إيجاز في السياسة النقدية للبنك المركزي العراقي


عباس يونس العنزي
2012 / 4 / 18 - 13:02     

إيجاز في السياسة النقدية للبنك المركزي

قامت سلطة الاحتلال في العراق باتخاذ خطوات عديدة لإعادة تشكيل الدولة العراقية وفق تصورها وبرنامجها وانطلقت من السيطرة الكاملة على القطاع النفطي ثم إعادة تشكيل البنك المركزي فاصدرت له قانونا عام 2004 فيما دفعت باتجاه انجاز دستور دائم للبلاد وتم ذلك وجرت انتخابات لتشكيل مؤسسات الدولة المختلفة ، وقد عد البنك المركزي من السلطات الاتحادية والذي حددت مهامه وحسب قانونه المشار إليه بما يلي ( تحقيق الاستقرار في الاسعار المحلية والعمل على الحفاظ على نظام مالي ثابت يقوم على اساس التنافس في السوق ويعمل البنك المركزي العراقي تماشيا مع الاهداف سالفة الذكر على تعزيز التنمية المستدامة واتاحة فرص العمل وتحقيق الرخاء في العراق ) .
وقد برزت في المرحلة التي أعـقبت الاحتلال مباشرة ثلاثة عوامل أساسية أدت الى استمرار واستفحال ظاهرة التضخم ( والمعرفة من زاوية انخفاض قيمة العملة المحلية المتداولة ) وبمستويات كبيرة فاقت في عام 2006 معدلها في مرحلة الحصار الاقتصادي البالغ 50 % سنويا لتكون 77% ، العامل الاول هو عجز قطاعات انتاج خدمات البنية التحتية عن توفير بضائعها الضرورية للمستهلكين وثانيهما هو الزيادة الهائلة في ميزانية الانفاق الحكومي الاستهلاكي . والعامل الثالث هو واقع الخلل الاقتصادي الخطير المتمثل في شلل الانتاج الصناعي ( وتوقفه في كثير من المجالات نتيجة سرقة المعامل والمصانع وحرقها ) والزراعي والاضطرار لاستيراد معظم الاحتياجات الحياتية الضرورية من الخارج مما أدى الى ضياع فرصة تدخل قطاع الانتاج الحقيقي لصالح معالجة استمرار ظاهرة التضخم سيما وأن الاداء الضعيف للوزارات والمؤسسات الأخرى المعنية بالانتاج والخدمات ساهم بتعقيد المسألة فتحولت المهمة ( معالجة التضخم ) كليا الى البنك المركزي عبر السياسة النقدية التي اعتمدها وبالاستناد الى العائدات المعتبرة الناتجة من تصدير النفط فيما تراجع دور الحكومة في هذا المعنى وللأسباب المتعلقة بعجزها عن وضع خطط للنهوض بالناتج المحلي غير النفطي . وقد جاء الارتفاع الكبير في اسعار النفط ليدعم موقف البنك المركزي نتيجة توفر العملة الصعبة ( الدولار) بكميات كبيرة فقد وصل احتياطي البنك 64 مليار دولار في العام الحالي ويعتقد أن هذا الاحتياطي سيرتفع نهاية العام الحلي ليتجاوز الثمانين مليار مما يوفر للبنك القاعدة العريضة الواسعة للتحرك باتجاه السيطرةالكاملةعلى التضخم و تثبيت قيمة مستقرة ومقبولة للدينار العراقي يتأمل المختصون أن تكون 1000 دينار مقابل كل دولار واحد . وقد نصت
المادة110 ثالثا من الباب الرابع على إن من صلاحيات السلطة الاتحادية ( رسم السياسة المالية، والكمركية، واصدارالعملة، وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق، ووضع الميزانية العامة للدولة، ورسم السياسة النقدية وانشاء البنك المركزي، وادارته )
لكن هذه المادة جاءت بعد اقرار قانون البنك المركزي مما اتاح تفسير عد البنك من السلطات الاتحادية وهو بذلك يمارس الصلاحيات التي نصت عليها هذه المادة اللدستورية . ومعلوم وحسب قانون البنك المركزي أن سلطة التعيين ( رئيس الحكومة حصرا ) هو المعني بتعيين رئيس البنك ونائبيه وعرض الاسماء على السلطة التشريعية لأقرارهما .
وفي المادة 2 من قانون البنك المركزي ورد ( يتمتع البنك المركزي بالاستقلال فيما يقوم به من مساعي بغية تحقيق اهدافه وتنفيذ مهامه ويخضع للمساءلة وفقا لما ينص عليه هذا القانون ولا يتلقى البنك المركزي أية تعليمات من أي شخص أو جهة بما في ذلك الجهات الحكومية إلا فيما ورد فيه نص يفضي بغير ذلك في هذا القانون ) وورد في المادة 3 -1- أ وفي مجال مهام البنك المركزي ( صياغة السياسة النقدية وتنفيذها في العراق بما في ذلك سياسة الصرف الاجنبي وفقا لما ينص عليه القسم السادس " الاختصاصات المالية" )
واستند البنك المركزي في سياسته النقدية والمتوجهة لمعالجة التضخم وتثبيت سعر الدينار وهو العملة المحلية ( ومثلما جرى توضيح ذلك في البحث القيم الموسوم "السياسة النقدية للبنك المركزي العراقي ومتطلبات تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي" والذي كتبه الدكتور مظهر محمد صالح قاسم نائب رئيس البنك وكذلك بيان البنك حول سياسته النقدية والمنشور على موقعه الاكتروني ) الى مؤشرين اساسيين الأول تمثل في تثبيت سعر صرف يستوعب حالة التضخم القائم ويستهدف رفع القيمة الحقيقية للدينار على مدى زمني متوسط للوصول الى حالة التطابق مع سعر الصرف المثبت ويتم ذلك بالوسائل التالية :
1- الضخ المدروس بعناية لكمية النقد المحلي في السوق ووضع آليات للتحكم بتلك الكمية .
2ـ ايجاد منافذ لبيع كميات مسيطر عليها من الدولار و بالسعر المثبت ووفق ضوابط مرنة يمكن تغييرها مع حالة السوق تشديدا او تخفيفا للحفاظ على معدل ارتفاع واقعي ثابت نحو سعر الصرف المثبت رسميا .
2- اقامة مزاد للعملة الاجنبية لغرض التحويل الخارجي ووفق ضوابط وتعليمات مرنة تسمح بالحفاظ على تدفق محسوب ومتوازن مع الحركة التجارية الخارجية ، والمهم في هذه الفقرة هو ادامة مستوى اسعار البضائع في السوق والحيلولة دون ارتفاعها سواء بسبب قلة مبالغ التحويل أو الشروط الموضوعة للتحويل مما قد يؤدي الى تهميش دور المنافسة في تثبيت الاسعار والاتجاه الى نوع من الكارتل التجاري الاحتكاري الخطر الذي قد يربك سياسة البنك .
إن أي خلل يصيب توازن العرض والطلب في الوسائل اعلاه سيؤدي حتما الى اضطراب بسعر الدينار الفعلي وما ينتج عن ذلك من تأثيرات سلبية على الوضع الاقتصادي اجمالا .
الثاني : رفع سعر الفائدة كي يستقطب رؤوس الأموال ويوفر سيولة نقدية في المصارف لأغراض الاستثمار ويبطيء حركة النقد مما يساهم في تثبيت سعر العملة المحلية (الدينار ) ويرفع من قيمتها بالتساند مع الاجراءات الأخرى . لكن هذا الاجراء ساهم بدفع المصارف الأهلية للإنسحاب من عمليات الاستثمار والاقراض في السوق وتوديع الأموال لدى البنك المركزي مما أثر سلبا على تنشيط الاقتصاد وتسريع حركته في المجالات المتاحة كافة ورغم تخفيض سعر الفائدة من قبل البنك المركزي لكن المصارف ما زالت تحقق ارباحا حقيقية من سياسة التوديع التي تتبعها تمنعها من لعب دور فعال في التنمية الاقتصادية .
إن البنك المركزي يجب أن يضطلع بدور قيادي فعال للتصدي لمهام أخرى متصلة بما تم تحقيقه للآن ولعل أهمها :
1- ايجاد محفزات فعالة وقوية لجذب اصحاب رؤوس الأموال نحو الدينار العراقي والتخلي عما يصفه الدكتور مظهر محمد صالح بالدولرة .
2- خفض سعر الفائدة ودفع المصارف الاهلية الى التوجه نحو السوق وانشاء المنافذ الانتاجية .
3- ايجاد برامج مشتركة مع الحكومة لتشجيع وتحريك الاقتصاد الوطني وزيادة الناتج المحلي .
4- معالجة مشكلة انكماش البنك عن السوق المالية العالمية وعدم مشاركته بالنشاط المالي العالمي مما يحرمه من فرص كبيرة للتطور ولتحقيق ارباح يمكن تحويلها الى خدمة البلاد .
5- الخروج من من سياسة الدفاع الى تأسيس صندوق سيادي يدعم الموارد ويطورها ويوفر ارباحا جدية بالعملة الصعبة ، أي أن استثمارات البنك المركزي يجب أن تتوجه للخارج ما دامت عملية الاستثمار الداخلية معطلة لأسباب كثيرة فهذا الاجراء سيجعل من انتعاش الاستثمار في الداخل قويا في المستقبل ويجعل العراق جزء من دورة الاقتصاد العالمي في عصر العولمة .
قدمت فيما سبق ايجازا للوضع المالي ولسياسة البنك المركزي لتبسيط الموضوع وجعله في متناول الفهم .