قراءه في كتاب نهايه الاقتصاد العالمي ومستقبله -اقتصاد الازمات-


محمد سعيد العضب
2012 / 2 / 22 - 23:39     


صدر الكتاب الموسوم"نهايه الاقتصاد العالمي ومستقبله "للاستاذ نوريل روبيني مع زميله ستيفان ميهان باللغه الانكليزيه والالمانيه.يضم الكتاب (10) فصول ,مقدمه ,ملحق ويحتوي (471) صفحه من القطع المتوسط .
يعتبر الاستاذ روبيني اول اقتصادي تمكن منذ عام 2006,التنبؤ بالازمه الماليه والاقتصاديه لعام 2008, التي بدأت بانهيار سوق العقارات بالولايات المتحده الاميركيه , انتقلت عدواها الي سوق الائتمان والاقراض العالمي , كما عصفت رياحها كافه اطراف المعموره ,بالتالي هزت مجمل النظام الاقتصادي والمالي الكوني , تم ذلك من خلال تحذيراته الوارده في محاضره القاها امام اجتماع صندوق النقد الدولي في نيويورك بتاريخ 7 سيبتمبر عام 2006,مؤكدا فيها علي احتمال دخول الاقتصاد الاميركي حاله كساد عميقه بعد انهيار سوق العقارت فيه, وحدوث صدمه نفطيه عنيفه ,علاوه علي تردي بيئه ومناخ الاستهلاك عموما .
بالطبع تلقت هذه التصورات حاله تشاؤم شديد من الحاضرين , كما وصفت من قبل عديد من علماء الاقتصاد والمال بالمبالغه, بذات الوقت غابت هذه النظره الثاقبه وعدم معرفه وقت حدوثها من قبل الاداره الاميركيه انذاك .
ففي شهر يناير من عام 2009 تحديدا وخلال الايام الاخيره من ولايه الرئيس بوش الابن , حضر نائبه السيد ديك جيني مؤتمرا صحفيا , طرحت عليه اسئله حول اسباب اخفاق حكومته في التنبوء بالازمه الاقتصاديه, التي تعتبر اخطر ازمه حصلت في التاريخ الحديث منذ الكساد الكبير في الثلاثينات . اختصر اجابته في عدم وجود حكماء يمكنهم توقع الازمات والكوارث التي تهبط من السماء, كما قام بمقارنه الازمه ا لحاصله مع صاعقه 11 سيبتمبر عام 2001 ..
بالطبع يؤكد الاستاذ روبيني علي خطل هذا الراي , و اعتبر الاداره الاميركيه ليس فقط قاصره في التنبوء بمشكلات عصيبه وتحديات تواجه الاقتصاد الاميركي والعالمي ,وربما تمس اثارها السلبيه الكيان الاقتصادي والاجتماعي العالمي برمته, , بل يرجع هذا الانكار لحدوث مثل هذه المشكلات ايمانها بمدرسه الفكر الليبرالي المحافظ السائدة , التي تنكر الترابط العضوي بين الراسماليه والازمات .
ان قائمه خبراء الاقتصاد والمال الذين حذرو من وقوع الازمات طويله, الا ان هذة التحذيرات ظلت تعوم في سراب, حيث اعتقدت النخب المسيطره علي ان الاسواق كيانات وهياكل مستقله و ذاتيه التنظيم ,تتميز بالقوه والاستقرارمن ناحيه, كما يمكن الاعتماد والتعويل علي الياتها في اداره وتوجيه الاقتصاد من ناحيه اخري .
بموجب هذا المنطق تم ابتكار ادوات ماليه ومشتقات الاوراق الماليه الحديثه ,كما تم طرحها في الاسواق ,كما اعتبرت ميزه هامه في تعزيز بناء الراسماليه بالالفيه الجديده , بالتالي تم الادعاء بامكانيه تحقيق التوازن المرن في الاقتصاد الوطني والعالمي .
عليه ظلت هذه التصورات تشكل قاعده واساس كافه القرارات السياسيه والاستراتجيات الاستثماريه المعتمده , مما جعل ظاهره الازمات لاتنسجم مع سياق هذا المنطق . هذا واعتقد ان ظهورالازمات -ان حصل- مجرد صدفه غير محتمله ,كما ان اثارها وقتيه ومحدوده , بسبب امكانيه التنبوء بها ,علاوه علي اعتقاد كثره من علماء وخبراء الاقتصاد علي انها ظاهره تتخص فقط اقتصاديا ت البلدان الناميه المتخلفه والناهضه , ولا تشمل اقتصاديات البلدان والقوي العظمي, مثل الولايات المتحده الاميركيه وغيرها من البلدان الصناعيه المتطوره .
عموما يعتبر الكتاب مساهمه حقه في تطوير تخصص جديد في العلوم الاقتصاديه, يمكن ان يطلق عليه " اقتصاد الازمات ",حينما اصبحت الازمات محور واساس علم الاقتصاد, كما احتلت موقع في التحليلات والمعالجات الاقتصاديه .لذا تمت تسميه الكتاب باصداره الاصلي باللغه الانكليزيه " اقتصاد الازمات" .
فحسب مفاهيم الكتاب تعتبر الازمه مرحله متطرفه للانتعاش والازدهار الاقتصادي, تليها فتره تراجع وانهيارات كارثيه , لذا انها ليست ظاهره استثنائيه , بل قاعده تشمل كافه البلدان المتطوره ,الناميه والناهضه علي حد سواء.
صحيح يرجع تاريخ الازمات الي ما قبل الراسماليه , مع ذلك تظل الازمات تلعب ف دورا متميزا في اطار نمط الانتاج "الراسمالي", كما اصبحت تشكل مفصلا عضويا مترايطا مع جينات الراسماليه الوراثيه
بجانب العوامل التي تفضي علي الراسماليه حيويتها مثل قوه الابداع والابتكار , القدره علي تقبل المخاطره في العمل والتعايش معها ,نري ان االمضاربات وعمليات الاقراض المنفلته والانهيارات المتكرره كلها ا اصبحت سمات مميزه لها في العهد الجديد . هذا واخذت ازماتها تنتشر مثل حيوانات اليفه واصبحت تتشابه لحد كبير مع العواصف والاعاصير ,.حتي ان سلكت مسارات منظوره او غيرت مسارات اتجاهاتها بين حين واخر . هكذا تضعف الازمات ربما تتنعش وتنشط دون تحذيرسابق .
عليه حاول الكتاب تفسير القوانين التي تخضع لها مثل هذه العواصف و الاعاصير الاقتصاديه, كما حاول كيفيه التعرف عليها , والتنبوء بها, كله بهدف تحاشي حدوثها .
انطلاقا من الازمه الحاليه تطرقت فصول الكتاب اللاحقه الي كيفيه وضع التنبوءات بالازمات, وتحاشي حدوثها, وكيفيه ازاله او معالجه اضرارها ,اضافه الي توصيف الكوابح المطلوبه التي يجب تضمينها النظام المالي للتقليل من الاعاصير الاقتصاديه الكارثيه .
هذا من اجل فهم واستيعاب هذه القضايا ,حاول الكتاب الاجابه علي جمله تساؤلات معلقه غير محسومه بشان الازمه الحاليه منها :
*كيف تولدت فقاعات المضاربات التي ادت بدورها الي مثل هذه الانهيارات الاقتصاديه والماليه الكارثيه ؟
*هل نجمت فقاعات المضاربات نتيجه ممارسات الموسسات والبنوك والشركات سلوكيه اعمال ونشاطات محفوفه بمخاطر كبيره ؟. هل حصلت مثل هده التطبيقات بسبب غياب التشريعات والانظمه الضابطه ,ا و بسبب الافتقار الي الرقابه الحكوميه ؟.
* هل سيقود التدخل الحكومي في السوق المالي الي خلق فقاعات مضاربيه جديده في المستقبل؟
بلاشك تتجاوز الاجابه علي هذه التساولات المطروحه الترف او المناورات الفكريه , خصوصا تخضع الاجابات عنها ,لتصورات وتفسيرات مختلفه بل متناقضه , التي تقود بدورها الي طرح وصفات علاجيه رديكايليه متباينه لهذه الازمه .
هذا وتطرق الكتاب ايضا الي اسباب حدوث الازمه الحاليه تحديدا في هذا التاريخ ؟هل نجم ذلك بسبب غياب الثقه او الافتقار الي ما اطلق كينز "غياب الغزيزه او المواهب الراسماليه"؟ ام حصلت الازمه من حقيقه تمكن قطاعات واسعه مفلسهيجب تصفيه اعمالها , في الحصول بسهوله علي تمويل خارجي محموم .؟
تبعا لذلك... هل حصلت الازمه الحاليه بسبب الافتقار الي السيوله النقديه ( اي انها ازمه سيوله )ا,و بسبب قصور عديد من الموسسات في الايفاء وتسديد ديونها ( ازمه الايفائيه )؟ ان صحت المقوله الثانيه فما هي تبعات ذلك علي المستقبل ؟
انطلاقا من اعلاه تمكن الكتاب اشتقاق سلسه تساؤلات جديده من اهمها :
*هل تدخل البنوك المركزيه في كافه بلدان العالم في صعود الازمه الي القمه, وقيامها في توفير القروض للموسسات في النظام المالي , ساعد من جانبه ايقاف تدهور الاوضاع , وتلافي انحدارها نحو الاسوء ؟.
*هل شجعت الاجراءات المتخذه هذه, بل ربما, تشجع الموسسات في استمرارها بممارساتها السابقه الضاره , غير المسوؤله المحفوفه بالمخاطر الكبيره ,بالتالي عملت خطوات البنوك المركزيه في وضع الاسس واللبنات لفقاعات مضاربات قادمه .؟
*من جهة اخري... ماذا تعني المطالب المتزايده بضروره تبني تنظيمات جديده للاسواق؟ هل سيتمخض عنها نظام مالي قوي ونشيط من ناحيه ,وتحقيق نمو اقتصادي مستديم من ناحيه اخري .
*هل كانت المعالجات المتخذه لتطويق الازمه الحاليه في كافه بلدان العالم مجرد اجراءات تجميليه عاجزه عن مواجهه تهديدات الازمات في المستقبل او انها عاجزه للتصدي لحدوث فقاعات مضاربات جديده ؟
*ماهي التبعات بعيده الامد للاجراءات السياسيه ,مثل رزم و برامج الانعاش الاقتصادي, او اجراءات الطوارئ وغيرها, التي تم اعتمادها من قبل البنوك المركزيه في الولايات المتحده وغيرها من البلدان ؟
*ماهو مستقبل النموذج الاقتصادي الانكلو- سكسوني لراسماليه عدم التدخل الحكومي ؟
* ما هو مستقبل الدولار ؟
*هل تؤشر الازمه الحاليه بدايه طريق في نهايه الامبراطوريه الاميركيه من ناحيه ,صعود الصين وغيرها من البلدان الناهضه من ناحيه اخري ؟
*كيف يمكن تحويل تفعيل اصلاحات النظام الاقتصادي العالمي لتصبح وسيله ناجعه و هامه للحد من اضرار الازمات في المستقبل ؟
عليه تعتبر كافه التساؤلات المثاره اعلاه ليست نظريه او افتراضيه . فالاقتصادي والمفكر كينز علي حق, حينما اكد وقبل 70 عاما علي ان افكار علماء الاقتصاد وفلاسفه السياسه-بغض النظر عن محتواها او مصداقيتها –تظل فاعله وموثره اكثر مما يعتقده المجتمع وعامه الشعب ,بالتالي تظل هذه الشريحه تتحكم بالعالم .
ان التصورات والتفسيرات للازمات الماليه الصعبه انطلقت منذ اجيال طويله من افتراضات اساسيه قد لاتكون دائما علي خطأ,لكنها ظلت تعيق الفهم الحقيقي لسبب ونتجيه الازمات .
هذا ولاجل تعميم الاستفاده من الكتاب من قبل شرائح عريضة من القراء , وطلبه العلوم الاقتصاديه والماليه تم تناول تحديد بعض المفاهيم الشائعه حاليا في اسواق المال منها: المخاطره او المجازفه الاخلاقيه ,الرافعه الاقتصاديه والتنمويه,توريق الديون ,عجز الحساب الجاري مشتقات ومحطات الائتمان ,فخ التصفيات وغيره من المفاهيم الحديثه .
تضمن الفصل الاول من الكتاب جوله عبر التاريخ, بدءا من تقديمه نظره حول حالات عديده من الازدهار والانتعاش الاقتصادي,انتقالا الي فقاعات المضاربات والازمات التي تعرض لها الاقتصاد العالمي في الماضي .
من هنا تم التوكيد علي الترابط والعلاقه الخاصه بين الراسماليه ونشوء الازمات ابتداءا من احداث هولندا عام 1630 وما اطلق عليه "جنون واوهام زنابق الخزاعي " فقاعه بحر الجنوب عام 1720 ,الازمه الماليه الكونيه عام 1825. اضافه الي ازمات القرن العشرين منها (الرعب المالي عام 1907,الازمه الاقتصاديه العالميه في عقد الثلاثنيات ,الازمات الماليه العديده في البلدان المتطوره و الناهضه في عقد الثمانيات) .
من الاستقراء التاريخي هذا ,تبين جليا ان الازمات ليست حسبما يعتبرها علم الاقتصاد الحديث, علي انها احداث او ظواهر استثنائيه بالتالي استخدمت كلمه كنايه عنها "طيور الاوز الابيض " للتدليل علي ندرتها ,بل انها حسب راي الكتاب ظواهر متكرره شائعه, يمكن ببساطه التنبوء بها, كما يسهل فهمها. عليه فهي مثل طيور" الاوز الابيض" المتواجده بكثره .منهنا اطلق علي الفصل الاول هذه التسميه "طيور الاوز البيضاء".
تناول الفصل الثاني اراء وطروحات بعض علماء الاقتصاد الاقدمين من امثال كينز ومينسكي لاجل الاستفاده منها في فهم واستيعاب الازمات الماضيه ,الحاضره والمستقبليه .


حاول الفصل الثالث معالجه الاسباب الهيكيله للازمه الحاليه .فمنذ بدايه الازمه ساد اعتقاد في ان الديون والرهون العقاريه الاصليه التي عجز عن تسديدها وتحولت الي اصول خرده او وهميه هي السبب الحقيقي للازمه بعدها نقلت عدواها الي الاقتصاد المالي الكوني السليم . لقد حاول الكتاب تفنيد هذه التصورات الغريبه وتسائل عن كيفه امكانيه احدوث تطور امتد لعقود طويله كما تم تشيدد وبناء نظام مالي عالمي استند فعلا علي اصول وهميه واوراق ماليه غير مامونه او مدعوعه باصول ماديه حقيقيه.
.هذا و ينطبق ذلك ليس فقط علي الادوات الماليه الجديدة المبتكره الدخيله والوهميه, بل ارتبط عموما في ظهور نظام مالي موازي خليط من موسسات اقراض عقاري وصناديق مضاربات " التحوط " وبنوك الاستثمار وصناديق اسواق العملات النقديه , وغيرها من القوي الجامحه والفاعله في السوق , التي تلبست لبوس المصارف التجاريه التقليديه .
هذا وتناول الفصل ذاته محاولات تفسيرات اخري للازمه وتم التركيز هنا علي ما يطلق عليه " المجازفه الاخلاقيه (الهزرد)"حوما ولدته من مشكلات حينما تم عبرها تنشيط الممارسهات غير المسوؤله ,المحفوفه بالمخاطره الضخمه للقوي المشاركه في الاسواق ,خصوصا وعن طريق مثل هذه الاساليب امكانيه توفير انقاذ الموسسات ونشاطات الاعمال من قبل قوي اخري متواجده في الاسواق ,او انها سوف لاتتحمل مسوؤليه تبعات تصرفاتها .
هنا جري الحديث عن الاخفاق المتجذر لرقابه الدوله او الرقابه المهنيه للاعمال التجاريه والماليه والاقتصاديه ,كما تمت محاوله تفادي التفسيرات المتناقضا ت حول الرقابه الحكوميه وهل نشطت او حجمت السلوكيات المضاربيه في الاسواق الماليه .
هذا ويري ان معالجه هذه المشكله والبت فيها ,قضيه معقده ,ربما تتجاوز الفهم الانساني السليم ,مما جعله يستخلص, رغم اختلافه طروحات معسكرالفكر المحافظ والليبرالي حول رفضها التدخل الحكومي مع ذلك يري ان التدخل الحكومي او عدمه لم يتمكن من حقيق انجازان باهره بخصوص حسم او معالجه الازمات ..
في فصول عديده لاحقه الكتاب, تم تناول الازمه الحاليه بذاتها , حيث تم طرح تصورات وفيره معظمها اعتبرت الازمه مجرد حدث تاريخي فريد تمخض عن خصائص النظام المالي الكوني للالفيه الجديده .
تبعا لذلك حاول الفصل الرابع غربله وتفنيد وجهات النظر الساذجه هذه ,حينما تمت مقارنه الازمه الحاليه مع ازمات عديده سابقه, والتوكيد علي انها ما حدث عام 2008 يعتبر امرا مالوفا للمراقب والمتابع للاحداث منذ ( 250 )عاما . ان التماثل هذا ينطبق ليس فقط علي مسار الازمه ,بل يشمل ايضا ردود فعل البنوك المركزيه في كافه انحاء العالم , باعتبارها جهات اقراض " الملاذ الاخير" . مع ذلك ستظل الازمه الحليه تختلف من حيث التفاصيل عن سابقاتها من الازمات, لكن جمعيها تحمل سمات سيناريو معروف وتقدم الدليل القاطع ان التاريخ يعيد نفسه .
فهمثل النموذج او العينه هذه استمرت وانتشرت لتشمل كافه انحاء العالم .ان نظره عميقه في التاريخ تؤكد ان الازمات مثل الامراض المعديه او انها فيروز ينتشر من بلد المنشأ ,ويعم بلدان الاطراف بكافه الاتجاهات . ينطبق الامر هذا علي الازمه الحاليه, حيث نشات واقعيا وبمقارنه مسارها في المراكز الماليه الكبري في العالم ولم تنطلق من الاسواق الطموحه في الاطراف الاقتصاديه .
حاول الفصل الخامس تبيان اسباب انتشار الازمه وشمولها كافه اقتصاديات بلدان العالم مثل دبي ,اليابان, والصين وسنغافوره وغيرهما من البلدان . من هنا تعارضت طروحات الكتاب مع تصورات ومعتقدات سائده, بخصوص انتقال عدوي مرض نشأ اساسا في الولايات المتحده الاميركيه وانتقل بعدها الي بقيه العالم .فالضعف الذي شهده النظام المالي الاميركي كان موجودا ومنتشرا في عديد من البلدان الاخري , بل ربما كان هذا الضعف علي اشده عما هو في اميركا . بالتالي فالوباء كان مستشريا في بلدان عديه من العالم حد خصوصا في تلك البلدان التي تتماثل مشكلات انظمتها الماليه مع تلك الموجوده في اميركا . عليه وان اختزلت معظم تحليلات الخبراء علي الازمه الماليه التي حصلت في الولايات المتحده الاميركيه ,فقد يعتبر قصورا واضحا وكان الاجدر معالجتها بنظره شامله باعتبارها من ارهصات لنمط الانتاج الراسمالي العالمي في القرن الحادي والعشرين , بالتالي حاول الكتاب تبيان ليس فقط الابعاد العالميه المفاجئه للمشكلات الحاليه ,بل استهدف ايضا طرح حقيقه النظام المالي العالمي والاقتصاد الكلي الكوني واثار السياسات الماليه والنقديه الوطنيه علي مجمل النظام العالمي اي انعكاسات هذه السياسيات لما وراء حدود بلدانها .
فالدروس المستخلصه من الاحداث الاخيره ليست اوضاعا استثنائيه, بل يمكن اعتبارها عمليه اعتياديه وطبيعيه في مسارات الاقتصاد العالمي . فكل ازمه, منها الازمه الاخيره ليست استثناء عن سابقاتها , عليه ستنتهي بتاريخ كما تظل تبعاتها لسنوات, او ربما لعقود طويله .
ركزالفصل السادس علي تبيان اسباب الانكماش والتراجع في النشاط الاقتصادي, كما تم محاوله تفسير كيفيه قيام البنوك المركزيه في مواجهه ذلك عن طريق السياسيه النقديه ؟ من هنا تم طرح التساؤل عن مدي امكانيه هذا النهج في احتواء تحديات الازمه الحاليه. علاوه علي ذلك تم تناول مدي اهميه تبني اجراءات سريعه مرتجله ... مثل برامج المساعدات الفوريه واجراءات الطوارئ , التي تتميز بابعادها قصيره الامد,في حين تظل علاجاتها وقتيه قصيره الامد ,بل عاجزه عن حسم المشكلات الحقيقه علي الامد البعيد . ان ذلك تعتبرحسب راي الكاتب مثل المسكنات او العقاقير الطبيه الي تعطي للمريض , لكنها تسبب في نهايه الامر الي وفاته .
تناول الفصل السابع دراسه وبحث كيفيه قيام الحكومات في استخدام الموارد العامه وتحميل دافع الضرائب اعباء اضافيه من اجل حل مشكلات الكبار او لتسكين ازمه قوي اخري عموما تشابهت بعض انماط الاجراءات والمعالجات المعتده للازمه الحاليه في جوهرها مع طروحات ومقترحات الاقتصادي كينز منذ اكثر من 70 عاما , كما يعتبر بعضها الاخر من اشكال التدخل الحكومي الشديد في اقتصاد السوق بل يحمل ابعاد متميزه لامثيل لها سابقا .علاوه علي ذلك تم تقييم التاثيرات المستقبليه للخطوات المتطرفه التي تم اعتمادها في السيطره علي الازمه من ناحيه ,كما جري تقدير وتخمين مخاطرها علي حركه اللاقتصاد في المستقبل من ناحيه اخري .
من هنا طرحت تساؤلات مقلقه منها خصوصا ......هل كانت حقا هناك ضروره موضوعيه للتدخل الحكوي الواسع والكبير ؟ هل سيظل نظام او نمط راسماليه عدم التدخل الحكومي في النشاطات الاقتصاديه معتمدا ؟ هل تتمكن الحكومات والدول بعد الازمه ان تلعب دورا حاسما مباشرا او غير مباشرا في حركه الاقتصاد العالمي
وضع الفصل الثامن والتاسع خطوط عريضه للبنيه الماليه الجديد ه, التي يمكنها ان تؤمن الشفافيه والاستقرارللنظام المالي العالمي من خلال القيام باصلاحات بعيده الامد من ناحيه ,وتعزيز التعاون بين البنوك المركزيه في كافه دول العالم من ناحيه اخري , علاوه علي ضروره خلق تنظيمات تحكم وانضباط ملزمه سواء للبنوك التجاريه والاستثماريه وصناديق التحوط وغيرها من جانب , وتبني اجراءات تحد او تقيد موسسات الاعمال والمال من اتباع سلوكيات محفوفه بمخاطركبيره من جانب اخر , كله من اجل تقليل الكلف الماليه الباهضه المطلوب انفاقها من اجل انقاذ هذة الموسسات .
في اطار ذلك تم ايضا الولوج الي بعض القضايا الساخنه والمتفجره خصوصا بما يتعلق بدور البنوك المركزيه في مراقبه فقاعات المضاربات مستقبلا .
ركز الفصل العاشر من الكتاب علي قضيه عدم التوازن الشديدة في الاقتصاد العالمي, كما عرض بوضوح ضروره الاصلاحات الشامله والجذريه للنظام المالي والنقدي الكوني ,كله من اجل تحاشي حدوث الازمات في المستقبل . من هنا طرحت مساله اسباب شمول الازمه اقتصاديات البلدان الناهضه, كم تم تناول اسباب حاله الاتوازن في الحساب الجاري الكوني ,حيث تميز الاقتصاد الاميركي بعجز الحساب الجاري الكبيروتراكمت عليه جبال من ديون ,في حين استطاعت بلدان اخري مثل المانيا واليابان والصين وعدد من البلدان الناهضه من التمتع بوفره حسابها الجاري وراكمت فوائض ضخمه . من هنا يظل االسؤال قائما حول امكانيه البلدان الرئيسيه التي انطلقت منها شراره الازمه في العمل علي اعاده التوازن في الاقتصاد العالمي ؟.. ما مصير عمله الدولار؟ ماذا سيحصل عند انهيارة ؟ماهي العمله او العملات البديله التي يمكنها ان تحتل موقعه ولعب دورا حاسما كعمله الاحتياطي النقدي العالمي ؟
ما هو الدور المرتقب لصندوق النقد الدولي ,خصوصا بما يتعلق في امكاناته لتصحيح الانحرفات ,وحل مشكله عدم التوازن في الحساب الجاري الكوني من ناحيه, اوعمله في اعاقه نشوء ازمات جديده في المستقبل من ناحيه اخري؟ اخير هل سيلعب صندوق النقد الدولي وظيفه مقرض الملاذ الاخير؟
ضمن هذا السياق توقف الكتاب عند حقيقه مفادها , محدوديه قدرات الولايات المتحده الاميركيه, ومجموعه البلدان السبعه في تنفيذ الاصلاحات المعلنه, حيث ان التغيرات في النظام الاقتصادي الكوني تستلزم اشراك مجموعه اكبر من البلدان بما في ذلك بلدان مثل البرازيل ,الهند ,الصين وروسيا وغيرها من بلدان اخري من مجموعه ال(20).
هذا ويتطلب تعظيم دور هذه البلدان,وتفعيل دورها في قياده الاقتصاد الكوني ,علاوه علي الموسسات الماليه العالميه مثل الصناديق الماليه السياديه والمستقله ومراكز الماليه الموطنه مناطق حره كذلك تحادات العملات العالميه وغيرها .
طرح الكتاب في ملاحظاته الختاميه نظره مستقبليه للاقتصاد العالمي , حينما تم ابراز المخاطر المحتمله التي تهدد الاقتصاد العالمي ,رغم الدلائل المنظوره وللوهله الاولي في حل وحسم الازمه الحاليه ,مع ذلك تظل حاله عدم يقين شديده بالاخص بما يتعلق با لعوامل التي يمكنها ان تلعب دورا حاسما في صعود او هبوط معدلات نمو الاقتصاد العالمي من ناحيه, والنظام المالي الكوني من ناحيه اخري؟
هل سيتمكن الاقتصاد العالمي من تحقيق معدلات نموه السابقه وفي فتره زمنيه سريعه ؟ ام هناك لاتزال امام العالم سنوات عجاف ,وفتره انتظار قد تطول لعقود طويله ؟
هل ستساهم السياسيات النقديه السخيه التي تم تبنتيها من قبل البنوك المركزيه والحكومات في وضع اللبنات الجديده لفقاعات مضاربيه قادمه ؟ كيف سيتم التعامل ومعالجه الديون الضخمه المتراكمه التي تولدت بسبب الازمه ؟ ماهي البلدان والحكومات التي ستقوم في اعتماد سياسيه نقديه تضخميه من اجل اطفاء ديونها؟ ,هل ستشكل سياسيه الانكماش خطرا كبيرا علي حركه الاقتصاد العالمي ؟ ما هو مستقبل العولمه واقتصاد السوق ؟ هل سيميل البندول نحو تدخل حكومي اوسع في الاقتصاد والمال وماهي تبعات ذلك ان حصل مثل هذا التدخل الواسع والكبير ؟ من ناحيه طرح الكتاب الحوار والجدل حول مستقبل الولايات المتحده الاميركيه والصين ؟ هل قاربت اميركا حافه التراجع والهبوط .. هل المستقبل سيكون حصرا للصين . بالطبع لاتوجد اجابات قاطعه حول هذه التساؤلات وتم بهذا الخصوص طرح اراء وسيناريوهات عديد ومختلفه .
اضافه طرحت في هذا الفصل الاخير تساؤلات قائمه غير محسومه منها :
*هل العولمه الواسعه ستعمل علي زياده او تقليل احتمالات حدوث الازمات مستقبلا؟
*كيف يمكن معالجه او ازاله حاله الاتوازن العالمي الذي بدوره قاد الي نشوء الازمه ؟
*هل يمكن اصلا ح الراسماليه الكونيه ؟
ان الاجابه علي التساؤلات في المستقبل لتستلزم مراجعه الماضي حسبما اكده الكتاب حيث ان التجارب التاريخيه المتراكمه تشكل عنصرا هاما ومفيدا في هذا المضمار .
ضمن هذا السياق طرحت مقولات من كينز في عام 1933" حينما قال "ان وقوع العالم والاقتصاد العالمي في احضان الراسماليه الفرديه والعالميه المتفسخه بعد الحرب العالميه الاولي يعتبرليس فشلا بل اخفاق الراسماليه بالالتزام بسماتها الجميله وابدعاتها الذكيه وحسناتها . هكذا ظلت قد لاتعجب الجميع, بل ربما بدء كثيرون تدريجيا في بغضها... مع ذلك تظل الاجابه عصيه , حينما يطرح السؤال عن البديل عنها , او ربما يظل الجميع في حيره او بل عاجزون عن توفير اجابه مطلوبه مقنعه حول ذلك "
لقد حاول الكتاب تجاوز القصورهذا , حينما سعي في تقديم مساهمه جاده في هذا المجال مستهدفا توفير التفسيرات الضروريه حول ضروره اصلاح الراسماليه التي ارهقت عالمنا المعاصر بكثره من ازماتها المتتاليه , وتخلت عن الامساك بتلابيب وعودها في الاستقرار والموثوقيه .
ففي حين ان اصلاحات اقتصاد السوق في عديد من البلدان الناهضه قاد الي انقاذها والقضاء علي الفقر والتخلف المستوطن , نمت بذات الوقت وتيره حدوث الازمات الماليه والاقتصاديه, سواء في البلدان الناهضه والصناعيه علي السواء. الكتاب عرض لنا ليس فقط الفوضي التي يعيشها العالم ,بل حاول ايضا تبيان كيفيه الخلاص من ذلك نهائيا .


تمت المراجعه من الكتاب الصادر باللغه الالمانيه والموسوم:
Das Ende der Weltwirschaft und ihre Zukunft
Crisis Economics
By Nouriel Roubini and Stephen Mihan
Goldman 2010