باقة زهور إلى الاتّحاد العامّ التونسيّ للشغل


مصطفى القلعي
2012 / 2 / 27 - 11:20     

صباح الزهور يا اتّحاد

أريد أن أقول لك، يا اتّحاد، إنّ الأنظمة والحكومات الفاشلة أو التي مآلها الفشل هي التي لا تقدر على تعيين خصومها الحقيقيّين وتعجز عن تحديد أولويّاتها. وإنّك يا اتّحاد لا تعادى.. إنّك يا اتّحاد نحن جميعا.. إنّك يا اتّحاد تاريخ هذه الأرض .. إنّك الجغرافيا والقيم والثقافة والاختلاف والحماية وحصن الثورة وملاذ العمّال والفقراء والمثقّفين.. ولن تكون إسلاميّا أبدا لأنّك ببساطة لست إسلاميّا. إنّك لست منتجا وهّابيّا ولا إخوانيّا ولا سلفيّا ولا أفغانيّا ولا نهضويّا ولا قطريّا ولا أمريكيّا ولا روسيّا ولا فرنسيّا ولا... إنّك منظّمة عمّاليّة أنتجتها علاقات العمل الجائرة التي فرضها رأس المال ومالكو وسائل الإنتاج. إنّ الاتّحاد وليد الماركسيّة العمّاليّة. ولن يكون إلاّ يساريّا.
يقول من يخاصمون الاتّحاد اليوم في تونس متحدّثين في نبرة الكاشف الفاحص: تسيطر على الاتّحاد أطراف يساريّة!! ما هذا الكشف العظيم!؟ نعم، تقود الاتّحاد أطراف يساريّة لأنّ هذه طبيعة الأشياء كما يسيطر الإسلاميّون على حركة النهضة الإسلاميّة وكما يسيطر الليبراليّون على البورصة. فعلى الجميع أن تقبلوا بهذا كما تقبل به كلّ شعوب الدّنيا وتتعامل معه. فلا يمكن أن يتحوّل الاتّحاد من أجل عيون خصومه إلى اتّحاد ليبراليّ أو إخوانيّ إرضاء لأمريكا أو لقطر أو لحزب من الأحزاب مهما كان صلفه أو لحركة من الحركات السياسيّة مهما كان ازدهاؤها. ليس الاتّحاد مسجدا ولا شعبة كما لم يكن ولن يكون. الاتّحاد هو الاتّحاد.. إنّه ليس ملعبكم. فلن تنجحوا في محاولة تدجينه أو السّيطرة عليه. ولن يفلح من يعاديه. إنّ الاتّحاد حرّ.
فبئس ما اخترتم وبئس ما تروّجون له: أخونة الاتّحاد أو محاربته. هكذا تتبنّون منهج الإمبرياليّة الأمريكيّة العدوانيّة بكلّ بلاهة: من ليس معي فإمّا أن يعلن الولاء والطاعة لي وإمّا أن أعلن الحرب عليه. بئسا لكم لأنّكم أهنتم هذا الشعب العظيم حين نظرتم إليه بهذه النّظرة الدونيّة.. هذا الشعب لم يخضع لأعتى أنواع السّلطة والاستبداد، فلن تخضعوه بليبراليّتكم المشوّهة المتأسلمة القائمة على الأخونة وتسوّل الهبات من أعداء الحريّة والديمقراطيّة.
هل تعرفون ماذا تفعلون؛ إنّكم تحشدون الأنصار حول الاتّحاد.. إنّكم توقظون المحايدين مثلي لتدفعوهم إلى إعلان ألاّ حياد ولا غفلة بعد اليوم. ليس لكم ذاكرة وليس لكم حرمات إلاّ ما تقرّره لكم أوهامكم التكفيريّة. الاتّحاد حرمة وطنيّة أيّها النّاكرون الجاحدون المزدهون بمعاداة الاتّحاد مدفوعين بصلف قادة من ورق لا يتمتّعون بما يكفي من أفق للرّؤية الواضحة.
ما أقصر نظركم.. ما أسرع نسيانكم.. ما أشدّ جحودكم ونكرانكم.. هل هذا مفهومكم لطهارة الإيمان؛ تدنيس ساحات الشرف النضاليّ النقابيّة بالقمامة؟؟ أنتم لا تقدّرون فضلها علينا وعليكم لأنّكم لم تتربّوا فيها. أنتم تربّيتم على الطاعة والموعظة وانتظار الفردوس الموعود. وهي ساحة تربّي روّادها على النضال الديمقراطيّ والحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعيّة على الأرض قبل تحقّقها في السّماء والفكر الحرّ والاختلاف والانتماء العقلانيّ للوطن والولاء للأرض والتراب لا للأفراد وأولي الأمر. وأنّى لكم بهذه الأخلاق والقيم!!
لن يغفر لكم التاريخ ذلك أبدا. تعضّون الأيادي التي ناضلت.. تهدّدونها بالقطع.. تشتمون الألسنة التي تتكلّم وتتهكّمون عليها فيقول الوزير المسؤول عن حقيبة حقوق الإنسان: "هؤلاء الذين يتشدّقون اليوم بالحريّة كانوا لا يفتحون أفواههم إلاّ عند طبيب الأسنان"؟ إلى هذا الحدّ فعلت غواية السّلطة في الوزير المناضل الحقوقيّ أمسِ؟ هكذا يتكلّم الوزراء المنتخبون بعد ثورة الحريّة والكرامة؟ بكلّ هذا الصّلف وهذه العنجهيّة؟ هذا ما اختزنته تجربته الحقوقيّة الطويلة؟ هذا ما علّمته إيّاه دروس الاستبداد والديكتاتوريّة اللّذين حرّره منهما الشعب التونسيّ الأبيّ؟
ممّن تنتقمون..؟ ممّن تثأرون؛ تثأرون من تاريخ فاجأتكم ثورة شبابه وطلاّبه وعاطليه ومثقّفيه فلم تشاركوا في تغييره؟ ماذا تخفون؟ أيّ عقدة تحملون؟ أيّ حقد تحملون علينا وعلى وطننا ومناضلينا وتاريخنا واتّحادنا؛ اتّحاد النّضال ضدّ الاستعمار وضدّ الاستبداد؟ أبمثل هذا السّلوك وبمثل هذا المنهج والخطاب تنوون فعلا حكم البلاد والاستقرار فيه والتفكير لنا وفينا؟
إنّ توجّهكم نحو معاركة الاتّحاد ومعاداته لا تجعلني أنظر إلى مستقبلكم بتفاؤل. فالاتّحاد ببساطة لا يُعادَى. إنّه مكسب وطنيّ يُذاد عنه ويدافع عنه. إنّ كلّ من عادى الاتّحاد سقط. سقطوا جميعا بطغيانهم وتجبّرهم وزهوهم وسطوتهم، وظلّ الاتّحاد شامخا عاليا. أفلا تعقلون؟ إنّ الأحزاب والمنظّمات والمؤسّسات يدافع عنها منتسبوها. أمّا الاتّحاد فندافع عنه جميعا ضدّ أيّ كان.. أيٍّ كان لأنّه اتّحاد الشعب، إنّه اتّحادنا، وليس اتّحاد أيّ حزب ولا تيّار ولا إيديولوجيا. إنّه اتّحادنا نحن أبناء الشعب الكريم بعبارة صديقي المفكّر محمد الحاج سالم. ونحن جميعا فداء له.
في الاتّحاد فقط مارسنا ديمقراطيّة الانخراط والترشّح والتصويت والإضراب. في الاتّحاد تذوّقنا حلاوة قول: لا. في العمل النقابيّ فقط تحصّلت على بطاقة انخراط، وهي الوحيدة التي تحصّلت عليها طيلة حياتي وإلى اليوم. ولست في عجلة ولا في حماس لاستبدالها بغيرها. الاتّحاد علّمنا الديمقراطيّة. ولم يعلّمنا الدوغمائيّة ولا التحريض ولا التعبئة الظلاميّة. الاتّحاد علّمنا النقاش والحوار وإبداء الرّأي وقبول الاختلاف. ولم يعلّمنا التكفير والتخطئة وإقامة الحدود والانتصاب مفتين ومشرّعين ومحرّمين ومبيحين. بفضل الاتّحاد نحن هنا.. أنتم ونحن، أقصد.. ننعم بما أذهل العالم.
عاش الاتّحاد