ليس هناك شخص اسمه احمد زكي


نائل الطوخي
2005 / 1 / 18 - 10:59     

عندما يهدي بعض المعتمرين في العشر الأواخر من رمضان عمرتهم إلى النجم المصري الأسمر أحمد زكي فهذا أمر مدهش, لأنه من الطبيعي أن يهدي المرء عمرته لأحد يعرفه, أبيه المريض, أو أمه المتوفاة مثلاً, غير أن هذا ليس مدهشاً بالمطلق, فأحمد زكي فنان كبير و محبوب و هو يعد, مع قلة صغيرة للغاية من الفنانين المصريين, واحداً ممن أثروا السينما المصرية عبر موهبتهم التي لا يختلف عليها أحد. فهو فنان يجيد التقمص إلى درجة انتفاء أي ملامح له, و يحتارالمشاهد حول أي من هؤلاء احمد زكي: أحمد سبع الليل في فيلم البريء, أم منتصر في فيلم الهروب أم آدم ابو خطوة في فيلم أرض الخوف, أم طه حسين أم جمال عبد الناصر أم السادات. هنا تبرز ميزة أحمد زكي و ربما نقيصته أيضاً. أحمد زكي فنان بلا ملامح, يتشرب الدور و يدع الدور يتشربه قبل أن يقدم على التمثيل, و هو يقف على النقيض في هذا من فنان كمحمود حميدة, الذي يترك دوماً مسافة ما فاصلة بينه و بين دوره, تتيح لك أن تتأمل الاثنين, الشخصية المتقمَصة و محمود حميدة في ذات الوقت. غير ان هذه الميزة/ النقيصة في أحمد زكي تقود إلى شيء آبعد, فروح الفنان الطاغية في أحمد زكي تدفعه دفعاً لكي يتحدى نفسه, ليس فقط بأن يمثل شخصيات متناقضة مثل ناصر و السادات, بل و أداء أدوار تتراوح قيمتها ما بين العظمة و التفاهة, بدون أي قلق من جانبه, فهو يؤدي بطولة فيلم مهلهل اسمه مستر كاراتيه, و يؤدي بطولة فيلم أرض الخوف, و الذي ربما يكاد يكون واحداً من أعظم أفلام السينما المصرية للمخرج المتميز داود عبد السيد. كما يبرز أحمد زكي على شاشات التليفزيون لكي يعلن بمناسبة و بدون مناسبة كيف أنه يتمنى من كل أعماق قلبه تأدية دور بطل الضربة الجوية في حرب السادس من أكتوبر, الرئيس المصري محمد حسني مبارك, و عندما لا تلوح بادرة للموافقة من قبل الرئاسة المصرية, يكرس الفنان المصري كل جهده لأداء شخصية عبد الحليم حافظ في فيلم العندليب, محبطاً و حزيناً, على ما يبدو, ثم يؤجلها, ربما بنفس القدر من الإحباط و الحزن, لتمثيل دورالبطولة في فيلم داود عبد السيد الجديد (رسائل البحر), ثم يتراجع عن رسائل البحر ليعود للعندليب.. هنا يلوح شيء ما ينقص الفنان الموهوب, هو عقل يحكمه, أو موقف ما, بالرفض أو القبول السياسيين. في مصر يدل تعبير (حمار شغل) على ذاك الذي يعمل كثيراً بدون أن يملك عقلاً يتيح له أن يسأل: ما الذي أعمله ولماذا أعمله و في مصلحة من سيصب؟ في حالة كحالة الفنان أحمد زكي يصبح المثل الملائم هو (حمار موهبة). هو فنان حق, موهبته كاسحة و تطغي على كل ما عداها, لدرجة أنها تصيب عقله بالضمور. هل هذا هو الحلم القديم و المستحيل, أي حلم الفن للفن, بغض النظر عن أي موقف أو تفكير أو تحليل أو تأمل. ربما, غير أن هذا قد يكون منفراً أحياناً. في برنامج (VIP) الذي يقدمه الصحفي المصري كرم جبر على قناة المحور أدهشت سطحية الفنان الأسمر الجمهور, فهو يتحدث بقدسية عن جميع زعماء مصر, و هو يتبنى خطاباً من نوع (أذكروا محاسن زعمائكم) – هو بالمناسبة لا يقول زعمائكم, هو يقول رموزكم, حيث يضم من بين الرموز عبد الحليم حافظ و صلاح جاهين – يتحول الرمز في هذا الخطاب إلى شيء مقدس, لا يساءل و لا يحاسب, وفي هذه الحلقة يصب أحمد زكي جام غضبه على الذين ينتقدون عبد الناصر أو السادات و يتهمهم بالتسيس, و كأن المفروض عندما لا يريد المرء أن يتسيس أن يذوب عشقاً في زعمائه (عفواً: رموزه). هنا بالتحديد يبدو عملاق السينما صغيراً و مثيراً للشفقة.
يرتبط الأمران (1- "بهوت" ملامح الفنان احمد زكي وراء ملامح الشخصية التي يتقمصها, بسبب قدرته الشديدة على التقمص -2- غياب أحمد زكي الإنسان السياسي و الذي يقبل أو يرفض الدور على هدى من قناعاته و مواقفه) بما يراه البعض مهنية شديدة من قبل الفنان, و يراه الآخرون حالة من المسخ و ضمور الملامح.
ربما لهذا كله يبدو إهداء المعتمرين الإثنا عشر عمرتهم له مدهشاً, فهذا الفنان الكاريزمي إلى درجة الإخافة هو في نفس الوقت فنان لا يعرف أحد ملامحه الحقيقية, على المستويين, الفني و السياسي, و أن تهدي العمرة لشخص لا تعرفه فهذا حدث غريب, غير أن الجمهورالعربي كله قد تعود على (مجهولية أحمد زكي) , و صار لا يفكر فيها في غمرة انشغاله المفرط بتأمل الملامح التي تؤديها شخصياته التي لا تحصر. هنا يبدو أن الجمهور قد نسي أن يسأل (من هو أحمد زكي؟) في إطار وعي بدأ يتسلل تدريجياً لعقله الباطن و بدون أن يشعر به أحد: (ليس هناك شخص اسمه أحمد زكي).