البرنامج المستعجل لمواجهة الأزمة الحالية


حزب العمال التونسي
2012 / 3 / 24 - 12:50     

تعيش البلاد حالة من التّعطّل رغم مرور 5 أشهر على انتخاب المجلس الوطني التأسيسي وأكثر من 3 أشهر على تعيين سلطة انتقالية جديدة. ويعود سبب هذا التعطّل إلى عجز هذه السلطة، مجلسا وحكومة ورئاسة، عن وضع برنامج وخطة ملموسة لتحقيق أهداف الثورة والقطع مع نظام الاستبداد والفساد ووضع تونس على سكّة النهوض.

إن الفترة الانتقالية الجديدة غير محددة زمنيا وهو ما يثير العديد من التّساؤلات حول نوايا الأغلبية الحاكمة. كما أنّ النقاشات في المجلس التأسيسي حول الدستور الجديد لا تتقدّم بالنّسق المطلوب ولا يعرف حتى إذا ما كانت النّتيجة ستكون بالفعل وضع أسس نظام ديمقراطي أم أنّها ستكون التفافا على الثورة وإعادة إنتاج للاستبداد بعناوين جديدة.

إن الإصلاحات الأساسية للأمن والقضاء والإدارة والإعلام، وهي إصلاحات طرحتها الثورة وتبنّتها الأغلبية الحاكمة في حملتها الانتخابية، بهدف تطهير هذه الأجهزة من رموز الاستبداد والفساد وإعادة تنظيمها على أسس ديمقراطية، يقع اليوم السّكوت عنها، كما أنّ المحاكمات التي انطلقت منذ أشهر لمحاسبة بعض المسؤولين عن أعمال القتل والتعذيب وإهدار المال العام لا تتقدّم وقد تخلّت الحكومة حتى عن المطالبة بتسليم بن علي وصخر الماطري لترضية السعودية وقطر.

ومن ناحية أخرى فإنّ وضع الحريات الفردية والعامة في تراجع مستمر بسبب الاعتداءات المتواصلة على حرية الرأي والإعلام والتجمع والتظاهر والإضراب والدراسة وبسبب بروز ميليشيات وجماعات تكفيرية تتحرك في الساحة بتواطؤ ضمني أو مكشوف من بعض الأوساط الحكومية بهدف ترهيب الناس وثنيهم عن المطالبة بحقوقهم أو فرض الوصاية على ضمائرهم وعقولهم.

إن الحالة الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد لا تتحسن بل إنها تتراجع. إن الأسعار تشتعل، والبطالة تتفاقم والفقر يزداد والخدمات الصحية والتربوية تتدهور والفوارق الجهوية تتعمق والفساد يتواصل وبالتالي فإن الكادحين والفقراء الذين ثاروا لم يحصلوا على شيء، ولا تجد السلطة الانتقالية من رد على هذا الوضع سوى المواصلة في تطبيق نفس الخيارات الرأسمالية الليبرالية والمتوحشة والتابعة التي كان ينتهجها بن علي، والتي أوصلت البلاد إلى مأزق ودفعت الشعب إلى الثورة.

إنّ السياسة الخارجية للسلطة الانتقالية الحالية لم تقطع مع نهج التبعية للنظام السابق، فهي لم تطرحه للمراجعة بما فيه من اتفاقيات ومعاهدات مكرسة للنهب ومنتهكة للسيادة بل إنها استمرت فيه مع ميل خاص للمحور السعودي القطري التركي أو ما يسمى "الإسلام الأطلسي" وقد ظهرت أثار هذه السياسة في الموقف من الأزمة السورية.

إن الاستمرار في النهج الذي تسلكه السلطة الانتقالية الحالية سيدفع بالبلاد نحو أزمة خطيرة لا تعرف عواقبها وسيفسح المجال للالتفاف نهائيا على الثورة ولعودة نظام الاستبداد بعناوين جديدة. إن أعداء الثورة المتربصين بها في الداخل والخارج كثيرون، وهو ما يضع القوى المتمسكة بالثورة وبأهدافها أمام مسؤولياتها ويملي على الشعب التونسي التحلي باليقظة التامة وتفويت الفرصة على القوى التي تريد تقسيم صفوفه وإثارة بعضه ضد بعض (تكفير، اعتداء على المقدسات، تحريض على الاعتداءات الجسدية و حتّى الاغتيالات).

إن حزب العمال الشيوعي التونسي لا يرى مناصا من وضع برنامج عاجل للتصدي للأزمة الحالية وتصحيح مسار البلاد. وهذا البرنامج لا يمكن أن يكون غير تحقيق المهام التي طرحتها ثورة الشعب. وفي هذا الإطار فإن حزب العمال يتقدم بالمقترحات التالية لتخفيف وطأة الأزمة الاجتماعية على الطبقات والفئات الشعبية وصيانة استقلالية القرار الوطني والخروج بالبلاد في أسرع وقت ممكن من حالة التعطل:

1. تحديد مدة الفترة الانتقالية بشكل واضح ونهائي على أن لا تتجاوز في كل الحالات العام ونصف يتم بعدها إجراء الانتخابات الجديدة وفقا لمقتضيات الدستور الجديد.

2. حماية الحريات الفردية والعامة من كل انتهاك، سواء كان من الدولة أو من المجموعات التكفيرية وغيرها، في انتظار سن الدستور الذي يكفل تلك الحريات ويحميها، و تجريم التّكفير و مواجهة عمليات الاعتداء بكل صرامة.

3.احترام حرية الصحافة و تطهير الإعلام العمومي من رموز العهد البائد والكف عن توظيف القطاع عبر القطع مع سياسة التعيين وتمكين الإعلاميين من انتخاب الهيئات المسيّرة لمؤسساتهم ومن المساهمة، عبر نقابتهم، في وضع أسس السياسة الإعلامية الجديدة.

4. حلّ جهاز البوليس السياسي بصفة فعلية وفتح أرشيفه والكف عن مراقبة الناشطين السياسيين وتطهير الأجهزة الأمنية من رموز الاستبداد والفساد وإعادة تنظيمها وفق عقيدة جديدة، ديمقراطية ومؤسساتية.

5.الإسراع بوضع أسس العدالة الانتقالية ( غير الانتقائية وغير الانتقامية ) ومحاسبة قتلة الشهداء والمسئولين أمرا وتنفيذا عن التعذيب ومرتكبي الجرائم الاقتصادية في النظام السابق والتكفل فورا بعلاج الجرحى حفاظا على حياتهم وصيانة لكرامتهم.

6. الإسراع بإعادة تنظيم الإدارة على أساس مبادئ الكفاءة والنجاعة وخدمة المواطن ومقاومة الفساد

7. إقرار أجر أدنى صناعي وفلاحي موحد بـ 400 دينار شهريا.

8. سنّ منحة بطالة قدرها 260 دينارا شهريا (ثلثي الأجر الأدنى) تصرف شهريا لكل عاطل عن العمل حتى حصوله على شغل مع مجانية العلاج والتنقل.

9. الترفيع في المنحة الجامعية إلى 100 دينار شهريا وتعميمها وتمكين كل الطلبة المحتاجين من حق السكن الجامعي العمومي ثلاث سنوات على الأقل من فترة الدراسة.

10. تجميد أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية (الحبوب ومشتقاتها، الخضر، الحليب، الأدوية...) والكهرباء والماء والغاز والاتّصالات لمدة سنتين متتاليتين والتخفيض في أسعار المواد والخدمات الأخرى في إطار مقاومة الاحتكار والتّلاعب بقوت المواطنين.

11. منع الطّرد التّعسفي وإلغاء كافة أشكال العمل الهشة.

12. تدخل الدولة بشكل مباشر للاستثمار من أجل خلق مواطن شغل جديدة وقارّة خاصة في الجهات المحرومة والتي تعدّ أكثر نسب البطالة، و دعم الرأسمال المحلي غير الخاضع للإمبريالية.

13. إلغاء ديون الفلاحين الصغار ومساعدتهم عبر تمكينهم من قروض بفوائض رمزية وتوفير ما يلزمهم من بذور وأسمدة وخدمات بأسعار معقولة وحمايتهم من المحتكرين وشبكات التوزيع الكبير.

14. استرجاع الأراضي الدولية وإعادة العمال العاملين فيها إليها.

15. توفير المساعدة اللازمة للمتضررين من الكوارث الطبيعية الأخيرة بالشمال الغربي (فيضانات وثلوج...) وبالجنوب (جفاف).

16. صيانة سيادة القرار الوطني والتصدي لكل تدخل أجنبي في شؤون البلاد ومراجعة الاتفاقيات والمعاهدات المكرّسة للتبعية والنهب والتي أبرمها نظام بن علي دون استشارة الشعب التونسي والوقوف أمام كل أشكال المساس بالاستقلال الوطني.

إنّ تمويل هذا البرنامج، يمرّ حتما عبر:

1. اتّخاذ كل الإجراءات الضرورية لاسترجاع الأموال المنهوبة في الداخل و الخارج، بما في ذلك استرجاع الدولة للمؤسسات التي خصخصت في ظروف مشبوهة.

2. إقرار ضريبة استثنائية على الثروات الكبرى واسترجاع المعاليم الضريبية المتخلّدة بذمّة الشركات والمؤسّسات والتخفيض في نفقات الدولة والتحكم في الواردات من المواد الكماليّة ومراجعة القوانين الجبائية مراجعة جذرية وعادلة.

3. تجميد تسديد الدّيون الخارجية وخدماتها لمدّة 3 سنوات وتوجيه عوائد ذلك للاستثمار العمومي.