سايكولوجية الفرد داخل جهنم


عماد البابلي
2012 / 4 / 22 - 23:00     

جهنم ، محطة لصراعات حادة في الأنا البشرية ، منذ فجر التاريخ وعبر صانعوا جهنم عن تلك الأنكسارات الحادة في تلك الوديان الشاحبة ، جهنم صنعت لوضيفة خاصة ، أرض لا يمكن الخروج منها ، مثل الثقب الأسود تماما ، دخول ولاخروج ، تفكك غير منتهي للبنية البشرية ، جهنم هو المكان الوحيد كما زعم خالقوه أن ينفني اللاشعور البشري بشكل كامل ، فكل مأساة الوجود تبدأ وتنتهي بتلك المعادلة القذرة .. ( كل شيء يلهو في هذا العالم ) ، تلك هي فلسفة الحياة والآخرة قبل ثلاث ألاف عام في سومر ، وهناك وأغنية بابلية قديمة تقول ( أنا خاطئ لهذا أنا مريض ) ، كان على عشتار عبور سبعة أبواب من أسوار الجحيم حتى تصل لتموز ، في كل باب كانت تخلع شيء من ملابسها حتى تصل عارية له ( !! ) ، في بابل الأولى كان العذراء التي تموت ولم يمسسها رجل تستحق العذاب الروحي !! .. وجهنم في العقائد الهندية هي أن يعيش البشر في مكان ما تحت الأرض يسمى ( الكارتا ) بدون إحساس أو شعور ، ويعبر زرادتشت ببراعة عن جهنم بقوله ( ظلمات تدوم زمنا طويلا ، طعام نتن ، صرخات يأس وضيق ، تلك هي الحياة التي أستحقها أعمالكم الخاصة عدوة الإيمان ) .. في اليونان كانت جهنم تقرن بطقس الضباب والأرض التي لا تشرق عليها الشمس ( مزاج حادس المتعكر ) ، وهناك أيضا أرض الزنبق وهي عالم وسط بين الجحيم والنعيم ، ويسمى في أدبيات أخرى وادي الدموع ، الوادي الذي يعيش فيه أولئك الذين عاشوا حياتهم دون هدف أو قيمة محددة ( أفراد جزء من أفراد آخرين ) ..
جهنم في المنظور الإبراهيمي ( عالم لا بد منه !! ) ، الآلهة انقرضت وكنسها غبار الزمن ، وولد الإله المتعالي عن خلقه ، فاطر الدنيا من رغبة غير مشبعة ورغبة غير مستقرة ، رسمت لنا الديانات الثلاث رؤية بائسة عن جهنم وأشد سوداوية من الرؤى السابقة ، التعذيب الجسدي بالنار بكل أشكاله هي ملخص الغرف السرية لتلك الجهنمات التي رسمها لنا فقهاء الظلام .. جهنم تلك الصحراء القاحلة ( صورة Negative لرحمته التي وسعت كل شيء ) ، أرض المغضوب عليهم ممكن عاكسوا النص المقدس ، أرض خلقها أقدم المشرعون في لحظة فناء الجسد ، هل هي ضرورية حتى يشرق التوازن ؟ على مسار البشرية المنحني نحو الظلم والافتراس ولغة المصالح ومعادلة أن يضحي مليون إنسان لرضاء مزاج احد القادة !! القرن العشرين أستحق بجدارة لقب القرن الجهنمي رغم فتوحاته العلمية الرائعة والتي فاقت خيال مؤلف حكايات ألف ليلة وليلة ، قرن الحروب وقرن صراعات البترول وتحول البشر لسلع وقيمة الدولار تفوق قيمة قطيع من البشر ، قرن الدعارة العابرة للقارات ، قرن سكان العالم الثالث ( المتخلف ) المقارنين بالحرمان والجوع والتلوث الفكري وصحوة مافيات الدين من سراديب النصوص الكهنوتية ، قرن الديموقراطيات الفاسدة والزائفة ، قرن التوليتارية المنقسمة بين أقلية تملك كل شيء وأغلبية لا تملك حتى الماء الذي تشربه .. من هذه الأوسمة المعلقة على صدر هذا القرن تم الاحتفال به ملكا على كل القرون القديمة ، قرون الضياع والعزلة ... العالم جاء نتيجة إرادة فاسدة كما يقول شوبنهاور ، ولا يمكن لإله الخير أن يوازي آلهة الشر الأرضية كما تقول لنا الغنوصية في كتابتها المتأخرة ، الوجودية أفرطت في الحل لإيجاد مخرج من هذا المنفى الأرضي بالانغلاق على الذات بشكل شره ومشوه ، عبر الوجوديون عن كون جهنم ليس ناموس خارجي بل هي محتوى داخلي مقيت يؤكد عبر قاعدة سارتر الشهيرة ( أنا وأنت تحت نظره هو ) ، الأنا الحرة النقية محكوم عليها الذوبان في ( أحدهم ) / هيدجر / ، حيث يقول لنا كامو : ( أعيش غريبا من أجل الآخرين ، ومن أجل الكون ، مرميا في عالم لا هدف له ولا نهاية .. ) ، مدينة كبيرة مزدحمة بالسيارات ، الجحيم اليومي ، الناس يتجادلون ويركضون خلف لقمة عيش هاربة ومختبئة خلف تلال النهم والطمع ، نقيق يومي بين البكاء والشتم ، ضحكات غبية عن أمان زائف عمره دقيقة واحدة ( !!! ) ... بهذه اللوحة السوداء تنتهي قصة جهنم وتولد مجددا في رحم القرن الواحد والعشرين ( قرن الديجتال ) والافتراض سيدا لكل شيء ( أعيش مع صديق لي من لبنان وصديقة من تونس أكثر من عمتي التي أراها كل سنة مرة !! )