الحكومة النصف ملتحية والعودة إلى سنوات الرصاص


محمد بودواهي
2012 / 4 / 20 - 04:54     

مادا تحقق في المغرب بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر من عمر الحكومة النصف ملتحية ؟ وكيف تعاملت هده الحكومة مع الملفات الشائكة التي وعدت المغاربة
بحلها في حملاتها الانتخابية ؟

فقد يكون من المبكر تقييم أداء حكومة الإسلاميين في هده الفترة الوجيزة من تدبيرها للشأن العام ، غير أن هناك على الأقل بعض المؤشرات والإرهاصات الأولية التي يمكن من خلالها إعطاء صورة أو فكرة على توجهاتها العامة ، إد كما يقول المثل المغربي ( النهار باين من صباحو ) ... فتحالفها الهجين هو خليط من إسلاميين
ومحافظين ويساريين إصلاحيين وأعيان وتكنوقراط محسوبين مباشرة على القصر. ومن حيث تركيبة هذه الحكومة فهي استمرارية للحكومات السابقة شكلا اومضمونا....وحتى بعد تمرير المخزن للدستور الجديد الدي يدعون أنه يمنح رئيس الحكومة صلاحيات أوسع من تلك التي كان يتمتع بها أسلافه، إلا أن القصر
ظل في هذه الحكومة، كما كان الشأن دائما مع جميع الحكومات السابقة ، ما زال هو المهيمن والمسيطر....و التركيز فقط على ما هو أخلاقي وقيمي في قوة المؤسسات الموازية"....

ففي تقرير يعده معهد الأرض التابع لجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية ،بتكليف من الأمم المتحدة احتل المغرب الرتبة 115 ما بين 156 دولة فيما يخص الدول الأكثر سعادة . و تقرير السعادة العالمي يشمل السنوات ما بين 2005 و حتى منتصف 2011 و هده الرتبة التي احتلها المغرب تعتبر بالتأكيد متأخرة جدا ، حيث جاء بجوار أفغانستان و الموزمبيق و زيمبابوي ، و من وراء الصومال و اليمن و أنغولا و إثيبوبيا ، و قد دارالتقرير حسب عدة معايير من بينها حرية العمل السياسي ، غياب الفساد و الصحة العقلية و الجسدية لدى المواطنين للدولة المشمولة إضافة إلى الاستقرار الوظيفي والأسري ، هذا بالإضافة إلى معايير أخرى.... فلا أحد يستطيع أن ينكر أو يتجاهل ما ينخر هده الدولة من فساد مستشري على أوسع نطاق ومن استبداد تسلطي فات كل الحدود ، ومن بشاعة الامتيازات التي ينتفع منها القليلون والتي لا
حد لها ناهيك عن المحسوبية والزبونية المنتشرة في كل الميادين وداخل كل الطبقات بمن فيهم رجال الاقتصاد والاجتماع و رجال الدين ورجال السياسة ورجال السلطة الطبقة الحاكمة ، ومنهم من ينتمي الى الطبقة الوسطى المتعفنة ....

وفي هدا الإطار ألم يكن من الأولى بالحكومة النصف ملتحية أن تنكب على دراسة هدا الوضع المزري والكارثي الدي يعيشه المغرب والمغاربة على جميع الأصعدة كما أثبت التقرير ومواجهة المشاكل والتحديات بشكل ناضج ومسؤول ، وفي إطار جو من الثقة والجدية والتعاون والانفتاح عوض كهربة الأجواء وتوتيرها من خلال برنامجها التسلطي والقمعي الدي أنهى فترة ما يسمى بالسلم الاجتماعي إلى غير رجعة ؟؟؟. ألم يقل وزير التجهيز رباح ، وهومن الحزب الحاكم ، في مهرجان خطابي بمدينة القنيطرة مؤخرا ، أن وزراء العدالة و التنمية جاؤوا للدفاع عن المستضعفين في مواجهة الفراعنة وأن أولويات حكومة بنكيران رفع "الظلم" عن الشعب ووقف التهب الذي يطال ثرواته وخيراته و ممتلكاته، قائلاً "نحن في بداية الطريق، و سنتخذ كافة التدابير لمحاربة الحكرة و تحقيق الديموقراطية و العدالة الإجتماعية و فتح ملفات الفساد و المفسدين و إحالة جميع المتورطين فيه على القضاء"....؟؟؟؟ وهو نفس الحديث ونفس الخطاب الدي ما فتئ يكرره كل زملائه في الحزب من رميد وخلفي وبوليف وباها وزعيمهم الأول بنكيران في كل لحظة وحين ....

غير أن شيئا من هدا الكلام الجميل والمنمق لم يحصل على أرض الواقع بل العكس هو الدي حصل حيث شمرت الحكومة النصف ملتحية على سواعدها لضرب المكتسبات ، والتضييق على الحريات ، والإعداد لسن قوانين جائرة ، وممارسة القمع والاضطهاد اتجاه كل الحركات الاحتجاجية السلمية .... وهو الأمر الدي دفع حقوقيين ينتمون إلى الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان الذي يضم عددا من الجمعيات والهيئات الحقوقية أن يحذروا من سنوات رصاص جديدة بتوقيع إسلامي ، مطالبين جميع الحقوقيين بالالتفاف ضد من أسموهم البصريون الجدد . وكان عدد من الحقوقيين قد اعتبروا أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مازالت مستمرة في عهد الحكومة الحالية...

وفي نفس السياق صدرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بيانا استنكاريا شديد اللهجة أدانت من خلاله القمع الهمجي الذي باتت تتعرض له يوميا الحركات الإحتجاجية السلمية المنظمة من طرف العديد من المجموعات، حيث تعرض مناضلو ومناضلات الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين خلال قيامهم بمسيرة سلمية في إتجاه وزارة التشغيل يوم الخميس 12 أبريل لقمع فضيع تم خلاله الهس بالسيارات و إستعمال الهراوات ، والملاحقة بالدراجات النارية ، والمطاردة بالكلاب البوليسية المدربة، ليتم تسجيل إصابات، كانت أغلبها مركزة على مستوى الرأس، وهو مؤشر إعتبرته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خطيرا، ويدل على أن هذا القمع بدأ يأخذ طابعا إجراميا، يهدد الضحايا بالإصابة بعاهات مستديمة كما تعرض ، يوم الأربعاء 11 أبريل ، مجموعة الأساتذة حملة شهادة الماستر المطرودين من طرف وزير التربية الوطنية الاستقلالي لقمع همجي أثناء قيامهم بوقفة احتجاجية سلمية أمام وزارة التربية الوطنية ضد القرار الدي على إثره تم طرد أكثر من67 حاملا لشهادة
الماستر بعد أزيد من عام وشهر على توصلهم بقرارات التعيين في المناصب التي تهم قطاع التربية الوطنية ....

ونفس الشيء بالنسبة لمجموعة المكفوفين و ضعاف البصرالتي قُمعت بهمجية لا مثيل لها أثناء قيامها بوقفة احتجاجية سلمية أمام وزارة التنمية الاجتماعية و التضامن و الأسرة . والمجموعات الأربع للأطر العليا المعطلة التي تعرضت للدهس بالسيارات بالقرب من مقر البرلمان أثناء قيامهم بمسيرة احتجاجية سلمية خلف عدة إصابات وصفت بالخطيرة ......

إلى ذلك تعتزم الأطر المعطلة المشمولة بمحضر 20 يوليوز استئناف حراكها الإحتجاجي السلمي في بحر هذا الأسبوع بالرباط بشكل تصعيدي قصد حث الحكومة النصف ملتحية بتفعيل مضمون محضرها وتحصينه ضد أية محاولة لتنصل الحكومة من تنفيذ مقتضياته .كما عقد ممثلي هؤلاء الأطر بموازاة ذلك ، اتصالات مع أطراف وازنة من حزب الإستقلال لإستيضاح موقفها من تصريح رئيس الحكومة باعتبار أن محضر 20 يوليوز تم توقيعه في ظل ولايتها حيث عبرت
تلك الأطراف عن استغرابها من التصريح السابق للسيد بنكيران مؤكدة في ذات السياق أن الحكومة الحالية ملزمة بتنفيذ تعهد الحكومة السابقة استنادا إلى لا رجعية القوانين المنصوص عليها في الفصل السادس من الدستور المغربي الجديد. ...

إننا نتساءل أمام كل هده الفضائع الغير مسبوقة التي اقترفتها هده الحكومة الظلامية في حق الشعب وفي ظرف قياسي لا يتجاوز ثلاثة أشهر فمادا عساها فاعلة ، وكيف
ستكون الحصيلة ، لو استمرت على هدا الحال ، لمدة حمس سنوات القادمة ؟؟؟

في كل الأحوال عليها تحمل نتائج قراراتها الشعبوية من جانب والمخزنية من جانب آخر ، و التي لا تعدو أن تكون محاولة يائسة للإلتفاف على إرادة الشعب المغربي ، الدي دخل مند 20 فبراير 2011 مرحلة من أهم وأعظم المراحل التاريخية في تاريخ المغرب الحديث والتي سوف لن تنتهي إلا بتحقيق مطالبه العادلة في الحرية والكرامة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية ....