام والتدهور والحرب والسلام والجوع والوفرة والانتصار والهزيمة والإحباط والألم فمهما كانت حياة أي فرد فينا منتظمة إلا أنها تكشف عن جوانب كثيرة من المعاناة والتجارب القاسية التي يبدو أن ليس لها هدف أو معنى ، حتى أكثر أجزاء طبيعتنا معقولية وهو ذهننا يخفق في تحقيق الشرط النظري فخبرته في التبرير لأفعال أنانية أو شهوانية لا تقل عن خبرته في الاستدلال العقلي ونحن لا نكون مخلوقات عاقلة إلا في أوقات قليلة منتظمة والحياة لا تعود محتملة عند أكثرية البشر الذين لا يحول بينهم وبين الانتحار إلا الأمل بغد أفضل ولذلك تطرح المثالية مبدأ المظهرو الحقيقة و
يؤكد المثالي على مدى الخلط بين المظهر والحقيقة وأنه يقع إما نتيجة للإهمال في الملاحظة أو لعدم الكفاية في التفكير وكثيرا ما نخدع ونتصور بأننا قد تغلغلنا إلى باطن الشيء وأدركنا حقيقته ثم نجد هناك مظهرا أعمق للحقيقة ونظل نسير هكذا حتى يتكون لدينا سلم كامل من الحقائق التي تشكل حقيقة أعمق غير أن هذا السلم ينطوي ضمنا على نقطة نهائية من نوع ما تجعلنا نسأل : ما الحقيقة النهائية ألا يجوز أنها شيء يختلف تماما عن المظهر السطحي للأشياء كما هي .
وتقوم المثالية على إجراء تمييز أعمق وأجرأ بكثير وهو التمييز بين العالم التجريبي القابل للملاحظة وبين الحقيقة غير التجريبية ومعنى ذلك أن المثالي على استعداد لأن يضفي على شيء ليس غير ملاحظ فحسب بل غير قابل للملاحظة قدرا من الحقيقة يفوق ذلك الذي ينسبه إلى العالم المادي على الرغم من المقولة التي تقول بأن الأشياء المادية أكثر الأشياء التي نعرفها حقيقة وتضفي تلك الجرأة قدرا من الجاذبية والسحر للمثالية .