تسمية جمعة -من جهز غازيا فقد غزا- بين تصويب اللغة وشرعية الحراك..


أحمد جميل حمودي
2012 / 4 / 5 - 15:14     

اشكالية تسمية الجمع مرتبطة بصفحة "الثورة السورية ضد بشار الأسد" التي تهيمن على توجيه الحراك الثوري السوري إعلاميا على الاقل.. وحين يطلق التصويت أو الاستفتاء لتسمية الجمع القادمة فإن خيارات التسمية مرتبطة بعقلية من يدير الصفحة! وهذه إشكالية ترتبط بمدى نوعية من يعقلن هذه الصفحة أو يشطح بها بعيدا عن أهداف الحراك الثوري.. تسمية الجمعة "غدا" بـ "من جهز غازيا فقد غزا" غير منزّلة لا شرعا ولا واقعا! بمعنى أن إنزال الحديث الشريف على الحدث غير موات أو ملاءم لا من ناحية منطوق الحديث ولا من ناحية مقصوده..
أولا: لفظة غزا تعني لغة: بعث به إلى العدو يحاربه في داره أو حمله على الغزو أو جهزه للغزو.. ما يعني أن الغزو كان مقصودا به "المشركين" و"اليهود" لذلك جاء في شرح ابن حجر العسقلاني للحديث: "من جهز غازيا" أي هيأ له أسباب سفره، ولذلك حين استرجع النبي محمد عليه الصلاة والسلام مدينته المسلوبة منه هو وأصحابه أي مكة سمي ذلك "فتحا" بمنطوق القرآن لأنها كانت معركة تحرير واستقلال من هيمنة الطبقات الاقطاعية الفاسدة وهذا ما ينطبق على ثورتنا مع النظام السوري..
ثانيا: لعلنا نتفق بأن تسمية الجمع تستهدف إعلاميا مجتمعا عالميا يقال عنه بأنه بات "قرية كونية صغيرة" وبالتالي فإن هذه التسمية سوف تنقل عبر وسائل الإعلام العالمية! كيف ستكون الترجمة وكيف ستسقط على السياقات الثقافية الغربية حين تترجم؟! وحين يرتبط مفهوم الحديث بمعناه الاصولي الذي تتبناه الحركات الاصولية مثل تنظيم القاعدة- في حين إن الحراك الثوري في سوريا حراكا مدنيا وطنيا يعني كل طوائف وتيارات المجتمع على اختلاف مرجعياتهم الثقافية أو الفكرية- فإن هذا يشكل مشكلة في مدى توافق المفردات الثورية بين القائمين على الحراك الثوري ومدى قدرته على استقطاب مكونات المجتمع المختلفة والتي تسمى بـ "الكتلة الصامتة" والذي يؤدي الى جدل نحن بغنى عنه في وقت يبدو فيه النظام متماسكا في حين أن المعارضة تعاني من التشتت السياسي على مستوى الرؤية والتنظيم.
يبقى اقتراحا يمكن أن يكون مفيدا لتفادي الوقوع في هكذا أخطاء قد تؤذي الحراك.. لعلنا نتفق ان صفحة الثورة هي صفحة افتراضية لايعبر عنها من يقوم بالحراك بقدر ما هي توجه من يقوم بالحراك وبالتالي فهي فاعلة بالحراك وليس منفعلة به الى حد كبير.. لذا أقترح أن يكون تسمية الجمع مسؤولية من يقوم بالحراك عبر التكتلات الثورية السائدة مثل التنسيقيات والتجمعات الموجودة على الارض ومجالس الثورة.. تماما كما حدث في يوم تسمية جمعة "الوفاء للانتفاضة الكوردية 2004" حيث أصدر بيانا باسم التكتلات الثورية حول اسم الجمعة وإلغاء الاستفتاء الفيسبوكي.
إننا نؤدي دورا سياسيا بارعا من خلال تسمية الجمع التي تعكس شكل الحراك الثوري في سوريا، وهناك توترات وإخفاقات وتعثرات في بلاد الثورات العربية منها بروز "التيارات الدينية المتشددة" بعيدا عن التيارات الاسلامية المعتدلة التي من الممكن أن تكون نموذجا في المنطقة- كما هي في التجربة الناشئة لحركة النهضة التونسية الذي بدا عليها خطابا سياسيا متوازنا توافقيا مع كل الأطياف الوطنية- هذه "التيارات الدينية المتشددة" قد تعرقل مشروع الربيع العربي المستمر في معظم البلاد العربية، لذا لا بد من الترشيد السياسي للحراك الثوري مع التأكيد بأن السياسة ستبقى خادمة للثورة ممهدة لها كل الصعوبات.. الأسماء المدنية للجمع مهمة جدا للحراك أولا وللعالم ثانيا! لن نستطيع الادعاء بأنه ليس هناك مفاعيل اقليمية ودولية تؤثر بمسار الثورة السورية وإلا فلمَ موجة الضغوطات هذه على المجتمع الدولي من اجل حماية المدنيين في سوريا.. باختصار إننا حين نتخاطب فإننا لا نخاطب أنفسنا فقط ولكن نخاطب عالما بات أقرب من حبل الوريد.