كلمة قصيرة لابد منها


عزيز الحاج
2012 / 2 / 24 - 12:30     

في عهد الثورة لم أكن غير مرشح اللجنة المركزية، ولم أشترك في أي اجتماع مغلق عن أخذ السلطة ردا على انقلاب قومي قيل إنه كان يعد على عبد الكريم قاسم. ويظهر كان اجتماعا صغيرا مغلقا وبدون علم بقية أعضاء المكتب السياسي وذلك حسب شهادة المرحوم صالح دكلة. وأقول مرة أخرى إنه لمن حسن الحظ أننا لم نستطع تسلم السلطة إذ كنا أسرى عقلية الوصاية على الثورة واحتكارها وقليلي التجربة والصبر، وقد خرج الحزب للتو من دهاليز السرية والسجون، وبلا رؤية صحيحة عن معنى الديمقراطية التي كنا نفهمها كالديمقراطيات الشعبية الشرقية الشمولية وبشعار لا حرية لأعداء الثورة- مع التوسع في دائرة هؤلاء الأعداء. لقد كان لتضحيات الشيوعيين وعملهم بين الجماهير قبل الثورة دور بين في نجاح الثورة، ومع ذلك فإن كل الأحزاب كانت تعاني من قلة التجربة واضطراب الرؤية لما يجب عمله بعد الثورة. وهذا ما تناولته مرارا في كتاباتي. أما عن إرسال سلام عادل للدراسة أو باسم الدراسة، فلا علاقة لي إذ كنت في براغ ولا أزال مرشحا للجنة المركزية والقرار اتخذ في بغداد.
في مقالاتي قلت إن بالإمكان تأليف كتاب عن الحكايات الملفقة حول عزيز الحاج. وفي كل يوم نسمع حكايات جديدة. وهو ما يجعل عنوان الكتاب المقترح [ألف حكاية وحكاية] بدلا [من مائة حكاية وحكاية.]!!
أما عن شهور اعتقالي في قصر النهاية، فقد كنت طوال اعتقالي في غرفة انفرادية وخلال أسابيع وضعت في سرداب صغير وضيق وواطئ الجدران مع منعي من الخروج للمراحيض في الأسبوع الأول.

ومعظم المعتقلين كانوا معا في قاعة مشتركة، وحتى شاركوا في تنظيم سهرات للسخرية من طاهر يحي كما قال لي بعضهم فيما بعد. وكان طاهر يحي يعامل في المعتقل بالإهانة المستمرة والمضايقة في كرامته. ومن الطريف أن موزع الشاي- وكان هو رب البيت الحزبي الذي كنت فيه أكثر من عام- كان يعطيني أحيانا شوية شاي زايد، فاشتكى عليه [ك. ص] واعتبر ذلك تدليلا على حساب الآخرين. وعندما تم بناء مبنى سجن جديد ملحق، نقل الرفاق المعتقلون إلى قاعتين كبيرتين مفتوحتين نهارا ونقلت معهم لغرفة منفردة مفتوحة الباب أيضا. وكنت أحيانا ألعب الشطرنج مع صديقي القديم سامي أحمد الذي كان في إحدى القاعتين. ثم جيء للجميع بتلفزيون عام كنا نشاهده معا، أي لم يكن لي أي امتياز خاص، ولا تلفزيون خاص كما نشر بعضهم ذات مرة في إحدى الصحف.

في كتاباتي أيضا عبرت مرارا عن كوني غير نادم على أنني ناضلت وضحيت من أجل خير الشعب والبلد، وأنه كانت لي أحلام كبرى وزاهية عن يوم يزول فيه استغلال الإنسان للإنسان. وفي الوقت نفسه كتبت مرارا أن ما اندم عليه هو أننا لم نحسن اتخاذ المواقف الصحيحة وأننا اقترفنا من الأخطاء كثيرا وأننا تعاملنا مع الماركسية كمذهب مغلق ومقدس، ومن أراد أن يكون فكرة دقيقة عن أرائي اليوم فعليه قراءة مجمل كتاباتي، وخصوصا (شهادة للتاريخ). وليس من الصدف أن عنوان أول فصل من كتابي "حدث بين النهرين" هو " الحزب الشيوعي ضميرا للشعب"، مشيدا بدور الشيوعيين في التضحية والعمل بين الجماهير وبث الوعي الوطني والطبقي، وفي الوقت نفسه اقترافهم أخطاء متتالية بسبب تجاهل الواقع والسير وفق مبدأ "إما كل شيء أو لا شيء". وهذا ما ترك آثارا سلبية فيما بعد على الحياة السياسية العراقية. وأقول أيضا لعلني من بين من أكثروا من تمجيد سلام عادل وجمال الحيدري ورفاقهما في كتاباتي دون أن أبرأهما وغيرهما من الخطأ. وسبحان المعصوم من الخطأ. ومن قال إنه لم يخطئ فإنه يشهد على نفسه بأنه لم يفعل شيئا في حياته!
إنه بدلا من فتح جراح قديمة وترديد اتهامات وحكايات باطلة، فالأحرى تفهم أوضاع أمس ومدى وحشية النظام السابق، وتقييم الشخصيات الوطنية بمجملها، أي بكلها لا بتجزئتها. وبدلا من المزايدة وبيع الثوريات والبطولات الفارغة، فإن على التقدميين اليساريين التوقف بتواضع وعمق عند الأسباب التي أدت لتهميش الحركة اليسارية في العراق، التي قدمت اكبر التضحيات من أجل الشعب والوطن، واستخلاص الدروس والعبر من تجارب الأخطاء والإخفاقات من أجل تقويم الحركة وإعطائها زخما جديدا قائما على أسس الواقعية والمرونة والنقد والنقد الذاتي في هذا الظرف العراق الشديد الخطر والتعقيد. وقد قدم الدكتور الصديق كاظم حبيب مساهمات بناءة في هذا الاتجاه في عدة دراسات وكتب. وعلينا الكف عن اعتبار النقد سبة وهجوما وإدانة، مثلما يجب عزل الاتجاهات المتاجرة بالثورية، والتي تتنطع لإعطاء الدروس الثورية فيما أصحابها لم يبرهنوا في مسيرتهم على تطابق الفعل بالقول! فالنقد ليس عداء أو استعداء وكنت من أوائل الساسة "المتقاعدين" ممن شرشح أخطاءه بكل وضوح وحزم، وعملت على نسيان كل الإساءات التي وجهت لي والنظر أولا للعلاقات الإنسانية وعلاقات الماضي المشترك والنبيل مع العديد من رفاق أمس.
نعم إن المثل الشيوعية مثل إنسانية نبيلة تستحق النضال من أجلها، ولكن هدف بناء الشيوعية غير عملي، ورومانسي برغم كل نبله الإنساني. وقد مجدتُ المنطلقات الإنسانية للمثل الشيوعية في كل كتاباتي، وحتى حين اعتقالي. والتاريخ هو فوق ألف حكاية وحكاية عن عزيزالحاج، وهو الحكم والقاضي في نهاية المطاف.