الرئيس .. والزعيم


سعد هجرس
2012 / 5 / 1 - 20:22     

تعالوا نتأمل هذه الوقائع التى تبدو للوهلة الأولى تافهة.
الواقعة الأولى أن مواطناً – مثلى ومثلك– تذكر فجأة انه شاهد منذ عشرة أعوام، وربما أكثر، أفلام أو مسرحيات الفنان عادل آمام, وتذكر الآن فقط – لسبب ما – أن عادل إمام ونادر جلال وشريف عرفه ولينين الرملى ووحيد حامد ومحمد فاضل قد ارتكبوا – من خلال هذه الاعمال السينمائية والمسرحية – "جرائم" تشيب من هولها الأبدان منها "ان المتهمين بعدوا عن الإسلام والمسلمين باستغلالهم الدين فى أعمالهم للترويج لافكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة وتحقير وازدراء الدين الاسلامى عموما والجماعات الإسلامية خصوصاً مما يضر بالوحدة الوطنية".. يا حفيظ!!
لم يحدث هذا فى الخيال بل حدث فى الواقع، والمواطن المذكور ليس شخصاً افتراضيا وإنما هو شخص من لحم ودم قام برفع دعوى قضائية نظرتها محكمة العجوزة الجزئية يوم الخميس الموافق 26 أبريل 2012، أى منذ أيام.
***
الواقعة الثانية ان المحكمة برئاسة أحمد سميح الريحانى أصدرت حكمها بعدم قبول الدعوى، والأهم هو ما ورد فى حيثيات الحكم من ردود على الاتهامات المروعة.
فعل سبيل المثال، وردا على ادعاء المدعى بازدراء كبار فنانينا للدين الاسلامى استنادا الى استخدام لحن أنشودة "أسماء الله الحسنى" قال الحكم ان اللحن الموسيقى عمل فنى من صنع البشر وليس من الدين فى شئ.
أما تأسيس الاتهام على تقليد الشيخ محمد متولى الشعرواى فقد ردت عليه المحكمة بأنه من الخطأ الفادح إضفاء صفة القداسة الدينية على رجال الدين أو على فكرهم.
ورداً على استنكار المدعى لعبارة وردت فى أحد الأفلام بأن "العالم طلع الفضاء ولسه فيه ناس عندنا بتقول تدخل الحمام بالرجل الشمال والا اليمين" وهو ما يرى المدعى ان به استهزاء بسنن النبى عليه الصلاد والسلام، ومن ثم بشخصه الكريم، قررت المحكمة انه لم يثبت ان ذلك بحديث ولا كان من السنن المؤكدة فهو اجتهاد من بعض العلماء.
***
الواقعة الثالثة – ان المحامى ( أو المواطن الصالح نفسه) رفع دعوى أخرى أمام محكمة "جنح الهرم" مستندا فيها الى نفس الوقائع السابقة، لكن محكمة جنح الهرم كان لها رأى أخر حيث حكمت بحبس عادل أمام ثلاثة اشهر وتغريمه مائة جنيه!
***
فى ضوء هذه الوقائع الثلاثة تثور ثلاثة تساؤلات:
أولها كيف يتم تجاوز التقاليد الراسخة للتقاضى فى الدولة الحديثة التى تحول دون ان يقوم شخص – أى شخص- باغتصاب الحق الحصرى للنيابة العامة، برفع قضايا الحسبة الجديدة؟!
ثانيا: هذه الثغرات التى يتم التسلل منها لتجاوز تقاليد التقاضى الراسخة تطرح بدورها تساؤلين أساسيين.. الأول عن أسباب التلكؤ فى إصلاح المنظومة القضائية وتحديثها وتعزيز استقلالها، والثانى عن أسباب الإبقاء على القوانين سيئة السمعة التى يتم الاستناد إليها فى العبث بالعدالة بناء على عبارات مطاطة وحمالة للأوجه وهل هناك ما يمنع من استخدام نفس "المنطق" للتفتيش فى صدور وكتابات وأعمال مفكرينا، بما فى ذلك أعمال يعود تاريخها إلى عقود؟!
ثالثا: فصائل الإسلام السياسى – على تنوعها وتعددها- جزء لا يتجزأ من الجماعة الوطنية، ووجودها حقيقة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها، بل ان الكثيرين كانت ولازالت تراودهم الآمال فى أن يثرى هذا التيار التجربة الديموقراطية.
لكن الممارسة العملية قدمت لنا وجها مختلفاً، حيث رأينا إصراراً من بعضها على إقصاء الآخرين ومحاولة استبدال الاستبداد السياسى لنظام مبارك باستبداد دينى.
فهل استشهد الآلاف من أبنائنا وبناتنا لنستبدل استبداد مبارك وحبيب العادلى باستبداد جديد يحاول وضع أقفال من حديد على أفواه المبدعين والمفكرين.
والأكثر إثارة للعجب ان يحدث ذلك ونحن فى غمار انتخابات رئاسية غير مسبوقة نتطلع جميعا ان تكون احدى المحطات الرئيسية على طريق نقل بلدنا الى مصاف الدول المدنية الديموقراطية الحديثة.
ولهذا .. يجب ان ندقق كثيراً فى اختيار الشخص الذى نريد أن يتبوأ هذا المنصب الرفيع.. حتى لا نلدغ من ذات الجحر مرتين.