كيف ساهم العراق في النصر السوفيتي على النازية ؟


فواز فرحان
2012 / 5 / 6 - 21:32     


لدي صديق من جمهورية اذربيجان كان احد الجنود في الحرب العالمية الثانية وساهم في الحرب الوطنية العظمى كما يسميها ضد النازية ، هذا الصديق يكن مشاعر الود للعراقيين لانه سافر في عام 1942 الى البصرة وشارك من هناك بنقل معدات عسكرية اميريكية وبريطانية للاتحاد السوفيتي عبر العراق ، كانت هذه المعلومات بالنسبة لي غريبة فلم أسمع من قبل بتفاصيل عن دور للعراق في الحرب العالمية الثانية سوى بالانقلاب الذي قام به الضباط الاربعة الموالين للنازية في العراق عام 1941 ..
عملنا طوال خمسة أعوام في شركة مان لصناعة قطع الغيار لشاحانات المان الالمانية وهو الان يعيش متقاعداً في شتوتغارت ، كنت ولازلت أحترم فيه التفاصيل الدقيقة التي يحتفظ بها عن الحرب العالمية الثانية ولكن معلوماته عن العراق ودوره في صناعة النصر على النازية كانت تثير إستغرابي ..
فمنذ الصغر تعلمت مصادقة كبار السن لان تجارب حياتهم تختصر لنا في بعض الاحيان إن لم يكن في أغلبها وقتاً طويلاً من القراءة والتعلم من الكتب ، فهم ينطقون في الكثير من الاحيان بالحكمة والاراء الناضجة الخالية من الاندفاع والتهوّر ، ولكن تسريب وثيقة مهمة من هذه الحرب لقناة روسيا اليوم الاخبارية أعاد الى أذهاني ضرورة متابعة هذا الموضوع والتطرّق إليه كي يغني ذاكرة الانسان الحاضر عن جوانب مكثت خفية طوال العقود عن الشريان العراقي الذي ساهم في صناعة النصر على النازية ..
كاد الجيش الالماني يسقط الدولة السوفيتية وأحكم الحصار عليها من جوانب متعددة ومن جهات مختلفة كانت تؤدي بالدولة السوفيتية الى السقوط والتهاوي ، وبما ان الاتحاد السوفيتي كان حليفاً في الحرب لكل من بريطانيا والولايات المتحدة في الحرب فقد فكرت الاخيرتين في إنقاذ ستالين من خلال العراق الذي يمكن ان يكون ممراً آمنا لنقل الأسلحة الى الاتحاد السوفيتي عبر بحر قزوين وأرسلوا لستالين يخبروه بالفكرة ونجاعتها على تجاوز الحصار الالماني الذي كاد يخنق الجيش السوفيتي ويعطل حركته ، واعجبت الفكرة ستاين واطلقوا عليها الممر الفارسي في محادثاتهم ((من البديهي ان موضوع توريد المعدات الامريكية الى الاتحاد السوفيتي كان اكثر من مرة موضوعا للمحادثات السوفيتية الامريكية على المستوى العالي. وان ستالين لكونه قائدا اعلى للقوات السوفيتية كان يراقب شخصيا عملية توريد ألاليات المخصصة للجيش السوفيتي عبر الممر الفارسي. لذلك فان القيادة الامريكية فضلت حل اهم المسائل عن طريق ستالين مباشرة. وعلى سبيل المثال فان الرئيس الامريكي روزفلت وجه في مطلع يوليو/تموز عام 1942 رسالة الى الزعيم السوفيتي ستالين ورد فيها :" لقد جعلت الازمة المصرية المهددة لطرق المواصلات والتموين للاتحاد السوفيتي جعلت رئيس الوزراء تشيرتشل يوجه طلبا عاجلا اليّ للنظر في امكانية نقل 40 قاذفة من طراز " آ - 20 " ترابط حاليا في العراق مخصصة للاتحاد السوفيتي الى الجبهة المصرية. وفي هذا السياق رأيت ان من المستحسن توجيه هذا الطلب اليكم آخذا بعين الاعتبار مصالح الجهود العسكرية للامم المتحدة باسرها". ووافق ستالين في رسالته الجوابية على الطلب قائلا انه "لا مانع له من نقل الطائرات العشرين المخصصة للاتحاد السوفيتي من العراق الى الجبهة المصرية".))
ولم تكن القيادة الالمانية غائبة عما يجري في تفكير كل من الولايات المتحدة وبريطانيا فأرسلت لسفيرها في العراق تبلغهُ بضرورة التحرك لوأد هذه الخطة وتغير الموقف على الارض من خلال إحداث تغيير عسكري في العراق وتحويله الى دولة موالية للرايخ الثالث ..
ونجحت السفارة الألمانية في دعايتها النازية في العراق ونجاح قادة الانقلاب وفي مقدمتهم رشيد عالي الكيلاني في تغيير الأوضاع لمصلحة المانيا بمساعدة مفتي القدس في حينها وراح يتصاعد الصوت المطالب بطرد البريطانيون من العراق وإلغاء إتفاقية عام 1930 بعد تكبدهم هزائم مرة في الحرب وتدمير اجزاء واسعة من لندن على يد الطيران الالماني ، ومع ذلك لم يستسلم البريطانيون بسهولة وقاموا بإنزال في البصرة ومحاصرة قادة الانقلاب وإعادة ترتيب الأوضاع من جديد لمصلحتهم ، فرغم ان الحرب كانت في أوجها كانت هناك معارك ثانوية تجري هنا وهناك لتغيير الاوضاع التي ممكن ان تؤدي في تحويل الوضع العام لمصلحتهم من خلال هذه التغييرات التي كانوا يعتقدوا بأنها ثانوية !
الحقيقة ان العراق لم يكن مهماً للسوفيت حتى ذلك الوقت لكن الحصار الالماني والإقتراحات البريطانية الأمريكية ساهمت في تسليط الضوء على الدور الذي ممكن أن يلعبه هذا البلد في الحرب (( شهد تاريخ العلاقات السوفيتية العراقية ابان الحرب العالمية الثانية صفحة مجيدة تكاد تكون غير مدروسة لحد الآن. والمقصود بالامر هو انشاء ما يسمى بـ "الممر الفارسي" الذي باشر بعد مرور نصف سنة على نشوب الحرب السوفيتية الالمانية (1941 - 945 ) بنقل الامدادات الامريكية والبريطانية العسكرية الى الاتحاد السوفيتي. وشهدت تلك الفترة افتتاح البعثات السوفيتية العسكرية وإنشاء معسكرات ومراكز خاصة ووكالات للنقل وحتى قاعدة جوية ميدانية واحدة في الاراضي العراقية .
واوكلت الى شركة التعاون العسكري التقني السوفيتية مهمة تنظيم استلام وتجميع الطائرات الحربية وسيارات الشحن القادمة من الولايات المتحدة بالدرجة الاولى ونقلها فيما بعد الى الاتحاد السوفيتي بالاضافة الى النقل غير المنقطع للمواد الخام الاستراتيجية والذخائر وغيرها من المواد الى الحدود السوفيتية. وفي هذا السياق تجدر الاشارة الى ان اقامة فريق التعاون التقني العسكري السوفيتي في العراق لمدة زهاء سنتين ( اعوام 1942 – 1944) يعتبر فترة منسية لم يعرف احد عنها شيئا علما ان المؤرخين العسكريين السوفيت والغربيين والباحثين في مجال العلاقات السوفيتية العراقية لا يذكرون تلك الصفحة او ينكرونها ..))
لماذا العراق ؟
بالتأكيد إن الكثيرون يتسائلون لماذا إختارت القيادتين البريطانية والامريكية العراق كممر لإنقاذ الاتحاد السوفيتي ؟ الجواب على هذا السؤال يأتي من خلال قراءة ومتابعة الأحداث اليومية وتفاصيلها لتك الحرب ، فقد كانت القوات البريطانية والأمريكية تتعرض للتدمير في الشمال في البلطيق والنروج كما ان اوربا الشرقية كانت ساحة واسعة لحرب مدمّرة لا يمكن التعويل عليها في إسناد الدعم اللوجستي للقوات السوفيتية .
وربما يفرض في هذه الاثناء سؤالاً آخراً نفسهُ على التفاصيل وهو إذا كانت هذه القوات قادرة فعلاً على دحر النازية لماذا تلجأ أصلاً لمساعدة الجيش السوفيتي وستالين ؟ حتى يتحقق النصر . الحقيقة ان الاجابة على سؤال من هذا النوع قد تأخذ أكثر من منحى وشكل ، فإما أن تكون هذه الدول محرّكة فعلاً للحدث ولا تريد خسائر بشرية من طرفها ، أو أنها كانت فعلاً تحت ظرف يدفعها لإختيار هذا الخيار من أجل تحقيق النصر باي ثمن على الجيش النازي ..
((نظرا الى ان سفن الامداد العسكري البريطانية والامريكية المتوجهة الى الموانئ السوفيتية الشمالية أخذت تتعرض في خريف عام 1941 لهجمات مستمرة من قبل الغواصات والطائرات الالمانية المرابطة في النرويج فان قيادتي هذين البلدين بدأتا في التفكير بفتح طريق جنوبي آمن لايصال المساعدات العسكرية للاتحاد السوفيتي حليفهما الجديد ضد المانيا . وهو طريق يمر بالموانئ العراقية والايرانية الواقعة في الخليج العربي ويؤدي الى جمهوريتي اذربيجان وتركمانستان السوفيتيتين انذاك. وبدأت
المحادثات البريطانية الامريكية السوفيتية بهذا الشأن. وطرحت الحكومتان البريطانية والامريكية هذه المبادرة. فيما لم يوافق الجانب السوفيتي في البداية على المبادرة الامريكية البريطانية بحجة احتمال تكبد خسائر لا مفر منها والزمن الطويل الذي يستغرقه نقل المعدات عبر الممر الفارسي. لكن الجانبين توصلا في نهاية المطاف الى اتفاق بهذا الشأن مما دفعهما الى المباشرة باتخاذ الاجراءات الرامية الى اعداد البنية التحتية في المنطقة ليتم تزويد الجيش السوفيتي بما يلزمه من الاسلحة والذخائر والمعدات الحربية والمحروقات والمعدات والارزاق وذلك عبر اراضي العراق وايران.))
ان العراق كان له الفضل الأكبر في إمداد القوات السوفيتية بالاسلحة والمؤن القادمة من الولايات المتحدة وبريطانيا لان الشعب السوفيتي كان منهمكاً في الدفاع عن ارضه في وجه القوات الالمانية ، هذا الواقع يفرض علينا جميعاً قراءة الحدث من منظور يختلف تماماً عما كنا مطلعين عليه من قبل فقد كانت أغلب الحقائق مخفية تبرز منها الى العلن ما كانت ترغب به القوى المسيطرة ابرازه وقراءة التاريخ هنا يبدأ بأخذ منحى آخراً مختلفاً عما كان عليه من قبل ..
فلا عظمة ستالين كانت وراء قهر النازية ولا الصمود التاريخي للجيش السوفيتي كان وراء هذا النصر بل المساعدات الامريكية البريطانية عبر الممر الفارسي هي التي وقفت منذ ربيع عام 1942 وحتى نهاية الحرب سنداً منيعاً لدولة العمال والفلاحين في العبور وتحقيق النصر بدليل انها ظفرت بأغلب الأراضي الألمانية وتحقق النصر نظرياً للجيش السوفيتي وعملياً لبريطانيا والولايات المتحدة من خلال سيطرتها على كل الاسواق الاوربية عبر مشروع مارشال العظيم ..
قد لا تعجب هذه القراءة الكثيرون لكنها واقع تاريخي يفرض نفسه على الجميع من خلال بروز حقائق قد تعيد صياغة قراءة الحدث من جديد وبشكل مختلف ، من جهة اخرى تعني للسوفيت والدولة الوريثة لها حجم التأثير الذي كانت تمارسه القوى الكبرى على ستالين وتجعله يتقبّل المساعدات كما تتقبلها كوريا الشمالية اليوم من اجل ابراز انتصاراتها على الامبريالية العالمية حتى ولو كانت تلك الانتصارات من وحي خيال الطبقة التي تتلقى تلك المساعدات وتحوّرها لاجل اهدافها لكن القوى الكبرى كانت تضحك في قرارة قلبها على تلك التفسيرات وتجعل من اصحابها مصدر سخرية لها !!!
((كان من المتوقع ان يعقد في مطلع عام 1942 في بغداد اجتماع رسمي يحضره رؤساء البعثات العسكرية للاتحاد السوفيتي وبريطانيا والولايات المتحدة. ووصل الى بغداد العقيد المهندس ايفان كورميليتسين المسؤول في المفوضية الشعبية للتجارة الخارجية السوفيتية برفقة فريق من الخبراء العسكريين السوفيت، وذلك لحضور الاجتماع وبحث مسائل تنظيم نقل الطائرات الامريكية الى الاتحاد السوفيتي عبر العراق. وعقد الاتفاق بين ممثلي دول التحالف الثلاث بشأن وضع خطة لتوريد الاسلحة لموسكو.
وتوجهت البعثة السوفيتية في اعقاب المباحثات من بغداد الى البصرة حيث تم انشاء مقر لها ومكثت هناك حتى انتهاء مفعول اتفاقية توريد المعدات العسكرية في نهاية عام 1944. وانشأ الخبراء السوفيت في العراق في تلك الفترة البنية التحتية التكنولوجية الواسعة النطاق التي كان من شأنها تأمين توريد المعدات الحربية، وذلك بمساعدة الحلفاء. وبالاضافة الى مقر البعثة في البصرة تم انشاء القاعدة الجوية السوفيتية بقيادة العقيد مورافيوف والمعسكر السوفيتي المرابط في القاعدة الجوية البريطانية في الشعيبة والذي يبعد حوالي 20 ميلا عن مدينة البصرة حيث تم تشغيل معامل امريكية اضافية تقوم بتجميع الطائرات المخصصة للجيش السوفيتي.
ثمة مذكرات كتبها ليونيد زورين الذي حل محل كورميليتسين في شهر مارس/آذار عام 1942 بمنصب مسؤول المفوضية الشعبية للتجارة الخارجية السوفيتية. وجاء في المذكرات :" كنا في مطلع عام 1944 نستلم الطائرات في مطار المعقل فقط . لكنه لم يكن بوسعه تجميع الطائرات لعدم وجود مواقع انتاجية ملائمة لذلك. وبدأنا نفكر في انشاء قاعدة جوية اكبر. وبدا ان مطار الجيش البريطاني العاشر في قاعدة الشعيبة يصلح لذلك. وباشرنا بتجهيز هذه القاعدة وتوجيه الطائرات القادمة الى هناك دون ان نوقف تجميع الطائرات في المعقل . لذا فان مركز جهودنا انتقل في مايو عام 1942 الى منطقة الشعيبة حيث تم نشر معسكر سوفيتي كان يعمل فيه الخبراء والفنيون في الطائرات وتجميعها ، الامر الذي ساعد في رفع اهمية مطار الشعيبة الذي تحول الى مركز رئيسي لتجميع الطائرات الامريكية. وظل المعسكر السوفيتي في الشعيبة يعمل لغاية اكتوبر/ تشرين الاول عام 1944.
من اللافت ان القاعدة الجوية البريطانية التي كان الانجليز منذ قليل يخططون لضرب مشاريع النفط السوفيتية في القوقاز منها صارت تستخدم ، من سخرية القدر، لتزويد الاتحاد السوفيتي بالاسلحة وتعزيز قدرته الدفاعية بما في ذلك في جبهة القوقاز السوفيتية الالمانية.
كما عرفنا من مذكرات زورين فان القيادة السوفيتية رسمت مسارات نقل الطائرات الامريكية من العراق الى الاتحاد السوفيتي وذلك مرورا بطهران حيث كانت تعبأ بالوقود ثم الى مدينة كيروفوآباد السوفيتية.))
حتى في تلك الفترة لم يكن ساسة العراق جهلة ومتخلفون في قراءة الحدث بل كانوا يتابعوا ما يجري على أرضهم بكل دقّة ويعتقدون انها الفرصة التاريخية لخلاص العراق من التدخلات الخارجية ، فهم بنوا فرضياتهم على إحتمالين يصبّان في مصلحة الشعب العراقي كما كانوا يعتقدون ، الأول كان يتمحور حول إنتصار القوات السوفيتية والذي سيساهم بدوره في تعزيز النفوذ الشيوعي وسيساهم بمغادرة الانكليز للعراق تحت الضغط الشعبي ، والثاني كان يرجّح سقوط هتلر وانتصار الولايات المتحدة وبريطانيا حتى وان كان ذلك يحدث بعد سقوط موسكو فهو الآخر سيساهم بجعل العراق محوراً مهماً في دول الكومنويلث البريطانية وسيساهم في تسريع بناء البلاد والتخلص من تخلفها بسرعة ..
والاحتمالين كانا قريبين للنجاح وتحقق الاول وبقي العراق مستقراً حتى عام 1958 ليحصد ثمرة مشاركته في تلك الحرب قبل ان يقلب العسكر الطاولة على الطرفين بوصول عبدالكريم قاسم الى الحكم والذي لم يكن يرضي لا الولايات المتحدة ولا الدولة السوفيتية على اعتبار ان ذلك التغيير حدث دون اذن من الطرفين !
كيف كان موقف الشعب العراقي من وجود السوقيت على ارضهم عام 1942 ؟
((ثمة حقيقة مثيرة قد تكون مجهولة مفادها ان تواجد التشكيلات العسكرية البريطانية والامريكية والسوفيتية في العراق جعل القيادة الامريكية تقترح على القيادة السوفيتية عقد القمة الثلاثية لهذه الدول في العراق. ووجه روزفلت رسالة شخصية الى المارشال ستالين اقترح فيها ان تعقد القمة بجوار بغداد في موقع تتموضع فيه معسكرات ثلاثة تتوفر فيها كل اسباب الراحة والحراسات الامريكية والبريطانية والروسية المطلوبة. وبعد ان رفض ستالين هذا الاقتراح ظل روزفلت يصر على عقد القمة في العراق ، ولكن اقترح هذه المرة البصرة لعقدها حيث يمكن تنظيم الحراسة الممتازة ،على حد قوله.
ثمة دليل على موقف الشعب العراقي من الاتحاد السوفيتي ورد في تقرير قدمه الدبلوماسي السوفيتي في ايران ايفانوف في 6 يونيو/حزيران عام 1944. وتناول التقرير بصورة خاصة عمل الفريق العسكري التقني السوفيتي في العراق. وابرز التقرير الحفاوة التي كان يكنها العراقيون تجاه الخبراء السوفيت الذين يقومون باداء واجبهم في البلاد. وجاء في التقرير ما يلي:" عندما يسير الخبراء السوفيت بشاحنة لحضور العمل يلقاهم العراقيون كبارا وصغارا بصيحات "خوروش ، خزروش" بمعنى "جيد" ومشكلين باصابعهم رمز النصر. وبالطريقة ذاتها يرحبون بكل ضابط سوفيتي يمشي في الشارع. ويهم الجميع في العراق ،بمن فيهم الطلبة والمحامون والاطباء، الوضع في الاتحاد السوفيتي وحياة اهاليه وامكانية زيارته. ويشارك الشعب بكل سرور في جمع التبرعات لصالح الجيش الاحمر رغم ان هذه المساعدة لم تعلن رسميا. وكان عمال الموانئ العراقيون يرسمون سرا امضاءاتهم على صناديق يقومون بشحنها الى عربات القطار لتوجه فيما بعد الى الاتحاد السوفيتي. كما انهم كانوا يرسمون نجوما وتحيات تكريما للجيش الاحمر.
ويمكن الاستنتاج بشكل عام ان معارك الحرب العالمية الثانية بينت بوضوح الاهمية الاستراتيجية الكبيرة للعراق بالنسبة الى دفاع الدولة السوفيتية وامنها. وفي حقيقة الامر فان البنية العسكرية التقنية القوية التي تم انشاؤها بالاراضي العراقية في اطار تنفيذ برامج توريد ألاليات الحربية الغربية الى الاتحاد السوفيتي والموارد البشرية العراقية والاجواء العراقية لعبت دورا كبيرا في انقاذ الاتحاد السوفيتي من الهزيمة في الحرب على ايدي الالمان. ))
اي ان الشعب العراقي لم يكن معادياً لوجود السوفيت على ارضه بل كان داعماً لهم رغم انتشار الافكار النازية في البلاد بعد انقلاب رشيد عالي الكيلاني وبعد فراره الى السعودية وبقاءه هناك حتى موته ، تقول الوثيقة ان العراق شهد نقل مئات الالاف من الاطنان من الاسلحة والمعدات والاغذية للسوفيت وكذلك ارقى نوع من البنزين وبعض المعدات التي كانت تصنع بمشاركة عراقية الى الارض السوفيتية ..
((وقد منحت الخبرة المكتسبة نتيجة التعاون بين البلدين في السنوات المأساوية للحرب العالمية الثانية منحت رئيس الوزراء العراقي انذاك حمدي الباججي بان يقول في برقية التهنئة التي بعث بها الى ستالين يوم 8 مايو/آيار عام 1945 :" يفتخر العراق انه كان اول بلد من البلدان العربية انضم الى الامم المتحدة ويسره الآن بان يؤكد ان الحكومة العراقية كانت تتعاون حق التعاون مع حكومتكم من اجل مواجهة العدوان والظلم".
اذن فاستنادا الى الحقائق يمكن القول ان سنوات الحرب المذكورة شهدت ترانزيت مئات آلاف الاطنان من الشحنات عبر الموانئ والمطارات والقواعد العراقية الى الاتحاد السوفيتي. وكانت تلك الشحنات تحتوي على بنزين الطائرات العالي النوعية الذي تم انتاجه من النفط العراقي، والطائرات وسيارات الشحن التي قام بتجميعها الخبراء الامريكيون والبريطانيون بالتعاون مع العراقيين، ناهيك عن المعدات العسكرية والذخائر والارزاق. ويقول المؤرخ البريطاني موتر ان ميناء عراقيا واحدا قام بترانزيت 250 الف طن من الشحنات الى الاتحاد السوفيتي وذلك في الفترة ما بين 1 يوليو/تموز عام 1943 و1 سبتمبر/ايلول عام 1944.واختلف مستوى تدفق الشحنات المارة بـ "الممر الفارسي" في فترات مختلفة. وعلى سبيل المثال فاذا كان شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 1941 شهد ترانزيت نسبة 5.2% من اجمالي الشحنات الموردة الى الاتحاد السوفيتي فان شهر اكتوبر/تشرين الاول عام 1942 شهد نسبة 52% من هذه الشحنات .
وعموما بلغ مجموع الشحنات العسكرية الموردة الى الاتحاد السوفيتي عن طريق العراق بواسطة هذا الممر الاستراتيجي زهاء 4.2 مليون طن مما يعادل نسبة 23.8 % من مجموع الشحنات الغربية الموردة للاتحاد السوفيتي ابان الحرب العالمية الثانية.))
وتطرقت تلك الوثيقة لمسارات النقل التي كانت تصل ارض العراق وتعبر بعدها الى الاتحاد السوفيتي حتى نهاية الحرب ولكن الغريب في الموضوع تكتم اغلب المؤرخون على طبيعة هذا الدور الذي لعبه العراق وايران في مسار الاحداث وصولاً الى القضاء على النازية ، ولكنها تثبت عملياً مدى الدعم الغربي المتمثل بدعم الولايات المتحدة وبريطانيا لستالين وبالتالي تعني ان هناك اطرافاً ساهمت في النصر لكنها لم تفضّل الاحتفال به كما يحتفل المراهقون السياسيون !
فأحداث الحرب يمكن قرائتها من أكثر من زاوية حتى اليابانيون انفسهم اعترفوا بالفترة الاخيرة ان ضربتهم لميناء بيرل هاربر كانت خطءاً تاريخياً لانه كان ثمرة تسريب مخابراتي لهم حتى يتم الحصول على السبب في تجريب القنابل الجديدة ( النووية ) ولو لم تفعل ذلك اليابان في حينها لما كنا قد سمعنا بقيادة الولايات المتحدة للعالم ولا حتى بالدور السوفيتي على الارض بعد الحرب العالمية الثانية ...
إذاً كان هناك شياطين يتحكمون بالحدث ويخرجونه من العدم الى الوجود بالطريقة التي تروق لهم وتلائم مصالحهم ، لكن الشئ الذي أجهله هو هل يفهم القادة الروس حقائق كهذهِ ؟ وهل يرغبوا بخلق ستالين من جديد لكن هذه المرة على طريقتهم الخاصة ام انهم لا يزالوا يسيرون خلف العم سام ويتلقون المساعدات منه ويتبهرجوا بالنصر من جديد ؟
حتى العراقيون اعادوا تقييم انتصاراتهم في حروب البعث واعترفوا بانها كانت مهالك وهزائم وهم يدفعون فواتير الهزيمة للكويت وايران وربما الى قوى دولية اخرى ، فهل يعترف السوفيت ان ما تحقق في الحرب الوطنية العظمى كان انتصاراً منقوصاً ؟ أو انه إنتصار تحقق بمعونة الولايات المتحدة وبريطانيا والعراق وايران والا لكانت موسكو الان في خبر كان وكانت الراية النازية ترفف من هفانا الى بكين !!!
((وفي اكتوبر/تشرين الاول عام 1942 اصدر اناستاس ميكويان المفوض الشعبي في شؤون التجارة الخارجية السوفيتية امرا بتقسيم شركة "ايران سوفترانس" الى شركتين تقوم الاولى بنقل الطائرات والشحنات العسكرية الامريكية والبريطانية عبر العراق وايران. والثانية تقوم بايصال تلك الشحنات الى مقاصدها في اراضي الاتحاد السوفيتي.
وكانت مهمة شركة :ايران سوفترانس" تنحصر في مراقبة وصول الشحنات الحربية الى الموانئ العراقية واستلام الشحنات فيها وتنظيم تحرك الشحنات في داخل العراق ونقلها من الموانئ العراقية الى الموانئ الايرانية الواقعة على بحر قزوين والمراكز الشمالية الايرانية الواقعة على الحدود السوفيتية الايرانية.
ومن اجل تنفيذ هذه المهام منحت السلطات العراقية المكتب الرئيسي لشركة "ايران سوفترانس" صلاحيات خاصة بما فيها توقيع الاتفاقيات والعقود مع مؤسسات النقل والشحن العراقية الداخلية وفتح الحسابات في المصارف العراقية واجراء التحويلات المصرفية والحسابات مع تلك المؤسسات واستئجار المستودعات لتخزين المنتجات العسكرية وفتح فروع للشركة يتولى رئاستها اشخاص مفوضون بغية اجراء عمليات النقل.
وقد افتتحت المكاتب والوكالات التابعة للشركة السوفيتية في عدد من المدن والمناطق العراقية مثل كركوك وتنومة وخانقين والشعيبة ناهيك عن موانئ البصرة والمعقل وام قصر. وقامت الشركة بنقل الطائرات وسيارات الشحن التي تم تجميعها في معامل رفدية والشعيبة والبصرة.
كانت الشحنات القادمة الى موانئ شط العرب والخليج توصل الى الاتحاد السوفيتي بمسارين رئيسيين احدهما هو: وصول الشحنات الى موانئ البصرة وام قصر والمعقل ثم نقلها الى بغداد ثم الى كركوك عن طريق السكك الحديد ثم نقلها برا بواسطة الناقلات الانجليزية الى مركزهانة الايراني من حيث تنقل بالناقلات السوفيتية حتى مدينة تبريز ثم نقلها بالسكة الحديد الى مدينة جولفة السوفيتية. وبلغ طول هذا المسار 1615 كيلومترا. اما طول المسار الثاني فبلغ 1627 كيلومترا. وانه كان يمر بالموانئ العراقية ثم الى بغداد بالسكة الحديد ثم الى مدينة خانقين العراقية ثم حتى مدينة قزوين الايرانية بواسطة الناقلات البريطانية من حيث تنقل الشحنات بالناقلات السوفيتية حتى ميناء بهلوي الايراني. ))

المصادر ..
ــ http://arabic.rt.com/news_all_news/analytics/63774/
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8_%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D8%AF_%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%8A%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%8A
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D8%AF_%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%8A%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%8A
الجمل والعبارات الموجودة بين الأقواس مأخوذة من الوثيقة الروسية ..