البرجوازيات العربية و التغيير في العالم العربي


عقيل طاهر
2012 / 4 / 10 - 01:05     

العالم العربي ينهار ليعيد بناءه من جديد , من الناحية الجغرافية و السياسية . فالربيع العربي هو أول خطوة نحو تغيير غير مفهوم , و لهذا نجد أنفسنا نخطو نحو نفق طويل و مظلم لا ندري أين سيؤدي بنا .
و لكي نتنبأ إلى أين نحن نتجه لابد منا أن نفهم الأطراف السياسية – العربية – الموجودة التي أسعفت هذا التغيير في عالمنا العربي . فنحن في مقال ( أزمة الماركسية و غيابها عن الساحة السياسية ) ناقشنا أسباب و نتائج أبتعاد الأحزاب الشيوعية و اليسارية عن الساحة السياسية , و لكن في هذا المقال , يتوجب علينا أيضاً نقاش مشاركة و مساهمة البرجوازيات العربية في التغيير في عالمنا العربي .
فللبرجوازية العربية في هذا التغيير دور هام يصعب علينا إهماله , حيث , البرجوازيات العربية لعبت دوراً أساسياً في التغيير هذا , و من أبرز الأطراف من البرجوازية العربية هو الإسلام السياسي , الذي بلا شك أختطف ثورات الشعوب العربية . فقيادة الإسلام السياسي هذا لثورات الشعوب مرادفة لتحقيق أمل ظفر الديمقراطية الغربية في القطب الثاني من الكرة الأرضية .
أستغلال ضعف الأحزاب اليسارية و الشيوعية , كان من أهم خطوات البرجوازيات العربية و على رأسها الإسلام السياسي في توسيع نفوذها سياسياً و فكرياً , فغياب الايدلوجية البروليتارية عن الساحة السياسية يعني قوة الايدلوجية البرجوازية في الساحة السياسية . و من المخطأ أن نقول , أن البرجوازية العربية منشقة أو منفصله عن بعضها بالشكل العظيم , فالبرجوازية العربية متحالفه سياسياً , بغض النظر عن الناحية الفكرية , فهذا التحالف السياسي في الباطن يمثل التحالف الأيديولوجي , فتونس بعد الثورة على سبيل المثال , تم تعيين المرزوقي رئيساً للجمهورية و هو يمثل الطرف اليساري و الجبالي رئيس الوزراء و هو يمثل الطرف الإسلامي , فهذا التحالف السياسي يكشف التوافق الأيدلوجي بين اليساري و الإسلامي , فلا يمكننا أن نقول أن انشقاق سياسي أو فكري , فهناك توافقاً فكري و سياسي يمنعنا ان نوجه هذه التهمة إلى البرجوازية العربية , و ربما نشاهد في التلفزيونات أفراداً إسلاميين يشتمون الديمقراطيين أو الليبراليين – و العكس – لكننا لا يمكن أعتبار هذه الحرب الفردية و النسبية جداً ,ظاهرة على أنشقاق في صفوف البرجوازيات العربية , فالإسلام المعتدل أتى ليتوافق مع القوى الليبرالية و الديمقراطية فكرياً و سياسياً , حيث , الإسلام المعتدل يدعم المفهوم الديمقراطي و المدني , بشكله الغربي , الذي تدعمه – بلا شك – القوى الليبرالية و الديمقراطية العربية . فهذا التحالف السياسي , يعني تحالف أيدلوجي , و التحالف الأيدلوجي يخدم قطب واحد فقط وهو القطب الغربي , و بسبب وجود قطب واحد فقط , نجد أن التحالفات البرجوازية تظهر بصورة قوية في وطننا العربي و تفرز تأثيرها في كل ناحية أما كانت سياسية , اجتماعية , أو اقتصادية , فالإسلام المعتدل يريد ترسيخ الحياة الإسلامية في المجتمع العربي , و يريد أن يبني قوة سياسية فيستعين بالأفكار الديمقراطية الحديثة , و بهذا يعزز وجود أقتصاد السوق و السوق الحر . فنفهم أن بوجود الإسلام المعتدل تلقائياً سيتم تعزيز وجود الكيان الغربي في الوطن العربي , حيث تم إستقبال أفكار الديمقراطية – من الناحية السياسية – و إقتصاد السوق و السوق الحر – من الناحية الاقتصادية – فإستيلاء الإسلام المعتدل لثورات العرب يعني ترحيب بالغزو الغربي – الفكري – من الناحية السياسية و الاقتصادية .
نجد , من الناحية الثانية , أن الإسلام كفكر , أسعف في بقاء الطرف الإسلامي بقوة في المجال السياسي . فالفكر الديني , ليس كما يقول البعض هو الفكر السائد في المجتمع , بل الفكر الغربي هو السائد في المجتمع – المبني على المدنية و الديمقراطية ألخ – فالمطالب الشعبية كانت الديمقراطية و المدنية ليس الخلافة الإسلامية في البدء , و لكن لأن الغرب يضع الفكر الديني في الجبهة السياسية المزيج بالأفكار الديمقراطية و المدنية , يختار الشعب الفكر الديني بكونه شيء جديد و حديث , و ليس بشكله القديم , الذي يريد قيام الحد و القتل و الجلد , الآن يأتي الدين بصورته البريئة بدعمه لمفهوم الحرية و الديمقراطية و المدنية و الحداثة , فلا يمكننا أن نعتبر الفكر الديني هو الفكر الطبقي السائد , و لكن هذا الفكر متحالف مع فكرٍ أخر في مثل الطبقة , فهذا – كما يطلق عليه (( مهدي عامل )) – التحالف الطبقي ,الذي يعرفه بأنه :
((عملية التحالف الطبقي , و هي , بأسم (( العصرية )) و (( الحداثة )) و (( التقدم )) و (( الحرية )) و (( العلم )) و (( التقنية )) , إلى غير ذلك من مفاهيم الإيديولوجية البرجوازية , بشكل عام , تضع الدين , مثلاً , في مجابهة مع الإيديولوجية البروليتارية . معنى هذا , أنها في استخدامها الراهن (( للإيديولوجية الدينية )) , لا تمارس صراعها الطبقي باسم (( الدين )) أو باسم مفاهيم هذه الإيديولوجية , بل هي تمارسه , في تطلعاتها الطبقية المتجددة نحو (( الحداثة )) , باسم مفاهيم (( العصر )) التي هي مفاهيم الإيدلوجية البرجوازية نفسها . ))
فنفهم أن الأيدلوجية البرجوازية , التي كانت في وقته- أيّ زمن مهدي عامل - تقودها الإمبريالية , تستخدم الإيديلوجية الدينية لتلبية تطلعاتها الطبقية المتجددة , التي تتحدث بأسم مفاهيم العصر و الحداثة . و نجد أن هذا النهج تبلور و تطور بشكل كبير منذ كتب (( مهدي عامل )) هذا الموضوع إلى يومنا هذا, و هذا التطور السريع و المتجدد أدى إلى سرقة ثورات الشعوب العربية .
الأطراف البرجوازية في عالمنا العربي قد ألتحمت تحت مفهوم الحداثة و العصرية , و هذا الإلتحام أبرز الطرف الديني أكثر من غيره , حيث هذا الطرف كون لنفسه قوة سياسية تفرض على الأطراف الأخرى شروطها , فمن أجل صيرورة بقاء الهيمنة الدينية – من الناحية السياسية – توجب على الطرف الديني أن يمزج أفكاره – من الناحية التطبيقية – مع الأفكار البرجوازية الأخرى , و لم يكتف الطرف الديني بهذا , بل خلق طرفاً دينياً آخر متطرف , في سبيل ترسيخ مفهوم , الإسلام المعتدل و الإسلام المتطرف , ليتم إبراز الفرق ما بين المعتدل و المتطرف و إبراز أن الإسلام دين يتبع نهج السلام و ليس العكس , و هذا ساعد على الظهور القوي للطرف الإسلامي المعتدل , في ضعف الأطراف التقدمية و الشيوعية و الديمقراطية الليبرالية .
فالمقلق هو الغد و ليس اليوم , و مع أستمرار التعاون ما بين الأطراف البرجوازية العربية و الغرب , يجعلنا نستمر بالسؤال : ماذا سيحدث ؟ ما التحديات التي سيواجهها أبناء فكر الطبقة العاملة في قوة الفكر الديني ؟ و كيف سنواجهها و نحن تحت هذا الضعف ؟ ..