الحزب الاشتراكي الفرنسي على محك المصداقية


محمد بودواهي
2012 / 5 / 1 - 20:26     

يبدو أن صعود التيارات المتطرفة لم يعد يقتصر على دول العالم العربي و الإسلامي ، فدول أوروبا على اختلاف ماضيها وحاضرها أصبحت مسرحاً لتنامي ظاهرة اليمين المتطرف حيث تشهد الساحة السياسية فيها صعوداً غير مسبوق للأحزاب اليمينية واليمينية الشعبوية المتطرفة . فقد حصد حزب " الفنلنديون الحقيقيون" في فنلندا نجاحاً ملفتاً في الانتخابات الأخيرة عندما حصد - ولأول مرة - أكثر من 20 في المائة من الأصوات . وفي السويد شق الحزب اليميني الشعبوي "السويديون الديمقراطيون" في عام 2010 للمرة الأولى طريقه إلى البرلمان .كما تشهد البلدان المجاورة لألمانيا صعوداً لافتاً للأحزاب اليمينية على الساحة السياسية. فقد أصبح حزب فلامس بيلانغ اليميني الشعبوي والعنصري في العشرين سنة الماضية واحداً من أقوى الأحزاب السياسية الثلاثة، التي تسيطر على المشهد السياسي في بلجيكا. وفي هولندا أصبح بقاء حكومة الديمقراطيين المسيحيين والليبراليين اليمينيين في سدة الحكم معتمداً على دعم حزب الحرية اليميني الشعبوي بزعامة خيرت فيلدرز، كطرف هام في الائتلاف المكون من الأحزاب الثلاثة. وفي ألمانيا هزت جرائم العنف ذات الدوافع اليمينية المتطرفة البلاد ، وبعد إلقاء القبض على مرتكبيها اتضح وجود علاقة بينهم وبين الحزب الوطني الديمقراطي الألماني المعروف بتوجهاته اليمينية المتطرفة . وفي أوربا الشرقية تقوت شوكة الأحزاب اليمينية نظرا للتغييروالتحولات السياسية التي عرفتها المنطقة بعد دخولها مجموعة اليورو.....

وفي كل الانتخابات السابقة في فرنسا كان التركيز على موضوع الهجرة والمهاجرين وسيلة فعالة لكل من اليمين واليمين المتطرف لكسب أصوات الناخبين . وفي الانتخابات الحالية خرجت السيدة مارين لوبين زعيمة اليمين المتطرف على أنصارها بابتسامتها العريضة المعهودة وهي تعبر عن الإنجاز الذي حققته حيث حصدت ما يقارب من 18 °/° من أصوات الكتلة الناخبة في الجولة الأولى ، وهو ما أربك حسابات الساسة والمحللين السياسيين ، ودفع المهتمين إلى طرح العديد من التساؤلات

ولعل هدا المستجد هو ما دفع المرشّح الاشتراكي فرنسوا هولاند الذي يخوض هذه الأيّام معركة الدور الثاني للانتخابات الرئاسية الفرنسية ضد خصمه اليميني نيكولا ساركوزي يغير التكتيك والاستراتيجية ليكشف مؤخرا عن سيناريو جديد يعتبر سابقة في تاريخ الحزب الاشتراكي مفاده أنه سيعمل في حال فوزه بكرسي الرئاسة على الحدّ من أعداد الوافدين إلى فرنسا وطرد المقيمين بطرق غير شرعية، مؤكّدا على التمسّك بقانون منع الحجاب الذي أقرّته الحكومة الفرنسية في وقت سابق. وتأتي هذه التصريحات من مرشّح المهاجرين ـ كما لقّبه خصمه ساركوزي ـ مخالفة للتوقّعات ومفاجئة للكثير من الأجانب الذين يمثّل المغاربيون أغلبيتهم، لتبقى هده الجالية في مواجهة مستقبلها الأسود في ظلّ تقاطع أهداف اليمين واليسار ضد وجودها·

فقد احتلّ ملف الهجرة والقضايا المتعلّقة بالإسلام حيّزا واسعا في برامج المرشّحين، خصوصا مرشّح اليمين نيكولا ساركوزي ومرشّحة اليمين المتطرّف مارين لوبان اللذين أظهرا تنافسا كبيرا خلال الدور الأوّل في حملتهما ضد المهاجرين وكلّ ما له علاقة بالإسلام والمسلمين، لتنتقل العدوى في الدور الثاني إلى مرشّح اليسار الذي أفصح أخيرا عن نواياه الحقيقية التي لا تختلف عن نوايا خصمه اليميني نيكولا ساركوزي. وبالرغم من أن هولاند الذي بدا في وقت سابق أكثر تعاطفا مع المهاجرين الأجانب والمسلمين المقيمين بفرنسا إلاّ أنه انضمّ مؤخّرا إلى اللّوبي الذي يهدّد الجاليات الأجنبية بالطرد والتضييق والتصفية، وهو ما جعل الكثيرين يتساءلون عن مستقبل الجالية المغاربية خاصة و التي كانت تعلّق آمالا كبيرة على المرشّح الاشتراكي·

بل أكثر من هدا فقد بدا فرانسوا هولاند في حديث له لإذاعة (أر ت أل) الفرنسية أكثر حزما من خصمه اليميني نيكولا ساركوزي في ملف المهاجرين الأجانب بعدما أظهر قدرة عجيبة على التلوّن بكافّة الألوان قصد بلوغ الهدف المرجو وهو تسلّم مفاتيح قصر الإيليزي بإلحاق الهزيمة بخصمه في الدور الثاني الذي ستحسم نتائجه بتاريخ السادس من ماي المقبل·، موضّحا أنه سيتّخذ الإجراءات اللاّزمة من أجل إبعاد المهاجرين غير الشرعيين من الأراضي الفرنسية، وأضاف في ذات التصريح الذي نقلته وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس بريس) أن الأزمة التي تعيشها فرنسا هذه الأيّام تحتّم عليها الحدّ من الهجرة إلى أراضيها، مؤكّدا أن (البرلمان سيحدّد كلّ سنة أعداد المهاجرين وفق احتياجات الاقتصاد الفرنسي)، وبرّر هذا الإجراء غير المتوقّع من مرشّح لطالما ساند المهاجرين ودافع عنهم من خلال خطاباته المناهضة لبرنامج اليمين واليمين المتطرّف بالاستغلال السرّي لليد العاملة من طرف عدد من أرباب العمل، معتبرا ذلك مخالفا للمنطق والعقل·...


أمّا فيما يتعلّق بملف المهاجرين غير الشرعيين فقد أوضح هولاند في تصريح له في محطّة (فرانس 2) أنه سيتمّ إبعادهم قائلا: (إن الأجانب المقيمين بصورة غير قانونية سيبعدون)، ناسيا بذلك أنه وعد هؤلاء بتسوية وضعياتهم بناء على معايير موضوعية. كما أبدى مرشّح اليسار تمسّكه بقانون منع الحجاب الذي أقرّه البرلمان الفرنسي قبل سنة، والذي أثار سخط المهاجرين والفرنسيين باعتباره مساسا بالحرّيات الشخصية. ورغم أن اليسار امتنع عن التصويت عليه ـ آنذاك ـ، إلاّ أن مرشّحه للرئاسيات تعهّد بالإبقاء عليه في حال حسمت نتيجة الانتخابات لصالحه· وتأتي تصريحات هولاند كردّ على خصمه اليميني الذي وصفه مؤخّرا بأنه مرشّح الهجرة والمجموعات المهاجرة، وأنه قد تقدّم عليه في الدور الأوّل بفضل تأييد 700 مسجد وحملة الترويج التي قادها المفكّر المسلم طارق رمضان، إضافة إلى تصريحاته المتكرّرة التي وعد فيها بتسوية أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية في فرنسا. ولعلّ هذه الانتقادات جعلت المرشّح الاشتراكي يراجع تصريحاته ويعدل عن تعهّداته التي استطاع من خلالها حشد أصوات المهاجرين ونيل رضاهم بالوعود الوهمية والشعارات الرنّانة التي أطلقها دفاعا عن هذه الفئة· ورغم تصريحات هولاند التي يبدو أنها جاءت في إطار المنافسة لنيل أصوات اليمين المتطرّف الذي أحرز تقدّما غير متوقّع خلال الدور الأول للانتخابات، إلاّ أنه لازال متفوّقا على خصمه اليميني المعتدل حسب ما أظهرته آخر استطلاعات الرّأي التي توقّعت فوز هولاند على ساركوزي بفارق كبير خلال الدور الثاني للانتخابات الرئاسية·...

إن خطاب فرانسوا هولاند الذي يميل إلى حد ما إلى الشعبوية ، لا يمكن أن ينسينا الظاهرة الجديدة ، المتميزة والفريدة التي شكلها بروز مرشح جبهة اليسار جون لوك ميلا نشو الذي تميز بأسلوبه الواقعي وبخطاباته العقلانية حيث استطاع أن يحقق ما لم يحققه الحزب الشيوعي الفرنسي في ظرف ثلاثين سنة مضت ، حيث حصل على نسبة مئوية لا بأس بها ومقبولة بوأت له المرتبة الرابعة في الجولة الأولى . وهذا راجع بالأساس إلى قدرة مرشحه على اختراق عقل المواطن الفرنسي وإعادة الأمل لديه بإعادة إنتاج ما حققته سنوات الستينيات والسبعينيات التي عرفت بسنوات الرخاء وكثرة المكتسبات وبانــتـشــار الـــمــد الشيوعي وتبوئه مكانة مهمة في اوساط الشباب والشيوخ على السواء آنذاك . كما تمكن من وضع تركيبة سياسية نهمت من فكر الاشتراكية الديمقراطية ومن معين اهتمامات الأيكلوجيين ومن طموحات التيار الأممي .... أراد جون لوك ميلانشو ببرنامجه الطموح أن يهزم الأوليكارشية التي يتزعمها نيكولا ساركوزي ، كما كان يطمح إلى المساهمة الجادة في بناء نظام دولي جديد ينبني على " مناهضة العولمة "، مع تأسيس أممية عالمية تعيد للإنسان كرامته وتتحكم في ثروات الشعوب التي نهبت من قبل الأقلية التي استحوذت على خيرات العالم من خلال الاستغلال المتوحش للطبقة العاملة ....

وبعد هدا ألا يمكن للمرء أن يتساءل أين نحن الآن بخطاب هولاند هدا وسياسته هده وبرنامجه هدا من الخطاب الدي اتهمت فيه الامينة العامة للحزب الاشتراكي الفرنسي المعارض مارتين اوبري سنة 2009 الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بانه «يجلب العار لفرنسا عبر طرحه وجود تعارض بين الهوية الوطنية والهجرة» حيث قالت اوبري آنداك «لن اسامح ابدا نيكولا ساركوزي لخلطه بين الهوية الوطنية والهجرة»، منددة ب«الأجواء المحمومة» التي ترافق بحث مسألة الهجرة . واضافت ان «نيكولا ساركوزي يجلب العار لفرنسا عبر سعيه لطرح وجود تعارض بين الهوية الوطنية والهجرة. وهو يرتكب خطأ اذا اعتقد ان الفرنسيين سيتبعونه هذه المرة»، معربة عن «اعتزازها بكونها باسكية وفرنسية»...؟؟؟

ألم يضع فرنسوا هولاند بتصريحاته المستجدة هده الحزب الاشتراكي على محك المصداقية انطلاقا من أدبياته ؟؟؟