حزب العدالة والتنمية الأصولي وترجمة أدبياته الشمولية على أرض الواقع


محمد بودواهي
2012 / 4 / 28 - 17:35     

إن الخرجات الإيديولوجية للحكومة الملتحية التي تظهر من حين لآخر ، وبشكل تصاعدي ، ليست انفلاتات وزراء يدبرون الشأن العام في إطار حكومة منبثقة من برلمان منتخب ، لكنها تعبير عن تصور نظري وإيديولوجي وسياسي محكم لوزراء يقيسون مشاركتهم الحكومية بما يمكن أن تحققه للدعوة الدينية لحركة التوحيد
والإصلاح....فجميع وزراء العدالة والتنمية هم أعضاء في حركة التوحيد والإصلاح، وبالنتيجة هم ملزمون بالمرجعيات النظرية للحركة، وبتنفيذ تصوراتها ....ووفق هذا التصور يصبح الحزب مطالبا بتحقيق المردودية الدعوية للحركة أكثر ما هو مدعو للإنشغال بأسئلة الإنتخابات وانتظاراتها الكثيرة في التصدي لمشاكل المواطنين وتدبير قضاياهم ، وتحقيق القدر الأكبر من النقاط الواردة في البرنامج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للحزب الدي وعد به منتخبيه ... وبناء عليه فإن فعل المشاركة السياسية ، كما يتطلعون إلى دلك ، يقاس بحجم النجاح الدعوي أكثر مما يقاس بحجم النجاح الإنتخابي ....

ولكي ينجح وزراء الحكومة الإسلاموية في هدا المنحى لا بد لهم من أن يسلكوا مسلك التقية ، وأن يظهروا من الأقوال والكلام والخطابات غير ما يضمرون من نوايا وأفكار وهواجس . وبدلك ادعت الحكومة عبر رئيس مجلس الوزراء عبد الإله بنكيران في أول إطلالة لها أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة عمل بامتياز عنوانها المواطن ، وأنها ستتميز بالشفافية والوضوح والمراقبة والمحاسبة ، وأنه سيتم ربط عمل برنامج الحكومة بأولويات المواطنين ، و أن في أجندة الحكومة الكثير من القضايا والتصورات لتحقيق النمو الاقتصادي المنشود والتنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية المتوازنة وتأمين فرص عمل للأعداد الهائلة من العاطلين والمعطلين عن العمل وتحريك الركود الاقتصادي والاستفادة من الموارد المتاحة ، بالإضافة طبعا إلى الكلام على تحسين القوة الشرائية للمواطنين من خلال ضبط الأسعار ومعالجة حالات الهدر والفساد على اعتبار أن للفساد تكاليف اقتصادية واجتماعية مرتفعة جداً وينطوي على مجموعة من المخاطر التي تعرقل عملية التنمية كما أنه يؤثر تأثيراً مباشراً على الكفاءة والفعالية على أداء الجهاز الإداري ويساهم في تكوين قيماً سلبية كالاستهانة بالمصالح العامة وتبديد الموارد واتخاذ القرار الإداري وفقاً لعوامل شخصية تؤدي إلى تسرب الدخل من خزائن الدولة إلى جيوب خاصة واستخدامها خارج نطاق الأهداف التي رصدت من أجلها....

غير أن الواقع كان كفيلا وقادرا على تعرية الأكاديب والادعاءات بمجرد ما تم تنزيل النوايا المبيتة والهواجس التحكمية على الأرض . فبعد الحرب الإجرامية التي أعلنتها الحكومة الملتحية على المعطلين بشتى أصنافهم في شوارع الرباط وعلى مناضلي حركة 20 فبراير في العديد من المدن المغربية لكتم أصواتهم وردعهم عن الخروج للتظاهر ، وبعد النكسة القوية التي أصابت أصحاب محضر 20 يوليوز بعد تخلي الحكومة اللملتحية عن التزام الحكومة السابقة بتوظيفهم _ وهي سابقة خطيرة لم يسبق أن تعاملت بها أية حكومة _ ....وبعد توجيه وزير التعليم العالي مراسلة بتاريخ 10أبريل 2012 إلى رؤساء الجامعات في شأن ولوج الماستر والماستر المتخصص والتي بموجبها يمنع غير الطلبة المتفرغين بشكل كامل حسب تعبير المراسلة من متابعة دراستهم بمسلك الماستر وهو ما يقصي الموظفين بمن فيهم رجال ونساء التعليم من هدا الحق المشروع ...وهي المراسلة التي على إثرها دعى المتضررون لإنشاء حركة تنظيمية للنزول إلى العمل الإحتجاجي في الشارع ...وفي ذات السياق انخرط خريجو المدارس العليا للأساتذة من خلال تنسيقيتهم النضالية في الدفاع عن مطلب استكمال التعليم العالي ..وبعد التلويح بقانون الإضراب من قبل الحكومة الملتحية - و الدي لا يخدم سوى الباطرونا - ، وفي حال الاستمرار في تهديد الأمن والسلم الاجتماعيين ، هددت المركزيات النقابية بتحويل الشارع المغربي إلى ساحة حرب في مواجهة عبد الإله بنكيران وحكومته الملتحية ... وبعد السيرورة الحكومية التي بدأت ، والتي سوف لن تنتهي إلا بانتهائها ، في توظيف الدين في العديد من القرارات السياسية وفي الانزياح الأخلاقي والديني والهوياتي للخطاب السياسي ، وفي جعل المجال السياحي محفوف بالمخاطر بسبب الإيديولوجية الدينية وبسبب التصريحات غير المسؤولة لوزراء ومسؤولين حكوميين يريدون أن يدبروا الشأن العام بالشأن الديني ..... بعد كل هدا وغيره من الإجراءات الرجعية والنكوصية التي دخل فيها الجناح السياسي للتوحيد والإصلاح ها هي الحكومة الملتحية تدخل غمار المنافسة للإستيلاء وبسط الهيمنة على الإعلام العمومي لما يمثله هدا الإعلام كسلطة رابعة وكأفضل وسيلة تواصلية للسيطرة على الجمهور، وللتأثير على الرأي العام ، وهي الأهمية التي فطن لها حزب العدالة والتنمية ، الذي راهن منذ البداية على السيطرة على الإعلام خاصة السمعي البصري، باعتباره مدخلا أساسيا لتنفيذ إيديولوجية الحزب ، وأهدافه المستقبلية، التي يسعى الحزب إلى تنزيلها على أرض الواقع ...
إن وسائل الإعلام من تلفاز ومدياع و صحافة مكتوبة وغيرها من وسائل الإعلام الأخرى تلعب دوراً أساسيا لا يقل أهمية عن دور الأسرة أو المدرسة في عملية التـنشئة السياسية والاجتماعية والثقافية للفرد . فهي تدعم الاتجاهات السياسية للقوى المتحكمة فيها وتدعم القيم التراثية والأخلاقية التي تدعو إليها ، ومن هنا نفهم الحرب التي يخوضها الحزب المسؤول عن تدبير الشأن العام لفرض دفاتر تحملات القطب العمومي ، والتي دشنها بدفتر تحملات القناة الثانية، ويرى كثير من المهتمين أن حماس الحزب الإسلامي من أجل تنزيل هذه الدفاتر ومواجهة خصومه الذين وصفهم بكثير من الأوصاف القدحية، يرجع إلى رغبته الجامحة في التحكم في آليات التأثير المباشر على الجماهير.

إن تكريس الممارسات المخزنية الشنيعة بأجندة البنكيرانيين في وجه الشعب المغربي وفئاته المتعددة التي تخرج للاحتجاج في الشارع ضدا على المظلومية وسياسة الحكرة ، وفي وجه الحراك الشعبي الدي تقوده حركة 20 فبراير المناضلة بمساندة كل قوى التحرر والديمقراطية ليشهر الحقيقة كاملة غير منقوصة أمام الشعب عن الهوية الحقيقية لحزب العدالة والتنمية الإسلاموي الدي تحولت هيئاته إلى قطعة شيفون في يد الدولة المخزنية ليلعب دورا وظيفيا لعبور مرحلة الخطر هده . وسيأتي يوم عاجلاً أم آجلاً سيُحاسب فيه كل البنكيرانيين على سياستهم العدوانية الخيانبة التي لم ترد إنجاح تجربة الربيع المغربي ، لأن الوقت سيكون قد فات بعد إعدام حلم الشعب في البديل كما أعدمت بدائل أخرى سابقة تكالب رموزها على المغانم والريع وغرقوا في الفضائح ، وسقطوا من عيون المغاربة متهاوين في مزبلة التاريخ ....

إن ما يقوم به حزب العدالة والتنمية الإسلاموي وحكومته الملتحية اليوم من ضرب للمكتسبات الديموقراطية ومن هجمات شعواء على الجماعات التي تتظاهر في الشارع ومن حصار لحقوق الإنسان ومن مؤامرات اتجاه العمل النقابي ومن تمييع للعمل السياسي ليؤكد رغبة هؤلاء الظلاميين في تدمير مقومات دولة الحق والقانون التي سالت دماء المغاربة كثيرا من أجل تثبيتها ، وبالتالي فرض النظام الواحد والحزب الواحد والرأي الواحد كما هو مسطر في أدبياتهم الشمولية المتطرفة ...