الوجه الخبيث للحكومة الملتحية في المغرب


محمد بودواهي
2012 / 4 / 23 - 17:37     

منذ وصول حزب العدالة والتنمية الإسلاموي إلى الحكم ، أقدم على الكثير من الإجراءات الرامية إلى التضييق على الكثير من المساحات المتعلقة بالحريات وتوسيع فضاءات ومجالات المقدس الأخلاقي والديني . ويلاحظ العديد من المتتبعين للحكومة التي يقودها عبد الإله ابن كيران أنها زادت مؤخرا من جرعة استعمال الخطاب الإسلاموي ، في حين أن المغاربة - الذين هم في الأصل متشبثون بإسلامهم ولا يريدون من يزايد عليهم في هدا الباب - ينتظرون ترجمة شعارات الحملة الانتخابية التي رفعها الحزب الحاكم وكل الوعود التي التزم بها ، وإيجاد الحلول العملية والناحعة لمجموعة من المشاكل والقضايا دات الصلة بالفساد المستشري على أوسع نطاق ، والاستبداد المستفحل في دواليب الأجهزة المخزنية ، وتحقيق النمو الاقتصادي المنشود ، وتوفير الشغل لمئات الآلاف من الخريجين المعطلين ، وتحقيق الحياة الكريمة
لأغلب فئات الشعب المقهورة والمفقرة ، ومحاربة كل ناهبي المال العام من المتنفدين في السلطة ومحاكمتهم واسترجاع الأموال المنهوبة ، وتحقيق مطالب الشعب في الحرية والكرامة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية ، وتطبيق كل التوصيات والتعهدات التي التزمت بها الدولة مع هيأة الإنصاف والمصالحة في معالجة كل الملفات دات الصلة بسنوات الرصاص بتعويض الضحايا وجبر الضرر الجماعي ....

فعوض العمل على هده الواجهة التي وعدت بها الحكومة الملتحية ناخبيها بشكل أو بآخر ، جعلت من تدبيرها للشأن العام يمزج بين التسويغ لكل أشكال القمع المخزني ومقاربته الأمنية لحركات الاحتجاج الشعبي والجماهيري الذي عرفته الكثير من المدن والقرى ، ونضالات الكثير من فئات المعطلين والموظفين والعمال والفلاحين وحركة 20 فبراير.... ، وهو ما يعتبر انقلابا على مقومات الديموقراطية المكتسبة التي ناضل الشعب المغربي من أجلها عقودا طويلة وقدم من أجلها كل غال ونفيس ، والتهديد بمصادرة الحق في الاحتجاج أو التظاهر السلمي عبر تنزيل قانون الإضراب بدل الاحتفاظ بالحق في اتخاد وتنظيم كل الأشكال الاحتجاجية التصعيدية
المشروعة ، و التهديد بمعاقبة الأجراء بالاقتطاع من الأجور بسبب الاحتجاج المشروع وهو ما يعني مصادرة الحريات العامة والحريات النقابية وبالتالي المس بالقوت اليومي للمواطنين والعمل على تركيعهم وأسرهم بتجويعهم ، وبين الإقدام على إجراءات المنع والتضييق على الحريات كمنع بعض الجرائد الأجنبية التي لا تتماشى مع أهوائهم السياسية والفكرية من الدخول إلى المغرب ، وكذا الهجوم على قطاع السياحة بمنطق أصولي متخلف معادي للأجانب ولكل مظاهر الحداثة والعصرنة ، والتغاضي على ميليشيات إجرامية أصولية إرهابية تعمل في بعض المناطق على فرض شرائعها الدينية المتخلفة على المواطنين ، والقيام بتدابير رجعية في محاولة عزل الشعب عن قواه الاجتماعية الديموقراطية المستقلة والحية واستدراجها إلى مشاريع الانغلاق والاستبداد والقهر الجماعي ، وكذا التدخل بشكل سافر في برمجة وسائل الإعلام العمومية على خلفية ايديولوجية إسلاموية بدعوى التأهيل وفق دفتر تحملات جديد ، وهو الأمر الدي دفع حركة "اليقظة المواطنة" والكثير من الإطارات السياسية والمدنية إلى القول بأن مسألة تأهيل القطاع الإعلامي العمومي يجب أن يتأسس على قواعد الجودة والتعددية والاستقلالية ، وهو ما يتطلب فتح نقاش عمومي واسع وحرّ، وشفاف وديموقراطي، مؤكدين أن تأهيل القطاع الإعلامي في ضوء التنزيل الديموقراطي كما يطلبه الشعب تتطلب مقاربة ديموقراطية حقيقية تستبعد منطق المزايدات والتهديد والحسابات الإيديولوجية التحكمية .... الشيء الذي جعل المغرب مفتوحا بناء على هده المؤشرات على الانغلاق والعودة به إلى الوراء أكثر مما كانت عليه أثناء حقبة الرصاص ...


فليس غريبا في ظل التصاعد النضالي لحركة 20 فبراير وقوى الشعب المغربي المناضلة ، أن يعود النظام السياسي الرجعي لنفخ الروح في حلفائه التقليديين ولحم صفوفه بالقوى الدينية الظلامية المحافظة والحركات الرجعية لمواجهة الحراك والزحف النضالي الذي عرفه المغرب في الأونة الأخيرة ، والعصف ببعض المكتسبات على جزئيتها التي تحققت بفضل النضالات المريرة للشعب المغربي بكل تعبيراته السياسية والحقوقية والمدنية الديمقراطية . فقد فسح لهم المجال والمسالك للوصول إلى السلطة ، لكونهم ناهضوا الحراك الشعبي وشباب20 فبراير بكل ما يملكون من قوة وبأس ، ودافعوا بشراسة خبيثة عن النظام ومؤسساته الرجعية ، للإبقاء على الوضع السياسي المتخلف والمتدهور كما هو عليه. وهم بذلك قد أكدوا من جديد عن تلك العلاقة الخفية التاريخية التي تربطهم والنظام السياسي منذ نشأتهم في سبعينات القرن الماضي لتعطيل المد الديموقراطي و الحيلولة دون بزوغ اليسار كقوة سياسية على الأرض ...


إن المواطن المغربي - بحكم تجربته السياسية الواسعة وفهمه العميق لمؤسسة المخزن - يعرف تمام المعرفة أن مآل حزب العدالة والتنمية لا يمكن أبدا أن يكون مخالفا لما آل إليه مآل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سابقا ، إد أن السياق والظرف السياسي والاقتصادي الدي أتت فيه الحكومتان متشابهان إلى حد بعيد حيث كان المخزن في أواخر التسعينات في أمس الحاجة إلى من سيمررفترة انتقال الحكم من الملك المتوفى إلى الملك الحالي بسلام ، وبدون أية مشاكل تدكر، فوجد بدكاء في حزب
الاتحاد الاشتراكي المعارض - ودات الشعبية الواسعة آنداك - تلك الميزة التي لم تكن تتوفر في غيره من الأحزاب ، فولاه الحكم على الشعب بناء على انتخابات قزمية لم تتجاوز فيها نسبة التصويت 20 % ، وهو نفس الأمر بالنسبة للعدالة والتنمية الدي يحكم الآن بناء على انتخابات أقصي فيها أكثر من ثمانية ملايين مغربي لم يسجلوا في اللوائح رغم كونهم يتجاوزون سن الثامنة عشر إضافة إلى المشاركة الضئيلة جدا والتي لم تتجاوز 24 % ، و الدي وجد فيه حاليا - وبدكاء أيضا - الحزب المناسب للفترة الشائكة الحالية التي يعرف فيها المغرب حراكا شعبيا غير مسبوق تماشيا مع الربيع العربي والثورات الشعبية التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
وبالتالي تجاوز محنة المد النضالي الدي يعرفه الشارع المغربي بقيادة حركة 20 فبراير المناضلة ....

فالمواطن المغربي أدكى بكثير من أحزاب الخردة التي يتلاعب بها المخزن المغربي كيفما شاء لدلك تجده يقاطع كل المهازل التي تمثلها وتنتجها العملية السياسة المخزنية
من انتخابات مائعة ومزورة ومطعون في مصداقيتها ، واستفتاءات مشبوهة وكاريكاتورية ، والتي لم تتجاوز نسبتها في أحسن الأحوال 20 % من الأصوات المعبر عنها
حسب كل المصادرالمحايدة المحلية منها والدولية وحسب مؤسسات وطنية وإعلامية دات مصداقية عالية وليس حسب أبواق الدولة ومؤسساتها الدعائية المشبوهة وأجهزتها الإعلامية المغرضة التي ما فتئت تمارس الكدب بأبشع صوره ...


إن كل هدا وغيره كثير يجعل من النضال الديمقراطي الجذري للقوى اليسارية والديموقراطية الحقة ذا راهنية قصوى ، وما يستلزمه ذلك من اصطفاف لكل الفعاليات المناهضة للاستبداد والطامحة لتشييد المجتمع الديمقراطي الخال من كل أشكال الاضطهاد السياسي أو الديني الدي يكشف عن الوجه الخبيث للحكومة الملتحية ...