لكيلا يضيع الهدف...


عزيز الحاج
2012 / 2 / 27 - 09:52     

كانت مقالاتي عن كتاب بطاطو لتصحيح بعض المعلومات ولتوثيق أخرى، وليس لفتح سجلات الماضي، والجروح القديمة، ومحاكمة هذا وذاك. وشكرا للحوار المتمدن الذي أعاد نشر بعض الأوراق من كتاب "شهادة للتاريخ"، المنشور عام 2002- أي قبل سقوط نظام البعث.

الواقع ما يهمني كليا هو الوضع العراقي الراهن، وكيف يمكن للقوى الديمقراطية واليسارية أن تتغلب على العراقيل والصعاب الكبرى لتلعب دورا مهما لتصحيح الأوضاع المتردية، وهي التي قدمت في الماضي تضحيات كبرى.

لقد ورد في كتابي " ذاكرة تحت الطلب"، الصادر عام 1977، تعقيبا على مذكرات المرحوم زكي خيري، ما يلي:

" إن كل الحركة الوطنية العراقية هي في أمس الحاجة للتصحيح والتجديد والتحاور والتلاحم. وليس لي، وأنا السياسي المتقاعد من زمان، والذي ساهم في الأخطاء الفادحة، أن أعطي دروسا سياسية لأحد. لكن كل ما أستطيعه محاولة تقديم شهادتي عن أحداث عشتها ومسيرة خضتها. ولم أدّعِ، في كل ما نشرته من كتب ومقالات حتى الآن، أن شهادتي لا تشوبها شائبة وإنما هي واحدة من شهادات أترك أمر تقييمها للباحثين المنصفين والتاريخ."

وفي كتابي "ذاكرة النخيل"، الصادر عام1993، كتبت التالي[ ص 174 ] يرد التالي:

" إن لتقييم الموضوعي، المنصف والنزيه لأية ظاهرة، ولأية سياسة ونظام، ولأية حركة، يشخص السلبيات والإيجابيات بلا مبالغة ولا تهويل، ولا مكابرة ولا غرور. وانتقاد أخطاء الشيوعيين العراقيين لا يكون علميا وذا قيمة ووزن ومصداقية ما لم يقترن، في عين الوقت، بنقد أخطاء القوى والأحزاب والحركات الوطنية الأخرى في العراق. ولذلك انتقدت شخصيا، وأؤكد انتقادي هنا، النهج الذي اختطه عدد من الباحثين العراقيين والعرب في تسفيه رصيد الحركة الشيوعية العراقية، ونفي أي من مآثرها . ومن ذلك مجلدات [أضواء على الحركة الشيوعية العراقية] الصادرة عن بعض الأجهزة العراقية بقلم سميرعبد الكريم، وهو اسم يراه كثيرون مستعارا لمالك سيف. وقد سجلت انتقادي هذا في مجلة [ ألف باء] العراقية وكتابي [مع الأعوام]. إن تسويد صفحات الخصم، أيا كان، بأية طريقة وأسلوب، والالتجاء لأشباه الحقائق أحيانا، لا يخدمان مجهود التقييم التاريخي العلمي ويسيئان للحقيقة. وإن تغطية هذا الطرف أو ذاك لأخطائه وراء أخطاء الآخرين، بعد تضخيمها، موقف ضار."

إن الوضع العراقي الراهن سلبي للغاية، وإنه لمن المؤلم أن تتهمش القوى والتيارات الديمقراطية- من يسار ومن لبرالي- لحساب قوى الإسلام السياسي. ولهذا الانكماش أسبابه التاريخية والمجتمعية والذاتية والإقليمية والدولية. وقد رأينا بين جماهير أمس- التي كانت تهتف من القلب لعبد الكريم قاسم- شرائح منها تتحول للانضمام للحرس القومي، ثم لفدائيي صدام، ومن بعد لجيش المهدي وكتائب أهل الحق وكتائب اليوم الموعود.

لاشك في أن العوائق والعقبات السياسية والاجتماعية – وحتى المادية - كبيرة أمام القوى اليسارية والديمقراطية العراقية لتلعب دورا فعالا اليوم، ولكن الوقت لم يفت، خاصة إذا قامت بجهد جرئ في المراجعة. وفيما يخص الحركة الشيوعية بالذات، فقد ورد في نهاية كتابي شهادة للتاريخ [ ص 588 ] ما يلي:

" إن للشيوعية في أرضنا وتاريخنا الحديث جذورا وأمجادا وأفضالا لا يمكن لكائن من كان إلغاؤها أو طمسها. غير أنه لو أريد للحركة الشيوعية أن تلعب دورا مهما في الحياة السياسية والمجتمع، فإن من أوليات المتطلبات هو تجديد الفكر والتقاليد والعلاقات، وتجديد التوجهات.."

وجاء أيضا:

" إن بناء العراق الجديد- [ أي بعد نظام البعث]- على أنقاض نظام القمع والشمولية والمغامرات والدمار واحتقار الإنسان، لا يتم إلا بروح جديدة في العمل السياسي وبفكر جديد ، وإلا بتلاقي جميع التيارات والاتجاهات والعناصر الخيرة، وإلا بعلاقات التآخي بين العراقيين المتطلعين إلى الحرية والديمقراطية."

الماضي قد انصرم، ولكننا مدعوون لاستنباط دروسه لتقويم عمل اليوم وتسديد الخطى. وأوضاع العراق والمنطقة اليوم في منتهى الحرج والحساسية والخطر، وكل الاحتمالات واردة. ومن المظاهر الكبرى المؤلمة تراجع دور اليسار العقلاني المرن وسط دوامات هياج عام. وقد وجدت في بعض آراء ومقترحات صديقي الدكتور كاظم حبيب ما اتفق معه فيما يخص دور اليسار العراقي وآفاق نشاطه. وإنه لمن الفاجعة أن تتحول أحلام الديمقراطية إلى هيمنة الإسلاميين. والسؤال: ألم نساهم نحن أيضا في هذا المآل الموجع بأخطاء أمس، سواء بثقافة العنف، أو ميول الاستئثار، أو رفض الإصلاحات النافعة؟

إن ما أتمناه من القلب أن تستطيع القوى التقدمية والديمقراطية تخطي العقبات والانتقال إلى مواقع متقدمة في النشاط السياسي، وبرغم العقبات الكبرى، من أجل عراق ديمقراطي حقا .

27 شباط 2012