هل يستطيع نظام الأسد سحق الثورة السورية؟


أشرف عمر
2012 / 3 / 6 - 22:31     

بقلم:
لي سوستار

يوسف خليل
ترجمة:
أشرف عمر

* تم نشر المقال لأول مرة بجريدة العامل الاشتراكي الإلكترونية الأمريكية – تصدرها منظمة الاشتراكيين الأمميين بالولايات المتحدة.

تكشف لنا عمليات القصف العنيف والاغتيالات المستمرة، التي ينفذها الجيش السوري في الأيام الأخيرة في حي بابا عمرو بمدينة حمص، عن الاستراتيجية التي يتبعها النظام في مواجهة الثورة، حيث السعي شن الحرب على الاحتجاجات الشعبية السلمية وتحويل الصراع إلى حرب أهلية شاملة.

وبينما تسعى الولايات المتحدة والقوى الامبريالية الأخرى إلى مزيد من التدخل في الشأن السوري بجانب فرض العقوبات الاقتصادية، من الواضح أن الطريق الوحيد أمام بشار الأسد وأجهزته العسكرية والأمنية للبقاء في السلطة هو إغراق الثورة السورية في الدماء. وبعد أن اضطر مقاتلو الجيش السوري الحر للانسحاب من بابا عمرو، اقتحمت قوات جيش بشار الحي وارتكبت أبشع جرائم القتل التي راح ضحيتها العشرات من الشهداء. وجدير بالذكر أن عدد الشهداء فاق الـ 7500 شهيد منذ نحو عام من اندلاع الثورة.

لقد أمطرت قوات جيش بشار حي بابا عمرو بنيران المدفعية على مدار عدة أيام قبل الاقتحام في 1 مارس الجاري. وكما ذكر موقع الجزيرة الإخباري، فإن.. “الوضع في حي بابا عمرو، غربي حمص، يمكن وصفه بالكارثي، وهذا ما تدل عليه كافة التقارير يوم السبت (3 مارس)، فالكهرباء منقطعة باستمرار، كما أن هناك عجزاً كبيراً في المواد الغذائية والمياه، بجانب عدم توافر أي خدمات صحية للمرضى أو الجرحى.. لقد سيطرت القوات الحكومية على المنطقة تماماً بعد أن انسحب المقاتلين تحت القصف المستمر والذي صرح نشطاء أنه تسبب في قتل المئات منذ الأيام الأولى من شهر فبراير".

ويُذكر أن القصف المدفعي قد طال أيضاً العديد من المناطق الأخرى في حمص في 3 مارس الجاري، كما أُمطرت مدينة الرستن، شمالي حمص، بقذائف المدفعية التي أودت بحياة 7 شهداء بينهم 4 أطفال.

--------------------------------------------------------------------------------------

هناك العديد من الأمثلة التي يمكن ضربها للدلالة على انتهاج النظام السوري أسلوب العقاب الجماعي والتدمير الشامل على مدار عام كامل منذ بداية الثورة، لكن في حمص، أطلق النظام العنان للتدخل المسلح الأكثر عنفاً على الإطلاق، وقد فتح النظام بذلك باب الحرب الأهلية ليزج بسوريا فيها.

لقد أظهر النظام السوري نيته في ذبح أو اعتقال كل الرجال القادرين على حمل السلاح ضده، قاصداً بذلك تحطيم معنويات الثوار قبل أن تتسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه في تعميق الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد السوري. لكن إذا فشل النظام في تحطيم المقاومة الجماهيرية، وإذا تحولت الثورة إلى نضال مسلح حقيقي ضده -وقد بدأ ذلك بالفعل كما نرى في الجيش السوري الحر بالرغم من تسليحه البسيط- فإن الجيش السوري سوف يختلق التبريرات من أجل خوض عمليات قمع ومذابح أكثر دموية واتساعاً.

ومن خلال الحرب الأهلية، يسعى بشار الأسد إلى جذب الأقليات السوري بالكامل إلى نظامه، بينما يبقى جنرالات الجيش والأمن في معسكر الأسد. وفي نفس السياق، هناك الكثريين من رجال النظام السوري يندرجون من أصول علوية، بينما يقوم النظام بتصدير صورة مزيفة عن نفسه وكأنه حصناً تحتمي به الأقليات السوري، مثل المسيحيين والدروز.

لكن في الحقيقة، تبدو الصورة أكثر تعقيداً من ذلك بكثير؛ فليس كل العلويين يرتبطون بصلات وثيقة مع الدولة. ومن زاوية أخرى، هناك شبكة من أصحاب المصالح السُنة المتحالفين بقوة مع حزب البعث الحاكم. أما الأكراد، فالنظام السوري طالما مارس عليهم أقسى عليهم أشكال الاضطهاد بشكل منظم ومنهجي على مدار عقود طويلة. وبالإضافة إلى كل ذلك، يستخدم نظام الأسد استراتيجية قديمة لشق صفوف معارضيه؛ فمنذ البداية كان النظام يزعم أن الأصوليين الإسلاميين، الذين يتلقون الإمدادات بالسلاح من المملكة السعودية، هم من يقفون وراء الانتفاضة السورية في محاولة لإقامة الدولة الإسلامية. والآن، وبينما يستهدف النظام السوري باستمرار المدن السُنية مثل حمص، يعود لاستخدام نفس المزاعم لتبرير قمع أكثر شراسة واتساعاً.

والحقيقة أن السبب وراء استمرار استخدام النظام السوري لهذا القدر المخيف من القمع، هو انقسام جبهة المعارضة من ناحية، والتخوفات العميقة لدى الولايات المتحدة والغرب من التدخل العسكري على غرار ما فعلوه في ليبيا من ناحية أخرى.

تخشى الولايات المتحدة من انفلات الزمام من بين يديها في حالة التدخل العسكري المباشر، حيث يمكن أن تمتد الصراع المسلح عبر الحدود إلى لبنان، وحينها قد يشكل الأمر خطراً على أمن إسرائيل. لكن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون بذلك داعمة أو صديقة للثورة في سوريا، فلقد استمرت في دعم الأنظمة الرجعية المتحالفة معها في اليمن والبحرين في القمع العنيف لإجهاض التطورات الثورية في البلدين.

ومن زاوية أخرى، تسمح تركيا، والتي كانت قد أعلنت تأييدها للثورة السورية منذ البداية، للجيش السوري الحر بالتواجد على أرضها. لكن الحكومة التركية لم تقم بإمداد قوات الجيش السوري الحر بأية أسلحة ثقيلة، وذلك بسبب تخوفها من أن يؤدي ذلك إلى انهيار الدولة السورية وما ينتج عن ذلك من تفاقم أزمة اللاجئين إلى الأراضي التركية. بالإضافة إلى معاداة تركيا لفكرة إقامة حكم ذاتي للأكراد السوريين، الأمر الذي سيقدم نموذجاً تحتذي به الأقلية الكردية المضطهدة في تركيا.

وعندما تلقى الأسد الضوء الأخضر بعد أن صوتت روسيا والصين ضد قرار الأمم المتحدة بالتدخل العسكري في سوريا على غرار ما حدث في ليبيا، انتهز النظام السوري الفرصة لإطلاق حملته العسكرية الشعواء على الشعب السوري.

لكن نظراً لافتقاد الجيش السوري للقوة العسكرية الكافية لقمع الثورة في كل المدن، تركزت الهجمات العسكرية على مدينة واحدة أو اثنين في نفس الوقت، بينما تستمر الاحتجاجات في باقي المدن ويتم مهاجمتها بالقناصة وشبيحة الحكومة. وعلى الرغم من ذلك، يبدو الهجوم العسكري الحالي على حمص كمقدمة لتوسيع رقعة المواجهات الدموية، ربما ليصل الأمر إلى حد استخدام الغارات الجوية.

------------------------------------------------------------------------------------

وبينما يستمر القمع الدموي للثورة في سوريا، ينعقد مؤتمر "أصدقاء سوريا" الدولي في تونس بدعوى من بعض الدول العربية. ويُعد هذا المؤتمر وسيلة في يد الولايات المتحدة والقوى الامبريالية في أوروبا لتطبيق العقوبات الاقتصادية على النظام السوري أملاً في أن تؤدي مفاقمة الأزمة الاقتصادية في سوريا إلى إسقاط نظام الأسد. حضر بالمؤتمر أيضاً "المجلس القومي السوري" الذي يُعتبر بمثابة المظلة التي تتضمن الكثير من فصائل المعارضة السورية. وينقسم المجلس حول ضرورة التدخل العسكري الغربي في سوريا. وحتى أولئك الذين يحبذون التدخل الغربي في سوريا منقسمين أيضاً حول الأشكال التي يمكن أن يتخذها هذا التدخل، حيث تجادل أقلية منهم حول ضرورة التدخل الغربي عسكرياً على نمط عمليات الناتو في ليبيا، بينما يطالب آخرون بالحظر الجوي وإقامة منطقة آمنة لحماية اللاجئين.

لكن فيما عدا المجلس القومي السوري، ليس هناك أية تقارير صحفية تؤكد بحضور أي من فصائل المعارضة الأخرى في سوريا، حيث كانت هناك بعض التقارير التي أفادت بدعوة تنسيقيات الثورة السورية، لكنها الدعوة ألغيت بعد ذلك. وبينما يعرب الكثير من رموز المجلس القومي السوري عن رغبتهم في التدخل العسكري من جانب الغرب في سوريا، تواجه تنسيقيات الثورة السورية هذه الدعوة برفض حاسم، هذا ما دفع البعض إلى القول بأن قوى الغرب والمجلس القومي السوري يرفضان دعوة تنسيقيات الثورة السورية إلى المؤتمر.

وجنباً إلى جنب مع هذا المؤتمر الديبلوماسي في تونس، كان هناك اجتماعاً موازياً يضم منظمات استخباراتية لعدد من الدول العربية والغربية للبحث في "تنسيق الجهود" في سوريا. وبينما تدفع كل من فرنسا والمملكة السعودية بقوة في اتجاه التدخل العسكري في سوريا، تتبع الولايات المتحدة استراتيجية أكثر حذراً. أما قطر، فقد رأت أن أهمية عقد مثل هذا المؤتمر في تونس، هو أنه يجري تحت رعاية حكومة حزب النهضة في تونس الموالية لقطر، تلك الحكومة التي تقود تونس، شرارة الثورات العربية، للاصطفاف داخل معسكر الولايات المتحدة ودول الخليج.

هناك حجة مضادة وشائعة للاستنتاج السابق، وهو أن الحكومة التونسية بقيادة حزب النهضة. ويستند مؤيدي تلك الحجة إلى أن الرئيس التونسي كان قد انتقد علناً مساعي التدخل العسكري في سوريا، كما أنه لم يتم بث كلمة برهان غليون في المؤتمر، علماً بأن غليون هو أبرز عناصر المجلس القومي السوري الذي يدعو للتدخل العسكري من قبل الغرب. لكن في الحقيقة، تلعب تونس دوراً مخالفاً لذلك؛ فهي تمارس ضغطاً بسيطاً على النظام السوري مع ضمان الخروج الآمن للسفاح بشار الأسد. وكذلك هو الحال بالنسبة لقطر والمملكة السعودية حتى برغم العروض التي أعلنوا عنها في تسليح الجيش السوري الحر.

وبشكل مفاجئ أعلن المجلس القومي السوري عن تشكيل مكتب عسكري، وذلك بعد مقاومة طويلة لكافة الدعوات التي نادت بالكفاح المسلح ضد النظام السوري. ويبدو من ذلك أن المجلس القومي السوري كان يقع تحت ضغط بعض من عناصره التي ربما هددت بالانشقاق عنه للعمل على تسليح الثوار، وهكذا أعطاهم المجلس القومي السوري صلاحية كاملة للتحكم في الحقيبة العسكرية ولكن تحت إمرته وسيطرته.

وعلى الرغم من ذلك، صرحت القيادة الرسمية للجيش السوري الحر بأن ليس لها علاقة بذلك، كما أن تركيا، والتي من المفترض أنها تستضيف المكتب العسكري للجيش السوري الحر لم يتم إبلاغها بأي من ذلك. بالإضافة إلى أن المجلس الثوري بحمص نفى إمكانية قيامه بعمليات عسكرية تحت إمرة المجلس القومي السوري.

--------------------------------------------------------------------------------

إن الاستنتاج البديهي من كل ذلك هو أن فصائل المعارضة السورية التي تؤيد العمل من أجل تصعيد العمليات العسكرية ضد نظام الأسد (سواء من خلال إقامة مناطق حظر جوي، أو من خلال تسليح الثوار داخل سوريا)، أصبح لديها الآن اليد العليا مقارنة بسيطرة المجلس القومي السوري على مكتبه العسكري.

ومع تطلعات المجلس القومي السوري نحو التدخل الغربي في سوريا، تظل الثورة السورية بحاجة إلى منظمة ثورية تضع على عاتقها المهام الديمقراطية وتكسب بذلك دعم القطاعات المترددة بين المواطنين السوريين. على هذه المنظمة أن ترفع عالياً وبكل وضوح حقوق الأقليات الدينية والعرقية في سوريا -والتي يدعي نظام الأسد أنه يحميها- بجانب الإصرار بكل حزم على سيادة الثورة السورية في مواجهة التدخل الغربي. كما أنه على المعارضة الثورية أن تدرج في أجندتها المطالب الاقتصادية والاجتماعية لجموع العمال والفلاحين في سوريا. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن للثورة أن تقطع بها جهود نظام الأسد في تغذية الانقسامات الطائفية والعرقية.

وعلى الرغم من أن بناء مثل هذه المنظمة الثورية في ظل هذا القمع العسكري العنيف يمثل تحدياً بالغ الصعوبة، إلا أن المرونة التي أظهرتها لنا الثورة السورية في تطوراتها الأخيرة تشير لنا إلى أن الفرصة لا تزال قائمة من أجل ذلك.