يوم المثقف العربي 25 عاماً على اغتيال المفكر الشيوعي حسين مروة


زينب نبُّوه
2012 / 4 / 22 - 09:09     

ولد حسين مروة عام 1910 في بلدته حداثا ـ قضاء بنت جبيل من جنوب لبنان.
سافر إلى النجف عام 1924 لإكمال دراسته في العلوم الإسلامية والفلسفة والأدب. وبعد تخرجه مارس الكتابة في العديد من الصحف والمجلات العربية. كما مارس التعليم في العراق ثم في لبنان طيلة أربعين عاماً في الأدب والفلسفة، وحاضر في الجامعة اللبنانية وعدد من الجامعات العربية. وكان له زاوية يومية في جريدة (الحياة) البيروتية حتى عام 1957 ـ أسّس مجلة (الثقافة الوطنية) التي لعبت دوراً طليعياً في الأدب والفكر التقدمي في ضوء الماركسية.
أسهم في تحرير جريدة (الأخبار) و(النداء) الناطقتين باسم الحزب الشيوعي السوري اللبناني سابقاً. وكانت مقالاته أثناء حصار بيروت عام 1982 غذاءً روحياً للمقاومين المدافعين عن العاصمة اللبنانية في وجه الدبابات الإسرائيلية.
عمل في إطار حركة السلم منذ الخمسينيات ـ وكان عضواً في هيئة مجلس السلم العالمي.
انتسب إلى الحزب الشيوعي اللبناني عام 1956 وانتخب عضواً في اللجنة المركزية عام 1964 ثم في عدد من الدورات. اغتالته القوى الظلامية في بيروت في 17 شباط ،1987 وأعلن يوم اغتياله يوماً للمثقف العربي.
له العديد من المؤلفات، أهمها (مع القافلة)، مجموعة مقالات في الأدب والنقد، (الثورة العراقية) عام 1958(قضايا أدبية) 1956 مجموعة من الدراسات الأدبية، (أبحاث في التراث) منشورات الدار العالمية ـ بيروت ،1984 (النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية) منشورات دار الفارابي ،1978 وهو مجلدان ضخمان يشكلان عملاً تأسيسياً في مجال البحوث التراثية المعاصرة.
نال العديد من الجوائز منها (جائزة جمعية أصدقاء الكتاب) عام ،1956 (جائزة لوتس العالمية) 1980 لمنظمة كتاب آسيا وإفريقيا، (جائزة بيروت) للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب. وقلّده وزير التربية والفنون الجميلة اللبناني (وسام المعارف المذهَّب) من الدرجة الأولى.
قبل ربع قرن وفي يوم ظلامي حالك (17 شباط 1987) اقتحم مسلّحون في بيروت منزل المفكر الكبير حسين مروّة وصولاً إلى غرفة نومه، وهو رهين المحبسين الشيخوخة والمرض، أنهضه أحدهم من السرير، أوقفه ووضع فوهة مسدسه ذا الكاتم للصوت في أسفل ذقنه، وأطلق رصاص الجريمة النكراء، فتفجَّر دماغ حسين مروة واستُبيح دمه الطاهر، في أبشع جريمة عرفها التاريخ في حق الإنسان والفكر والأخلاق.
ربع قرن مضى على اغتيال شهيد الفكر والموقف حسين مروة، الذي لا يزال هو وموقفه ومأسوية اغتياله داخل المشهد.
إن رصاصة الظلاميين التي صرعته أصابت قيماً ثقافية وأخلاقية وسياسية، جَهِدَ المثقفون الثوريون العرب في إرسائها والحفاظ عليها.
كان أبو نزار ظاهرة ثقافية فكرية تشع على أمته، إشعاع النور الذي ينير الطريق ولا ينطفئ. مختاراً الموقع القتالي على ساحة الصراع المحتدم بين قوى التحرر والتغيير العربية، وقوى القهر الإمبريالي الصهيوني وتابعها العربي. فمنذ شبابه انحاز إلى جبهة الرفض والمواجهة. وفي ميدان هذه الجبهة تواصلت حلقات حياته في خط بياني صاعد. فمن النجف إلى بغداد، إلى جبل عامل فبيروت، كان أبو نزار يتنقل في ثوب القتال من موقع إلى آخر، في الساحة نفسها، وإن اتسع مداها وترامت حدودها، رافضاً السائد من النظم المهترئة جميعها، سواء في السياسة أم الاجتماع أم الاقتصاد، أم الأيديولوجيا أم الثقافة، ومجابهاً سلطات تلك النظم على اختلافها، رغم شدة بأسها وكثرة أنصارها والحلفاء.
ورغم ذلك لم ينل الأذى المتعاظم من صلابة موقفه، ولم يخفّف القهر المتلاحق من نبرة صوته، بل كان يزداد بهما صلابة في الموقف متابعاً مسيرته غير هيّاب ولا وجل، إلى أن ارتفع إلى مصاف شهداء الفكر والحرية العظام في هذا العالم.
وفي نهاية السبعينيات وقبل استشهاده كانت روحه تقوى في جسمه الضعيف، فلم تكن روح المفكر حبيسة جسده حتى في وهنه، وإنما صفوة الفكر الحي الحيوي كان قد انطلق بكامل قوته واستكمل أقصى مداه وبلغ واسع أفقه مع صدور مؤلفه الأهم النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية الذي استغرق إعداده عشر سنوات من عمره. صدر منه جزءان كبيران عن دار الفارابي، وهو يشكل عملاً تأسيسياً في مجال البحوث التراثية المعاصرة.
في هذا المؤلف أجرى مروة عملية مسح واسعة للتراث العربي الإسلامي شملت أربعة قرون تبدأ بالجاهلية وتنتهي في القرن الرابع الهجري، وهو عصر العلماء والفلاسفة الكبار، وحوّل التراث إلى مرتكز تاريخي يمكّن حركة التحرر الوطني العربية أن تستند إليه في صراعها الراهن والمستقبلي، بعد أن كشف القيم الإنسانية الرفيعة التي يختزنها هذا التراث، الذي يعدُّ من الروافد العظمى للفكر العربي والعالمي المعاصر. لقد أعطى مروة هذا المؤلف أخصب سنوات عمره، مخترقاً عوالمه البعيدة الأغوار، ودوره المؤثر في صنع الحضارة الإنسانية، وذلك بمنهجية علمية وبموضوعية العالِم.
كان حسين مروة يتمتع ببصيرة نافذة وفهم عميق لقوانين التطور الاجتماعي، وقد اجتازفي إنجاز مؤلفه مراحل ثلاث
رحلته الأولى، معاناته الفكرية الروحية الأولى من سماء تراثنا العربي الإسلامي في أبعاده الباطنية التي استوعبها بعمق.
ورحلته الثانية العودة إلى هذا التراث العربي الإسلامي على استقلالية نقدية لهذا التراث بما استوعبه من منهجية علمية عصرية.
والرحلة الثالثة هي الانتقال من نقد المعرفة إلى نقد الواقع، أي من أفق النظرية إلى أفق العمل التغييري. وكان مروة على أهبة السفر في رحلة نوعية جديدة يختتم بها كتاب رحلاته التأسيسي في التراث، إلا أن الأمر وقع بخلاف ما اعتزم وخطط وسعى، فجاءت الخاتمة كتابة بلغة نوعية جديدة هي لغة الشهادة.
ويصف حسين مروة دراسته النقدية وإنجازه الإبداعي بأنها محاولات متواضعة كونها بحثاً عن الحقيقة، ولم يكن لديه وهم بأنه يقدم دراسة بشروط كاملة، وأن هذا صعب على جهد فردي.
هذا التواضع والتصريح يضعنا في حضور إنسان ينكر على نفسه محدودية الجهد وهو لا شك جهد كبير ومهمة صعبة مارسهما شخص في ظروف ليست بالسهلة وتتطلب جهداً مضنياً إلى أبعد الحدود. كان يتحلى بروح نقدية عالية وكانت هذه واحدة من السجايا التي طبعت شخصية حسين مروة بتواضعه ونكرانه للذات، في أقواله وأفعاله سار على هديين عبر عنهما بقوله الطفولة والشيخوخة فوُلد كما وصف نفسه شيخاً، ومات طفلاً جامعاً صباحه مع مسائه، وصباح الطفولة مع مساء الشيخوخة..
ولد من أسرة جنوبية شديدة التدين حبّبت إليه التعمّم في الطفولة وأهدرت تحت وقار العمامة طفولته. وأما عن موته طفلاً فأسئلته الفلسفية القلقة من جامعة النجف إلى العلمانية التي رأى فيها نور المستقبل من أشعة أضاعها ظلام الماضي، وأنه في تاريخنا وفلسفتنا وفكرنا تراث كبير لتطوير فكر تقدمي عربي يشكل إطاراً نظرياً لفكر الثورة العربية بمضامينها الفكرية والسياسية والاقتصادية، حيث يشهد اليوم عالمنا العربي في نضاله مرحلة صعبة ومعقدة وغير متكافئة. معركة تخوضها الشعوب العربية منتفضة من أجل الديمقراطية واستعادة الكرامة الوطنية ومن أجل العدالة الاجتماعية. صراع تخوضه الشعوب العربية ضد التآمر الإمبريالي الأمريكي وحلفائه وضد الأنظمة الاستبدادية من أجل التغيير وتحقيق مطالب الشعوب العربية.
فإحياء ذكرى اغتيال حسين مروة اليوم مختلف عن الأعوام السابقة أيضاً، بسبب ضخامة التغييرات التي يشهدها العالم العربي منذ عام ونيّف، والحديث عنه في منأى عن تفاصيل مشروعه الفكري، إذا جاز التعبير، يضعه في خانة الضحايا الذين سقطوا لتبنيهم فكراً نقدياً رفض البقاء أسيراً مقموعاً مضطهداً خاضعاً للتقليد الفكري والمعرفي ولزاوية وحيدة في النظر إلى العالم.