هل نقتل زياد العليمى؟!


سعد هجرس
2012 / 2 / 22 - 17:21     

لست من أنصار "شخصنة" الشأن العام، أو تعليق شماعة خطأ السياسات العامة فى رقبة كبش فداء واحد. أو حتى عدد من "الكباش".
وأنتمي بالمقابل لمدرسة تركز اهتمامها على تحليل مضمون الخطاب، أو الخطابات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحديد الموقف منها – بالتأييد أو الرفض – بناء على هذا المضمون.
وإذا كنت أستهجن "شخصنة" ما هو "عام" فما بالك إذا اقترنت هذه الشخصنة بالتجريح والسباب؟!
هنا يزداد الطين بله كما يقال، وتتحول السياسة إلى مهاترات وإسفاف رخيص، وفى الأغلب الأعم تغيب الحقيقة وسط هذه "المشتمة"، ويختفى صوت العقل وتحتجب لغة الحوار، وفى الأغلب الأعم أيضاً يتم تمرير أجندات خفية تحت سحب دخان هذه المهاترات الكلامية والهابطة.
وقد تعودنا فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك على هذا النوع من التراشق غير العفيف، وابتلينا بعدد لا بأس به من هذه النوعية من "الشتامين" وبخاصة تحت قبة مجلس الشعب أو فى الصحافة والتليفزيون.
وتصورنا أنه مع سقوط رأس نظام تحالف الاستبداد والفساد ستتلاشى هذه النوعية تلقائياً.
ولكن التجربة المريرة أثبتت لنا أن فصيلة المنافقين التى تعرض خدماتها على كل حاكم فى كل العصور لا تموت بل إنها لها قدرة فائقة على التلون حسب متطلبات كل زمان وكل مكان شأنها شأن الحرباء.
وأمر هذه الفصيلة من "المتحولين" مفهوم، لأنها باختصار فئة انتهازية تضع نفسها فى خدمة أى صاحب سلطان، طالما أنها تتقاضى الثمن.. نقداً أو عيناً.
لكن من المؤسف أن تنتقل عدوى أسلوب هذه الفصيلة الشتامة إلى الضفة الأخرى من النهر، وإلى أشخاص محترمين وحسنى التربية والخلق، من أمثال النائب الشاب زياد العليمى الذى أحترم مسيرته النضالية ومواقفه السياسية قبل وبعد جلوسه تحت القبة.
وأسفت أشد الأسف أن ينزلق "زياد" إلى استخدام ألفاظ غير مهذبة ولغة غير موضوعية فى معرض تناوله للشأن العام. وليست المشكلة هى فقط استخدام هذه النوعية المرفوضة من المفردات ضد شخصية عامة مثل المشير، بل أيضاً استخدامها ضد أى شخص.
وكانت صدمتى أن يأتى استخدام هذا القاموس على لسان "زياد" بالذات، فهو أولاً شخص ناضج سياسيا ويعرف قبل غيره أن الصراع السياسى يجب عدم ابتذاله، وأن الخروج عن الموضوعية فى السجال السياسى يخدم الخصم أولاً وأخيراً.
وهو ثانيا شخص عف اللسان، وأنا أعرفه منذ طفولته وأعرف والدته وهى بدورها مناضلة وزميلة محترمة بالغة التهذيب كما عرفت والده (رحمه الله) مناضلاً وزميلا محترماً، وعرفت جده أيضاً الذى كان قدوة كفاحية وأخلاقية.
فهو إذن شخص حسن التربية، ورغم حداثة سنه فإن له تاريخاً نضالياً مشرفاً.
ومن المؤسف لشخص بهذه الخلفية السياسية والشخصية المحترمة أن يتم استدراجه إلى زلة اللسان المشار إليها.
لكن لا يجب أن يكون ذلك مسوغاً لاغتياله معنوياً، وكأن البعض كان يتربص له منتظراً هذه الهفوة لتقييده والتنكيل به.
والمأمول من مجلس الشعب، وهيئة مكتبه، النظر إلى هذه الاعتبارات، وألا تضع نفسها – بالمقابل – فى موضع التنكيل السياسى بأحد خصوم الأغلبية الإسلامية بالمجلس، وأن تضع فى اعتبارها كذلك أن التجاوز اللفظى تم استخدامه تحت القبة بصورة أكثر حدة ووصل إلى حد اتهام شخصيات مصرية محترمة بـ "العمالة" و "الخيانة".
فلماذا يتم الترصد لزياد العليمى ومحاسبته حساب الملكين لتجاوزه فى حق المشير وغض البصر عن أولئك الذين مارسوا تجاوزا أنكى وأضل سبيلاً ضد شخصيات مصرية كبيرة؟!
أليس من حق الناس ان ينظروا إلى مثل هذه الممارسات على أنها شكل من أشكال سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير التى نربأ بمجلس الشعب أن ينأى بنفسه عنها؟!

***
وإذا كنا نرفض الاساءة إلى شخص المشير، فلماذا لا يتم أيضاً رفض الاساءات التى وردت على لسان شخصيات تنتمى إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى حق شخصيات وطنية مصرية، وحركات سياسية وطنية، وقد وصلت هذه الاساءات كما هو معروف إلى حد الاتهام بالخيانة الوطنية .. دون سند أو دليل، كما تم تشويه الثوار والخلص المتعمد بينهم وبين البلطجية.

***

فإذا كنتم تريدون محاكمة زياد العليمى.. فحاكموا كل هؤلاء. وإلا فإن الأغلبية الإسلامية فى مجلس الشعب تضع نفسها خارج دائرة العدالة .. والنزاهة .. وهذا مالا نتمناه.