الإسلام و الإشتراكية 1-5


جمعية الاشتراكيين الروحانيين في الشرق
2012 / 2 / 23 - 13:48     

*مقدمة*

ربما كان كارل ماركس ليكون قديساً لو بقي في مستقره في الشرق ، ربما كابن عربي او حلاج آخر في التاريخ ، لكن القدر والتاريخ اخذاه سفيراً شرقياً في اوربا ...

وبالتالي ، تزاحمت في " ذهن " ماركس القيم الاخلاقية والصور كنبي ٍ اسرائيلي شرقي من جهة والمباني الفكرية له كفيلسوف غربـي من جهة ثانية .

لهذا السبب ، لا نستبعد ان يكون ماركس الاسرائيلي نسباً ، الكوني الإنساني انتماءاً وما جاء به من نظرية اخلاقية سامية ( الماركسية ) هي المسيحية العقلانية العائدة في آخر الزمان لكي تقتل الشر ، النظام الرأسمالي الذي اخبر عنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم ..

الماركسية كنظرية وعقيدة انسانية نقية تمثل ذروة مثالية واخلاقية السيد المسيح عليه السلام ، كونها تتعرض للاغتيال في القرن العشرين وتعود منتفضة قائمة من بين الاموات في القرن الحادي والعشرين بعيد الازمة المالية العالمية حيث عاد " ماركس " ورؤيته في تحولات التاريخ للواجهة من جديد .

ما يلفت الانتباه هو ذكر النبي محمد صلى الله عليه و آله وسلم لفتنة الدجال والذي تنطبق صفاته الرمزية على النظام الرأسمالي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية وذكره بان لا احد سيقضي عليه إلا المسيح نفسه ..

فهل للماركسية من حياة وعودة تكون السبب المباشر لتخليص العالم من النظام الرأسمالي المعاصر الذي زاد الفقراء فقرا والاغنياء غنى ..؟

لدينا وكما سنقرأ في هذا الكتاب العديد من الادلة التي تؤكد لنا بان المسيحية الاشتراكية والإسلام الاشتراكي هما قدرٌ كوني تاريخي آتٍ لا محال تمثلان حالة من تزاوج عقلانية العلم مع الموروث الديني العريق في الشرق .

في هذا الكتاب ، سنحاول إزالة الغبار عن اهم الملابسات التي شابت الماركسية وشوهت صورتها وفي نفس الوقت ستعيد توضيح بعض المفاهيم الخاطئة في الشارع الثقافي الإسلامي بما يتعلق بمفهوم الدين والتاريخ والامة والكفر والايمان والوطن والحق والباطل والعدل والعقل .

الامـــة الإسلامية والذاكرة

الامة هي تاريخٌ طويل وجذور النشاط الإنساني في جغرافيا معينة عبر الزمان ومن الخطأ اعتبار الامة هي اناسٌ يدينون بدينٍ دون سواه ..

الامة الإسلامية كانت وثنية قبل الإسلام في الجزيرة ، مسيحية في العراق والشام ، مع تواجد يهودي محدود وشاذ كون اليهودية ديانة عشائرية قبلية ..

أما اليوم فبالكاد نشعر بهذه الذاكرة وهذا التاريخ بسبب تناقضات كثيرة وتحولات كبرى في الوعي الجمعي للأمة الإسلامية عبر تاريخ حافل بالديمومة الفكرية تمتد لسبعة آلاف سنة ٍ أو تزيد .

هذا الوعي الذي حفل بكل هذه التقلبات منذ ظهور أولى الحضارات في التاريخ ..

فبعد اكتشاف التدوين ، وولادة النظم الاجتماعية والدين ازدهرت في الشرق الأوسط حضارات تاريخية " دينية " أخذت الطقوس والمعتقدات دورها الأبرز في بناء الفكر والثقافة والدولة ..

كان الدين في الشرق كل شيء قبل الإسلام .

الدين في الشرق لا ينحصر في الإسلام ولا حتى بالديانات الكتابية التوحيدية التي جاء الإسلام بعدها تماماً على الذي أرسل به الأولون ، بل الدين ببعده الاجتماعي الطقسي يمثل امتداداً من المعتقدات والطقوس عبر سبعة آلاف عام أو تزيد لا يمثل الإسلام منها إلا أربعة عشر قرناً فقط ، ولذا ، فإن الوعي الجمعي للأمة الإسلامية في عصرنا الراهن حافل بمثل هذه الإمتدادات التي تمثل الذاكرة " البدئية " القادمة من أعماق التاريخ .

ففي الشام والعراق ومصر ، على نقيض المعتقد في الجزيرة والخليج ، لا يزال الإسلام مسحوباً بأصداء الماضي ، والذي يتجلى في ذروته في المجتمع الشيعي في العراق وإيران ومناطق أخرى من جزيرة العرب ، حيث الطقوس التي تظهر بحلة إسلامية تستبطن " امتدادات " تاريخية في حافظة الأمة القديمة ..!

أليس من الخطأ الحديث عن " الأمة " دون أن نعرفها تعريفاً دقيقاً ؟
هل الأمة هي التي جاءت بعد محمد (ص) ، أم إن محمداً عليه افضل الصلاة والسلام رجل ٌ من رجالاتها العظماء الكبار ؟؟

لا يمكن أن تختزل الأمة ُ في " واحد " مهما كان عظيماً ..
لان الله رب العالمين هو اعظم ما في الكون ، وهو خادم راعي لبريته وخلقه ..
محمد عليه السلام هو بار امته ومنقذها ، سر عظمته في رسالته لامته ..
العظماء الحقيقيين ليسوا السفاحين والجلادين المتجبرين ، الباحثين عن القاب الفخامة والزعامة والسمو ..
الكبار الحقيقيين هم خدام امتهم ، هم رعاة شعبهم وهذا يعني انهم من الامة والامة منهم ..

هل الأمــة ُ إلا " تاريخها " بكليته لا فجوة ٍ قريبة من الذاكرة فقط ؟
أليس من السفاهة اعتبار " وعي " الأمة هي تلك القرون الأربعة عشر فقط ؟
لو كان الحال كذلك ، لماذا لا تزال أسطورة الخليقة البابلية تتخفى وراء طقوس عاشوراء ؟

لماذا لا يزال الناس في كثير من البلدان الإسلامية يقدسون مراقد الأولياء والصالحين ويتقربون بهم إلى الله زلفى ..؟؟

لا أريد أن أدافع عن العقائد " القبورية " كما تسمى في أدبيات السلفية ، ولكن لهذه العقائد امتدادات جذرية بالغة القدم شئنا أم أبينا وهي تتشارك مع العقيدة الإسلامية بشكلها الحالي في تكوين الوعي الجمعي للأمة ..

ونقصد بالوعي الجمعي للأمة بأنه هو :

الكم الفكري في الموروث الاجتماعي الذي يمثل بكليته المنظومة الثقافية المحركة للمجتمعات كاجزاء و الأمة الإسلامية بأسرها كمنظومة جامعة لهذه الاجزاء وما تواجهه من تحديات في عصرنا الراهن ، فهذا الكم المتراكم عبر التاريخ ورغم قوة العقيدة الإسلامية التي جاء بها محمد بن عبد الله (ص) فهو لا يزال يحتفظ أهدابا ً من طيف الماضي السحيق ، هذه الأهداب لا يمكن تنقيتها أو إزالة الضار منها ما لم تصطلح الأمة ُ مع ذاتها ؟؟

للأسف الشديد ، في الأمة رجال " دين " فقدوا السماحة و " المعرفية " في العقيدة وظنوا أن الشريعة يمكن أن تطبق بالقوة ، سائرين بذلك على دروب من كانوا في رعيل الحقبة الإسلامية ما قبل العصور الوسطى ، فما كانت النتيجة ..؟؟
تنامي الشروخ في وعي الأمة الجمعي ، وبدلاً من أن يحتوي تقاطعات لاحمة في بنيته زاد التعصب من الفجوات فيه فشتت وعيها و أغرقها في ظلام ٍ موحش من تناسي حقيقة " عظمة الأمة " ذات السبعة آلاف سنة ..!؟

أمة بتاريخ طويل ، لا تعرف نفسها ..؟؟

تشتت وضياع في إدراك الهويـــة الثقافية ، فقر مدقع في الجزء الأكبر من خريطة سكانها وتخمة ممرضة في مناطق محدودة ترسم تبايناً في نسيجها الطبقي لا يتفق مع ركام هويتها التاريخية وما تضج به من عقائد أخلاقية علمت الإنسانية بأسرها ..

لهذا السبب ، نحن بحاجة إلى بث روحٍ جديدة في الامة ، روح لتاريخ الامة الحقيقي الشامل يمكنها ان تجمع بين عقلانية العلم واخلاقيات الدين .