لماذا سكت


محمد علي محيي الدين
2012 / 4 / 16 - 00:47     

قد يستغرب البعض من صمتي غير المبرر لأكثر من عام عندما قررت العزوف عن الكتابة عن الهم العراقي وما تمر به البلاد من محن وويلات، و"لعل لنا عذرا وأنت تلوم" فقد كنت كما يقول الدكتور صبحي الجميلي "أبو زاهد عنده إسهال بالكتابة" احتجاجا على كتابتي المقال بشكل يومي لعدد من السنين، فحسبه الدكتور إسهالا وما هو بإسهال ولكنه أمل بإصلاح الحال وان يكون لما نكتب طريقه في مجال الإصلاح ويكون نافعا لعملية سياسية كنا نتوسم أن تكون سليمة ناصحة، ولكنها للأسف بانت لنا عرجاء كسيحة لا يمكن إصلاحها إلا بإعادة البناء من جديد.
ما دفعني لهذه المقدمة تصريح محافظ الديوانية سالم حسين علوان حول عمليات الاغتيال والتفجير الأخيرة، فقد صرح سيادته ل(ومع) "، إن القوات الأمنية ألقت القبض على 23 شخصا ينتمون لثلاث جهات سياسية "مؤثرة" كانت وراء الأعمال "الإرهابية" التي شهدتها المحافظة مؤخرا، متهما هذه الجهات بالضغط على المحافظة لتنفيذ بعض المطالب.
وأضاف أن "اعترافات المعتقلين أثبتت انهم وراء التفجيرات الأخيرة وإلقاء القنابل الصوتية وزرع العبوات الناسفة والاستهداف المسلح للشرطة والمسؤولين ومؤسسات حزبية وحكومية في المحافظة".
وأوضح المحافظ خلال المؤتمر أن "هناك جهة حزبية تحاول الضغط على محافظ الديوانية للضغط على محافظ ذي قار لتنفيذ بعض المطالب"، من دون أن يذكرها.
ولم يحدد السيد المحافظ الجهات الواقفة خلف التفجيرات ومن تكون ولمن تعمل ولماذا لم يأخذ القانون مجراه في محاسبة هذه القوى وفق المادة (4) إرهاب، ولعل خلف هذه الأعمال الحزب الشيوعي العراقي الذي أصبح مقره عرضة للمداهمات المستمرة لاحتوائه على أقلام وأوراق سريعة الانفجار جعلت القيادة العامة للقوات المسلحة لا يغمض لها جفن خشية على أرواح المواطنين.
إن تصريحات السيد المحافظ "حفظه الله ورعاه" تذكرنا بطرفة تروى عن الشاعر والفيلسوف العراقي جميل صدقي الزهاوي عندما كان جالسا ذات يوم في مقهاه المعروفة -التي لا تزال ماثلة حتى اليوم-، وكان حوار يدور بين احمد حامد الصراف وأكرم احمد وقد جلس الجواهري وكمال إبراهيم وغيرهم من تلامذته وأصدقائه في انتظار وصول الزهاوي ليبدأ السمر، فضحك الصراف في خبث قائلا: لقد كنا نتحدث عن البعثة الأثرية ولكنا نسينا بعض أجزاء الحادثة فهلا دريته يا أستاذ، ونظر الزهاوي حوله يتفحص وجوه الجالسين حتى إذا آنس منهم الرغبة وضع رجلا على رجل وسعل سعالا شديدا ثم اخذ يروي لهم نكاتا مختلفة وسأله تلميذه الصراف محاولا استثارته ما رأيك في محمود الربيعي فقال الزهاوي إن في بغداد ثلاثة كذابين أولهم محمود الربيعي والثاني وهنا أبصر قريبا للذي يعنيه فتدارك الأمر بان قال جميل الزهاوي واستغرب الجالسون ثم سألوه ومن الثالث وهنا أبصر أيضا احد أقرباء الثالث فقال جميل الزهاوي أيضا فضحك المجلس وعرف الثاني والثالث.
وما يضحك في كلام المحافظ انه لم يكشف لنا الحقيقة ويظهر لنا الجهات الداعمة لهؤلاء وما هو موقعها في العملية السياسية وهو يذكرنا بتصريحات كثير من قادة العراق الجديد عندما يدلون بتصريحاتهم حول عمليات القتل والفساد والإرهاب المستشري في العراق ويشيرون من طرف خفي إلى جهات دون الإفصاح عنها ولم نسمع طيلة الأعوام الماضية اسما صريحا أو قولا واضحا يبين فيه هؤلاء تلك الجهة، ولم نسمع إن القضاء العراقي جرأ يوما على محاسبة مسؤول حكومي لجهة قوية وان الأهداف الكامنة وراء ما يثار من قضايا هو الإسقاط السياسي وان جميع القضايا المثارة لا تعدو الصراع بيت القوى الحاكمة وافتراس الأقوى لمن هو دونه في القوة والنفوذ.
والمثير أن القضاء العراقي المستقل يصدرا أحكاما مختلفة على المدانين بالإرهاب والقتل ولكن سرعان ما يطلق سراح هؤلاء سواء بطريقة قانونية أو عن طريق التهريب، ولم تكشف التحقيقات يوما طرفا فاعلا في عمليات تهريب السجناء أو التفجيرات الكبيرة وأعمال القتل أو الفساد والتهريب، مما يعني أن جل هذه التصريحات جاءت للضحك على المواطن وإلهائه حتى لا يفكر يوما ويصل إلى الحقيقة.
إني أتحدى السيد المحافظ إذا استطاع الكشف عن الحقيقة ونشر أسماء الجهات الداعمة للإرهاب والقتل اليومي لان الجميع مشتركون في هذه الملهاة أو المأساة والمواطن هو الضحية الوحيدة في طاحونة القتل والدمار فمتى يعي الشعب الحقيقة ويقول كلمته.