وجع فلسفي أسمه نور


عماد البابلي
2012 / 2 / 25 - 15:52     

الأجوبة عمياء .. وحدها الأسئلة ترى
أحلام مستغانمي

أكتب لكم بصفتي أحد الحمقى الذين قرروا الاشتراك في مسرحية الحياة ، أكتب لكم من المستشفى وغرفة على شكل غابة مسحورة وسرير يشبه عشب أزرق فقد اخضراره في لحظة تيه ومع ارتقاب طويل للمطر الذي لا يأتي لهذا البلد ومع روائح الديتول ، جاءت أهم المشاهد الموجعة التي مررت بها تحدث الآن ومازلت تحدث .. غرفة العمليات ، ذاك المكان الذي يحاول بعض البشر الخضر تصحيح الخطأ في التكوين العضوي للبشر ،، أين يكمن الخطأ ؟؟ السؤال الأشد قسوة من بين كل الأسئلة .. حدث أو ( يحكى أن .. ) في مكان ما في بغداد ، بغداد بالثوب الجديد الذي نسجه لها مخلب صفوي أميركي ، ثوب لم يكن أسودا كما يخيل للبعض ولكن ثوب دون لون أصلا ، الألوان كما تحدثني دائما بأنها تكره الكذب ، لهذا هربت الألوان من بغداد الكهنوتية بعيدا .. المكان مزدحم جدا بالمرضى ، ثماني أسرة فقط وسبعة جراحين فقط في مركز وحيد في هذا البلد ، المركز يتعامل مع الأمراض ذات الدرجة الحادة جدا والتي دون تداخل جراحي سريع ينتقل المريض لأرض النفايات ( الموت حسب رأي الشخصي ) ، مرضى ينامون على الأرض كما حدث أمامي في ساعة ما ، الكادر الطبي بين مسكين يقاتل طواحين الهواء بالكاد يلحق على كومة المرضى ، وأخر يطمع في ورقة نقدية حمراء اللون حتى يمثل دراميا مساعدتك وكله طبعا يخضع للكذب والتمثيل ولاشيء يأتي بنتيجة .. كانت أبنتي هي المصابة وهي بطلة مأساتي في المركز ، المركز المتشظي والحرج والمرتبك .. نور ليسـت أبنتي فقط ، لكنها المخلوق الوحيد الذي يختصر كل نساء العالمين ، فهي الأم وهي الصديقة وهي الأخت وربما هي في أكثر جملة مختصرة عنها هي مشروع ابتسامة دائم ، مشروع للأمل والحياة أبدية .. الأطباء على قلتهم لا يلحقون على كثرة المرضى ، مرضى من الموصل والبصرة وكل بقاع العراق بحثا عن علاج وبحثا طوق نجاة لهم ، كان المركز يعتمد على الخاص أي على دفع وصل قيمته 2000 دولار مبدئيا ، قلة من موجودين كان لديهم هذا المبلغ والبقية كانت العشيرة تجمع لهم كل المصاريف التي تصل في النهاية إلى 6000 دولار ، العشيرة ذاك الإفراز لبقايا المجتمعات الزراعية والرعوية لم تختفي من العراق رغم أننا في عام 2012 ، أهي ايجابية أم سلبية تحســــــب على بلد نفطي من الدرجة الأولى ؟؟؟ .. الناس ليسوا نقاطا أو خطوط في خريطة كبرى بل هم قضايا مقدسة قائمة بحد ذاتها كما علمتني الوجودية دائما ، المرض هو لحظة صحو حسب رأي والناس نائمون أو يعبدون النوم والكسل ، المرض لحظة حرب وبالتالي يعيشون الخطر دون وعي مكافئ ، المراقد المقدسة وكهنتها يحصدون أرباحا كبيرة في لحظات الصحو تلك ،، الخارطة رسمت بشكل خاطئ قبل مئات السنين ونحن ورثة هذا الاعوجاج في مسار قافلة البشر .. المهم عملية أبنتي في الأسبوع القادم ، رب سائل يسأل هنا لماذا لم تذهب للهند ؟؟؟؟ تكلف المصاريف كلها 20000 دولار ، أستطيع جمع المبلغ والذهاب إلى هناك ولكن حالتها المرضية ليست معقدة جدا وجراحو بغداد جيدون جدا ولكن الإمكانيات هي من تخنقهم ، وتلك الإمكانيات هي بيد بيت مال المسلمين ، وبيت المال الكل يعرف إلى أين يذهب ؟؟ .. شراء عربات مصفحة لحماية القادة في بلادي وغيره وغيره مما نعرف ولا نعرف .. أكتب هذه الأسطر أثناء رقودي مع أبنتي في المركز المذكور التي تبدوا الآن مثل ( أوفيليا ) طافية على الماء في أخر لحظة لها ، جسدها الصغير تسكن فيه مئات الملائكة الصديقة والأخرى الملعونة التي طردت من الملكوت في لحظة قمار ، جسدها الراقد يعلن صراعا وارتجاجا نفسيا في داخلي ، الحياة لا يمكن أن تنتهي هكذا ، الحياة انسياب نهر وقطرات ماء ترقص مع الأسماك ، لهذا ولدت تلك العواصف والانهيارات .. تعلقت بنور بشدة فأنا من خلقتها وأنا من علمتها الرسم وأنا من علمتها تذوق الموسيقى ، وأنا من جعلتها تتقابل مع أم كلثوم ذات مساء ، أحساسات الخلق حادة جدا ، أن تصنع شيئا وتتعلق به بقوة ، خلقتها فهي لي ، هذا التعلق يدفعني للسؤال ، أين هو الله من خلقه ؟؟ لماذا هو خارج عقد الصيانة مع الجنس البشري المعطوب والمشوه ، لماذا أختار الصمت ؟؟ هل نحن نتاج تجربة فاشلة قام بها ؟؟ وأعلن انسحابه القسري من حلمه ؟؟؟؟!! ( نحن حلم مزعج يدور في عقل الآلهة ) ، تلك خيبة كبرى تنفع لنسيان الخيبات الأصغر حجما وحياتنا هي مسلسل طويل من تلك الحفر المورثة أو المكتسبة من هذا الزمن التافه ، فيا خيبة بحجم فشلنا وعارنا التاريخي ننتظرك في لحظة عرس ولحظة عيد ،، أسئلة وأسئلة تتجمع مثل التلال تبشّر بالانحراف الذاتي التعويضي نحو شوارع ضيقة من الخمر والثرثرة الثقافية والبحث عن النساء والمشاعر المزورة المنفية وغيره ، ولا توجد إجابة لهذا الترهل الكوني المقدس الذي يحدث في هذا البلد ووالد وماولد ....... يقطع حبل الكتابة عندي هو ضجيج هنا أو هناك عن تعطل أحد المصاعد في المركز .. شكرا لكم