اول انجازاتهم خسائر


محمد البدري
2012 / 4 / 7 - 06:50     

لازالت تونس محتفظة بلقب أم الدنيا. فبعد ان غازل المصريون انفسهم طويلا نفاقا لذواتهم مرة وانتشاءا بحضارتهم القديمة مرة أخري واستعلاءا علي الاخرين، رغم احتلال كل الاخرين لوطنهم، تارة ثالثة فان معركة كتابة دستور ما بعد الثورة في كلا البلدين كشفت عن نضج تونسي ومسخرة مصرية. وحتي لا نتوه في معني المسخرة فان التآمر وما خفي خلف الكواليس من اتفاقات علي الشعب الي فجاجة اللحي والنقاب والتلويح بالتكفير علانية علي الشعب كلها تقع في خانة السيرك السياسي.
أتي الاخوان الي سدة البرلمان بموافقة واتفاق ومباركة سرية من المجلس العسكري الحاكم الفعلي للبلاد منذ أجبر مبارك علي التخلي عن الحكم. فبدءا من الاعلان الدستوري الاقرب الي مسخرة دستورية والاستفتاء علي بنوده الاقرب الي النكتة ثم التصريح للمهرجين واصحاب المكياج الديني لانشاء دكاكين اقرب الي اكشاك بيع السجائر والبيبسيكولا ودخولهم انتخابات مجلس الشعب ظهرت بوادر المسخرة في عدة مشاهد بدأت بعدم عزف السلام الوطني اثناء افتتاح المجلس الجديد خوفا من تفجير المجلس قبل انعقاده. لكن من يمكنه وقف انفجار اللغم طالما الجالسين بمؤخراتهم الكبيرة فوقه بزحام شديد لن يطؤوه وهو مدفون تحت قبتهم. الاسبوع الماضي فجر السلفيون، بصلف شديد، لغما خارج الوطن اعندما رفضوا القيام اثناء عزف السلام الوطني الاوغندي عندما ذهب وفد حزب النور من اعضاء المجلس اليها لحضور مناقشات مياة نهر النيل.

في الداخل المصري بدأت الانفجارات تتوالي بدءا من رفع الاذان في المجلس من احدهم، ولم يقف السلفييون حدادا علي موت شخصية وطنية، وهي البابا شنودة بطريرك الكنيسة الارثوذوكسية، الذي لا جدال اطلاقا في انتمائه المصري للوطن الذي هو اطول عمرا من تاريخ الاديان قاطبة الي معركة اختيار لجنة تشكيل الدستور حسب الاعلان الدستوري للعسكرين.

كان اختيار اعضاء اللجنة كارثي بكل المقاييس. حيث ضمت اللجنة علي سبيل ذر الرماد في العيون عدد من النساء لا يتفق وحجم المرأة في المجتمع اما من جهه النوعية فان حاملة دبلوم متوسط اهم عندهم من حاملي الدرجات الاكاديمية الرفيعة ومراكزهم الوظيفية المرموقة محليا وعالميا. اما الدستوريين والقانونين فلم يكن غيابهم الا دليلا بان اعضاء البرلمان الذين اتي بهم العسكريين كانوا ينتوون كتابة رقية شرعية أو حجاب لحماية الوطن من الاخطار باكثر منه دستورا يضمن السلامة للارض والبشر والدولة. إختيار وتشكيل المائة عضو في لجنة وضع الدستور كان حكرا علي الاغلبية البرلمانية مما دعي الي استقالات أكثر من نصف من تم اختيارهم من خارج احزاب اللحي والنقاب ودعمتهم علي الفور الكنيسة المصرية والازهر الشريف بتجميد عضويتهما. ولن نتطرق الي ما تسرب من اشاعات هي اقرب للتصديق ان هناك عدة دساتير مكتوبة وجاهزة للتصويت عليها او دمجها في نص واحد من الاعضاء الاسلاميين كلها تنتمي الي زمن سوق عكاظ وخيام ذات الرايات الحمر في مكة المكرمة.


مقارنة بهذا المشهد الاقرب الي الكوميديا قامت تونس بعقلانية متوازنة عبر المجلس التاسيسي لوضع دستورها بعدم المساس بفصل كامل من دستورها القديم ونجحوا في التوافق عبر كل من وصل الي برلمانها وكوادرها السياسية بعدم المطالبة باي تغيير يخص الشريعة الاسلامية أو هوية الدولة ودينها ولغتها. ووافق اكبر زعماء الحركة الاسلامية علي الاقتراح لتمكين السفينة التونسية من الابحار في بحر الظلمات. فالفرق بين تونس وبين مصر زمنيا لما بعد الثورة ليس كبيرا، انه شهر ونصف علي الاكثر، لكن ان يجري تشكيل لجنة بهذه السلاسة ثم التوافق علي عدم السير فوق الغام الوطن في تونس مقارنة بالسيرك السياسي في مصر فهو امر لا يمكن رده الا لما هو راسب في تونس من عقلانية في زمن علمانيتها البورقيبية رغم كل ما بها من عوار مقارنة بحكم عسكر يوليو الملتحف بكل انواع التخلف الفكري والبعد عن الابعاد الحضارية للمجتمعات الحديثة.

فالمادة الدستورية الثانية موضع التشاكل والتي يريد الاسلاميين المصريين تغييرها تنص علي: "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع". ويقابلها في الدستور التونسي: "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها". توافق اهل تونس علي عدم المساس بها عندهم أما السيرك المصري فقد توافق من انسحبوا علي عدم المساس بها بينما يصمم من بقي في اللجنة من الاغلبية صاحبة اللحي والنقاب علي تغييرها لتوضع أحكام الشريعة الإسلامية بدلا من مبادئ الشريعة.


وبعيدا عن اي صياغة ممكنة فان اي دستور سيتم وضعه دون موافقات وتوافقات فهو لن يري النور ولن تستطع الاحزاب السلفية كالنور او الحرية والعدالة كاغلبية برلمانية ان تنفرد وتفرض رايها في كتابة اي صياغة ومن ثم تمريره مهما كان شكله ومضمونه ليكون فاعلا. الفشل في تشكيل اللجنة هو ذاته اللغم المدفون في قاعة مجلس الشعب نفسه، فالاغلبية تعلم ان عدم توازن القوي السياسية في المجلس سيؤدي الي فشل المجلس في صياغة اي قانون بما فيه الدستور وسينفجر فيهم اللغم وسيصيب احزاب الاغلبية بحكم نسبة تشكيلهم مقارنة بالعلمانيين، فما بالنا بدستور يحمل نصوصا لا تنمي لاي عصر بما فيه عصر فساد مبارك. فشل تشكيل اللجنة وبالتالي إمكانية كتابة دستورهو اول انجازات البرلمان المصري.
عند هذه النقطة يمكن اكتشاف لماذا غير الاخوان المسلمين وذراعهم السياسي كاغلبية برلمانية الراي وعادوا ليرشحوا رئيسا لخوض انتخابات الرئاسة. فاذا كانت كتابة الدستور بالطريقة السابقة مستحيلة اضافة الي ان البرلمان ذاته سيتم حله بمجرد كتابة دستور – ايا كانت نوعيته- ومن ثم فاعادة صياغته ستكون حتمية في وجود مجلس آخر فان الاسراع لاقتناص منصب الرئيس هو موقف طبيعي لهم بسبب النتهازيتهم المفضوحة حتي ولو كان قرار الترشيح مخالفا لوعودهم الاسبقة. فهل سيترك لهم العسكر موقع الرئاسة بعد أن اثبتوا فشلهم في النيابة عن الشعب؟