مهاجرون فلسطينيون ولكن مفعمون بالوطنية


جميل عبدالله
2012 / 3 / 17 - 16:05     

هويتي وأصلي : كثر الحديث في الفترة الأخيرة حول مسألة "الهوية والأصل" التي تطرح رأسا قضية الانتماء القومي لفلسطين داخل الخط الأخضر و الحضاري لشعبنا. و قد كتب في ذلك الكثير الكثير من الكتب والمقالات والروايات والتعليقات , وأصبحت هذه المسألة الفرس الرابح في انتماء الشخص الفلسطيني إلى بلدة وأصلة وتمسكه بأرضة وجذور عائلته .

فالجميع أو السواد ألأعظم من شعبنا الفلسطيني قد نسي أصلة أو بمعنى أدق تناسى أصلة ولم يتغنى بألف لحن بحضارتنا العربية الإسلامية داخل الخط الأخضر و الجميع يسعى إلى إظهار نفسه في مظهر المتنكرين و المعادين لها. واتخذ الأمر أحيانا أشكالا تبعث على السخرية و الاستهزاء، من ذلك أن بعض العائلات عادت بقوة تغير أسمائها ومكان ميلادها بعد هجرة طويلة عام 1948، و أصبحت المصلحة الشخصية والكسب غير المشروع لا تفارقهم، و هم يهمسون في آذان أمثالهم بان يروجوا الخبر ويحذوا حذوهم وسط الناس في قطاع غزة . والبعض الآخر انتابه هوس الكبرياء والمال وكثرة الأبناء و ذهب في اعتقاده أنه مبعوث الله في هذا القرن ليحرر فلسطين و يعيد لها مجدها. و هلم جرا...

و في غمار ذلك التخلف والجهل الكبيران , اختلط الحابل بالنابل و غدا من العسير على المرء أن يميز الخط الفاصل بين المنافق الذي يريد خداع الشعب و بين الغيور على تراثه و على ذاتيته القومية وأصلة ، بين الذي يلهث وراء صفقة مع هذا الاتجاه أو ذاك و بين الإسهام في نهضة هذا الشعب الوطنية...!؟

و في الحقيقة ما كان لهذه المسألة أن تأخذ مثل هذه الأبعاد الغريبة الدخيلة على المهاجرين من داخل الخط الأخضر، و أن تركب عليها هذه الممارسات، لولا أن هناك واقعا موضوعيا يطرحها بإلحاح. فنحن في بلد مطعون في كرامته الوطنية بسبب سياسة التبعية للامبريالية الاجتماعية الدخيلة من بعد قدوم السلطة أرض الوطن والتي تفرض علية بشكل كبيرو التي مكنت هذا الوحش الضاري -أي الامبريالية- من التسلل من كل النفوس لضرب كل ما هو أصيل في شعبنا و محق مميزاته القومية في إطار سياستها التقليدية إزاء العوائل والقبائل الصغيرة و الضعيفة، هذه السياسة القائمة على تجاهل تراثها و تقاليدها التقدمية، و التحقير من قدراتها الفكرية، و الحط من عزَتها وأصلها ، كل ذلك لتسيير استغلالها الاقتصادي و استعبادها السياسي، و تأبيد تبعيتها.

لكن " ما من طير أرتفع إلا كما وقع " كما يقول المثل الشعبي. فالصراعات الفكرية و السياسية التي إثارتها مسألة "الهوية" وألا صل " بين مختلف أبناء الشعب الواحد و العائلات ليست مجرد لعبة فيفا 2012 تعكس رؤى طبقية متباينة حول هذه المسألة، مباراة، بين مختلف الطبقات التي تمثلها تلك العائلات للفوز بالسيطرة على المجتمع الفلسطيني . فليس هناك إلا السذج أو المتخلفون الذين يذهب بهم الظن أن هذه الصراعات "بريئة" أو أن هدفها "خدمة الوطن". يا عيني عليك يا وطن ...
و حري بنا نحن اللاجئون أن ندلو بدلونا في هكذا قضية غريبة ، و أن نعبر عن وجهة نظرنا فيها أي عن وجهة نظر المهاجرين من داخل الخط الأخضر ، خاصة و أننا مرمى سهام عديدة. سهام:

1- ممثلي العوائل الكبيرة الذين يقترفون رذيلة الخيانة الوطنية و يتهموننا بها لإبعاد الشبهة عن أنفسهم , والتي لا تتوانى عن نعتنا و نعت كل المهاجرين بشتى النعوت ك " النوافل " و" الهاربين من بلادكم " سرقتم بلادنا " لمغالطة الطبقات ألاجتماعية و جرها وراء مشروعها الغريب .
2- أولئك المسمين أنفسهم " كبار الشخصيات و مخاتير القعدات " الذين يرددون نفس أقوال الفصل بين أبناء الشعب الواحد في كل مكان .
3- انتهازيين الذين يزعم بعض رموزهم، كذبا و بهتانا، لتبرير اصطفافهم وراء الوطنية الكبيرة، إن كل اللاجئين لا يعيرون هذا التخبيص أية أهمية...الخ

و إذا كنا مرمى سهام التفرقة بين أبناء الشعب الواحد فلأننا في الحقيقة أعلنا و نعلن أننا معشر اللاجئين ننتمي لهذه العائلة الكبيرة التي اسمها " مهاجرون " من داخل الخط الأخضر التي لم يترك تدويل لطرق الاستغلال و الاضطهاد أي مجال للانغلاق القومي. و لأننا أعلنا و نعلن أن هدفنا ، نحن و العالم أجمع، هو تأسيس فلسطين الوطنية الديمقراطية التي ينتفي فيها أي استغلال الإنسان للإنسان، و اضطهاد عائلة لأخرى بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الأصل ، كما هو الحال في ظل النظام الحالي في بعض العوائل المتخلفة عقليا وفكريا وحضاريا واقتصاديا في قطاع غزة ، و التي لم يتمكن فيها للأسف الشديد كل شعب من تطوير ثقافته و تقاليده خارج أي ضغط مسهما بذلك في تطوير الكنز الثقافي الإنساني العام. و هذا لا نخفيه أبدا، بل نعتز بأصلنا كمهاجرين طردنا من بلادنا ومن بيوتنا ومن أراضينا في نكبة عام 1948 أيما اعتزاز و هو نقطة قوتنا، و قوة أيدينا المكبلة في مختلف أصقاع العالم بأغلال الاحتلال. لذلك فنحن نهتف مع كل مضطهد ومظلوم في العالم " يجب العودة إلى ديارنا وتقرير حق المصير ولن نتنازل عن شبر واحد من بلادنا " .

و لكن هل ما حدث لنا في عام 48 تعني أننا من أنصار الهزيمة والهروب والانكسار ؟

هل يعني أننا مجرد مهاجرين يمكن أن نصلح فقط لرفع بعض المطالب الاقتصادية و السياسية(الحريات) ؟

وهل لسنا أهلا لنكون حملة مشروع نهضة وطنية ؟

ألم تكن شرارة انطلاقة الانتفاضة الأولى من مخيمات الشتات من مخيم جباليا للأبطال ؟

ألم يكن ألرئيس الراحل " أبو عمار " مهاجرا في الأصل ؟

ألم .. ألم .. ألم .....

كلا و ألف كلا , و من يعتقد أن هذه هي هزيمة اللاجئين المهاجرين فهو إما جاهل و غبي. و في هذه الحالة عائلاتكم تكون مسئولة عن جهلكم و غباوته.و إما انتهازيتكم و في هذه الحالة لا يسعنا إلا أن نقول لكم :" إن لم تستحي فافعل ما شئت"، لكننا نعدك بأننا سنرفع عن عورتكم ورقة التوت التي تتخفى بها وسيبقى اللاجئ الفلسطيني عنوان الدفاع عن قطاع غزة وعن أرضكم وأملاكم وحتى أعراضكم ونحن هنا صامدون رغم تغير الزمان وسيبقى اللاجئ الفلسطيني علما من أعلام الثورة الفلسطينية القديمة والحديثة ..انتهى .

ملاحظة : هذا المقال ردا على أحد المتخاذلين من مواطنين قطاع غزة والذي يسعى لضرب النسيج الاجتماعي بين المواطنين " الغزيين " وبين المهاجرين " من عالم 1948م " .

سلامتكم .

عاشت فلسطين لكل الفلسطينيين موحدة اجتماعيا
فلسطين الاصل أسدود
[email protected]